ولدت لودميلا يفغينيفنا أولتسكايا في عام 1943 في مدينة دافليكا نوفا التابعة لجمهورية باشكيريا السوفيتية السابقة، حيث تم إخلاء عائلتها أيام الحرب إلى هناك. أكملت المدرسة في موسكو. ودرست في كلية الأحياء في جامعة موسكو الحكومية، متخصصة في علم الأحياء الوراثي. عملت لمدة سنتين في معهد الوراثة العامة التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية، تم فصلها من المعهد في عام بسبب نشر مطبوعات النشر الذاتي (نشر الكتب الممنوعة عن طريق الاستنساخ باليد بصورة سرية وتوزيعها). تعد روايتها «المخلص شوريك» احد أكثر الكتب المقروءة في عام 2004. صدرت في عام 2006 رواية أوليتسكايا التي ألفتها على أسس وثائقية التي تحمل اسم «المترجم دانيال شتاين». – يصعب اليوم تصديق أن أول نشر لأعمالك جرى في الخارج. فهل هذه حقيقة أم أسطورة؟ هذه حكاية خيالية ولكن فعلاً صدر كتابي الأول باللغة الفرنسية عن دار نشر «غاليمارد». وقد سبق الطبعة الروسية بفترة قصيرة، لكنها حقيقة. إضافة لذلك هي حقيقة مثيرة لأنها الحالة الوحيدة كذلك التي تقوم بها دار نشر «غاليمارد» بنشر كتاب مترجم لكاتب ليس له كتاب بعد في وطنه. كان تسلسل الظروف الملائمة كالتالي: سلمت مخطوطة كتاب «الأقارب الفقراء» لصديقتي ماشا زونينا وهي مترجمة لغة فرنسية وسلمته هي لأحدى زميلاتها التي تتعامل من مدة طويلة مع دار نشر «غاليمارد» حيث أعطت الكتاب بدورها إلى الدار مع توصية جيدة، وتمت إضافة مقالة نقدية الى النص واستلمت العقد بالبريد. أنا اعرف أن مثل هذه الحكاية تحدث فقط في سيناريوهات الأفلام الهابطة. ولكن الذي جرى تم بهذه الطريقة. أي أنها حكاية معاصرة عن ساندريلا. – ربما أنت من الذين يكتبون دائماً. متى وكيف بدأت ممارسة هذا العمل بصورة جدية؟ أعتقد أني بدأت الكتابة عندما تعلمت أن أكتب، بوقت مبكر جداً. كتبت في طفولتي قصائدا، وأحياناً تراودني تلك القصائد حتى في هذا العمر. وكنت أكتب يومياتي في دفتر وكتبت رسائلاً ومذكرات وظلت بعض الخواطر التي كتبها دائما في جيوبي وفي الحقيبة وعلى الطاولة. اخترت علم الأحياء مهنة. درست علم الوراثة ولو لم يطردوني آنذاك من العمل لما بدلت مهنتي، كنت أحبها جداً. لم أعمل لمدة عشر سنوات تقريباً وبعد انقطاع كبير توجهت للعمل في المسرح- وكانت تلك مجازفة من جانبي. عملت لمدة ثلاث سنوات مديرة للقسم الأدبي في المسرح وتركت المسرح في عام 1982، ومنذ ذلك الوقت صرت أحترف الأدب. قمت في الثمانينيات بممارسة مختلف الأعمال الأدبية فقد كتبت سيناريوهات لأفلام الكارتون ومقالات نقدية وترجمات شعرية وقمت بإعداد برامج تعليمية للتلفزيون وإعداد وكتابة مسرحيات لمسارح الدمى والأطفال. وبدأت في نهاية الثمانينيات بنشر أوائل قصصيي القصيرة. وهكذا سارت الأمور. – هل كنت ستتمكنين من أن تصبحي كاتبة لو بقي الاتحاد السوفيتي موجوداً؟ تصعب الإجابة على هذا السؤال. محتمل، نعم. لكن المشكلة أني وجدت نفسي كاتبة «لا سوفيتية». فقد كنت أهتم دائماً بالإنسان منفرداً وبقدرته على التعايش مع المجتمع، أما السياسة فدائماً ما نظرت إليها كشر لا بد منه. وأقول بكل ثقة إني ما كنت لأصير كاتبة «سوفيتية» أبداً. – جينيا بنت الثامنة من عمرها تقرأ في قصة «نظام الممر» كتاب «دون كيخوته»، وأنا أتصورك كذلك قرأت مبكراً لكل الأدباء الكلاسيكيين. فماذا قرأت من الأدب السوفيتي وكيف اثر عليك؟ أحببت جداً «ما رأيته» لبوريس جيتكوف وهو كتاب أطفال رائع. ولم أخطأ، فقد قرأت قبل عدة سنين روايته التي بقيت سالمة بمعجزة وهي مبعثرة في نص منضّد في عام 1937، هذه الرواية المكرسة للثورة الروسية صدرت قبل سنتين، وقد بدى جيتكوف من خلالها كاتباً رائعاً فعلاً. وقرأت في طفولتي كل ما تضمنه البرنامج المدرسي. درسنا في صفوف المرحلة المتقدمة الأدب السوفيتي. وكانت القراءة «مبرمجة»، درسنا «والفولاذ سقيناه» لأوستروفسكي و»الحرس الفتي» لفادييف ومن ثم ماياكوفسكي. القضية لا تكمن في كون هذه الكتب جيدة أم لا، بل في تقديم هذه الكتب لنا على أنها نماذج إيديولوجية مما أثار عندنا احتجاج داخلي عليها. وكانت طرائق التدريس قاتلة وتثير للاشمئزاز. وبسبب هذا التقزز من أدب المدرسة لم أقرأ الكلاسيكيين الروس برغبة إلا بعد التخرج من المدرسة. مقابل هذا تمكنت من القيام باكتشافاتي الخاصة: فقد اكتشفت في سن الثالث عشرة بوريس باسترناك، واعتقدت لمدة طويلة أن أحداً غيري لا يعرفه على الإطلاق. ثم اندهشت عندما علمت أن احدى صديقاتي في المدرسة تعرفه شخصياً حيث إنه يسكن معهم في إحدى البلدات المخصصة للكتاب وتتبادل التحية معه قرب أحد المحلات. إنها معجزة. فقد كنت إنساناً متحاملاً جداً على الأدب السوفيتي وشاكاً في وجوده. ثم اكتشفت اندريه بلاتونوف وشعره العظيم الباقي رغم السلطة الحديدية. وطبعاً إلى جانبهم كان كل من تريفونوف وناغيبين وكازاكوف لكني لم ألحظهم بسبب تعجرفي الطفولي. – قلتِ أكثر من مرة انك ليس لديك أي معلمين في الأدب. لكن رغم ذلك تذكرين بكل حب واحترام نابوكوف وتشيخوف… لم يدر بخلدي أن أسمّي هذين الكاتبين العظيمين معلميَّ. المسافة بيننا كبيرة جداً رغم أني لا أرى أن من واجبي البحث عمن أثر عليّ. لكني في الطفولة شُغِفتُ بكتّاب مختلفين وانصب اهتمامي على قراءة أو. هنري أحياناً وبونين أحياناً أخرى. وكان ولعي الأخير في سنوات الدراسة في الجامعة بنابوكوف واستمر طويلاً. لكني أصر مرة أخرى على أني لم أجرؤ أبداً على أن اسمي نفسي تلميذة لأحد من هؤلاء العظماء… – هذه ليست المرة الأولى التي نتحدث بها معك. هل تذكرين كلمات عن البريسترويكا (إعادة البناء)؟ قلت أنكم لا تحتاجون إعادة البناء في أسرتكم لأنكم ليس لديكم أي أوهام… نعم، سجن جداي كلاهما. وكانا يعرفان قيمة السلطة السوفيتية. جيل الكبار سكت وحدَّثنا عن القليل، لكن علاقته بالسلطة تسربت لنا وتمثلت بالخوف والاشمئزاز. هذا هو الشعور الذي غمر الكثيرين. لهذا لم يكن لدي ما أعيد بناءه فيما يخص العالم المحيط بي فيما يتعلق بانهيار النظام السوفيتي. وأما اليوم، فأريد أن أعيد بناء حياتي. إني أعرف منذ زمن بعيد بوجود صراع عميق جداً بين الفرد والدولة. فالدولة تسعى دائماً لجعل جميع المواطنين متشابهين، بينما المواطن مفرداً يحاول بكل ما أعطي من قوة أن يحافظ على خصوصيته وعلى شخصيته إن أمكن له ذلك. وهذا الصراع وجودي لكنه في ظل النظم الشمولية يتحول من صراع وجودي إلى صراع قاتل للبشر. وهذا الأمر ينطبق على الأوهام الموجودة دائماً عند البشر. وأنا كذلك كانت لدي أوهام كثيرة، مختلفة لكن لا تمت بعلاقة مع طبيعة السلطة…