شكل «العنف المبني على النوع الاجتماعي: أي نظام للتعاون بين الفعاليات القضائية والفاعلين الاجتماعيين؟»، موضوع ورشة لتبادل الممارسات الجيدة بين قضاة مغاربة ونظرائهم بلجيكيين نظمتها جمعية وجدة عين الغزال 2000 بشراكة مع الشبكة البلجيكية للعدالة والديموقراطية RCN J&D في إطار برنامج «تملك»، واحتضنتها مدينة وجدة يومي 04 و05 أكتوبر الجاري، افتتحت بكلمة لرئيسة الجمعية نزهة جعادة، تطرقت فيها إلى البرنامج « الذي يعنى بمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي بجهة شرق المغرب، التي تصنف ضمن الجهات الأكثر هشاشة من حيث الوضعية السوسيو اقتصادية للنساء، ويروم الحد من العنف وضمان احترام أفضل للمساواة القائمة على النوع الاجتماعي وبالأخص تغيير المواقف الاجتماعية والقضائية ذات الصلة بالظاهرة». الرئيسة المؤسسة للجمعية زهرة الزاوي أوضحت أن» البرنامج يستهدف تغيير الصور النمطية التي تكرس العنف «وذلك من خلال نبذ السلوكات العدوانية والممارسات المترسخة في المخيال الاجتماعي، والتحسيس بالعواقب على مكونات الأسرة وعلى محيطها والمجتمع ككل وذلك في أفق القضاء على هذه الظاهرة»، و»يعتمد بالأساس على الانفتاح على التجارب القضائية الأخرى ومن بينها التجربة البلجيكية، وذلك للتعرف على الآليات التي تم تطويرها لمعالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي وعلى طرق عمل ومناهج متكاملة ومقاربات شاملة وذات طابع كوني من أجل مواكبة الألفية الثالثة بمستجداتها وإكراهاتها.» وعن الشبكة البلجيكية للعدالة والديموقراطية ، قدم عضو مجلسها الإداري فرانسوا كزافيي، كلمة أشاد من خلالها بالشراكة المبرمة بين الشبكة والجمعية المغربية في إطار برنامج «تملك»، وتحدث عن ورشات تبادل الممارسات الفضلى على مستوى المعالجات القضائية لملف العنف المبني على النوع الاجتماعي بين القضاة المغاربة ونظرائهم البلجيكيين، مذكرا بالورشة الأولى التي احتضنتها مدينة وجدة في دجنبر من سنة 2017، والثانية التي احتضنتها العاصمة البلجيكية بروكسيل سنة 2018، معربا عن أمله في أن تكون الورشة الثالثة ورشة تشاورية وتفاعلية لتعميق التواصل بين كل القطاعات، وذلك لتحقيق الأهداف المتوخاة. ومن جهتهم، أشاد قضاة مغاربة بمخرجات زيارة التبادل الثانية التي جرت أطوارها ببلجيكا مجمعين على أنه كان لها وقع كبير في تجربتهم بالمغرب، وفي هذا الصدد تطرق النائب الأول للوكيل العام للملك لدى استئنافية وجدة فخر الدين اتزيري، إلى تجربة «القاضي الصحفي» مشيرا إلى أنها «شدت انتباههم كفريق وسرعان ما كانت موضوع أحد التقارير التي رفعت إلى رئاسة النيابة العامة، لأنها آلية جد مهمة تجعل القاضي في اتصال مباشر مع الرأي العام». مشيرا إلى أنه «في إطار التواصل مع الرأي العام في القضايا التي تستوجب ذلك، وتفاديا للإشاعات والأخبار المختلقة أو لتصحيحها في إطار التكريس الدستوري للمبدأ المتعلق بالحق في المعلومة»، قررت رئاسة النيابة العامة تعيين قضاة للقيام بمهام إعلامية جديدة تحت اسم «الناطق باسم النيابة العامة»، ولإنجاح هذه المهمة تم إخضاع القضاة المكلفين لدورات تكوينية تحت إشراف وزارة الاتصال. رئيس المحكمة الابتدائية بتاوريرت أحمد ميدا، تحدث عن آلية أخرى تم التعرف عليها في الزيارة التي قام بها القضاة المغاربة إلى بلجيكا ويتعلق الأمر ببرنامج PRAXIS الذي يعنى باستقبال المعنف (بالكسرة) وتأهيله لإعادة إدماجه داخل الأسرة، مشيرا إلى طريقة التعامل في التجربة البلجيكية مع الضحايا منذ الاستقبال إلى نهاية المساطر وكذا إشراك المجتمع المدني في معالجة العنف المبني على النوع الاجتماعي، لافتا إلى أن المغرب «يسير في نفس الاتجاه وهو مأسسة المجتمع المدني في محاربة العنف المبني على النوع الاجتماعي»، مشيرا إلى القانون 103.13 المتعلق بالعنف والذي دخل حيز التنفيذ شهر شتنبر من سنة 2018… نائبة الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بوجدة المكلفة بالإشراف على الخلية الجهوية للتكفل القضائي بالنساء والأطفال ضحايا العنف كريمة الإدريسي، تحدثت عن الوساطة كوسيلة بديلة للدعوى القضائية في التجربة البلجيكية لفض النزاعات الزوجية والأسرية، مذكرة بأن تفعيل الوسائل البديلة لحل المشاكل الزوجية ومناهضة جميع أشكال العنف الموجه ضد النساء، أصبح ضرورة ملحة ، خاصة عندما يتعلق الأمر بنزاع عائلي ذي طبيعة اجتماعية (بين الزوجين أو الأقارب) يستوجب التدخل لإيجاد حل سلمي حفاظا على استقرار الأسرة. وقد سعت الخلية «أمام غياب إطار قانوني للوساطة الأسرية كآلية بديلة لحل النزاعات الزوجية والأسرية، وفي انتظار سن نصوص قانونية في الموضوع تراعي خصوصية الأسرة «، إلى البحث عن أرضية خاصة لتطبيق الوساطة ، وذلك في ظل القانون الجديد المتعلقة بمحاربة العنف ضد النساء الذي يكفل للخلايا القضائية التنسيق مع القطاعات المعنية لما يحقق الأهداف المتوخاة من هذه الخلايا» . وقدم وكيل الملك بابتدائية وجدة المكلف بالإشراف على الخلية المحلية للتكفل القضائي بالنساء والأطفال ضحايا العنف خالد خراجي، تدخلا حول القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة مبرزا بأنه كرس جهود المجتمع المدني وكذا خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف «اللذين كانا يطالبان دوما بقانون خاص ومستقل يوفر الحماية الكافية لهذه الفئة من المجتمع»، مذكرا بأن النيابة العامة عملت على «تفعيل المقتضيات الحمائية لهذا القانون خاصة المادة 88/1 منه التي تنص على منع المشتكي من الاقتراب من الضحية وأخذ التزام وتعهد منه بعدم الاقتراب من المشتكية وعدم الاتصال بها وعدم التواصل معها بأية وسيلة كانت خاصة في حالة وجود تهديدات بإمكانية وقوع اعتداء، مع إشعاره بمقتضيات المادة 323/1 التي تنص على عقاب كل من خرق تدبير المنع من الاقتراب والاتصال و التواصل»، مضيفا بأنه تم التنسيق مع الضابطة القضائية من أجل حثهم على تطبيق مقتضيات المادتين المذكورتين، «إما تلقائيا بناء على طلب الضحية أو بناء على تعليمات النيابة العامة، وبتحرير محضر بذلك». القاضي بالمحكمة الابتدائية بوجدة خالد عبد اللاوي، عرض بعض الأحكام الصادرة عن القضاء تفعيلا للقانون 103.13 في ما يتعلق ببعض الجرائم الجديدة كالعنف النفسي، العنف ضد المرأة لجنسها، التحرش الجنسي وكذا الإمعان في التحرش… وعلى ضوء زيارة التبادل ببلجيكا، أشار إلى أنه أصدر شخصيا أحكاما بإخضاع المعتدي لعلاج نفسي وأعطى أمثلة على ذلك لأشخاص في حالة العود طلبوا الخضوع للعلاج النفسي… مشيرا إلى بعض الإكراهات العملية التي تواجه المحكمة في هذا الصدد، وبالأخص صعوبة تنفيذ بعض التدابير من قبيل إخضاع المدان للتأهيل والعلاج النفسي… مداخلات القضاة البلجيكيين انصبت حول بعض الآليات المتبعة في الحد من العنف المبني على النوع الاجتماعي، وأهمها الوساطة ، حيث تمت الإشارة إلى أنواع عديدة للوساطة ، وهي الوساطة الجنائية، الوساطة العائلية، الوساطة التصالحية والوساطة المحلية، ثم برنامج PRAXIS الذي يعمل على تأهيل مرتكبي العنف حيث تم عرض الخدمات الأساسية التي يقدمها هذا البرنامج ومنهجية الاشتغال مع المعتدي والتي يكون الهدف منها حث هذا الأخير على الاعتراف بمسؤوليته في ارتكاب الفعل وإدراك عواقبه على الأسرة وخصوصا الأطفال، مع الالتزام بالتوقف عن إيذاء الآخرين سواء عن طريق العنف الجسدي أو أي شكل آخر من أشكال العنف…كما تم عرض مجموعة من الإحصائيات حول الأحكام الصادرة في قضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي ببلجيكا، كما تم فتح نقاش حول الآليات الكفيلة بحماية القاصرين كضحايا غير مباشرين للعنف المبني على النوع الاجتماعي. و خلصت الورشة إلى مجموعة من التوصيات أهمها «العمل على تفعيل وتطوير تجربة «القاضي الصحفي» المتخصص في التواصل مع الرأي العام، وضع إطار قانوني للوساطة بجميع أنواعها على ضوء التجربة البلجيكية، تفعيل المقتضى القانوني الخاص بحماية النساء ضحايا العنف وإحداث آليات فعلية كفيلة بتفعيل التدابير البديلة من قبيل التأهيل النفسي للمعنف. الدعوة إلى إعادة النظر في القاعدة العامة التي تحكم تدخل النيابة العامة لحماية الضحايا ، تنظيم دورات تكوينية لفائدة جميع المتدخلين تهم التأطير المفاهيمي للنوع الاجتماعي مع قراءة في نصوص قانون محاربة العنف ضد النساء وفتح نقاش فعلي بشأنه في أفق النجاعة في تفعيل التدابير التي جاء بها وترجمتها على أرض الواقع، إلى جانب توصية بالالتزام بالمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب من أجل حماية الضحايا، وتأهيل وتكوين الأخصائيين النفسانيين حول التدابير البديلة التي جاء بها قانون 103.13 فيما يخص إخضاع المعنف للعلاج النفسي مع إحداث نظام خاص بالتكفل بمرتكبي العنف ، من خلال اعتماد مقاربة التأهيل بالتدرج بتعاون مع جميع الجهات الشريكة المعنية، هذا زيادة على تنظيم دورات تكوينية حول العنف الجنسي لفائدة جميع المتدخلين لما يكتسيه هذا النوع من العنف من خصوصية، وإعادة النظر في المصطلحات المستعملة في التغطية الإعلامية لحالات العنف ضد النساء في سياق محاربة الصور النمطية والحث على اعتماد خطاب إعلامي مدمج لمقاربة النوع الاجتماعي.