نشر يوم 20 أبريل 2020 في الجريدة الرسمية قرار مشترك لوزير الداخلية ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم 850.20 الصادر في 28 فبراير 2020 بتحديد المساحة الدنيا للقطع الأرضية المملوكة للجماعات السلالية، الواقعة خارج دوائر الري وغير المشمولة بوثائق التعمير، التي يمكن إسنادها على وجه الملكية لأعضاء هذه الجماعات. ومما جاء في المادة الأولى منه أنه تحدد المساحة الدنيا للقطع الأرضية المملوكة للجماعات السلالية، الواقعة خارج دوائر الري وغير المشمولة بوثائق التعمير، التي يمكن إسنادها على وجه الملكية المفرزة أو المشاعة لفائدة عضو أو عدة أعضاء بالجماعة السلالية المعنية في عشرة (10) هكتارات. وكان التمليك من بين المستجدات التي أضيفت إلى الانتفاع والتفويت والكراء، لتصبح هذه الكلمات الأربعة هي مفتاح تدبير أملاك الجماعات السلالية على ضوء القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، والذي وسع عنصر التفويت، وكرس عنصري الانتفاع والكراء، وعمل على تطويرهما من أجل تحقيق تنمية مستدامة، إذا تم توظيفها بطريقة عقلانية. ففي ظل ظهير 27 أبريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها، كما تم تعديله وتغييره، كان يسمح لذوي الحقوق بالاستقرار عبر الانتفاع الدائم، وبشروط شبه تعجيزية، دون اللجوء إلى التمليك، إذ نصت الفقرة الثالثة من الفصل الرابع منه، على أنه يمكن أن تكون هذه الأراضي، بناء على طلب جمعية المندوبين (جماعة النواب) أو مقرر في مجلس الوصاية، موضوع تقسيم يعطي بموجبه لكل رب عائلة من العشيرة، حقا دائما في الانتفاع ضمن الكيفيات والشروط المحددة بموجب مرسوم، وأن هذا الحق غير قابل للتقادم، ولا يمكن تفويته أو حجزه إلا لفائدة الجماعة نفسها، ويجوز تبادل القطع المجزأة بين المستفيدين منها، غير أن كراءها أو الاشتراك فيها لمدة أقصاها سنتان فلاحيتان، بين المستفيدين منها فقط يتوقف على إذن جمعية المندوبين (جماعة النواب). كما نتجت تجزئة الأراضي الجماعية الخاضعة لظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة بدوائر الري، وما خلفه الفصل الثامن من إشكالات اجتماعية، بشأن صعوبة الحسم في تعيين الفرد المسلمة إليه القطعة بصفة عادلة، في غياب معايير مضبوطة للفصل بين الورثة، وإشكالات كيفية تحديد مبلغ وشروط أداء التعويض، إذ بشأن اختيار الفرد المسلمة إليه القطعة، وكيفيات الأداء باتفاق بين الورثة، في حالة وفاة أحد الملاكين على الشياع، تم التأكيد على دراسة الحالات المتعلقة بالنزاعات بين الورثة، ومحاولة إيجاد حلول توفيقية بينهم، وذلك في إطار تفعيل الفقرة الأولى من الفصل الثامن، وفي حالة استعصاء التوصل إلى حل توفيقي بين الورثة، يعرض الملف على مجلس الوصاية، دون أن يتم اللجوء إلى التمليك في اسم المستفيد، ضمانا للاستقرار الاجتماعي للأسر والعائلات. إلا أنه بموجب القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، فتح المشرع إمكانية تمليك الأراضي الجماعية المخصصة للحرث لفائدة أعضاء الجماعة السلالية، من أجل تمكينهم من الاستقرار في هذه الأراضي، وتشجيعهم على الاستثمار بها، وذلك تبعا للتوجيهات الملكية، إذ جاء في رسالته الموجهة إلى المشاركين في أشغال المناظرة الوطنية المنظمة بالرباط يومي 08 و09 دجنبر 2015 حول السياسة العقارية للدولة «ندعو إلى تظافر الجهود من أجل إنجاح عملية تمليك الأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري لفائدة ذوي الحقوق، مع مجانية هذا التمليك»، وبعد ذلك في الخطاب الملكي، أمام أعضاء مجلسي البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة، يوم الجمعة 12 أكتوبر 2018 ،أكد «وعلى غرار ما يتم بخصوص تمليك الأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري، فإنه أصبح من الضروري إيجاد الآليات القانونية والإدارية الملائمة لتوسيع عملية التمليك لتشمل بعض الأراضي الفلاحية البورية لفائدة ذوي الحقوق». وكانت وزارتا الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات (مديرية الشؤون الإدارية والقانونية) ، والداخلية (مديرية الشؤون القروية)، قد أصدرتا دورية مشتركة بتاريخ 23/07/2018، حول موضوع تطبيق مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.69.30 الصادر في 25 يوليوز 1969، المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري، ومما جاء فيها أنه في إطار تمليك الأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري، تبعا للتوجيهات الملكية وبشأن تطبيق مقتضيات ظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة بدوائر الري، تم التأكيد على تقييد القطع المحدثة في اسم المستفيدين. ونصت الفقرة الثانية من المادة 15 من القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، على أنه «لا يمكن تفويت أملاك الجماعات السلالية إلا في الحالات، ووفق الشروط الواردة في هذا القانون ونصوصه التطبيقية، وذلك تحت طائلة بطلان التفويت»؛ وعملية التمليك هاته لن تتم إلا لفائدة أعضاء الجماعة السلالية، بهدف التمكين من الاستقرار في هذه الأراضي، والتشجيع على الاستثمار، إذ سيتم توسيع دائرة تمليك الأراضي الفلاحية لتشمل بعض الأراضي الزراعية، وفق مجموعة من الشروط التي حددها المرسوم رقم 973.19.2 الصادر في 09 يناير 2020 بتطبيق أحكام القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير املاكها، على أن يتم بيع الأراضي شبه الحضرية للدولة أو للجماعات الترابية، وتوزيع مستحقاتها على ذوي الحقوق، مع عدم إمكانية تفويت الأراضي الرعوية، التي تمثل أكبر مساحة من أراضي الجماعة السلالية، وفتح إمكانية الاستثمار فيها عن طريق الكراء. والتنصيص على التمليك، كان بهدف إنجاز مشاريع الاستثمار، من أجل التمكن من إدماج الرصيد العقاري الجماعي، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، والذي يعتبر حقا من بين أهم المستجدات التي جاء بها المشرع، إذ يمكن على ضوء المادة 17 من القانون رقم 62.17 السالف الذكر، تقسيم الأراضي الفلاحية التابعة للجماعات، والواقعة خارج دوائر الري وغير المشمولة بوثائق التعمير، وإسنادها على وجه الملكية المفرزة أو المشاعة، لفائدة عضو أو عدة أعضاء بالجماعة السلالية المعنية، ذكورا وإناثا، على أن تسري عليها الأحكام المتعلقة بالحد من تقسيم الأراضي الفلاحية الواقعة داخل دوائر الري ودوائر الاستثمار بالأراضي الفلاحية غير المسقية، باستثناء مساحة الاستغلال الدنيا الواجبة للتمليك، والتي حددها القرار المشترك لوزير الداخلية ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم 850.20 الصادر في 28 فبراير 2020 في عشرة (10) هكتارات، مع إمكانية دمج قطعتين أو أكثر لتكوين المساحة الدنيا المسموح بها. وكان المرسوم رقم 973.19.2 السالف الذكر، قد تطرق في الفرع الثاني من الباب الثاني، لمسطرة إسناد قطع أرضية مملوكة للجماعات السلالية على وجه الملكية لأعضاء الجماعات السلالية، في المواد من 20 إلى 25. ويأتي التمليك لفائدة أعضاء الجماعات السلالية (ذوي الحقوق)، من باب الإمكان فقط، وبمبادرة من سلطة الوصاية، لفائدة عضو أو أكثر من ذات الجماعات، ذكورا وإناثا، مقيدين في لائحة أعضاء الجماعة السلالية المصادق عليها، ومنتفعين بحصة جماعية بصفة مستمرة ومباشرة، مع الالتزام بإنجاز مشروع استثماري فلاحي فوق الحصة الجماعية المستغلة، وأن تكون ضمن الأراضي الفلاحية المحددة بقرار لوزير الداخلية، مما يعني أنها لا تسري على كل الأراضي الجماعية. وتتولى سلطة الوصاية إبرام عقود التمليك مع ذوي الحقوق المستفيدين، على أن تودع مرفقة بدفاتر التحملات والملفات التقنية المتعلقة بالمحافظة على الأملاك العقارية، حتى يتم تقييدها بالسجلات العقارية، ويتحمل المستفيدون جميع مصاريف تحرير العقد وتسجيله وتقييده بالمحافظة العقارية، ولا تمنح لهم شهادة رفع اليد إلا بعد انتهاء مدة إنجاز المشروع والتأكد بتنفيذ المشروع الملتزم به كاملا داخل الآجل المتضمن في دفتر التحملات، والذي يمكن تمديده، وفي حالة العكس، يتم فسخ عقد التمليك. وفي هذا السياق، أعتقد أن المساحة الدنيا للقطع الأرضية المملوكة للجماعات السلالية، الواقعة خارج دوائر الري وغير المشمولة بوثائق التعمير، التي يمكن إسنادها على وجه الملكية المفرزة أو المشاعة لفائدة عضو أو عدة أعضاء بالجماعة السلالية المعنية، جد مهمة في إطار التجميع الفلاحي، إلا أنه في الوقت الراهن يتعين مراجعتها وتخفيضها من عشرة (10) هكتارات، إلى خمسة هكتارات، في إطار التطابق مع المادة 2 من القانون رقم 34.94 المتعلق بالحد من تقسيم الأراضي الفلاحية الواقعة داخل دوائر الري ودوائر الاستثمار بالأراضي الفلاحية غير المسقية، ومع الأعراف والتقاليد المعمول بها في عدة مناطق بالمغرب، والتي تحدد سقف المساحة الممنوحة لأعضاء الجماعات السلالية في إطار حق الانتفاع في خمسة هكتارات للفرد الواحد، وفي نفس السياق تماشيا مع روح الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 62.17 التي نصت على إخضاع عمليات الإسناد على وجه الملكية لأحكام القانون رقم 34.94 ، والتي لا ينبغي في إطار احترام تراتبية القوانين التراجع عنها بموجب المادة 21 من المرسوم السالف الذكر. ومن مبررات التعديل أيضا، نستحضر المخلفات الاجتماعية للفصل الثامن من الظهير الشريف رقم 1.69.30 الصادر في 25 يوليوز 1969 يتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري، والذي كان ينقل حصة من الملكية إذا توفي أحد الملاكين على الشياع لأحد ورثته على أن يؤدي للورثة الآخرين قيمة حقوقهم، حيث كانت الخلافات العائلية هي السائدة في معظم الملفات، كما أن عملية دمج قطعتين أو أكثر لتكوين مساحة عشرة هكتارات المسموح بها، أمر غير مستحب لدى العديد من المستغلين وفي مقدمتهم الفلاحون الصغار، إضافة إلى الاتكال في تنفيذ المشروع الملتزم بها وإعلان فشله، والرجوع إلى الأصل عبر فسخ عقد التمليك. ختاما، إن التوظيف العقلاني للأراضي الجماعية، بعيدا عن المضاربات والتلاعبات التي تسجل بين الفينة والأخرى في بعض المناطق، وتنزيل القوانين والمساطر المعمول بها، وتسريع عملية التمليك لفائدة ذوي الحقوق، سيساهم في حمايتها، والحد من ظاهرة الترامي، وسيؤدي إلى القيام بدور المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني، لأنه يوفر الأرضية الأساسية لضمان انبثاق وتقوية طبقة وسطى فلاحية في القرى، وجعلها عامل توازن ورافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، على غرار الدور الهام للطبقة الوسطى في المدن.