استقر النظام الاقتصادي المغربي، منذ مجيء الحكومة الحالية في منطق الاستدانة الشاملة، والدائمة، حتى أصبحت التقارير الدولية والقارية تتحدث عن المغرب كأكبر وأول بلد مدين في القارة السوداء وفي العالم العربي. وهي صفة، على عكس ما تدعيه الحكومة، لا تعني بالضرورة أن البلاد تستحق الثقة الدولية ، بل هذا دليل على أن القرار المالي معها يميل الى الحل السهل، سواء داخليا أو خارجيا.. وتشهد الأرقام على أن المديونية بلغت حدا غير مسبوق، حيث بلغ مجموع الدين العمومي في 2014 أزيد من 730 مليار درهم، ضمنه جاري المديونية الداخلية للمملكة الذي بلغ عند متم 2014 أزيد من 427 مليار درهم، وبلغ الاقتراض من السوق الداخلي خلال العام الماضي ما مجموعه 38.4 مليار درهم، وذلك لسد عجز الخزينة الذي بلغ حوالي 46.7 ملايير درهم. والحكومة برمجت في قانونها المالي 2015 لاقتراض 68 مليار درهم، منها أزيد من 24 مليار درهم من الخارج. وفي المقابل تدعي الحكومة، في تناقض صارخ أن سياستها في التقشف جاءت للترشيد والتوفير والتخفيف من الأعباء المالية للدولة. وحقيقة الواقع، الذي تزكيه الارقام الصادرة عن المصادر الحكومية والمؤسسات الرسمية في البلاد، ومنها الخزينة العامة للمملكة، هي أن ما ربحته الحكومة من التقشف في نظام الدعم - حوالي 12 مليار درهم - ضيعته في الإنفاق على فوائد المديونية، حيث وصل مجموع الفوائد على الدين الداخلي إلى 21 مليار درهم، أي بزيادة 13 في المائة مقارنة مع 2013 كما كلفت نفقات فوائد الدين الخارجي وحدها حوالي 3.2 مليار درهم . وبعيدا عن هذه الأرقام، الناطقة لوحدها، تؤكد السياسة المتبعة في إرهاق كاهل الانسان المغربي ودولته بالديون، أن الارتهان الى القرار الدولي الليبرالي الجشع هو قرار متخذ بوعي اقتصادي ليبرالي لا يقل توحشا عن مصدره، متقنع بالمحافظة والخطاب الشعبوي. وقد أدى المغرب الثمن غاليا بمثل هذه السياسة المتراخية في تدبير المالية والاعتماد الطوعي والمفكر فيه على الامتثال للقرار النقدي الدولي. وكان الثمن سياديا، بوضع القرار المغربي بين يدي المؤسسات التي تملي السياسة المتبعة، واجتماعيا، لما لهذه السياسة نفسها من إسقاطات على المعيش اليومي للمغاربة، علاوة على تجميد السلم الاجتماعي ومضاعفة هشاشة الفئات المعوزة، وتعطيل التشغيل والترقية المهنية ..الخ . إن الاستدانة، في كل مناطق العالم ومنطقه، تؤشر على وجود أزمة قرار مالي وسياسي اقتصادي، إلا عند حكومتنا النجيبة، التي تعتبرها أمرا عاديا، بل أمرا مشرفا!. والاتحاد الذي قاد البلاد اقتصاديا في وضع صعب للغاية، أبدع المرحوم الحسن الثاني في وصفه بالسكتة القلبية، كان يدرك أن البلاد في حاجة الى استقلال قرارها الاقتصادي لكي تستنبت الإصلاح وترعاه، وتطور الاقتصاد وتمنّعه بتصليبه وتقوية سياديته. وحزب القوات الشعبية ، مرة أخرى، يعتبر أن من واجبه إزاء الشعب المغربي، وإزاء البلاد، أن يدق ناقوس الخطر أمام ما قد تتعرض له البلاد لا قدر الله من مصاعب واختناقات مستقبلية مع سياسة تفتقد إلى الصلابة الضرورية في تحصين القرار الوطني الاقتصادي.