يسقي أبو محمد اثنين من الحمير القليل من المياه قبل عرضهما للبيع وسط مدينة عدن في جنوب اليمن، حيث تشهد تجارة الحمير انتعاشا هذه الأيام مع إقبال اليمنيين على شرائها لنقل المياه وغيرها من البضائع في ظل ارتفاع أسعار الوقود. ويؤكد التاجر الذي يدعى أحمد شوق 83 (عاما) الذي يعرض الحمارين في منطقة كريتر وسط المدينة أنه "كلما ارتفع سعر الوقود وكلما زادت مشقات الحياة ارتفع الطلب على الحمير أكثر وأكثر". وتخضع عدن لسيطرة الانفصاليين الجنوبيين بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتصارع مع حكومة معترف بها دوليا تقاتل المتمردين الحوثيين المسيطرين على شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء. وتدور الحرب في اليمن بشكل رئيسي بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وقوات أخرى تقودها المجموعات المؤيدة للحكومة بدعم من تحالف عسكري تقوده السعودية، منذ سيطر الحوثيون على مناطق واسعة قبل نحو ست سنوات. لكن ثمة خلافات عميقة في المعسكر المعادي للحوثيين. فالقوات التي يفترض أن ها موالية للحكومة في الجنوب تضم فصائل مؤيدة للانفصال عن الشمال بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي وتتهم الحكومة بالفساد. وبينما يغرق اليمن في أزمته التي تصفها الامم المت حدة بأنها الأسوأ في العالم، بات معظم السكان يعتمدون على المساعدات. وأصبح سعر لتر البنزين نصف دولار أميركي تقريبا، هو ثمن باهظ بالنسبة للمدرسين مثلا الذين يتقاضون رواتب شهرية تعادل قيمتها نحو 25 دولارا فقط. ويتزامن ذلك مع انهيار حاد في قيمة العملة اليمنية حيث بلغ سعر الصرف في عدن 800 ريال يمني مقابل دولار واحد بعدما كان يعادل 610 ريالات في يناير الماضي بحسب دراسة نشرتها صحيفة "الأيام" المستقلة في عدن. وكان استخدام الحمير شائعا بكثرة في عدن التي بني جزء منها فوق بركان، قبل استخدام وسائل النقل الحديثة. ويتوجه أبو محمد عادة إلى محافظة أبين (شمال عدن) لأن الحمير أقل تكلفة. وقال "مثل هذا الحمار تصل تكلفته إلى 30 ألف ريال ونشتريه من مدينة أبين وأيضا العربة ب15 ألف ريال"، موضحا "يمكن أن تحصل يوميا على 7 آلاف إلى 8 آلاف ريال كأرباح بينما لا يكلف إطعام الحمار سوى 150 ريالا". وبالنسبة للتاجر، فإن "(بيع) الحمير أزال عني عبئا كبيرا. لدي تسعة أولاد فمن أين يمكنني إطعامهم؟ كل أسعار المواد الغذائية مرتفعة. من أين نعيش؟ وإذا ذهبت للبحث عن وظيفة لن أجد". وأضاف "بدأت بالعمل في هذا المجال منذ عامين ونصف (…) بفضل الله ثم بالحمار هذا الرزق اصبح متوفرا وكل شيء متوفر". ويأتي زبائن أبو محمد من كافة أحياء عدن من المعلا الذي يعد من أرقى الأحياء في المدينة ومن أحياء اخرى مثل التواهي ودار سعد وغيرها. ويبيع شهريا ما بين 20 إلى 30 حمارا. ويرى أبو محمد أنه "كلما ارتفع سعر الوقود وزادت مشقات الحياة، ارتفع الطلب على الحمير أكثر وأكثر" مؤكدا أن "الوقود ينقطع في بعض الأحيان ل15 يوما ويطلب منا الناس أن نقلهم معنا بالحمير". وفي شوارع كريتر، أصبح مألوفا رؤية مجموعة من الحمير يجلس عليها أطفال بينما يقومون بنقل المياه أو عربات محملة بمنتجات وبضائع مختلفة. ويشير محمد أنور الذي يقيم في عدن إلى أنه قرر شراء حمار من أجل جلب الماء، ويؤكد الأب لثلاثة أطفال أنه "لولا أن لدينا حمار لن نحصل على المياه". لكن حتى الحمير قد تصبح بعيدة عن متناول السكان. وأوضح "ارتفعت أسعار الحمير بسبب ارتفاع أسعار الوقود. أصبح سعر الحمار يصل إلى 70 ألفا أو 80 ألفا أو 100 ألف ريال، ولا يستطيع الفقراء شراءه". "عواقب مميتة" جراء عرقلة إيصال المساعدات حذرت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية من "عواقب مميتة" على المدنيين اليمنيين جراء تعم د أطراف النزاع عرقلة إيصال المساعدات التي تراجعت بشدة خلال أزمة فيروس كورونا المستجد. وبينما يخيم شبح المجاعة من جديد على البلد الغارق بالحرب منذ أكثر من ست سنوات، عد د تقرير للمنظمة أساليب العرقلة في مناطق سيطرة المتمردين والاخرى التابعة للحكومة، من سرقة المعونات، إلى البيروقراطية. وأجرت المنظمة مقابلات مع 35 عاملا في المجال الإنساني و 10 مسؤولين في دولة مانحة و10 من العاملين الصحيين اليمنيين، تحدثوا خلالها عن "الشبكة المعقدة" من القيود المفروضة على المساعدات. ومنذ 2014، يشهد اليمن حربا بين المتمر دين الحوثيين المدعومين من إيران وقوات تابعة لحكومة معترف بها دوليا، تصاعدت حدتها في مارس 2015 مع تدخ ل السعودية على رأس تحالف عسكري دعما لقوات الحكومة. وقتل وأصيب عشرات آلاف الأشخاص ولا يزال هناك 3,3 ملايين نازح، فيما يحتاج أكثر من ثلثي السكان البالغ عددهم نحو 29 مليون نسمة الى مساعدة، بحسب الأممالمتحدة التي تصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ في العالم. وكانت المنظمة حذرت في يوليو من أن البلد الفقير أصبح على حافة المجاعة من جديد كون المنظمات الاغاثية لا تملك الأموال الكافية لمواجهة الكارثة التي تم تجنبها قبل 18 شهرا. وأوضح تقرير منظمة هيومن رايتش ووتش أنه في عامي 2019 و2020 أمضت وكالات الإغاثة "جزءا كبيرا من وقتها وجهدها وهي تكافح للحصول على الموافقات في جميع أنحاء البلاد لتقديم المساعدة". وعدد التقرير أمثلة على عرقلة إيصال المساعدات، من بينها "التأخيرات الطويلة للموافقة (…) ومحاولات السيطرة على مراقبة المساعدات وقوائم المستفيدين لتحويل المساعدات إلى الموالين للسلطات، والعنف ضد موظفي الإغاثة وممتلكاتهم". وبحسب المنظمة، فإنه في 2019 و2020 كان على عمال الإغاثة "أن يتصد وا للمسؤولين الحوثيين الذين أصروا على أن تقوم مجموعات الإغاثة بتسليم أصول، مثل السيارات وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المحمولة، لهم في ختام المشاريع". وكان برنامج الأغذية العالمي الذي يقدم الغذاء لأكثر من 12 مليون شخص كل شهر في مختلف أنحاء اليمن، عل ق العام الماضي إيصال المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين لمدة شهرين بسبب خلاف على نظام تسجيل بيومتري لضمان وصول الغذاء إلى المحتاجين. كما أن العراقيل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ف بحسب المقابلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش، بعدما "فرضت الحكومة اليمنية متطلبات بيروقراطية مرهقة على وكالات الإغاثة". وحمل التقرير وكالات الاغاثة المسؤولية أيضا، اذ اعتبر أن عرقلة المساعدات جاءت أيضا بسبب "الإذعان لسلسلة من المطالب المتعلقة بالسيطرة على مشاريع المساعدة التي شجعت السلطات على السعي إلى سيطرة أكبر". وذلك إضافة إلى "توجيه مبالغ طائلة من الأموال إلى وزارات فاسدة بشكل واضح بدون شروط كافية، والفشل في التحقيق بشفافية والإبلاغ عن مزاعم تواطؤ وكالات الأممالمتحدة في تحويل مسار المساعدات". وقالت المنظمة أن هذه العراقيل تنذر "بعواقب مميتة" على المدنيين، خصوصا في ظل شح المساعدات وتفشي فيروس كورونا المستجد الذي تسبب بوفاة نحو 600 شخص من بين نحو 2000 إصابة مؤكدة أعلنت عنها الحكومة، وهي نسبة وفيات كبيرة جدا مقارنة بالدول المجاورة. ويعتقد ان أعداد الإصابات والوفيات أعلى بكثير في البلد الذي يعاني من انهيار صحي تام، خصوصا أن المتمردين لا يعلنون عن أي معلومات في هذا الصدد. من جهتها، قالت منسقة الشؤون الانسانية للامم المتحدة في اليمن ليز غراندي لوكالة فرانس برس إن الاممالمتحدة تقي م باستمرار وتعد ل آليات تقديم مساعداتها في مواجهة العراقيل وغياب المساءلة. وأوضحت "بالنسبة لكل برنامج نقوم به حاليا، نحدد المخاطر التي تواجه التسليم القائم على أسس معينة. وعندما يتم انتهاك هذه الأسس، نقوم بتعديل التسليم، وهذا يعني أنه يتعين علينا أحيانا إيقاف المساعدة". وتعاني المساعدات بالفعل من نقص كبير، وخصوصا أن اليمن لم يحصل هذا العام إلا على ربع قيمة المساعدات التي يحتاجها، بحسب هيومن رايتس ووتش. وكانت غراندي حذرت في غشت الماضي من أن نقص التمويل بدأ يتسب ب بإغلاق أو تقليص برامج المنظمة الأممية، ما يهدد ملايين السكان بالموت. وقالت الاثنين لفرانس برس إن مطار صنعاء الخاضع لسيطرة المتمردين مغلق منذ نحو عشرة أيام من قبل الحوثيين الذين يطالبون برفع الحظر الجوي الذي تفرضه السعودية على المطار. وقال موظف في وكالة إغاثية "الآن مع إغلاق مطار صنعاء، أصبحت مسألة (توزيع المساعدات) أمرا صعبا للغاية بالفعل". وتابع "صحيح أن هناك قيودا في الجنوب، لكنها قيود اعتادت المنظمات غير الحكومية عليها. في الشمال (مناطق سيطرة الحوثيين) حجم القيود وشدتها أمر استثنائي".