غياب التأمين والحماية القانونية و التغطية الصحية، هزالة الأجور، انعدام الكهرباء و الماء الشروب و المرافق الصحية ، صعوبة المسالك الطرقية …. أصبح التعليم الأولي بالمغرب يحتل مكانة مهمة ضمن قضايا التربية و التكوين، كما صار مجالا ضروريا في حياة الأطفال التعليمية ، باعتباره ركيزة أساسية في نمو وتطور الطفل لكونه اللبنة الأولى والأساسية في منظومة التربية والتكوين ،حيث إن الطفل في هذه المرحلة يتلقى أولى تعلماته ويصقل شخصيته ويكتسب الآليات والمبادئ الأولى للتفكير العلمي السليم ليصير مواطنا صالحا منسجما مع مجتمعه ومنفتحا على العالم، الامر الذي يجعل ايلاء الاهتمام الكبير للمربين و المربيات ،خصوصا في البوادي، ليكون رافعة للتنمية وسبيلا لتقدم البلاد.
المربيات بالعالم القروي…معاناة لا تنتهي … يعيش المربي أو المربية بالتعليم الاولي خصوصا بالعالم القروي معاناة تكاد لا تنتهي، نظرا لما تتطلبه هذه المهنة من تضحيات بسبب جسامة المسؤولية وعظم الرسالة التعليمية التي تحملها « المهنة « اتجاه أطفال صغار لا تتجاوز أعمارهم(3-4-5) سنوات ، وتختلف المعاناة من منطقة لأخرى و بين الجنسين، بحيث نجد المربي كيفما كانت الأحوال أقل ضررا من المربية التي تعتبر الأم الثانية للأطفال . الملحق التربوي لجريدة الاتحاد الاشتراكي زار بعض المراكز و الاقسام التي يوجد بها التعليم الاولي بالعالم القروي باقليم سيدي بنور، قصد الوقوف عن كثب على معاناة هذه الفئة التي اسندت لها مهمة تربية و تعليم الطفل في مرحلة تعد أهم مراحل الحياة وأكثرها تأثيرا في مستقبل الإنسان، فهي مرحلة تكوينية يوضع فيها الاساس لشخصيته ويكتسب فيها عاداته وأنماط سلوكه، كما أن كل ما يعيشه ويمر به من خبرات وعلاقات وتفاعلات يكون لها أثرها على اتجاهاته المستقبلية. * الأستاذة فتيحة ( اسم مستعار ) شابة تبلغ من العمر حوالي 27 سنة ،حاصلة على شهادة الاجازة ،عبرت بقلق شديد عن معاناتها اليومية المتمثلة في التنقل من و الى مقر عملها بإحدى الدواوير التي تبعد عن مدينة سيدي بنور بحوالي 23 كلم ‘ فهي تعمل فقط خلال الفترة الصباحية و تدرس حوالي 27 طفلا .تخرج من مقر سكناها لتعانق أجواء باردة و الظلام لازال مخيما على المدينة، مما يجعلها تشعر بالخوف و الفزع في كل ساعة بل في كل لحظة و لا يهدأ بالها الا وقدماها قد وطأت ساحة المكان الذي تدرس به ، بحيث تكون قد تأكدت من افلاتها من خرجات الكلاب المفاجئة … و تضيف ( فتيحة ) أنها تتعرض باستمرار للتحرش ، و كذا المعاملة السيئة من طرف بعض أمهات الاطفال و آبائهم … ناهيك عن غياب المرافق الصحية وما تضيفه من معاناة تحط من الكرامة . أما بخصوص الراتب الشهري ، فبالرغم من هزالته (1500درهم للشهر حسب العقدة مع الجمعية) فهي لحد الساعة لم تتوصل بمستحقاتها ، بدعوى أن الجمعية لم تتوصل بعد بالدعم … و قد ختمت كلامها بجملة بسيطة « ها حنا صابرين حتى يحن مولانا « جملة تحمل في طياتها ملخصا لثقل المعاناة التي تعيشها . سعيد الشرع ، رئيس جمعية الوحدة للثقافة و التربية و التنمية ، صرح للملحق أن الجمعية التي يديرها أبرمت عقد شراكة بخصوص مشروع التعليم الاولي من بينها المديرية الاقليمية لقطاع التعليم بسيدي بنور، و انه بموجب ذلك يستغل مجموعة من قاعات الدرس بالمؤسسات التعليمية بالاقليم، يشتغل رفقة طاقم تربوي يتكون من المربيات فقط ( حوالي 30 مربية ) يسلمهن أجورهن بانتظام رغم عدم توصل الجمعية بالدعم ، بحيث تعمل الجمعية بوسائلها الخاصة – يقول سعيد- لتوفير ما أمكن من الظروف الملائمة للمربيات حتى يتمكن من أداء رسالتهن في أحسن الظروف، علما أن مرحلة التعليم الأولي هي المرحلة التي تتحدد فيها المعالم الرئيسية لشخصية الانسان في أبعادها المختلفة، ففي هذه المرحلة تتسرب كثير من القيم، وتتشكل الملامح النفسية وطبائع التعامل و أنماط السلوك، وتشهد بداية الأنا العليا، وتأخذ فيها القدرات الحسية الحركية في الضبط والتناسق، كما تبدأ مرحلة تمايز الذات عن الغير وتبدأ ملامح تكوين أفكار عن العالم الخارجي، وبالتالي فافتقار الطفل في هذه المرحلة للرعاية والتوجيه اللازمين، يمكن أن يؤدي إلى وقوعه في مظاهر الاضطراب السلوكي والتأخر العقلي والفشل الدراسي، و هذا كله يجعلنا نهتم بالدرجة الاولى بالمربية التي تحمل الكثير من المتاعب ، يكفي أن عدد الاطفال بالاقسام يتراوح ما بين 27 و 40 طفلا … * الاستاذة ( ن – ن ) متزوجة و لها طفلان ،تشتغل كمربية مع احدى الجمعيات الوطنية المهتمة بالتعليم الاولي ، تجاوبا مع أسئلة الملحق التربوي، اخبرتنا انهن يعانين في صمت ، دون أن يلتفت أحد لذلك ، فالمعاناة مع الحصص الدراسية ، مع التنقل ، و هضم الحقوق بحيث لا يتوفر الكثير من المربيات على تأمين وحماية ,ولا على رواتب محترمة تكفي حاجتهن ويستطعن عبرها ضمان كرامتهن , افتقاد الكهرباء و الماء الشروب و المرافق الصحية ببعض المراكز ، اضافة الى صعوبة المسالك الطرقية و غياب التغطية الصحية … وكل هذه الظروف تقول الاستاذة ( ن – ن ) التي تمر منها المربيات عامة و بالعالم القروي خاصة، لها انعكاسات سلبية على العملية التربوية والنفسية لهن مما يؤدي إلى فشل المنظومة التعليمية في بداياتها . * محمد بوشريكة، رئيس جمعية أرض بلادي للبيئة و التنمية . لم يخف ما تتحمله المربيات من معاناة متعددة ، مؤكدا للملحق عدم تسوية الوضعية المالية للمربيات اللواتي يشتغلن معه ،وأفاد بأنهن يتقاضين أجرا يتحصلنه من عند آباء الاطفال ( 50 درهما للطفل ) بمعنى أن الآباء يؤدون واجب تعلم أطفالهم و ليس الجمعية أو جهة أخرى ، موضحا ان جميع الاطفال منخرطين في « مسار « و أن رئيس المؤسسة له السلطة عليهن في مراقبتهن في الوقت الذي يغيب فيه دور المراقبة من طرف السادة المفتشين و اللجان المختصة ، و هذا يحيلنا على المشاكل المتعلقة بتكوين المربيات و كذا طرق الاشتغال مع الاطفال … مصرحا أن ما يناهز 80 مربية موزعة بالعالم القروي باقليم سيدي بنور منهن من يعملن في حصة الصباح و منهن من يعملن خلال الفترة الصباحية و المسائية ، معتبرا أن مشروع التعليم الاولي لازال في بداياته وهو يحتاج الى المزيد من الدعم و التدخل من الجهات المعنية حتى يرقى الى المستوى المنشود .لهذا يجب تدخل الدولة بشكل من الأشكال لمعالجة هذه المعيقات التي تشمل الوضعية المزرية للمربيات المالية والقانونية رغم مجهودهن الجبار والكبير و مصاحبة التربية الوطنية والتكوين المهني لهذه الفئة الفاعلة داخل المجتمع المغربي بالتكوين الجيد والمستمر . اهتمام بالمشروع وإهمال للحقوق لقد خصصت الرؤية الاستراتيجية للتعليم الأولي الرافعة الثانية، عنونتها بإلزامية التعليم الأولي وتعميمه،حيث اعتبرته القاعدة الأساس لكل إصلاح تربوي، مبني على الجودة وتكافؤ الفرص والمساواة والإنصاف. الامر الذي لن يتحقق الا بالاهتمام بالمربيات و اخضاعهن للتكوين المستمر بما يرفع من كفاياتهم التعليمية و من معارفهم و مداركهم ، و هي أمور تندرج ضمن حقوق المربيات على المتعاقد معهم ، و في هذا الصدد توجهنا الى المديرية الاقليمية لقطاع التعليم بسيدي بنور، محملين بمجموعة من الاسئلة ، أفادنا في شأنها رئيس مشروع التعليم الاولي الاستاذ محمد بلمودن و هو بالمناسبة رئيس مصلحة الشؤون التربوية، حيث افاد أن حوالي 150 مربية استفادت من 5 دورات تكوينية (مدة كل دورة خمسة أيام) حول الإطار المنهاجي للتعليم الأولي، الاستفادة شملت أيضا جميع المربيات العاملات بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي وبالأقسام المدمجة بالمؤسسات التعليمية العمومية بإقليم سيدي بنور . وهي الدورات التكوينية التي تم إنجازها خلال شهر نونبر 2019 و قد أنجزت تكوينات أخرى بتنسيق بين المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بسيدي بنور وعمالة الإقليم والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (Anapec): استفادت بموجبها 114 مربية من تكوين خلال صيف 2019، ويشتغلن في المراكز التي تسيرها المؤسسة المغربية للنهوض بالتعليم الأولي بإقليم سيدي بنور، بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبتنسيق مع مديرية التعليم. و عن موضوع الدعم الذي يشكل الحجر الأساس الذي يشتكي منه الجميع، أوضح الاستاذ بلمودن أن المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بسيدي بنور ،أعلنت عن طلبات عروض بالنسبة للجمعيات الراغبة في الاستفادة من الدعم في مجال التعليم الأولي برسم الموسم الدراسي 2019-2020 لتسيير الأقسام المفتوحة بمؤسسات التعليم العمومي، وقد استفادت 13 جمعية في هذا الإطار، وهو ما سيمكنها من فتح 54 قسما للتعليم الأولي المدمج، وبالتالي تشغيل 54 مربية وفق دفتر التحملات الموضوع من طرف المديرية الإقليمية لهذا الغرض … تعدد المتدخلين وغياب التنسيق المتدخلون في التعليم الأولي، سواء على مستوى مؤسسات الدولة أو غيرها فهناك ما يدبر من طرف القطاع العمومي، و ذلك بخلق أقسام قليلة جدا بالمدارس الابتدائية العمومية، و ما يدبر من طرف القطاع الخصوصي، حيث توجد كذلك أقسام داخل المؤسسات الابتدائية العمومية أو بالمؤسسات الخصوصية ،كما أن هناك الكتاتيب شبه التقليدية و الكتاتيب القرآنية و الحالات غير المصنفة، و هي تشرف على حصة الأسد في أعداد أطفال .و بذلك تكون وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مسؤولة هي الأخرى عن التعليم الأولي. و يطرح السؤال حول وزارة الشباب والرياضة ووزارة التضامن الاجتماعي والاسرة . اما وزارة الداخلية فقد تكفلت مؤخرا العمالات بمشروع التعليم الاولي في اطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، نجد أيضا التعاون الدولي الذي تشرف عليه السفارات و المصالح الثقافية الأجنبية . يستنتج من هذا تشتت التعليم الأولي بين عدد من المؤسسات الحكومية ، دون ذكر الجمعيات و الأشخاص الذاتيين، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام كل من يريد التهرب من القانون لتظل معاناة المربيات تتقاسمها عدة جهات لغياب التنسيق و الرؤية الواحدة للمشروع . فنجاح التعليم الأولي بصفة عامة و بالعالم القروي خاصة ، يظل مرهونا بمدى توفير الشروط المادية و القانونية للمربيات و تجهيز أماكن الدراسة و جعلها ترقى الى ما نطمح إليه .فغياب التغطية الصحية ، غياب أداء المستحقات في وقتها ، و غياب الامن بالاضافة الى الظروف غير المواتية و انعدام التوعية وسط السكان بضرورة احترام و مساعدة المربيات حتى يتمكن من أداء الرسالة الملقاة على عاتقهن ،أضف الى التفرقة و التناقضات البينة ما بين جمعية و أخرى و بين مؤسسة و اخرى و ما بين تعاونية و اخرى ، مما يولد السخط و التذمر في صفوف المربيات ، إضافة إلى النقص الكبير في التكوين البيداغوجي والتأهيل المهني للمربين والمربيات والمؤطرين ، والضعف في التأطير الإداري والتربوي، والتباين الواضح بين المؤسسات في التجهيزات الأساسية والشروط الصحية والتربوية. فنجاح هذه المؤسسات في وظيفتها التربوية والاجتماعية، يتوقف أساسا على مدى توفرها على مربين و مربيات وأطر كفؤة استفادت من تكوين بيداغوجي ملائم، يزودها بمعارف نظرية وتطبيقية ومهارات تجعلها قادرة على القيام بمهامها وأداء رسالتها التربوية على أحسن وجه، و يؤهلها ويساعدها، على تطوير أدائها بشكل مستمر وعلى مواكبة التطورات والمستجدات التربوية المرتبطة بمجالها ، كما أنه من شأن توفير وسائل النقل و الظروف الملائمة و حماية المربين و المربيات أثناء أداء واجبهن … من شأنه أن يساهم في تحقيق الاهداف المطلوبة ، و دون الاهتمام بالعنصر البشري ستظل الامور تراوح مكانها ؟