عقب نهاية مباراة «الكلاسيكو» التي جمعت عصر يوم الأربعاء 12 فبراير 2020 بالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط، بين الغريمين الجيش الملكي والرجاء البيضاوي برسم الجولة الخامسة عشرة، والتي آلت نتيجتها إلى الفريق العسكري المضيف بهدف نظيف، عادت للأسف ظاهرة شغب الملاعب لتثير الهلع من جديد في النفوس، على إثر اندلاع مواجهات عنيفة بين أنصار الفريقين، تمثلت في تبادل الرشق بالحجارة وإلحاق أضرار بليغة بالأشخاص وتخريب الممتلكات. فمن يا ترى يتحمل مسؤولية هذه الأحداث الخطيرة التي غزت مقاطعها منصات التواصل الاجتماعي، مما أثار استياء عميقا وردود فعل غاضبة، بسبب ما تحمله تلك الأشرطة من مشاهد دامية وصراخ وعويل؟ يجمع الكثيرون على أن الهجوم على مشجعي الفريق البيضاوي الزائر ومعهم عناصر القوات العمومية، يعود بدرجة كبيرة إلى سوء التنظيم سواء أثناء الولوج إلى الملعب أو عند مغادرته، حيث إن الجهات المنظمة أساءت التقدير عندما سمحت لجماهير الطرفين بالخروج دفعة واحدة، في وقت كان يفترض فيه أن يفسح المجال فقط أمام مناصري طرف واحد للانصراف وتأمين الطريق لهم، تفاديا لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى الاحتكاك والاستفزاز. ثم كيف كانت ستكون عليه الأوضاع لو أن المقابلة انتهت بانهزام الفريق المستقبل؟ ذلك أن هذه الأحداث الدموية المؤسفة التي كانت جنبات المركب الرياضي والطريق السيار الرابط بين العاصمتين الإدارية والاقتصادية مسرحا مأساويا لها، خلفت حصيلة أولية تكاد تكون ثقيلة وفق ما أعلنت عنه مصالح الأمن الوطني في بلاغ لها، حيث تم توقيف 13 شخصا للاشتباه في مشاركتهم في أعمال الشغب من خلال الرشق بالحجارة وإلحاق خسائر مادية وتخريب ممتلكات عمومية وحيازة أسلحة بيضاء وشهب نارية وممارسة العنف في حق موظفين عموميين. كما أنه تم تسجيل إصابات جسدية متفاوتة الخطورة في صفوف المشجعين أنفسهم والقوات الأمنية والوقاية المدنية، وطالت الخسائر المادية عددا من مركبات الأمن وشاحنة للوقاية المدنية وسيارة إسعاف وعربات أخرى في ملك الخواص… وغني عن البيان أن هذه الأعمال المنفلتة الشنيعة التي تندرج في إطار ما يسمى بشغب الملاعب، لا تسيء فقط إلى صورة الرياضة الوطنية والأندية الرياضية، بل تمس أيضا بسمعة المغرب والجمهور الرياضي المغربي قاطبة، وجاءت لتعيد للأذهان مرة أخرى حجم العنف والبشاعة وصور الضحايا وآثار الخراب والتدمير التي سبق أن عرفتها الكثير من ملاعب كرة القدم بسبب تلك الاعتداءات الإجرامية، التي كنا نعتقد واهمين أننا في طريق الحد من انتشارها، في ظل ما اتخذ من تدابير وقرارات وتنامي الوعي لدى شبابنا. إلا أنها كشفت عن فشل ذريع في تطويق الظاهرة، وتؤكد من جديد أن الشغب ليس حدثا معزولا وعابرا ينجم عن فئة من الأشخاص المحبطين، الذين يعبرون بوسائلهم الخاصة عن مدى حاجتهم إلى التنفيس من الضغوطات النفسية والاجتماعية والرغبة في تحقيق الذات، بل أصبح كما يراه بعض المهتمين بالشأن الرياضي سلوكا ملازما للمشهد الكروي، وهو في واقع الأمر امتداد لما بات يسم المجتمع من مظاهر العنف في البيت والشارع والمدرسة… وقد تحول شغب الملاعب إلى آفة مزمنة تؤرق الأسر المغربية والأندية الرياضية وتقض مضاجع المسؤولين وكافة المتدخلين، لاسيما أنه ما انفك يتفاقم بشكل رهيب خلال السنوات الأخيرة. ويعد الشغب كذلك نوعا من التحريض على الكراهية وبث بذور التعصب بين الجماهير والدفع بهم نحو إثارة الفوضى والتصادم، وهو باقتضاب شديد أي تصرف غير محسوب العواقب، يرتبط بنزعة سلبية متجذرة في عقلية شريحة واسعة من المحسوبين على مشجعي هذا الفريق أو ذاك، وهي كل تلك الأعمال العدوانية التي يمكن إجمالها في الضرب والجرح وتدمير وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة على حد سواء، في خرق سافر للأنظمة والقوانين المدنية المعمول بها قبل وأثناء وبعد المقابلات الرياضية… صحيح أن الشغب الرياضي ظاهرة كونية، تعاني من آثاره معظم المجتمعات بأشكال متفاوتة، جراء ما يرافقه من عنف ويخلفه من أضرار بليغة، بيد أنه من غير المقبول الوقوف عند حدود سن قوانين واتخاذ إجراءات وقرارات دون تفعيلها. فأين نحن من تلك الخطط التي كنا نأمل أن تكون كفيلة باحتوائه؟ وما سبب العدول عن منع القاصرين من ولوج ملاعب كرة القدم، وإعداد قوائم بأسماء المحرضين وذوي الميولات التخريبية، ونشر كاميرات المراقبة وتشديد عمليات التفتيش؟ أليس من العار أن تسرق فرحتنا وتسال دماء أبنائنا وتزهق أرواحهم وتخرب ممتلكاتنا العامة والخاصة باسم الرياضة الأكثر شعبية في بلد يتطلع ثانية إلى تنظيم «مونديال» 2026 ؟ علينا أن ندرك جميعا أن مكافحة الشغب لا يمكن أن تنحصر فقط في التركيز على المؤسسة الأمنية، إذ هناك مؤسسات أخرى ذات أهمية كبرى ينبغي لها هي أيضا أن تتحمل مسؤوليتها، منها الأسرة والمدرسة والقضاء والإعلام وخاصة الرياضي…