سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في أفق المؤتمر الثامن للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات :في الورقة السياسية فتح نقاش رصين ومتحرر من كل أحكام مسبقة حول منظومة الإرث ومراجعة شاملة لمدونة الأسرة
صادق أعضاء المجلس الوطني للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات ، بالإجماع، على مشروع الورقة السياسية وورقة القوانين والأنظمة والقانون الأساسي في آخر دورة لها بالرباط، في أفق المؤتمر الوطني الثامن التي اختار لها شعار : تحرر- مساواة – عدالة أيام 6 – 7 – 8 أكتوبر 2022 بالمركب الدولي للطفولة والشباب ببوزنيقة . ولأهمية هذه المقررات ننشرها كالتالي : في المراجعة الشاملة لمجموعة القانون الجنائي تعتبر مجموعة القانون الجنائي أحد الركائز الأساسية لبناء دولة الحق وسيادة القانون وهي الضامن الأساس لبناء مجتمع يطمئن فيه المواطنون والمواطنات على شروط عيش كريم، بل هي الضمانة الجوهرية للحقوق والحريات مع استحضار العلاقة الوثيقة بين حقوق الإنسان والتنمية. وبالنظر لكون القانون الجنائي هو الذي يحدد تخوم الحقوق والحريات في كل بلد، سواء منها الفردية أو الجماعية، كما يحدد ما يعتبر جريمة ويحدد كيفية ردعها عبر تخصيص عقوبتها، فهو بالتالي يحدد طبيعة المجتمع والدولة؛ وطبيعة النظام السياسي من خلال رسم دوائر الحرية ومساحاتها للأفراد، ونطاق تدخل الدولة فيها؛ بمعنى يحدد طبيعة العقد الاجتماعي في كل بلد. وبناء عليه، فإن أحد المطالب الأساسية للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات تتمثل في أولوية إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع، والمجتمع والدولة، بشكل يراعي التوازن بين المصلحة العامةالقائمة على حفظ كيان الدولة والمجتمع، والمصالح الخاصة من خلال حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الفردية والجماعية، وهو ما يستدعي إعادة النظر في مفهوم النظام العام، لكي ينسجم والتحولات التي طرأت على منسوب الوعي عند المواطنات والمواطنين وتطلعاتهم، بما يستتبع إعادة النظر في الإطار القانوني للحريات العامة، وإعطاء الفرد المكانة التي يستحقها كذات واعية ومسؤولة تتمتع بدائرتها الخاصة التي يجب أن يكفل لها في إطارها ممارسة حقوقها وحريتها الفردية دونما تضييق، في إطار الضمانات التي يوفرها دستور المملكة وتكرسها المعايير الدولية لحقوق الإنسان وارتباط ذلك بالحقوق الإنسانية الأساسية للنساء وتحديدا تحقيق المساواة والمناصفة والعدالة الاجتماعية مع العمل على إرساء قانون جنائي ، تشكل هذه الحقوق احد دعاماته الأساسية ومسطرة جنائية واقية وحامية من أي شكل من اشكال التمييز والعنف ضد النساء. وعلى أبواب «تبشير» بمراجعة شاملة لمجموعة القانون الجنائي، فإن المشرع الجنائي مطالب اليوم باستحضار مبدأ المساواة وعدم التمييز في ثنايا القانون الجديد، سواء في شق الإجراءات أو العقوبات، وهذا يقتضي «تطهير» الترسانة القانونية الجنائية من كل المقتضيات والعبارات التي تعتبر مسا بحق المرأة المغربية في التعامل على قدم المساواة مع الرجل، إضافة إلى سن ما يستلزم من الإجراءات والمقتضيات التي تناهض كافة أشكال العنف والإقصاء المشرعنين ضدها. القانون الجنائي اليوم مطالب بتحديد الجريمة والعقاب من خلال الاحتكام للممنوع والمباح من منطق المساس بالنظام العام؛ أي بسبب «ما تحدثه من اضطراب اجتماعي» (الفصل 1 من ق ج م)، في الوقت ذاته الذي تبقى فيه الحياة الخاصة للأفراد دائرة سيادية لهم طالما لا تمس بدوائر الآخرين، وبالتالي فالمشرع الجنائي مطالب بتنقيح المتن الجنائي من كافة النصوص «المعلقة التنفيذ»، طالما أنها أطرت لظواهر طبَّع المجتمع مع وجودها دون أن تكون لهذا المشرع جرأة رفع التجريم عنها، وهي تشكل حطب الجدالات الإيديولوجية كلما جاء سياق تعديل القانون بما يجيب على واقع المجتمع، فيحضر الحلال والحرام ليفرغ القاعدة القانونية من دلالاتها، خاصة في المادة الجنائية التي ارتكنت منذ 1962 لمرجعية وضعية. إن بقاء هذه النصوص «المعلقة التنفيذ»، أو بالأحرى الجرائم التي يؤتيها أغلب المغاربة، باختلاف مواقعهم وأعمارهم، دون أن يعاقبوا عليها بحكم التطبيع معها، تعتبر تكريسا للنفاق الاجتماعي، ودوسا على قداسة القانون، وترددا في التفاعل مع الواقع بالجرأة المطلوبة. لذلك يبقى المشرع الجنائي مطالبا بإعادة النظر في الإطار القانوني للقضايا المصنفة ماسة بنظام الأسرة والأخلاق العامة، باستحضار التحولات القيمية للمجتمع، وما حملته الثورة الرقمية من منافذ وتهديدات جديدة للمساس بحقوق الأفراد وحرياتهم خاصة النساء والأطفال، مما يتطلب إقامة فصل واضح بين ما ينتمي إلى القانون وما ينتمي إلى الأخلاق العامّة، أي بين ما هو ممنوع لمساسه بالنظام العام وبين ما ينتمي إلى الحياة الخاصّة للمواطنين ويجب على الدولة كف يدها عن التلصص عليه. وبناء على ما سبق، فالجرائم المرصودة اليوم والتي تكون من نتائجها حملا غير مرغوب فيه، تحتم إيجاد إطار قانوني جديد للتوقيف الإرادي للحمل، حماية لحق الأم والطفل معا في شروط حياة كريمة، وحماية للمجتمع من عاهات مضرة به (الأطفال المولودين إثر حوادث اغتصاب خاصة عندما يكون المغتصب «محرما»…). كما تحتاج وقائع من قبيل «هتك العرض»، و«الاغتصاب»، و«الفساد» و«الخيانة الزوجية» لإعادة النظر في أحكامهما، ورفع التمييز الذي يعتري المقتضيات المنظمة لهما، حماية للأفراد والمجتمع، مع توفير المقتضيات الحمائية اللازمة للنساء الضحايا للقطع مع مفهوم «الضحية المذنبة» الذي يصم المرأة متى كانت ضحية لهذا النوع من الجرائم، وخاصة عندما تكون قاصرا، وهو ما يحتم اعتبار اصطلاح الطفل في القانون الجنائي مرتبطا بثمان عشرة سنة، وليس متذبذبا بين خمسة عشر وثمانية عشر سنة. ورغم أن القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، لم يمض على دخوله حيز التنفيذ أكثر من أربع سنوات ،وبما هو تعديل جزئيي لفصول من القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، إلا أنه أثبت محدوديته وقصوره في معالجة هذه الظاهرة ومحاربتها يتضح ذلك من خلال: عدمتبني هذا القانون للتعريفيات الدولية المتعلقة بالتمييز ضد المرأة والعنف القائم على النوع الاجتماعي و الممارسات الضارة و الاستغلال الاقتصادي الى اخره ، مما يترك سلطة تقديرية واسعة للمسؤولين على تطبيقيه في سياق مجتمعي مشبع بثقافة ذكورية، وبذلك يتم غض الطرف على الإكراهات المجتمعية المطبعة مع العنف ضد النساء والتي تجعل الضحية تحت وطأة الضغوطات المختلفة؛ ترك القانون إمكانيةتنازل الضحية عن الشكاية هو ما يعد ضرب لدور النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية والتي تشكل ضمانا لعدم الإفلات من العقاب، أبقى القانون 103.13 على وسائل الإثبات التقليدية رغم خصوصية هذا النوع من الجرائم خاصة عندما تتم في بيت الزوجية، ناهيك عن اعتماده مفاهيم فضفاضة وغامضة، من قبيل «التحرش»، تترك باب السلطة التقديرية للقضاة مفتوحا على مصراعيه، وبالتالي تصبح مرجعية القاضي عاملا حاسما في إنصاف الضحية من عدمه، يعتمد نهجا عقابيا يتمثل في زيادة الغرامات وعقوبات السجنبدلا من المنع ( تخصيص مادة واحدة فقط لذلك )، وحماية الضحايا والتكفل بهن؛ يستبعد أي إمكانية لاستصدار أمر حماية في سياق التدابير المدنية ويحصر تنفيذ أوامر الحماية لفائدة الضحية في حالات المتابعة الجنائية للمعتدي. لا يأخذ في الاعتبار معيار « العناية الواجبة « الذي يتطلب من جميع السلطات المعنية التحقيق ومعاقبة المعتدين وإصلاح الأضرار التي لحقت بالضحايا؛ ينص على ثلاث مواد جديدة في القانون الجنائي (المواد 481-1 و 503-2-1 و 526، والتي تسمح بالإلغاء التلقائي لجميع المتابعات القضائية في حالة سحب الضحية لشكواها، مما يسمح بتشجيع الضغط الاجتماعي على ضحية العنف. لا ينص على قلب عبء الإثبات، لا سيما بالنسبة لجرائم مثل الاغتصاب أو التحرش الجنسي، والتي لها تأثير رادع على الضحايا في مرحلة تقديم الشكوى؛ يتسم القانون 103.13 بمحدودية آليات الحماية والتكفل بالنساء ضحايا العنف وعلى رأسها توفير مراكز الإيواء للنساء المعنفات، والمتابعة النفسية للناجيات وهي المهمة التي اضطلعت بها دائما منظمات المجتمع المدني التي لم ينفتح عليها القانون المذكور، هو ما يقتضي مراجعته بشكل جذري. أما على مستوى المسطرة الجنائية، فاستحضار المبادئ الموجهة والمتمثلة أساسا في الشرعية وقرينة البراءة والمساواة واستقلال القضاء واحترام الكرامة الإنسانية وحقوق الضحايا والحق في المحاكمة العادلة، تقتضي استدعاء مقاربة النوع الاجتماعي بشكل دائم ومستعرض، مع ضرورة الانتباه إلى أن الولوج للعدالة ليس دائما متاحا للنساء، مما يكون معه من الواجب إقرار تدابير خاصة لتمكينهن من الاستفادة من نظام المساعدة القضائية. إن مطلب قانوني جنائي مبني على المساواة وداعم لها يندرج في إطار مسار بناء دولة القانون التي شكلت أفق النضال الاتحادي؛ الدولة القوية بمؤسساتها، والقادرة على ضمان احترام الحريات الفردية والجماعية، واحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا، وفي صلبها الحق في محاكمة عادلة عند اقتراف ما يعتبر خروجا عن النظام العام، أساسها قانون عقوبات واضح بفلسفة واضحة محورها الإنسان وكرامته، والمجتمع وأمنه؛ هي الدولة العادلة التي « تعمل على توفير فرص متكافئة لنجاح كل مواطنيها سواء تعلق الأمر بصحتهم أو تعليمهم أو متطلباتهم الأساسية»(الأرضية التوجيهية للكاتب الأول الاخ ادريس لشكر ماي 2020)، وعلى رأسها قانون جنائي مبني على المساواة وداعم لها. في الحاجة لمراجعة شاملة لمدونة الأسرة تكتسي مدونة الأسرة أهمية بالغة مادامت تنظم العلاقات في الخلية الأساس للبناء المجتمعي، والقناة الأساس للتنشئة الاجتماعية، والحصن الحصين لهوية المجتمعات؛ الأسرة. وإضافة إلى أهميتها فهي تكتسي نوعا من الخصوصية ما دامت تمثل النص القانوني الذي يحتكم إلى ثنائية المرجعية: الشرعية والمدنية معا، وهو ما يجعل مطلب مراجعتها ، محور تدخل الفاعل(ة) الديني والسياسي على حد سواء، رغم أن الإشارات التي صاحبت إقرار المدونة سنة 2004، بإحالتها على البرلمان، كانت دالة في هذا الباب، بما رتبته على عاتق المشرع من مسؤولية مباشرة في النظر في هذا النص التشريعي وعدم الاختباء وراء الاختصاص الملكي في هذه المادة، كما يستشف من جواب السيد وزير العدل عن سؤال مراجعة المدونة أمام الغرفة الأولى بتاريخ 27 يونيو2022، والذي يعكس «جبنا» سياسيا تجاه نص قانوني يولد حالة استقطاب مجتمعي حاد بين مد محافظ له تاريخ طويل في مناهضة كل توجه نحو المساواة بين الرجال والنساء، ومد حداثي يعتبر هذا الأمر في صلب قناعاته، وهو النص ذاته الذي ورد في ديباجته أن المشروع الذي يقوده ملك البلاد منذ اعتلائه العرش هو»المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي»، القائم على «النهوض بحقوق الإنسان…ومن ذلك إنصاف المرأة وحماية حقوق الطفل، وصيانة كرامة الرجل، في تشبث بمقاصد الإسلام السمحة، في العدل والمساواة والتضامن، واجتهاد وانفتاح على روح العصر ومتطلبات التطور والتقدم»، تجسيدا «للإدارة العامة للأمة»، وهو ما سيعيد تأكيده في خطاب العرش الأخير بقوله» والواقع أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها. فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال.لذا، نشدد على ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية، كما يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات ، التي أبانت عنها التجربة ، ومراجعة بعض البنود ، التي تم الانحراف بها عن أهدافها ، إذا اقتضى الحال ذلك»، انطلاقا من القناعة التي كونها، في التقاط لمطالب الحركة النسائية التي تعكس دينامية المجتمع ووضع المرأة فيه قائلا» وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛ لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها»( خطاب العرش 2022). وبالفعل، فإذا كنا في المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات نعتبر أن مدونة الأسرة لسنة 2004، والتي شكلت حينها ثورة هادئة فيما يتعلق بتكريس الحقوق الإنسانية للنساء والاعتراف بدورهن الأساسي في الأسرة وفي المجتمع، قد جاءت بمجموعة من المكتسبات للأسرة المغربية، من قبيل المسؤولية المشتركة، على قدم المساواة بين الزوج والزوجة، في رعاية الأسرة، وحق الراشدة في تزويج نفسها، والتأسيس لإمكانية التعاقد بشأن تدبير الأملاك المكتسبة خلال فترة الزواج، وتقييد التعدد، وجعل الطلاق حقا متاحا للزوج والزوجة على حد سواء وتوسيع حق المرأة في طلب التطليق، إلا أن مجموعة من المقتضيات فيها لازالت تحمل نفحة تمييزية ضارة أو منتقصة من مركز المرأة، إضافة إلى أن العديد من المكتسبات التي أتت بها شابتها اختلالات في التنزيل، لذلك تعتبر مراجعة مدونة الأسرة ضرورة ملحة، بما يحمي حقوق الأطراف جميعها، خاصة النساء والأطفال. وهكذا لازالت الولاية الشرعية على الأبناء تقيم تمييزا بين الوالدين حيث تعتبر حقا حصريا للأب، ولا يمكن أن تنتقل إلى الأم إلا في حال غياب الأب أو وفاته (م236 و238)، وهو الأمر ذاته الذي ينسحب على الحضانة التي تعلق على شرط عدم زواج الأم المطلقة، وإلا آلت للأب ماعدا في حالات معدودات (م 175). في حين أنه عندما تؤول الحضانة للأب فإن زواجه للمرة الثانية لا يسقط عنه الحضانة، بما يكون معه من اللازم إعادة النظر في هذه المقتضيات بما يحصن حق الأم في الحضانة وجعل المقتضى الوحيد الذي يمكن أن يرتكز عليه في هذه المسألة هو المصلحة الفضلى للطفل. إن هذا التمييز بين الأب والأم في مسألة الولاية يمس بشكل كبير مصالح الأبناء وحقوقهم كلما تعلق الأمر بإجراءات إدارية على بداهتها، من قبيل تغيير المؤسسة التعليمية، ويصبح الأمر غاية في التعقيد في حال انفصام عرى العلاقة الزوجية، حيث تصبح موافقة الطليق على مباشرة مصالح المحضون شرطا للأم الحاضنة، وهو ما يجعل الطفل رهينة في معظم الحالات بما لا ينسجم وإعمال المصلحة الفضلى للطفل في هذا الباب. وفي ظل البنية المجتمعية الحالية الموسومة بضعف التمكين الاقتصادي للنساء واستمرار البنية القائمة على وضعية التبعية الاقتصادية للرجل أبا كان أو أخا أو زوجا، وفي انتظار تحقيق المساواة الكاملة في الولوج للموارد، وخلق الثروة بالنسبة للنساء، تبقىالنفقة من القضايا المثيرة للمفارقات في المجتمع المغربي، إذ في الوقت الذي تشير فيه مجموعة من نصوص المدونة إلى النفقة الواجبة على الرجل تجاه الزوجة ( 194-195-196)، والأولاد (198-202)، مع استثناء عجز الزوج ويسر الزوجة (199)، فإن الإحصاء العام للسكان سنة 2014 أثبت أن 16.2 بالمائة من الأسر المغربية تعولها نساء، وهوما كرسته تداعيات الجائحة على الوضع الاقتصادي للنساء . ويسائل فعلية النفقة المنصوص عليها في مدونة الأسرة من جهة، كما يطرح مجموعة من الإشكالات المرتبطة به من قبيل طول المساطر وتكلفة رسوم التقاضي، ومشاكل تبليغ الأحكام بالنسبة للنساء المتقاضيات ثم بعد ذلك نتفيذها، ناهيك عن هزالة المبالغ المحكوم بها والمرتبطة عادة بإلقاء عبء إثبات مداخيل الزوج، الذي عادة ما يخفي وضعه المادي الحقيقي بطرق ملتوية، على الزوجة ،في الوقت الذي يجب على الدولة توفير آليات إجراء البحث الاجتماعي من أجل إثبات الدخل وإنصاف المرأة والأبناء خاصة مع الانتقال الرقمي المأمول في البلد، بحيث تبقى شروط الحياة الكريمة للأبناء متوفرة تحت إشراف الأبوين ومسؤوليتهما المشتركة، وهنا لا بد من إعادة النظرفي وظيفة صندوق التكافل العائلي وآلية عمله وشروط الاستفادة منه والتي أثبت التجربة صعوبتها وتعقدها بما جعله إطارا لا يتسع لما أوكل إليه بفعل تعقد المساطر. وفي إطار الحقوق الاقتصادية المهدورة للنساء في مؤسسة الزواج، والتي تفرض نفسها بقوة عند انحلال هذه الرابطة، يأتي تدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الحياة الزوجية والذي عالجته المادة 49 من المدونة بما أتاحته من إمكانية مفتوحة لتأطير هذا التدبير بتعاقد عادة ما تحول التقاليد والأعراف دون العمل به، لأن المشرع لم يحطه بالإلزامية، كما أن المادة لم تميز بين نظام الأموال المكتسبة، ونظام الكد والسعاية بما هو ضمان لحقوق المرأة في تنمية الأسرة بمقتضى ما تبذله من جهد في رعاية أفرادها، وتنشئة أطفالها وهو ما لا يدخل في العمل المأجور، ولا في الموارد التي تعتبر جزءا من الأموال المكتسبة سواء أثناء الزواج، أو بعد الانفصال بالنسبة للأم الحاضنة. إن المكانة الخاصة للزواج في المجتمع، والتعريف الذي أعطته إياه مدونة الأسرة باعتباره «ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين» (م4) يسائل مجموعة من الظواهر التي لازالت قائمة ومترسخة لدى العقليات السائدة للعديد من الاسر المغربية، ونقصد هنا ظاهرة تزويج الطفلات (م20-21-22) والتي تناقض المادة 19 من نفس المدونة، والتي مهما بلغت المبررات المقدمة بشأنها سواء ما تعلق منها بالأعراف والتقاليد عبر ربوع الوطن، أو بالظروف الموضوعية او الاجتماعية التي تعيش فيها الاسر وتكرس إعادة انتاج ظاهرة تزويج القاصرات مما يضرب في العمق حقوق الطفلات في التربية والتعليم والاندماج الاقتصادي والاجتماعي. إننا كنساء اتحاديات، اذ نتبنى التعريف الأممي للطفل(ة) باعتباره إنسان أولا، يتوجب على الدولة والمجتمع والأسرة توفير كافة الوسائل و الإمكانيات المادية و اللامادية لتمتعه(ا) بحقوقه(ا) كاملة وعلى رأسها الحق في تعليم بمقومات الجودة والانصاف وتكافؤ الفرص لتأهليه جميع أطفال المغاربة إناثا وذكورا لصنع المستقبل و الإسهام في تنمية المجتمع، و من تم فإن تزويج الطفلات هو إجهاز على حقهن في النمو السليم والتفتح الإيجابي والحق في الاختيار، والتمتع بكافة الحقوق الأممية و المنصوص عليها في الدستور لصالح الطفل(ة). إن الاستمرار في تكريس مقتضى تعدد الزوجات بشكل صارخ وبممارسات تقوم على تحايل على القانون والضغط على الزوجة الاولى من أجل الموافقة وهذا يعد في حد ذاته شكل من أشكال التمييز وانتهاك الحقوق الإنسانية للمرأة، ومن هنا مازال سؤال التعدد يثير العديد من المطارحات بين من يتشبث بحرفية النص، و بين من يفتح باب الاجتهاد التنويري القائم على العدل كقيمة عليا مؤطرة لمضمون النص ،في ضوء التطورات التي تعرفها المجتمعات و الأسرة كمؤسسة تنهض بوظيفة التنشئة التربوية والثقافية في أبعادها الحقوقية، إذ على أهمية ما نصت عليه المدونة (موافقة الزوجة)، بحيث افرزت العديد من الحالات القضائية على انتشار مظاهر التدليس والتحايل والتزوير للالتفاف على تطبيق الحق الشرعي للزوجة الأولى في قبول الأمر من عدمه، ناهيك عن الاثار المترتبة عن تعدد الزوجات على الأوضاع الأسرية المادية والاجتماعية والنفسية خاصة على الأطفال والنساء موضوع التعدد ويزداد الأمر استفحالا حينما تطال هذه الظاهرة الاسر التي تعيش أوضاع الفقر والهشاشة. مما يلزم معه وضع إجراءات صارمة على مستوى الاجتهاد في التطبيق. كما شكلت المادة 16 بخصوص ثبوت الزوجية، منفذا للتحايل على القانون، بل غدت سببا لتشجيع عدم توثيق العلاقات «الزوجية» عوض أن تكون آلية انتقالية للقطع مع الظاهرة، تحولت العلاقة بين النسب/ الابن المترتب على علاقة زوجية، إلى العلاقة الزوجية التي أصبح يثبتها وجود ابن من علاقة غير موثقة. وبالرغم من تخويل المشرع للمرأة الحق في التطليق الشقاق بإرادتها الا أنه بمجرد سلوك المرأة لهذه المسطرة تتجرد من جميع حقوقيها وتتنازل عليها لصالح الرجل من أجل إنهاء العلاقة الزوجية، على الرغم من طول مدة الزواج التي ساهمت الزوجة في تحقيق مكتسبات مالية مهمة مع الزوج الا انها تحرم منها حالة غياب عقد اتفاقي حول تقاسم الممتلكات. ومع تعقيدات الظواهر السالفة، أصبحت قضايا النسب تطرح نفسها بإلحاح، إذ أن تنامي ظاهرة المولودين خارج مؤسسة الزواج، يسائل المنظومة القيمية في المجتمع بصفة عامة، بقدر ما يستدعي إجراءات إدارية لضمان اندماج هذه الفئة في المجتمع دونما جروح. ولأن واقعة الولادة في بعدها البيولوجي تتطلب انخراط ذكر وأنثى في العملية، فإن منطق الأشياء يستدعي ترتيب المسؤوليات على الأطراف جميعها في نتائج هذه الواقعة، بما يكون معه اليوم من الواجب على المشرع التوفر على الجرأة الكافية لاعتماد الخبرة الجينية، التي يلجأ لها في القضايا الجنائية وترتب عليها العقوبات التي تصل إلى الإعدام دونما تشكيك أو مراوغة، في إثبات بنوة الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج ضمانا لحقوقهم الأساسية وعلى رأسها حقهم في وضع اجتماعي غير مقص وفي نفقة تسد حاجاتهم الأساسية لا يعقل بحال من الأحوال أن تتحمل وزرها الأم وحدها. إن حجم المسؤوليات ودرجات الوصم والإقصاء الذي تواجه به «الأم العازبة» وأبناؤها، يؤكد ما دعونا إليه بصدد تعديل القانون الجنائي في تأطيره لنتائج الممارسة الجنسية خارج إطار الزواج، وترتيب الآثار على الأطراف بشكل يضمن المساواة بين الرجال والنساء، والإنصاف للأطفال الذين يخرجون إلى الحياة بمناسبتها بدل الاختباء وراء تأويلات لنصوص شرعية لا تتماشى ومقاصد الدين الإسلامي في إقامة مجتمع عادل. وهو الأمر ذاته الذي يتكرر عند إثارة منظومة الإرث وضرورة إعادة النظر فيها، خاصة مع التطورات الواقعية والاجتهادات الفقهية التي لم تعد تسمح بالتمييز في حق المرأة في التوارث، سواء ما تعلق منه بالتعصيب الذي يخرج من دائرة «الأحكام القطعية»، أو التمايز بين الذكور والإناث والمبني على أسباب انتفت مع واقع اليوم بناء على كون «الأمور بمقاصدها»، وبذلك، فلا بد اليوم من فتح نقاش هادئ ورصين ومتحرر من كل أحكام مسبقة حول منظومة الإرث؛ نقاش يجيب على أسئلة الواقع المغربي وإكراهاته، ويستحضر مبادئ العدل والمساواة والإنصاف. إننا نعتبر، في المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات، أن إرساء قواعد منصفة لتأطير العلاقات الأسرية هو أحد مداخل البناء الديمقراطي في بلادنا، نظرا لتداعياته على سائر أوجه العلاقات والأنشطة في البلاد، وبذلك فإن مراجعة مدونة الأسرة يشكل مهمة وطنية مستعجلة، لا بد أن يواكبها تعزيز التربية على المساواة في صفوف منفذي القانون والمؤسسة القضائية ضمانا لتماسك مجتمعي أفضل. وإذا كانت الحكومات السابقة قد تعاطت مع مسألة مراجعة المدونة بمنطق انتقائي ضيق (تعديلات 2016)، جعل من القضية النسائية بؤرة لصراع سياسوي ايديولوجي يخدم أجندة انتخابية ضيقة تفصل بين قضية المساواة و بين البناء الديمقراطي بخلفية توظيف النساء ككتلة انتخابية، وليس كمواطنات فاعلات في المجتمع وفي تنميته، فإن الحكومة الحالية مطالبة بإعادة فتح هذا الورش الإصلاحي اعتبارا لكون مراجعة مدونة الأسرة فضلا على كونها دعامة أساسية للقضاء على كل أشكال التمييز والحيف ضد المرأة ، فإنها تعد رافعة للتمكين الحقوقي لنساء و للمواطنة الكاملة . إذن الأمر يتطلب من منظورنا الحزبي ومن موقعنا كحركة نسائية تؤمن بالتغيير والتطور لصالح المجتمع بكل فئاته، ضرورة توفر إرادة سياسية حقيقية لدى الحكومة لإنضاج شروط مراجعة حقيقية وشاملة تمثل أساسلإصلاح لمدونة الأسرة، وهي مسؤولية مشتركة بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية، مع ضرورة تبني مقاربة تشاركية للتنظيمات النسائية والأحزاب التقدمية الوطنية التي تؤمن بالقضية النسائية. المحور الثاني: المشاركة السياسية للنساء في المؤسسات المنتخبة ومواقع القرار: السقف الزجاجي الذي يجب تجاوزه إذا كانت المشاركة السياسية هي مجموعة أدوار ومهام منوطة بالحياة السياسية لأي مجتمع تهدف إلى التأثير في عمليات صنع القرار كيف ما كانت طبيعته في ارتباط بقضايا الشأن العام، ومشاركة المواطنات والمواطنين في الإنجاز والتفاعل على مستوى الحياة السياسية،فإن المشاركة السياسية تصبح لصيقة بالأنظمة التمثيلية الديمقراطية، وتجسد مفهوم المواطنة التي تقوم على الحقوق المتساوية للنساء والرجال وإمكانية التمتع بها من دون أي تمييز كيف ما كانت طبيعته. ويمكن الإقرار بكل اعتزاز أن الاتحاد الاشتراكي منذ 1975 كان رائدا على مستوى تصوراته الفكرية والأيديولوجية والتنظيمية في جعل القضية النسائية مكونا أساسيا في التشكيلة الحزبية من خلال اعتبار القطاع النسائي رافدا أساسيا للحزب على مستوى الأداء والفعل والمبادرة السياسية النضالية حزبيا ومجتمعيا، إيمانا منه بأن التغيير المجتمعي لا يستقيم من دون المشاركة الفعلية والفعالة في الحياة السياسية والديمقراطية ببلادنا. وقد شكل تاريخ انطلاق القطاع النسائي الاتحادي عنوانا بارزا لحركية نسائية سياسية سيكون لها كلمتها على مستوى الفعل السياسي والتمثيلية المؤسساتية وبذلك سيشكل القطاع النسائي الاتحادي جسرا أساسيا لميلاد حركة نسائية متعددة الأقطاب سياسيا ومدنيا. ولعل ما تشهده الحركة النسائية اليوم من تنامي لقاعدتها وتعددية لمطالبها وتنوع في مكتسباتها يرجع إلى حد بعيد الى الدور البارز الذي لعبه الاتحاد الاشتراكي على مستوى اعتبار المشاركة السياسية للنساء بوابة لكسر السقف الزجاجي الذي طالما عرف هيمنة ذكورية لعقود. في نفس التوجه، ظلت المشاركة السياسية للنساء الاتحاديات تعرف تناميا ملحوظا بالنظر لقدرة الحزب الذاتية و المؤسساتية على الاستقطاب والتأطير والتكوين لفئات عريضة من المناضلات على مر السنين من شتى المجالات والتخصصات يشهد على ذلك التفاعل الدينامي للحزب في الحياة السياسية من خلال مطالبه بالمساواة والمناصفة في المشاركة السياسية والتمثيلية المؤسساتية الى اليوم. وقد شكلت فترة حكومة التناوب التوافقي على عهد المرحوم المجاهد عبد الرحمان اليوسفي محطة أساسية للرفع من منسوب المشاركة السياسية للنساء من خلال اعتماد نظام الكوطا. السؤال الذي يطرح نفسه:الى أي حد مثلت المشاركة السياسية للنساء نقطة قوة للتمكين النسائي من كافة الحقوق الأساسية في بلادنا؟وهل شكل الواقع الاجتماعي والموروث الثقافي عائقا أمام تحسين مؤشر المشاركة السياسية للنساء في تدبير الشأن العام؟ وكيف يمكن تقييم حضور النساء على مستوى القيادة ومراكز القرار؟ المشاركة السياسية للمرأة في المؤسسات المنتخبة: مسارشاق ورهانات كبيرة عرفت المشاركة السياسية للنساء منذ الاستقلال تطورا بطيئا، بالرغم من تأكيدأول دستور للمملكة 1962 والدساتير التي اعقبته على مساواة الرجال و النساء في التمتع بالحقوق السياسية إن على مستوى التصويت أو الترشيح، منذ اول انتخابات عرفها المغرب المستقل سنة 1963. إلا أن واقع الممارسة الانتخابية اتسم بمحدودية ولوج المرأة الى المشاركة السياسية الفعلية في ظل اكراهات ومعيقات ثقافية واجتماعية… شكلت سنة 1993 تحولا فارقا بدخول امرأتين من أصل 36 الى قبة البرلمان، لاعتبارات تتعلق: أولا بإيمان الأحزاب الوطنية الديمقراطية بضرورة إشراك المرأة في الحياة السياسية من موقع التمثيلية في المؤسسات المنتخبة. وثانيا بإقرار لنمط الاقتراع اللائحي الذي تعزز بتقديم لوائح انتخابية مشتركة بين قطبي المعارضة. في نفس التوجه ستعرف انتخابات 1997 مع تنامي المطالب النسائية في ظل الانتقال الديموقراطي الذي قادته حكومة التناوب التوافقي تزايد وتضاعف عدد الترشيحات النسائية (90). غير أن بداية الالفية ستدشن للمرحلة جديدة مع توفير ضمانات لتكريس حقوق الإنسان بالمغرب وتصاعد ديناميات التمكين القانوني لحقوق المرأة بنشر اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة بالجريدة الرسمية في 18 يناير 2001 ،وتعديل وإصدار عدة نصوص تشريعية رامت النهوض بأوضاع النساء. ضمن هذا المسار الإصلاحي شكلت سنة 2002 منعطفا فاصلا في مسار التمثيلية البرلمانية بتخصيص ثلاثين مقعدا لفائدة النساء لمجلس النواب، وبفضل هذا الإجراء أسفرت تشريعيات 2002 عن فوز النساء ب 35 مقعدا ثلاثون منها بموجب نظام الكوتا، وخمسة أخرى ضمن اللوائح المحلية بفضل تطبيق نمط الاقتراع اللائحي في الدوائر الكبرى، وهو ما أسهم في ارتفاع نسبة التمثيلية النيابية للنساء التي انتقلت من 0.6% إلى حوالي 11 %. وبذلك فإن الكوطا مثلت الية اساسية لدعم المشاركة السياسية للمرأة وللارتقاء بتمثيليتها على مستوى المؤسسات كما هو الشأن بالنسبة لانتخابات 2007. ويمكن اعتبار دستور 2011 محطة مفصلية في تقوية المشاركة السياسية ،وتوفير ضمانات توسيعها من منطلق التنصيص على المساواة بموجب الفصل 19 ، وسعي الدولة نحو تحقيق المناصفة. غير أن تحسن مؤشر التمثيلية النسائية الذي عرف تطورا ملحوظا منذ 2016 الى 2021 التي عرفت قوانين انتخابية جديدة استجابات في مجملها للانتظارات مطالب الأحزاب الديمقراطية والحركة النسائية ولضرورة توسيع دائرة التمثيلية مع حذف اللائحة للشباب وادماج البعد الجهوي بدل اللائحة الوطنية. في هذا الإطار يمكن الاقرار أن انتخابات 8 شتنبر2021 ، تعد من منظورنا مدخلا أساسيا لتعزيز تمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة ، خاصة وأن الاستحقاقات عرفت دينامية وتنافسا كبيرين على مستوى المجالس الترابية و مجلس النواب والتي أجريت في يوم واحد . وبذلك سجلت هذه الاستحقاقات تطورا ملموسا في تمثيلية النساء بمجلس النواب، بحصولهن على 96 مقعدا، تسعون منها ضمن حصة الكوتا والباقي خارج منطق المحاصصة. وإذا كانت نسبة تمثيلية المرأة بالغرفة الأولى قد سجلت نقلة نوعية (24.30 %) فإن نسبة البرلمانيات الناجحات عبر اللوائح المحلية عرفت تراجعا ملحوظا، مقارنة بتزايد الترشيحات النسائية التي تجاوزت نسبتها 34.2%.ضمن نفس المنحى، تزايد عدد المستشارات البرلمانيات إثر انتخابات 5 أكتوبر 2021، التي أسفرت عن فوز 14 مستشارة من بين مقاعد الغرفة الثانية البالغ عددها 270 مقعدا بمعدل قياسي يقارب 12 %. لم ينعكس تزايد عدد النساء بمجلس المستشارين على تمثيليتهن في أجهزته، وخاصة مكتب المجلس الذي لم يضم سوى مستشارة واحدة كأمينة للمكتب مقابل 10 مستشارين يتحكمون في الجهاز التقريري للغرفة الثانية، نفس الأمر ينطبق على رئاسة اللجان الدائمة للمجلس التي كادت تسند للرجال بشكل تام لولا إسناد لجنة الخارجية لممثلة الاتحاد العام لمقاولات المغرب. أما على مستوى حضور المرأة في السلطة التنفيذية فقد انتقلت نسبة النساء الوزيرات في الحكومة من 5.12% سنة 2000 مع حكومة التناوب إلى 12.5 % مع أول حكومة في ظل دستور 2011 إلى 16.7 % سنة 2019، وصولا إلى 28 % إثر تشكيل الحكومة المنبثقة عن اقتراع 8 أيلول/سبتمبر 2021، والتي ضمت ست وزيرات ضمن تركيبة حكومية تتألف من 25 وزيرا. إذا كان مسار المشاركة السياسية للمرأة قد عرف تطورا ملموسا بفعلتواتر المراجعات التي همت الترسانة القانونية للانتخابات، فإن واقع المشاركة على أهمية تطور منسوبها يطرح العديد من الاستنتاجات: أهمية تطوير الترسانة القانونية لتخويل النساء مشاركة واسعة في الحياة السياسية يعد ضرورة مجتمعية وحاجة ديمقراطية لتحقيق المساواة و المناصفة لصالح تطوير الديمقراطية ببلادنا، وانسجاما مع توجهنا الحداثي الديمقراطي نؤكد على سن قانون تنظيمي يكرس مبدأ الاستمرارية و الثبات في ولوج النساء للحياة السياسية ومواقع القرار السياسي تحقيقيا للمواطنة الكاملة؛ ضرورة توطيد ثقافة ديمقراطية حداثية مصاحبة لعمليات تفعيل القوانين التي تؤطر التمثيلية السياسية للنساء في المؤسسات المنتخبة تتمثل في التنشئة التربوية والاجتماعية للأسرة والمدرسة في إرساء اعلام يرسخ ثقافة المساواة و المناصفة ويساهم في التحرر من كل اشكال الصور النمطية عن المرأة؛ اعتبار الكوطا مجرد تدبير استثنائي مؤقت لتحقيق التمييز الايجابي، ولدعم مشاركة النساء في العملية السياسية و تيسير ولوجهن الى الحياة السياسية والمؤسسات المنتخبة. لكن بقدر ما ساهم في توسيع دائرة التمثيلية (اللائحة الوطنية او اللوائح الجهوية أو في الجماعات الترابية)،منذ اعتمادها كآلية فإن استثمار الكفاءات السياسية و الخبرات الميدانية للنساء على مستوى الولوج الى مراكز القرار السياسي ظل محدودا بالنظر لمركزية السلطة الذكورية في المؤسسات المنتخبة وتأثير ذلك على فاعلية المشاركة السياسية للنساء وفقا لمبدإ تكافؤ الفرص بين الجنسين؛ اعتبار أن المشاركة السياسية للنساء مكسبا مهما حققته بلادنا على مستوى تطور مؤشرات نسب التمثيلية في المؤسسات المنتخبة (2021)، وبذلك تعد هذه المشاركة تتويجاللأدوار المتعددة التي تقوم بها المرأة في مختلف مناحي الحياة العامة وفي مساهمتها في التنمية المجتمعية على قدم المساواة مع الرجل. وهذا يتطلب من منظورنا كمنظمة اتحادية التوفر على إرادة سياسية حقيقية داخل الأحزاب والدولة والحكومة وجميع الفاعلين في المجتمع لتوفير الموارد والوسائل على مستوى التأطير والتكوين للنساء بجميع فئاتهن؛ النساء ومراكز القرار أي ترسيخ مؤسساتي لبعد النوع الاجتماعي إذا كان مسار المشاركة السياسية للنساء منذ الاستقلال، قد عرف خطا متعرجا بفعل التطور التدرجي على مستوى الترشيحات و التمثيلية في المؤسسات المنتخبة ، فإن واقع المشاركة اليوم والذي سجل ارتفاعا ملحوظا بفضل النضالات التي خاضتها الحركة النسائية مدعومة بالأحزاب التقدمية و الحداثية في افق تحقيق مبدأ المناصفة كما نص عليها الدستور في جميع مجالات الحياة السياسية و العامة، يثير تساؤلا مهما حول مدى تناسب العلاقة بين توسيع المشاركة السياسية للنساء في المؤسسات المنتخبة ، وبين حجم حضور النساء في مواقع القرار السياسي والإداري و الاقتصادي ، ومدة توفر الإرادة السياسية لكافة الضمانات من أجل الرفع من منسوب احتلال المرأة لمواقع القرار الذي يعرف هيمنة مطلقة للرجل. إننا إذ نؤكد على أن المشاركة السياسية، تعد مدخلا اساسيا لتمكين النساء من أدوات الفعل السياسي فكرا وممارسة لتيسير الولوج والتحكم في المستويات المختلفة لصنع القرار بما تتيحه هذه المشاركة من التواجد المؤثر للنساء على مستوى التدبير والقيادة في الشأن العام، ومن فرص للمساهمة في تخطيط السياسات العمومية والترابية وإدماج مقاربة النوع من أجل تعزيز المساواة والمناصفة بين الجنسين. فإن تقييم مشاركة النساء سياسيا وتمكينهن من المسؤولية على مستوى القرار باعتبارهن شريكا وفاعلا اساسيا في الحياة السياسية والتنموية ببلادنا، يعد في منظورنا أحد الأولويات السياسية التي يجب أن تحكم الأجندات الحكومية حاضرا و مستقبلا بحيث تضع في التزاماتها السياسية والانتخابية ضرورة تطوير المشاركة السياسية للنساء وجعلها عنصرا دالا وموجها لتحقيق التكافؤ الفرص على مستوى مواقع صنع القرار السياسي والاقتصادي والإداري … وهذا يعد في نظرنا كنساء اتحاديات محور كل إصلاح سياسي بنفس استراتيجي يجعل من قاعدة المساواة والمناصفة حجر الزاوية لتطوير البناء الديمقراطي والتنموي ببلادنا. من المؤكد أنه بالرغم من ما شهدته المشاركة السياسية للنساء من منحنى تصاعدي بفعل الية التدبير الايجابي الكوطا، والقوانين الانتخابية المدعمة على مستوى المؤسسات المنتخبة منذ 2002 الى 2021، إلا أنه يسجل على مستوى تقلد النساء لمواقع القرار، فنجد عدم تناسب بين الترشيح للمسؤوليات وتقلدها خاصة حينما يتعلق الأمر بالنساء. وهذا ينسحب على مجلس النواب بغرفته وكذلك المجالس الترابية المحلية والجهوية . من خلال استقراء العديد من النسب التي تحتلها النساء في مختلف مواقع القرار (السياسي، الإداري ، الدبلوماسي، القضائي، الديني)، يتضح بالملموس ضعف تمثيلية النساء على مستوى تقلد مناصب القرار لاعتبارات موضوعية وذاتية التي تكرس سلطة الرجل في الأجهزة التقريرية للمؤسسات، وهذا يتطلب في نظرنا تفعيل الفصل 19 من الدستور و الهيئات المنصوص عليها. وعموما نعتبر كتنظيم نسائي اتحادي ان النضال النسائي موال متواصلا سواء على مستوى الأحزاب أو المجتمع المدني للانتقال من مبدأ التمييز الإيجابي كآلية مرحلية لتصحيح الوضع المختل على مستوى تمثيلية النساء سواء في الأجهزة الحزبية وطنيا أو محليا ، أو في مواقع القرار السياسي و في المؤسسات المنتخبة . وإذا كان هذا المبدأ ملزما لكافة الأحزاب بالتنصيص عليه في قانون الأحزاب فإن رفع النسبة إلى 33 في المائة يعد مكسبا مرحليا في أفق تحقيق المناصفة التي نص عليها الدستور، والتي تتطلب من منظورنا تفعيل الآليات الدستورية (هيئة المناصفة و المجلس الاستشاري للأسرة و الطفولة ). وقد كان حزبنا سباقا انسجاما مع اختياراته الاشتراكية لأجرأة هذه الآلية و التدرج في رفع النسبة من 20 في المائة الى 33 ، ولنا ان نعتز بهذا التوجه الحداثي لحزبنا الذي يعتبر أن المشاركة السياسية النسائية في الحقل السياسي لا تعني تمثيلية صورية للمرأة في الأجهزة أو مواقع القرار بل تعني في تصورنا جميعا مشاركة وازنة للنساء في الحياة السياسية لا تستقيم مهامها وفعاليتها من دون مشاركة حقيقية للنساء في مختلف مواقع القرار السياسي بدءا من العمل الحزبي الجاد والمؤمن بتحرر النساء ومشروعية مطالبهن. وحتى يتسنى في منظورنا كمنظمة نسائية ضمان مشاركة فعلية وفعالة في الحياة السياسية وفي مواقع القرار، وتحقيق تراكم إيجابي بما يتناسب وحجم النضال النسائي في هذا الباب فإننا نؤكد على: ضرورة وضع أسس ومرتكزات إقرار فعلي لمبدأي المساواة المناصفة سواء داخل الأحزاب في سائر المؤسسات كما نص عليه الدستور(الفصل 19)؛ إقرار فعلي للحقوق السياسية لفائدة النساء بما يعيد الثقة للفعل السياسي وللتلبية متطلبات وحاجات المجتمع في هذا الباب وخاصة مطالب النساء وجعلها مطالب مجتمعية ؛ اعتبار أن إقرار هذه الحقوق رهين بتحقيق مكاسب فعلية في الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لأنها تمثل الأسس المهيكلة لكافة الحقوق المدنية والسياسية؛ تأسيسا على ما سبق، فإن منظمتنا وعيا منها بجسامة المهام النضالية المطروحة عليها للدفاع عن الحقوق الأساسية للنساء في شموليتها فإنها تعتبر أن إنجاز تحرر فكري وثقافي واقتصادي لا يستقيم من دون إعمال فعلي لمبدأ المساواة الذي يؤسسه تمتع النساء بالحقوق في جميع أبعادها. المحور الثالث: فعلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء دعامة أساسية للتحرر من أجل ترسيخ المساواة والعدالة الاجتماعية تعتبر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حقوقا إنسانية لا تقبل التجزيء، تتموضع في المجال السوسيو-اقتصادي وهي متعددة ومتكاملة تشمل مجالات الحياة العامة للنساء ،نذكر من بينها :الحق في التربية والتعليم، الحق في السكن ، الحق في الصحة، الحق في مستوى عيش لائق ، الحق في الحماية الاجتماعية، الحق في المشاركة والتنمية الثقافية، الحق في اعلام نزيه ومستقل …، أي كل ما يضمن للنساء شروط حياة إنسانية بمقومات الكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، بمعنى اخر ما يحقق المواطنة الكاملة للنساء على أرض الواقع بوصفها المفهوم المهيكل لممارسة الحقوق والواجبات داخل مجتمع ديمقراطي يعترف بإنسانية النساء كقيمة عليا، وكذات فاعلة وواعية متحررة من كافة اشكال التمييز واللامساواة. ويمكن طرح السؤال كالتالي: الىأي حد في ظل التراكمات النضالية ومكتسباتها الدستورية والقانونية والسياسية تمكنت النساء المغربيات من التمتع الحقوقالاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في الدستور؟ هل استطاعت السياسات العمومية المنتهجة منذ عقدين الى جعل هذه الحقوق عنصرا منمذجا ومنصهرا على مستوى التدابير والبرامج المتخذة لصالح تخويل هذه الحقوق للمرأة؟ هل تستقيم الديمقراطية في بعدها السياسي والمؤسساتي في تعثر إرادة إرساء ديمقراطية في بعدها الاجتماعي والاقتصادي؟ إننا كحزب ديمقراطي اشتراكي يؤمن بكونية حقوق الانسان وبمكانة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ودورها في تحقيق الكرامة الإنسانية للمواطنات والمواطنين، و في إرساء التنمية المجتمعية بارتباط مع إنضاج شروط الديمقراطية في إبعادها المتعددة ودولة الحقوق والحريات، فإننا نعتبر أن احترام هذه الحقوق وحمايتها و إعمالها إذا كان واجبا على الدولة من جانب التنصيص الدستوري عليها و الالتزام بالاتفاقيات الدولية وجعلها واقعا معاشا تستفيد منه جميع الفئات على قدم المساواة فإن مهامنا كحزب فاعل في الأممية الاشتراكية يحتم علينا في واجهة الدفاع عن الحقوق الإنسانية للنساء إعطاء الأولوية للتفعيل العملي لهذه الحقوق الانسان في شموليتها. من خلال وضع أسس ومرتكزات لسياسات اجتماعية بإجراءات وتدابير بموارد مالية وبشرية والعمل على سن قوانين مؤطرة لاستدامة هذه الحقوق . ويمكن من خلال استقراء واقع المرأة على شكل أرقامالوقوف على العديد من الاختلالات، وحجم التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية التي تكرس اللامساواة والمفارقة بين النص الدستوري وبين محدودية تمتع النساء بحقوقهن الاقتصادية والاجتماعية وازداد الامر استفحالا مع الأزمة الصحية لكوفيد وتداعياتها على النساء خصوصا في جميع المجالات. ويمكن حصر ذلك في مستويات عدة: المشاركة الاقتصادية على مستوى النساء الناشطات أو العاطلات على مستوى معدلات التشغيل بحسب أنماط القطاعات العمومية او الخاصة على المستوى الحضري او القروي وعلى مستوى القطاع الصناعي غير المهيكل، وكذلك النسيج المقاولاتي الذي يشمل الخدمات والتجارة والصناعة والبناء كما يتوزع على مستوى المقاولات الصغيرة والمتوسطة و الكبيرة. يتضح من خلال النسب المسجلة الفوارق الشاسعة بين النساء والرجال على مستوى التمكين الاقتصادي في علاقته بالتمكين الحقوقي نظرا للتلازم بين المجالين، وإذ نؤكد كمنظمة نسائية تؤمن بالحقوق في شموليتها على أهمية الحقوق الاقتصادية في علاقتها بتحرر واستقلالية المرأة اقتصاديا، نعتبر ان التمكين الاقتصادي يعد شرطا أساسيا لصون كرامة المرأة وجعلها عنصرا فاعلا في الصيرورة التنموية لأن هذا التمكين يمثل الية أساسية للقطع مع تبعية المرأة وتكريس دونيتها. في نفس المستوى فإن إعمال الحقوق الاقتصادية لصالح تأهيل النساء وريادتهن يتطلب توفير شروط التنمية المستدامة بما تتطلبه من آليات وإجراءات تربوية سياسية اجتماعية ثقافية تشكل مرتكزات داعمة للحقوق الإنسانية الأساسية للنساء في شموليتها. وهنا تتحدد أهمية تطوير المواقف النسائية وتوطيد أواصر النضال النسائي من كل المواقع لجعل هذه الحقوق في صلب السياسات العمومية وحكامة تدبير الشأن العام على قاعدة إرادة سياسية حقيقية داعمة لبناء القدرات الذاتية للنساء الفكرية والمهنية من اجل إعادة الاعتبار لمكانتهن في المجتمع على أساس التمتع بالحقوق الاقتصادية بوصفها احد الرافعات للحقوق الإنسانية في شموليتها.