إنهاء "أزمة طلبة الطب" يطرح إشكالية تعويض الأشهر الطويلة من المقاطعة    هكذا علق زياش على اشتباكات أمستردام عقب مباراة أياكس ومكابي تل أبيب    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    بعد إضراب دام لأسبوع.. المحامون يلتقون وهبي غدا السبت    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    سانت لوسيا تشيد بالتوافق الدولي المتزايد لفائدة الصحراء المغربية بقيادة جلالة الملك (وزير الشؤون الخارجية)    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ستغير البشرية عقيدتها؟ «الطب الوقائي» يشيد معابده في العالم على حساب»حلول السماء»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 03 - 2020

ثمة الآن من سيرى أن «أثر» فيروس «كورونا» المستجد «كوفيد – 19» على العالم، يوازي أثر التطور في البيولوجيا أو الجاذبية في الفيزياء. لا شيء سيظل كما كان، كما ذهب إلى ذلك جاك أتالي….
فهل سنشهد نهاية وشيكة ل»العقل الديني» لصالح «العقل العلمي»؟ وهل العالم مهيأ الآن، بعد ضمور المساحة التي كان يحتلها رجال الدين، إلى تسليم نفسه للمختبرات العلمية والطبية؟ وهل من الممكن أن يتخلص البشر من «الاستبداد الديني» ومن لغاته المنعلقة على نفسها، ليتجه نحو ثورة علمية تسعى باستمرار إلى تجاوز نفسها، بحثا عن «حقائق» قابلة للتحول والتغيير والتطور؟

لقد اعتبر الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر، أن «فيروس كورونا المستجد جند من جنود الله؛ لكسر غرور العالم». وأضاف خلال تقديمه لبرنامج «لعلهم يفقهون»، المذاع عبر فضائية «dmc» ، أن العالم اتجه إلى الغرور بشكل حقيقي وضرورة الانتباه للدرس والعظة وعدم التمادي، موضحًا أن «الهلاك يأتي عند الثقة بالنفس بشكل مبالغ».
هذا الركوب على «الأوبئة والمجاعات والكوارث الطبيعية» ليس جديدا. فقد تعود رجال الدين، من مختلف الأديان، على التخفي وراء الغضب الإلهي من أجل تفسير تلك الظواهر القاهرة، وأيضا من أجل الإلحاق الجماعي للناس في سجل الإيمان. إنهم بستغلون خوف الناس وعجزهم من أجل «الاستقواء» على العلم. وهكذا، رأينا، مع تسجيل مزيد من الإصابات والوفيات، كيف يشتغل حراس العقيدة، وكيف يصدرون مواقف غريبة تستهين بالمرض، وأخرى مقززة لا تساهم إلا في تضليل من يتبعون إرشاداتهم بطريقة عمياء، ونشر خرافات وأكاذيب تعري جهلهم وتطفلهم على قضايا ليست من اختصاصهم.
ولعل من أغرب ما نصح به «علماء» الدين، «علاج جديد» يقضي بدهن فتحة الشرج بزيت البنفسج، قدمه الشيخ المثير للجدل عباس تبريزيان الذي يصفه أنصاره ب»والد الطب الإسلامي في إيران».
وقد عرض تبريزيان على قناته في تطبيق تلغرام، على متابعيه في 26 فبراير وصفته التي يدعي أنها ستجلب الشفاء لمن يعانون من كوفيد-19. وقال «قبل الخلود إلى النوم، ضعوا كرة قطنية مغموسة في زيت البنفسج على فتحة الشرج».
وليس هذا فقط، فقد نقلت تقارير إخبارية أنه مع بداية انتشار الفيروس المستجدّ في إيران، ظهرت على مواقع التواصل فيديوهات لزوّار يلعقون الأضرحة المقدسة في مدينتي قم ومشهد، في تحدٍّ صريح لقرار السلطات؛ ما أدّى إلى اعتقال بعضهم.
ومن مظاهر الجهل التي انشكفت مع ظهور كورونا، إقدام المرجع الديني العراقي قاسم الطائي أصدر فتوى دعا فيها إلى الاستمرار بزيارة الأماكن الدينية وإقامة صلوات الجماعة والجمعة، مدعيا أن «الفيروس لا يصيب المؤمنين».
وفي الأردن، استغل الشيخ أحمد الشحروري، انتشار الوباء، من أجل مهاجمة اليهود الذين قال إنهم «أخطر من فيروس كورونا ومن الإيدز والكوليرا». وقال إن «الجهاد يطهر الأجساد والأرواح ويمكنه إنقاذ الناس من هذه الأمراض»، على حد تعبيره.
وفي إسرائيل، تعددت نصائح الحاخامات لأتباعهم، حيث أقدم أحدهم على تقديم المشروب الكحولي «كورونا» على المؤمنين طالبا منهم احتساءه والدعاء إلى الله أن يحد من انتشار الوباء.
وحاول رجال دين يهود إيجاد تفسيرات دينية للفيروس في مقاطع فيديو نشروها على الانترنت. وقال الحاخام زامير كوهين، الذي يخضع للحجر الصحي، إن الفيروس «نتيجة طبيعية لأن غير اليهود يأكلون أي شيء». بينما طرح الحاخام مئير معزوز تفسيرا آخر يتعلق بالمثلية الجنسية، وقال إن «الله ينتقم من الشخص الذي يقدم على أفعال غير طبيعية». في حين ذهب الحاخام المتشدد الناطق بالفرنسية، رون تشابا، أبعد من ذلك، وقال إن «جميع العلامات التي تحذر من مجيء المسيح أصبحت ظاهرة للعيان الآن ومتوفرة، من المأساة أن نظل غير مبالين». وبينما أُغلق مجمع تسوغلاخانج Tsuglagkhang، الذي يضم أقدس المواقع لدى البوذية التبتية، بسبب الفيروس، أكد مكتب الدلاي لاما Dalai Lama ، أن موقعا فيروسيا على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يشارك تعليمات مزعومة من زعيم البوذية التبتية حول كيفية علاج فيروس كورونا، كان في الواقع خدعة بدون أساس واقعي. وفي الهند، وعلى الرغم من الخطر، استمر المصلون في التدفق على المعابد، ما أجبر السلطات الهندية على اتخاذ إجراءات. وتم إغلاق معبد Tuljabhavani في ولاية ماهاراشترا بعد أن زار 13000 من المصلين الضريح نهاية الأسبوع.
وفي حين أعلقت الجوامع والكنائس والبيع والمعابد البوذية والهندوسية أبوابها بدافع احترازي لتجنب الاختلاط والعدوى، انبرى بعض الفقهاء، في مغالطة واضحة، للدفاع عن «المعابد» أمام الحاجة الملحة إلى الأطباء والمستشفيات، وكأن العلم والطب ضد الدين، والحال أن التجربة البشرية، حتى الآن، أثبتت أن الإنسان يحتاج إلى إشباع روحي بقدر حاجته إلى الأطباء والمستشفيات، والمدرسين والمدارس، وأصحاب المهن والتخصصات المختلفة.
ويرى بعض المدافعين على الأديان أن «المعنى الروحي للأحداث الطبيعية ليس نظريات لاهوتيةً معقدةً، بل هي العبرة الظاهرة التي يتفطن لها أي أحد، فالقول إن الفيروس أظهر هشاشة الإنسان وحدود قوته وعجزه الأصيل وما يستدعي ذلك من دعوته إلى التواضع وكسر كبره، أو القول إن الفيروس أرى الإنسانَ العاقبة السيئة لإفساده في الأرض، وإخلاله بتوازن الطبيعة والإسراف في قطع الأشجار والإضرار بغلاف الأرض بسبب جشع ربح التصنيع وانبعاث الغازات، وأرى الإنسان عاقبة ظلمه في إنفاق المليارات على صناعة الأسلحة وتكديسها في مقابل إهمال الإنفاق على الصحة والتعليم.. إن مثل هذه الدروس الأخلاقية التي تنطق بها الأحداث الطبيعية هي عين التفكر الروحي».
وقد صرح، قبل أيام، رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي: «انتهت حُلول الأرض، الأمرُ الآن متروك للسماء». فهل هذا دليل على تغيير جذري في الفكر الديني؟ وهل يعني ذلك وجود قوة إيمانية خفية ضرورية كدعامة معنوية ضد الأزمات سواء كانت تلك القوة ذاتا إلهية، أو نبيا مسموع الكلام، أو عقيدة مقدسة؟ هل من المتوقع أننا سننتقل نحو غرب أكثر تدينا ينحسر فيه الفكر الوجودي أكثر من أي وقت مضى ويتجه نحو قالب فكري أكثر توازنا بين المادة والروح؟
أن رجال الدين، في الجهات الأربع للأرض، لا زالوا يبيعون الخرافات كبضاعة من بضائع الاستغباء الديني، فهل سيؤثر هذا على درجة تطور التدين العام على نحو تصاعدي؟ ألن ثقف الثورة الطبية في علم الفيروسات والميكروبيولوجيا في وجه هذا المنحى؟
من الأكيد، كما يقول الخبراء والباحثون أن نظرية العلاج الدوائي ستفقد نقاطا هامة أمام انطلاق العالم نحو فلسفة الطب الوقائي، كإجراء يفرضه عامل الهيكل الذهني للكائنات العدائية الدقيقة التي بدأت وستواصل تطورها وتأقلمها مع العضوية الطبيعية والإنسانية، كما أن منظمات الصحة العالمية التي أتبثت فشلها ستحل محلها أدوات دولية جديدة يراها العالم أكثر فاعلية وقدرة على التنسيق والتعبئة والتوعية، مثلما ستتغير عديد الأنظمة الصحية في العالم وتتبدل أولويات شركات الأدوية العالمية بتغير السوق الصحي، وستحظى المخابر البحثية باهتمام أكبر في الدول المتقدمة سواء من ناحية الأمن الطبي العام أو العسكري حتى باتجاه السباق نحو السلاح البيولوجي كأداة هجوم ودفاع وستصبح التهديدات سياسية وعسكرية وبيولوجية أيضا.. والأكيد أيضا أن «إيديولوجيا الأديان» ستتعرض للانحسار في لحظة اليقظة الكبرى، لأن الفيروس أثبت أن البشرية بحاجة إلى مهدئ ملموس أقوى من الدين.
يقول ألبير مخيبر، عالم الأعصاب وأستاذ علم النفس في جامعة باريس الثالثة: «المعتقدات السحريّة تجذب عدداً أكبر من الناس في مقابل الحقائق العلميّة، والسبب أنّ الأطباء والعلماء غير قادرين على تقديم إجابات قاطعة وجازمة، بين أطباء يقولون إنهم لم يعرفوا، بعد، كلّ المعطيات حول انتشار الفيروس وطريقة احتوائه، وبين من يؤكد، مثلاً، بشكلٍ قطعي أن طريقة الوقاية الثابتة هي أن ندور حول أنفسنا ثلاث دورات، بالتأكيد سينجذب الناس لتصديق صاحب اليقين، حتى وإن كان أسلوبه يعاكس العلم والمنطق».
ويضيف أننا «لن نتوقّف كفصيلة عن سرد القصص لتفسير العالم حتى لو تطوّرنا علمياً، لأنّنا ببساطة لا نمتلك القدرة الفيزيولوجية على فهم وإدراك كلّ المعلومات والمعطيات ورؤية الواقع بكلّ تدرجاته. القصص لا تهدّد وجودنا كفصيلة. العالم هو منافسة بين من يستطيع أن يسرد أجمل قصّة، وأن يجعل أكبر عدد من الناس تصدّق قصّته تلك».
إن العلم والطب الوقائي يتجهان، الآن، على قدم وساق إلى سرد أجمل قصة، وهي الكفيلة بإنهاء الخوف، ذلك أن «الخوف ليس أقوى من الإيمان على الإطلاق، على العكس، الهدف الأساسي من صوت الإيمان، هو تهدئة الخوف الأصلي عند كلّ الناس، أي الخوف من الموت. الهدف الجوهري من الدين طمأنة الإنسان أنّه إن مات، سيفوز بحياة آخرة»، وفق ما قاله ألبير مخبير في بحثه حول «الانحيازات غير الواعية للدماغ».
إن قصة السباق نحو إيجاد اللقاح هي التي ستصنع الفارق غدا بين العلم والتدين، وهذا يعتمد على سرعة الابتكار وحجم اللقاح المطلوب استعماله لكل إنسان مصاب على هذه الأرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.