رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية: برنامج الدعم الاجتماعي المباشر سجل مستوى رضا عام يصل إلى 87.46 بالمائة    صحيفة "الشروق" التونسية: ياسين بونو قدم أداء "ملحميا بكل المقاييس" في كأس العالم لأندية كرة القدم    جرسيف.. توقيف سبعة أشخاص ينتحلون صفات موظفين عموميين ومسؤولين بمؤسسات خاصة للنصب والاحتيال    توقعات أحوال الطقس غدا الخميس    الأمني: حضور رئيس الحكومة في البرلمان.. بين مزاعم بووانو وحقيقة الواقع    أنغام تخرج عن صمتها: لا علاقة لي بأزمة شيرين وكفى مقارنات وظلم    بنسعيد: المغرب يراهن على صناعة الألعاب الإلكترونية لبناء اقتصاد رقمي قائم على الإبداع والشباب    نشرة إنذارية: موجة حر مع الشركي وزخات رعدية قوية مع تساقط محلي للبرد وهبات رياح مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    جريمة جديدة بحق الطواقم الطبية.. إسرائيل تغتال مدير المستشفى الإندونيسي وعدد من أفراد أسرته بغزة    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    تفاصيل تفكيك خلية "داعشية" تنشط بين تطوان وشفشاون    السجن المحلي بالعرائش: وفاة سجين معتقل على خلفية قانون مكافحة الإرهاب    "البيجيدي": وهبي ألحق ضررا معنويا بمؤسسة القضاء بإصراره على محاكمة المهدوي    حزب "النهج" يستنكر سياسة التهجير القسري ونزع الأراضي وتفويتها لصالح اللوبيات العقارية    النفط يرتفع بعد تعليق إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    مجلس المنافسة: "مول الحانوت" يُسرع في رفع أسعار المواد الغذائية ويتأخر في خفضها    بودريقة يدان ب5 سنوات سجنا وغرامة ثقيلة في قضايا نصب وتزوير    العدالة والتنمية: عناصر البوليساريو "مغاربة ضالين" وليسوا أعداء    تكريم عبد اللطيف بنشريفة من الجامعة الدولية بالرباط بالجائزة الدولية للجغرافيا بألمانيا    اعتراف دولي متزايد بكونفدرالية دول الساحل.. مايغا يدعو إلى تمويل عادل وتنمية ذات سيادة    ممثل وزارة الخارجية في المناظرة الوطنية: الذكاء الاصطناعي أداة لبناء شراكات جنوب-جنوب مبنية على القيم والمصالح المشتركة    الرعاية الملكية السامية شرف ومسؤولية و إلتزام.    التنسيقية المهنية للجهة الشمالية الوسطى للصيد التقليدي ترفع مقترحاتها بخصوص '' السويلة '' للوزارة الوصية    وقفة احتجاجية بسلا ضد الإبادة الإسرائيلية في غزة ومطالب بفتح المعابر        دورتموند يعبر مونتيري ويضرب موعدا مع الريال في ربع نهائي كأس العالم للأندية    أتلتيكو مدريد يتعاقد مع المدافع الإيطالي رودجيري قادما من أتالانتا    مجلس المنافسة: التجارة الإلكترونية تجذب المستهلك المغربي والشركات الغذائية تتجه للتسويق الرقمي    ترامب يحث حماس على قبول "المقترح النهائي" لهدنة 60 يوما في غزة    روبرت كلارك يكتب في صحيفة التلغراف البريطانية: بريطانيا مطالبة بتصنيف "جبهة البوليساريو" منظمة إرهابية    تفكيك خلية إرهابية موالية لما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية" تنشط بين تطوان وشفشاون    النائبة الفرنسية نعيمة موتشو: فرنسا ينبغي ان ترفع صوتها ضد الاعتقال التعسفي لمواطنيها في دول استبدادية مثل الجزائر    الحر يبدأ التراجع في أوروبا وترقب حدوث عواصف رعدية    نيوكاسل الإنجليزي يعتذر عن مشهد مسيء في فيديو الإعلان عن القميص الثالث    ملتقى فني وثقافي في مرتيل يستكشف أفق البحر كفضاء للإبداع والتفكير    أطفال يفترشون الأرض أمام المركز الوطني للتخييم بالغابة الدبلوماسية.. مشاهد صادمة تستدعي تدخلاً عاجلاً!    كأس أمم إفريقيا للسيدات (المغرب-2024): لاعبات المنتخب الوطني "متحمسات لانطلاق المنافسات" (خورخي فيلدا)    كاريكاتير في مجلة "LeMan" في تركيا يشعل حالة غضب ويؤدي إلى اعتقالات واسعة    ساكنة حي اشماعو بسلا تستنجد بالسلطات بسبب سيارة مهجورة    مهرجان موازين يستقطب أكثر من 3,75 مليون متفرج ويحتفي بأزيد من 100 فنان عالمي    انطلاقة قوية للمناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي تُبرز طموح المغرب للريادة الرقمية (صور)    الريال يتخطى اليوفي بمونديال الأندية    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    شيرين عبد الوهاب تتعثر فوق مسرح "موازين" وغادة عبد الرازق تصفق للظلّ    شيرين تهدد باللجوء الى القضاء بعد جدل موازين    عاجل.. بودريقة يشبّه محاكمته بقصة يوسف والمحكمة تحجز الملف للمداولة والنطق بالحكم    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    الهلال السعودي يواصل الحلم بقيادة ياسين بونو.. مباراة ملحمية وبصمة مغربية حاسمة    أكادير تحتضن أول مركز حضاري لإيواء الكلاب والقطط الضالة: المغرب يجسّد التزامه بالرفق بالحيوان    العصبة تحدد موعد فترة الانتقالات الصيفية وتاريخ إجراء قرعة البطولة الاحترافية    وقت الظهيرة في الصيف ليس للعب .. نصائح لحماية الأطفال    حرارة الصيف قد تُفسد الأدوية وتحوّلها إلى خطر صامت على الصحة    إبداع بروكسل يفك الحصار عن غزة    الصويرة تحتضن مؤتمر المدن الإبداعية 2026    الصحة العالمية تحذر: الهواتف ووسائل التواصل تعزز مشاعر الوحدة        ضجة الاستدلال على الاستبدال    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدلية الإنتاج والتلقي في «الكتابة والزمن»لعبد العالي بركات

يقف المتأمل في واقع النظرية الأدبية على طبيعتها الديناميكية، فهي فعل معرفي لا نهائي، قائم على العلاقة التأثّرية المتبادلة بين الذات والموضوع، ومن ثمة فإن إدراكنا للموضوع لا يستقر على حال ولا يتشكل وفق وعي ثابت وقار، لأنها سلسلة من المقاربات المتتالية والمتعاقبة التي تعيد النظر باستمرار في المفاهيم والمبادئ والتصورات التي تحكم فعل الإبداع والقراءة وتحدد أنماط التأويل. وفي هذا السياق تروم هذه المقالة البحث عن ملامح اشتغال جدلية الإنتاج والتلقي في المنجز النقدي للباحث المغربي عبد العالي بركات
بعنوان “الكتابة والزمن- مقالات أدبية”.
الكتابة الإبداعية
ينظر النقاد إلى الأدب باعتباره جدلية بين النص والقارئ، ولذلك لم يعد يلتفت إلى النص باعتباره بنية مغلقة، أو إلى المؤلف باعتباره الخبير الأول بدلالة النص، وإنما صار ينظر إلى النص في بعده التفاعلي الجديد الذي يدخله في علاقة بالقارئ. لكن الكِتاب قد يموت إذا ارتبطت به صفة “قيد الطبع” ردحا كبيرا من الزمن، وهذا ما ما يؤكده الباحث عبد العالي بركات في سرد القصة التالية: “كنت ألتقي أحد الكتاب باستمرار، وأسأله عن إصداره الجديد؛ فيخبرني بأن هذا الإصدار قيد الطبع؛ فتمر عدة أسابيع أو شهور، وأوجه إليه السؤال عينه: هل طبعت الكتاب المعلوم يا هذا؟ فيجيب: لا، إنه قيد الطبع… كل هذه المدة وهو لا يزال قيد الطبع، لعل دواليب المطبعة قد اعتراها الصدأ. هل يمكن للكتاب أن يصدأ هو الآخر؟ نعم يمكن ذلك بمعنى من المعاني، قد يتقادم، قد يصبح متجاوزا، قد لا يصير هناك مجال للحديث عن التحقيب”.
قد يطال الكتاب الصدأ –للأسف الشديد- على الرغم من أن العملية الإبداعية تعبير صادق عن التجربة الإنسانية، تتجاوز الإدراكين الحِسِّي والعقلي إلى إدراك الحلم الروحي الذوقي القائم على مَلَكَة الخيال والباعث للانفعال، والمولد للذة الشعور عند المرسِل والمتلقي على حد سواء. غير أن الباحث يشير إلى ظاهرة هامة عمّت العمل الإبداعي في الوقت الحالي، ونقصد بها ظاهرة الانتحال، إذ يقول في دراسة عنوانها “موت الإلهام”: “يمكن أن تختار أي نص إبداعي، غني بقاموسه اللغوي وصوره الشعرية، وتقوم بنقله وإلصاقه في خانة خاصة بخلط الكلمات، ثم تضغط على زر ليتحول النص في رمشة عين إلى مزيج من الجمل، الإنترنيت الذي عنده علم من الكتاب يأتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، وما عليك وأنت تراه مستقرا عندك إلا أن تقول هذا من فضل ربي”.
نستخلص من هذا المقطع السخرية من الانهيار القيمي والأخلاقي الذي ساد الحقل الثقافي لدى النخبة المثقفة، التي تدَّعي لنفسها التمرد على أزمة القيم واستشراف الغد المشرق، غير أنها في واقع الأمر تعتمد على خلّاط الكلمات الذي ينتج عبارات لا تخضع إلى التساوق والتماسك، ويرى الباحث أن “خروج النص الإبداعي على هذا المنوال، يدعونا إلى كثير من التأمل، خصوصا عندما نستحضر المعاناة التي تتطلبها عادة كتابة نص يعتمد بصفة أساسية على قريحة الكاتب وموهبته وإلهامه، بعيدا عن حبل الإنترنيت وتطبيقاته وأنظمته الماكرة”.
والحقيقة أن المبدع الذي يصبو إلى نوع من التسامي في ما يرومه من أفكار، وفي ما يختلج في نفسه من مشاعر وأحاسيس، خليق به العزوف عن خلاط الكلمات – بتعبير الباحث- لأن الصلة بين المبدع والمتلقي تنبثق من سعي كل منهما إلى تصور عالم أكثر كمالا من عالم الواقع، ومبعث هذا التصور هو الإحساس بفظاعة الواقع وشدة وطأته على النفس.
فعل القراءة
إن القراءة نشاط خلَّاق يقوم على الهدم والبناء، وقد غدا ضرورة حتمية لتحقيق الأدب وإدراك علاقته بالمجتمع، لكونها ترتبط ارتباطا وثيقا بصور المجتمع وهياكله الاجتماعية، والعلاقات الرابطة بين الطبقات والأفراد. وهذه العلاقة بين الأدب والمجتمع، هي التي تتحكم في ممارسة القراءة، بل وحتى في عملية الإبداع ذاتها، مادام الأدب هو مواقف متغيرة حسب الزمان والمكان. بيد أننا أصبحنا نلمس في العصر الرّاهن عدم الاهتمام بجمهور القرّاء في المناسبات التي تنظّم فيها الملتقيات الأدبية والعروض الفنية، وفي هذا الصّدد يقول الباحث عبد العالي بركات: “واقعة طريفة عايشتها مطلع هذا الأسبوع، كانت هناك ندوة فكرية حول موضوع هام، مبرمجة في الساعة الرابعة بعد الزوال تماما. عجلت بقضاء بعض الأشغال الشخصية؛ لأجل أن أكون في الموعد المسطر. في تمام الساعة الرابعة كنت أمام المركب الثقافي حيث ستقام الندوة، غير أنني لم أقصده؛ فمن شدة تعودي على إخلال المنظمين بمواعيدهم، استبعدت كثيرا أن تشرع النّدوة في ذلك التوقيت بالذات”.
وإذا كانت لغة التواصل دائما تنظيما اجتماعيا؛ أي نسق من العلامات بتعبير اللسانيات الحديثة، فإن الباحث عبد العالي بركات يؤكد على أحقية المسؤولين عن تنظيم الملتقيات الثقافية والفنية في إنتاج نص الدعوة وإعادة كتابته وفق الشروط التي تضمن الصدق والصراحة وتحري الموضوعية، فنجده يقترح ما يلي: “ينبغي على المسؤولين عن تنظيم الملتقيات الثقافية والفنية –لأجل أن يكونوا صرحاء وصادقين- أن يسطروا في بطائق الدعوة برنامج أنشطتهم على النحو الآتي: يقام النشاط الفلاني مبدئيا في الساعة الرابعة أو السابعة مساء، لكن يمكن أن يتم تأخيره بحوالي ستين دقيقة أو أكثر، ولا تنتظروا منا أن نعتذر لكم عند الشروع في تنظيم النشاط في غير موعده المحدد، والدعوة عامة”.
وعموما فإن عملية القراءة لا ينبغي أن تتجه نحو الألفاظ بمعزل عن سياق تأليفها، إذ من شأن هذا الإغفال أن يحجب عن القارئ إبداعيتها وفنيتها. ولهذا فإن فعل القراءة يقتضي من الباحث جهدا غير يسير، وهذا الجهد يتدرج عبر معرفة اللغة وتركيبها وضروب القول فيها. وتحقيق هذه الغايات يستدعي من القارئ خبرة تساعده على إدراك جمالية الإبداع. ولهذا نجد رولان بارت يؤكد على أن “النص الذي كتب بلذة فائقة يثير نفس اللذة في نفسية المتلقي”. غير أن المثير للانتباه –في العصر الرّاهن- هو الإقبال على الكتب التي تحقق الإشباع البطني أكثر من الكتب التي تحقق الإشباع الذهني وتفضي إلى متعة القراءة، وهذا ما أشار إليه الباحث بقوله: “يظل صنفان من الكتب في الصّدارة من حيث الإقبال على شرائها: الكتب الدينية وكتب الطبخ، وهذا نلاحظه بالملموس سنة بعد أخرى، خصوصا خلال المناسبات الكبرى لعرض الكتب، من قبل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، وهو ما يجعل العديد من الكتبيين والناشرين، يسايرون هذا التوجه؛ فليس هناك تاجر يقبل أن تبور تجارته”.
وما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو أن الباحث عبد العالي بركات يقترح اسم القارئ المجرم، فيقول: “مما يزعج كذلك في بعض المكتبات، هو حين استعارة كتاب معين منها، وعند متابعة قراءته يجد القارئ ورقة أو عدة أوراق مفصولة بواسطة شفرة حلاقة حادة، إلى حد يجعلك تفكر في أن صاحب هذا الفعل لا يمكن أن يكون إلا قارئا مجرما”.
يدعو الباحث إلى نبذ الإجرام الذي طال الكتب الإبداعية في المكتبات المغربية ويحث على تخليق الفعل القرائي والتفاعل مع العمل الإبداعي الذي يعد حوارا بين شخصين أحدهما مرسِل تحكمه قصدية الإبلاغ مع التأثير، والثاني مرسَل إليه يبحث عن الفن والجمال، أو يقرأ بلذة وعشق. والرسالة المتوخاة منه تتجلى في إثارة المتلقي وجعله ينصت إلى المرسِل ويؤمن برسالته ويتذوق لذَّتها لفظا ومعنى، شكلا ومضمونا.
على سبيل الختم
اعتمادا على ما تقدّم من طرح، نستخلص أن كتاب “الكتابة والزمن” قدّم فيه صاحبه تصوّرا محكما عن جدلية الإنتاج والتلقي ورصد منهجية يحتل فيها المتلقي الصدارة، وذلك بالنظر إلى الدور الحيوي والمهم الذي يقوم به في تحقق العمل الأدبي. والقارئ بذلك لا تتحدد وظيفته في فعل القراءة البسيطة والاستهلاكية، بل عليه أن يكون فعَّالا، ويدخل مع النص في علاقة حيوية تفاعلية. وإذا كان المبدع الحقيقي يهدف إلى الإفصاح عن تجربته الذاتية فحري به درء خلّاط الكلمات الذي يسيء إلى جوهر الكتابة الإبداعية التي تروم تعميق الرؤية عند المبدع والمتلقي لتغدو حقلا خصبا للذة. لأن لذة النص الإبداعي رهينة بتجاوزه لذاته واستدعائه لمتلقيه وحاجته الماسَّة إليه، فحضور القارئ في النتاج الإبداعي حاضر بقوة، خاصة حين يتجاوز مرحلة الفهم إلى مرحلة التفسير؛ أي لذة التذوق والاستهلاك إلى لذة المشاركة في الإبداع، وإنتاج معنى اللغة ببنائها المثير والمتميز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.