إن القصيدة عند محمد الطوبي لا تنشغل باعتبارها ذاتية، تقف عند حدود الذات، بل تتجاوزها لمعانقة الإنساني والجوهري في الإنسان، الأمر الذي جعل تجربته تنفلت من زمانيتها ومكانيتها، هاجسها الأول والأخير الوجود بأبعاده الجمالية والتأملية، والإنسان بعمقه العاطفي الأمر الذي وسِمَ الخطاب الشعري بنَفَس غنائي، وهذا لا يعني أن الشاعر مسرف في ذاتية، وإنما يحوّل الذات إلى فضاء للتعبير عمّا يساوره من هواجس وأفكار وتوتر يقول:( أنا الذي هدّه الإرهاق والقلق/ الأربعون معي يحيا بها الأرق/ الأربعون أراها لا أرى وطنا/ خرائب العمر لا يأتي لها الألق/ أنا الذي سكن النسيان كيف أنا/ أغضّ بي وربيع القلب يحترق/ أنا المحمّد والنّعمى منوّجة/ يمشي لخطوتها الغنباز والحبق/ إنّا اليتيمان في الدنيا وكيف لي/ لا يضحك القلبُ والدنيا بها الحبق…) . رغم الحضور الطاغي لضمير المتكلم يتسرب في شعرية بديعة ضمير الآخر (النعمى) ليتحدان ويشكلان عصب التجربة، فالأنا والآخر صنوان يتواشجان في صورة حلولية- إن صح القول- بينهما وبين عناصر الطبيعة ، فهذا التفاعل تلاحم وجودي يعبّر عن رؤية الشاعر لذاته وللكائنات وللوجود.بل يجنح الشاعر بالتوظيف البارز لضمير المتكلم إلى إضفاء طابع السرد على خطابه الشعري، وهذا الاستثمار للسرد يسعى من ورائه إلى الكشف عن الحياة الذاتية في علاقتها بالوجود والأنثى التي تمثل عصب بنية النص الشعري عند محمد الطوبي. فجل أعماله الشعرية تنحو هذا المنحى الذي يعطي حضورا بهيّا للمرأة باعتبارها مكملا لنقصان الذات، فوجودها من وجود ذات الشاعر، وذات الشاعر رهينة بوجود المرأة، هذا التعالق بين الشاعر والمرأة تعبير رؤيوي تتشكل منه تجربة الطوبي.