مرض «الوذمة الوعائية العصبية» هو داء نادر قد يصبح خطيرا، ووفقا للإحصائيات في فرنسا ، فهو يصيب حالة واحدة من بين 150 ألف شخص، وينقسم إلى نوعين متباينين، النوع الوراثي، والنوع المكتسب. وبالنسبة للشكل الوراثي يكفي أن يكون أحد الوالدين حاملا للصبغي المريض لكي تظهر علامات المرض على أحد الأبناء. أما الحالة المكتسبة فتظهر عند المرضى المصابين بأورام لمفاوية ب (proliférations lymphomateuses B) . أول من أشار لأعراض هذا المرض هو "وليام أوسلر" سنة 1888، لكن لم يتم التفسير الكامل للمرض إلا في سنة 1963 ، حيث تمكن الطبيبان "دونالدسون" و"ايفانز" من ربط الأعراض السريرية بنقص في المادة التي تحدّ من مادة "س1 إستراز"، ويتعلق الأمر بأنزيم ينظم نشاط أول مكون لمنظومة المناعة المكملة (س1)، الشيء الذي ينتج عنه إفراز السيتوكينات، وهي مواد التواصل بين الخلايا التي يتم انتاجها من طرف خلايا جهاز المناعة كي تؤثر وتنظم عن بعد نشاط ووظيفة خلايا أخرى. ويرتفع خلال نوبات المرض مستوى مادة "براديكينين" في الدم، وهو هرمون ينتج تحت تأثير أنزيم صادر من الغدد العرقية، يؤدي إلى توسيع قطر الأوعية الدموية بتفاعله مع العضلات الملساء للأوعية الدموية مما يزيد من نفاذية الشعيرات الدموية. ويتكون نظام المكملة من 35 أنزيما، تنشط على شكل متسلسل في ما بينها، وهو جزء أساسي من المناعة الفطرية أو الأولية، 12 من هذه الأنزيمات تشتغل في مقاومة الكائنات المسببة للأمراض (جراثيم، بكتيريا،...) بينما 23 أنزيما الباقية تنظم بدقة عمل الأنزيمات الإثنى عشر كي تحد من بروز خلل في المناعة الذاتية. يظهر المرض على شكل وذمات بدون حكة؛ و"الوذمة هي عبارة عن انتفاخ وتجمع للمياه في الأدمة (الجزء العميق من الجلد) أو في البشرة (الطبقة السطحية من الجلد) أو في الأغشية المخاطية لبعض الأجهزة"، التي تكون عابرة (لا تدوم طويلا) ولكنها تعاود الكرّة غالبا في نفس المكان أياما أو أسابيع، وتصيب الوذمة الأطراف أو الوجه، ويمكنها أن تتخذ حجما كبيرا في بضع ساعات، لكنها تختفي غالبا بعد يوم أو يومين. وتختلف الأعراض، وذلك حسب المكان الذي تتواجد فيه الوذمة، كما تصاب الأغشية المخاطية خصوصا على مستوى الجهاز التنفسي والهضمي، علما بأن ظهور الوذمات على مستوى هذا الأخير يؤدي إلى صعوبة في البلع، بسبب نقص في حجم المسالك العلوية، وكذا آلام شديدة في البطن. وفي حالة إصابة الحنجرة والجهاز التنفسي قد تؤدي الوذمة إلى الموت بالاختناق. تظهر الوذمات على شكل نوبات متكررة باستمرار بعد التهابات مختلفة (المسالك التنفسية العليا ...)، إجهاد بدني أو عصبي، أو بعد صدمات عصبية أو نفسية أو عاطفية، (حوادث السير، عنف، عملية جراحية، ...)، ويتعين على المصاب أن يستشير الطبيب الذي سوف يتدخل بصفة مستعجلة لعلاج الحالة وتحديد الأسباب عن طريق إجراء تحاليل الدم (مطبث "س1 إستراز"، مستوى "س2 " و "س4 "). وتتميز الحالة المكتسبة بعدم تواجد أفراد من العائلة مصابين بنفس المرض، وتصيب هذه الحالة خاصة المرضى المصابين بأورام لمفاوية "ب"، كما تتميز كذلك بنقص في عمل "س1 " و"س4 " وتواجد مضادات أجسام موجهة ضد الكريات اللمفاوية "ب" . إلا أنه نادرا ما يظهر النوع المكتسب عند المرضى المصابين بمرض الدويبة الحمراء، وفي هذه الحالة يمكّن المختبر من الفحص عن الأجسام المضادة للنواة والتي تشير إلى خلل في المناعة الذاتية (تطوير أجسام مضادة ضد أنسجة الجسم نفسه). ويعتمد العلاج الأساسي في الحالات الوراثية على أدوية تعالج نقص المادة المحبطة ل"س1 إستيراز"، وهي تحتوي على منشطات الهرمونات الذكرية مثل دواء "دانازول"، بينما خلال النوبات والأزمات الحادة تستعمل أدوية تحتوي على مطبث "س1 إستراز" بشري أو مصنع، و كذلك على أدوية تمنع عمل البرديكنين. ويمكن كذلك استعمال هذه الأدوية في الوقاية من الحالات المتكررة الشديدة الخطورة، مثل إصابة الحنجرة، أو قبل إجراء أية عملية جراحية بالنسبة للمصابين بمرض "الوذمة الوعائية العصبية" . لأن ذلك قد يؤدي إلى نوبة حادة. وأخيرا، ونظرا للطابع الوراثي للمرض، ننصح الأزواج أو المقبلين على الزواج بالإقدام على إجراء استشارة طبية متخصصة.