تظهر قوة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عند الأزمات الكبرى التي تخيم بظلالها على المغرب، ولا ينبغي التقوقع عند المفاهيم الضيقة والمتجاوزة لهذه القوة التي ظلت على امتداد السنين تستمد طاقاتها من الرصيد التاريخي والنضالي لهذا الحزب. فعلى امتداد عشرات السنين، لم يستطع خصومه وأعداؤه النيل منه ليس لسبب إلا لأنه يمثل مدرسة تخرج منها العديد من المناضلين الشرفاء ممن ضحوا بالغالي والنفيس من أجل نصرة قضايا الشعب المغربي في عز زمن الأزمات التي عرفها المغرب. تكمن قوة الاتحاد الاشتراكي في العديد من الأوجه التي تميزه دونا عن غيره من التنظيمات الحزبية، ولعل من بين هذه الأوجه المكانة التي يحظى بها دوليا من قبل الأحزاب الاشتراكية وحتى غير الاشتراكية. أضف إلى ذلك موقعه في الأممية الاشتراكية، وكذلك مواقفه التاريخية لنصرة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، ومواجهة مختلف أوجه التسلط والغطرسة، إن على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي. وفضلا عن هذه المظاهر، تتجلى قوة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في قدرته على إنتاج الأفكار التي تهم مختلف المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية، أو حتى في مجال العلاقات الدولية. والأكثر من ذلك، أن الحزب كان من أوائل من اهتم وأنتجت قيادته العديد من المواقف والأفكار حول مجالات كانت إلى عهد قريب ينظر إليها على أنها غير ذات أهمية، من قبيل قضايا البيئة والسكان والتنمية. ومنذ أن بدأت المنظمات الدولية تثير انتباه صناع القرار في العالم إلى أهمية الاهتمام بهذه المجالات، كان الاتحاد الاشتراكي أول من طالب بضرورة الاهتمام بالتنمية الشاملة، بل إن العديد من إنتاجات الحزب سلطت الضوء، منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، على أولوية التنمية الاجتماعية. وعلى هذا الأساس، كان الاتحاد الاشتراكي أول من دعا إلى ضرورة تنمية مدن وأقاليم الشمال، بل أكثر من ذلك جعل تحرير مدينتي سبتة ومليلية رهينا بتنمية شمال المغرب وإخراج سكانه من بوثقة الاقتصاد الهامشي وغير المنظم والمرتبط بالتهريب والمخدرات … فالاتحاد الاشتراكي كان يدرك أن تحرير الإنسان بشمال المغرب من البؤس الاجتماعي هو المدخل الأساسي لتحرير المدينتين. يطول الحديث عن أوجه قوة الاتحاد الاشتراكي، لكن كيفما كان الحال، وبالعودة إلى أرشيف الحزب نجد أن قياداته، منذ سنوات خلت، كانت تتوقع وصول البلاد إلى هذه المرحلة ومواجهتها لهذه النوعية من المخاطر. ومن شكك في ذلك، أنصحه بالاطلاع على ما كتب في هذا الصدد من قبل المفكرين والباحثين والمؤرخين الأكاديميين وغير الأكاديميين المغاربة والأجانب، كما أنصحه بتصفح الأرشيف الوطني، خاصة السمعي البصري لمشاهدة التدخلات البرلمانية للنائبات الاتحاديات والنواب الاتحاديين في السنوات الحالكة وأيام إدريس البصري. نذكر بهذه المعطيات لنؤكد أن الوثيقة/ الأرضية التي أصدرها المناضل والزعيم السياسي الكبير الأستاذ إدريس لشكر، في الحقيقة، امتداد للمسار التاريخي والنضالي للاتحاد الاشتراكي. إنها تأكيد على صدق الرؤى والتوقعات الاتحادية لأنها مبادرة من وطني غيور ومناضل متمرس يقدم مساهمة الاتحاد الاشتراكي في إيجاد الحلول الملائمة للأزمة الحالية، ويبرهن على أن الحزب الذي خرج من رحم الحركة الوطنية في طليعة الوطنيين المنخرطين في مواجهة التحديات بقدرته على إنتاج الخطط والأفكار الرزينة والمساهمة الفعلية في تفعيلها على أرض الواقع. لقد أعاد إدريس لشكر تنبيه بعض صناع القرار إلى ما كان ينبه إليه الاتحاد الاشتراكي حتى عهد قريب، من أن العالم مقبل على حروب جديدة من نوعية جديدة … حروب تتجاوز فيها الأسلحة الفتاكة، وتصبح فيها الغلبة للقادر على التمكن من حلبة البحث العلمي الذي يعتني بكل ما له علاقة مباشرة بالإنسان ومحيطه … وهو نفسه الطرح الذي علينا أن نتذكره أثناء الحديث عن الحروب القادمة، وخاصة حرب الماء الذي سيتحول إلى بترول حقيقي، وكذلك الحرب على مختلف الأوبئة الفتاكة التي لم تكن معروفة أكثر من ذي قبل لدى خبراء الصحة. ومن ثمة، تدق أرضية الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ناقوس الخطر من التهديدات غير المعروفة والتي ستفاجئ البشرية وتهدد وجودها، وهي حروب تتجاوز منطق المواجهات العسكرية، وتؤدي إلى التدهور في العلاقات الدولية والأزمات الاقتصادية… وهو ما يدفع، حسب إدريس لشكر، إلى ضرورة إعادة النظر في كثير من آليات الاشتغال العام دوليا وإقليميا ومحليا. وعلاوة على ذلك، امتازت الأرضية السياسية حول "استشراف المستقبل : جائحة كورونا فرصة لانطلاق النموذج التنموي الجديد على أسس سليمة" بمجموعة من الإشارات السياسية والحزبية التي نلخصها في النقط التالية: أولا، تنويه الكاتب الأول بالدور الكبير الذي قامت به الدولة المغربية بقيادة جلالة الملك مع البدايات الأولى لانتشار "كورونا"، معتمدا جلالته على كل ما منحه الدستور من اختصاصات وصلاحيات. ثانيا، إشادته بقرار إنشاء "الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد – 19"، الذي أبانت المساهمات المالية لمختلف فئات الشعب المغربي عن وعي مجتمعي تكمن قوته في التضامن الاجتماعي . ثالثا، تأكيده على التدبير المسؤول للوضعية الراهنة التي تقتضي تشكيل كتلة وطنية لا تستثني أحدا، والحفاظ على اللحمة الوطنية وحمايتها من أي تشويش أو حسابات سياسية ضيقة، لأن البلاد أمام فرصة تاريخية لإعادة البناء على أسس سليمة من أجل ترسيخ المكتسبات وتقوية الخصوصية المغربية. ثالثا، تذكيره بالشعار الذي رفعه الحزب حول مشروع النموذج التنموي الجديد "دولة قوية عادلة .. مجتمع حداثي متضامن"، مما يدل على أن للاتحاد رؤية استشرافية مكنته من تقديم مشروع متكامل حول رؤية الحزب للنموذج الجديد .