- 1 - كتابة المراثي تأتي الحروب لتشرب من دمنا. والأديان، بعد أن صدقنا خلاصنا معها، تشرب من الدم اليوم. ما الذي سيقوله الكاتب العربي، من المحيط إلى الخليج، أمام هذه الدماء التي تسيل لسبب ولغير سبب؟ لن نكتب غير المراثي. لسنا أكثر صبرا ومناعة من الكاتب الياباني «ياسوناري كاواباتا»، الذي التزم أمام نفسه، وأمام العالم، وأمام الأدب، بأنه لن يكتب، بعد حرب 1945، سوى المراثي. أسلوبه المتأخر ذلك هو ما أنتج رائعته/ مرثيته «أستاذ ال»غو»»، التي جاءت أنقى وأجمل من كل ما كتبه سابقا، باعترافه هو نفسه. كتابة المراثي هي الأسلوب الأكثر كونية، والأكثر مرونة، تجعل الرواية تتجاوز نفسها، وتجعل الذاكرة تعمل بشكل أفضل، والشعر يقف إلى جانب النثر في مجاورة آسرة. والوحدة، التي يسعى إليها كل كاتب وكل نص، تبدو عميقة وتتحقق شاسعة ومثمرة. - 2 - من يواجه ويلبيك؟ اعترف الكاتب الفرنسي ميشيل ويلبيك بأنه أعاد النظر في كل مواقفه المعادية للإسلام بعد أن قرأ القرآن مؤخرا. هذا المدخن الذي تحيط بصورته غيمة من دخان سيجارته، يقرأ كتابا من اكبر الكتب في التاريخ البشري، وينشر روايته «استسلام» في نفس اليوم الذي يستهدف الإرهاب جريدة شارلي إيبدو»، وهي رواية يتخيل فيها ويلبيك زعيما إسلاميا يحكم فرنسا. هذه الجملة لوحدها كافية لتجعل الفرنسي يهرول إلى المكتبات ليقتني الرواية ويقرأها وأنفاسه متقطعة من الخوف: المسلمون قادمون لحكمنا، ستنقلب موازين العالم الذي بدأت تباشير انقلابه تظهر في كل البلدان، وفي كل صباح، من أصباح العالم، يقرأ قراء الجرائد أن المسلمين يواجهون الغرب بشراسة وقوة و»وحشية». يواجهون حداثته بدينهم العظيم والخالد، بنبيهم المقدس، الشجاع السموح، عكس نبيهم المسيح المصلوب. الصحراء، إذن، أقوى من المراعي والمروج وسواحل الشواطئ التي كان يهيم عليها المسيح ويكتب على رملها جملا وحكما تمحوها المياه والزبد. فما الذي يقصده ويلبيك من اعترافه هذا؟ نحن كمسلمين اعتدنا أن نعلن فرحنا بكل شخص يقرأ القرآن، كما كنا في السابق نبتهج بعد كل ترجمة جديدة للقرآن، القرآن يترجمه الزمان، حسب التعبير الدقيق لابن عبّاس. لكن، ماذا بعد الفرح والابتهاج؟ ألم يحن الوقت للدخول في جدال عقلي مع الغرب، عوض حوار الجهالة والهجوم والرفض. فالغرب اليوم ينتظر تنويرنا، الذي هو المخرج الوحيد من هذا الممر المسدود. فأين كتابنا ومفكرينا وجامعاتنا ومعهدنا وعلمائنا؟