وجه محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، دورية إلى كل من المحامي العام الأول لدى محكمة النقض والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، حول محاربة جرائم الفساد المالي، أكد فيها أن الفساد يعتبر آفة تهدد مختلف مخططات التنمية، وتقوض سيادة القانون وتضعف ثقة المواطنين والمستثمرين في المنظومة القانونية والمؤسساتية الوطنية، وذكر الوكيل العام للملك بأن دستور المملكة جاء بمجموعة من المبادئ من أجل توطيد الشفافية والنزاهة، ومعاقبة كل أشكال الانحراف في تدبير الأموال العمومية واستغلال النفوذ وتنازع المصالح، كمدخل أساسي لتحقيق مساواة المواطنين أمام الخدمات العمومية، وتكافؤ الفرص بين المستثمرين عند ولوج السوق، والحيلولة دون تفشي مظاهر الرشوة واختلاس وتبديد المال العام والتلاعب بالصفقات العمومية وغيرها من المظاهر السلبية، ومصادقة المغرب بتاريخ 09 ماي 2007 على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، التي تقدم مجموعة من المعايير والتدابير لتطوير النظم القانونية والتنظيمية لمكافحة الفساد. كما تلزم الدول باتخاذ تدابير وقائية وأخرى زجرية في القطاعين العام والخاص، لمواجهة مختلف صور جرائم الفساد. ومن جهة أخرى، يقول محمد عبدالنباوي، فقد نص القانون الجنائي على عقوبات رادعة لجرائم الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والتبديد والغدر وغيرها من جرائم الفساد المنصوص عليها في الفصول 241 إلى 256-2، ونظرا لأهمية محاربة هذا النوع من الإجرام وما يتطلبه من إلمام بالجوانب القانونية والمالية والمحاسباتية وإجراءات الصفقات العمومية، يضيف رئيس النيابة العامة، فقد قرر المشرع كذلك إحداث أقسام متخصصة في الجرائم المالية ببعض محاكم الاستئناف، ووضع آليات إجرائية لكشف هذا النوع من الجرائم ومحاكمة مرتكبيها. وبالنظر إلى ما سبق، وكذلك اعتبارا للاهتمام الذي توليه السياسات العمومية لحماية المال العام وتخليق الحياة العامة ودعم قيم الشفافية والنزاهة ومحاربة كافة أشكال الانحرافات بالقطاع العام والخاص. واستحضاراً لما يحظى به هذا الموضوع من اهتمام لدى الرأي العام. ومراعاة لما يمكن أن يكون له من آثار سلبية على حماية الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال. ومواصلة لتنفيذ تعليمات جلالة الملك، كما تضمنها الظهير الشريف رقم 1.17.10 الصادر في 05 رجب 1438 (3 أبريل 2017)، بتعيين الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، وتأكيدا لما ورد في المنشور رقم 01 لهذه الرئاسة المؤرخ في 07 أكتوبر 2017، بشأن اعتبار تخليق الحياة العامة وحماية المال العام ومحاربة الفساد من المحاور الأساسية للسياسة الجنائية، التي يتعين على النيابة العامة إيلاءها العناية اللازمة وتسخير الوسائل القانونية والموارد البشرية اللازمة لضبطها وعرضها على القضاء. وحتى لا يتم اختزال جرائم الفساد المالي في جريمة الرشوة وحدها، تقول المذكرة، فإن مكافحة هذا النوع من الانحراف تقتضي التصدي لجرائم الرشوة، واختلاس وتبديد المال العام، والغدر، واستغلال النفوذ. بالإضافة إلى مختلف السلوكيات الإجرامية الأخرى التي تعاكس التنافسية الاقتصادية وتضر بالاستثمار. وتزامنا مع إحياء اليوم الوطني لمحاربة الرشوة، أكد عبد النباوي على إجراء تحريات حول ما يصل من معلومات حول أفعال الفساد، وفتح أبحاث بواسطة الفرق الوطنية والجهوية للشرطة القضائية، بشأن ما يتم التوصل به من شكايات ووشايات وتقارير، كلما توفرت فيها معطيات كافية وجادة تسمح بفتح أبحاث بشأن إحدى جرائم الفساد المالي، كما دعت المذكرة إلى التعجيل بإنجاز وإنهاء الأبحاث التي تجريها الشرطة القضائية، مع الاستعانة بالفرق الجهوية للشرطة القضائية لتخفيف الضغط عن الفرقة الوطنية، وتفعيل المقتضيات القانونية التي تسمح بجمع الأدلة وكشف الجناة، ولاسيما عبر تطبيق التدابير المتعلقة بحماية الشهود والمبلغين والخبراء والضحايا، وتقنيات البحث الخاصة المنصوص عليها في المواد 82-1 إلى 82-10 و108 إلى 114 من قانون المسطرة الجنائية، كلما اقتضت مصلحة البحث ذلك، وأيضا التنسيق مع قضاة التحقيق، قصد تجهيز الملفات. وتقديم الملتمسات القانونية المناسبة بشأنها، والتنسيق مع الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف ورؤساء المحاكم الابتدائية، قصد تجهيز الملفات الرائجة أمام المحاكم، وتقديم ملتمسات للمحكمة من أجل الحكم بعقوبات من شأنها تحقيق الردع العام والخاص. وتكون منسجمة مع الأهمية التي توليها السياسة الجنائية لهذا النوع من الإجرام، الذي يستنكره الرأي العام الوطني والدولي. وذلك في احترام تام لقرينة البراءة وحقوق الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة؛ كما شددت المذكرة على الحرص على ممارسة طرق الطعن في الحالات التي تستدعي ذلك، والسعي إلى التعجيل بتجهيز الملفات المطعون فيها، لإحالتها على الجهة القضائية المختصة في أجل معقول. وحث رئيس النيابة العامة في مذكرته على التقيد بهذه التعليمات، مذكرا بأن موضوع مكافحة الفساد يعتبر من المواضيع القارة في السياسة الجنائية، باعتباره مدخلا أساسيا من مداخل تخليق الحياة العامة وتحسين مناخ الأعمال، وليس موضوع حملة مؤقتة أومجرد اهتمام ظرفي محصور في الزمان، داعيا إلى أن تستمر الجهود المبذولة بهذا الخصوص، مع تطوير أساليب العمل والاجتهاد في إيجاد حلول فعالة لتصريف هذا النوع من القضايا داخل آجال معقولة.