تسعى هذه المقالات التي ستنشر في عمود فسحة رمضان إلى التعريف ببعض رجالات الجنوب المغربي ممن لقبوا بالزعماء المحلين بحكم ادوارهم الطلائعية التي مارسوها إلى جانب المخزن بشكل مساند او مناوئ أو بطريقة تحكمها الحيطة والحذر البليغين، وقبل التطرق إلى سيرة ومناقب هؤلاء لابد من وضع القارئ في سياق سيمكنه من تتبع واستيعاب هذه الحلقات اليومية لهذا اقترح في الحلقات الأولى مايلي: يضيف عباس الشرقاوي أن من دوافع الدراسة هو أن أهل إيليغ كانوا تواقين للتعريف بإٍرثهم الحضاري والتاريخي بلغة غير العربية، فكان بول باسكون وسيطا لتحقيق ذلك، وقد تحقق المبتغى بالفعل. وإذا ما ربطنا هذا السبب الأخير بكون الرجل كان يشتغل على أطروحته حول حوز مراكش سيتضح أن الدراسة تحكم فيها هدف مؤسس ومبني وبالتالي نتائجها كانت محددة مسبقا . يضيف عباس الشرقاوي أن من دوافع الدراسة هو أن أهل إيليغ كانوا تواقين للتعريف بإٍرثهم الحضاري والتاريخي بلغة غير العربية، فكان بول باسكون وسيطا لتحقيق ذلك، وقد تحقق المبتغى بالفعل. وإذا ما ربطنا هذا السبب الأخير بكون الرجل كان يشتغل على أطروحته حول حوز مراكش سيتضح أن الدراسة تحكم فيها هدف مؤسس ومبني وبالتالي نتائجها كانت محددة مسبقا . كان الرجل يريد أن يتوصل من خلال دراسته إلى إثبات افتقار المغاربة لمشروع تاريخي محدد وهي نقطة يجب أن يعاد فيها النظر.اعترف الرجل في دراساته أنه ليس مؤرخا (حتى تكون دراسته شمولية)، ويؤكد ذلك بقوله : « لا يمكنني أن أكون متخصصا في كل شيء… ليس بوسعي إلا أن أجمع وأصنف و فوق ذلك ألتمس العذر من غيري»، ولعل هذا ما يثبت بالملموس لماذا التجأ الرجل إلى زميله محمد الناجي أثناء تأليفه لكتابه حول السوس الأقصى، وهو مايفسر صعوبة البحث في تاريخ الجنوب المغربي. سنحاولنا إذن تجاوز هذه الصعاب قدر المستطاع وذلك بالرجوع إلى منافذ الوثائق الإيليغية وقراءتها بغية مقارعتها بنتائج بول باسكون.لم تكن تهم الرجل المعرفة التاريخية ويتضح ذلك بقوله : « إن خطابا تاريخيا لا يمكنه أن يكون هدفي «، ويردف قائلا : «أريد الإنطلاق فقط من الوثائق، من مصادر جديدة لم يسبق أن تم استثمارها ولا يجادل أحد في صحتها « ، وهو ما يؤكد أن بول باسكون كان يظن أن نتائج دراسته سوف يسلم بها باعتبار مصادرها كان له السبق في اعتمادها غير ان العكس هو الذي حصل بعد أن أصبحت هذه الوثائق بيد كل باحث بوساطة أو غير وساطة. مهما قيل عن محدودية المنهج الذي وظفه بول باسكون، إلا أن الدراسة تعد من المراجع الأساسية لكل باحث في سوس الأقصى باعتبارها أول دراسة تستنطق وثائق دار إيليغ وتنفض عنها الغبار، لما أخرجتها من العدم إلى الوجود، من هذا المنطلق ستشكل الدراسات الباسكونية مادة مصدرية لا مناص عنها في المقالات التي ستكون موضوعا لشرفاء دار إيليغ وذلك بغية تفسير بعض الظواهر الاجتماعية فتارة ستكون معضدة لنتائجنا وتارة نتائجنا داحضة لها. ومع ذلك ، سترد مقالاتناعلى بعض مزاعم بول باسكون من خلال إعادة قراءة بعض وثائق دار إيليغ والتي لم يستطع الرجل الوصول إليها خاصة الجزء الذي في ملكية الأستاذ البخاري بودميعة، حيث تمكنا من خلالها فهم الإطار التاريخي لحرب «تارغنا» بين دار إليغ و قبيلتي باعْقيلة ومجَّاط كما تمكنا، بعد ربط هذه الوثائق ببعض المصادر المحلية كمؤلفات المختارالسوسي، من فهم أسباب ودواعي تغيير الإنتماء إلى اللَّفَّيْنْ (تحكَّات وتاكوزولت) خاصة لما ساند التاكزوليين التاحكاتيين في هذه الحرب، ومن هنا توصلنا إلى أن تناول دار إيليغ بمعزل عن مؤلفات السوسي مغامرة ومقامرة في ذات الوقت.أما الدراسة المونوغرافية الحديثة حول سوس التي أنجزها الأستاذ محمد حنداين والتي كانت في أصلها رسالة لنيل دكتوراه الدولة في موضوع «علاقة قبائل سوس بالمخزن:1672- 1822.» والتي تم نشرها بعنوان آخر هو : « المخزن وسوس: (1672/1822) مساهمة في دراسة تاريخ علاقة الدولة بالجهة «. فقد تناول فيها صاحب العمل دار إيليغ في علاقتها بالمركز، وبعد قراءة متأنية ويقظة للعمل، يلاحظ أن الباحث حاول جاهدا استخدام زخم وثائقي ومصدري متنوع للإحاطة الشمولية بموضوع بحثه، والاجابة عن إشكاليته؛ لكن تأتي النتائج مكرسة لتلك التي خرجت بها دراسة بول باسكون سواء المتعلقة بالسوس الأقصى والمخزن، أو تلك التي تناولت التاريخ الإجتماعي لدار إيليغ . ومن جملة هذه الاستنتاجات:أن العامل الجغرافي والخصوصيات الطبيعية لسوس مكنا المجال من «الاستقلال» عن المركز وهو كلام مردود على الرجل بالحجة والبرهان، فما من وثيقة مخزنية أو محلية تثبت ما ذهب إليه الباحث، كما أن التمردات وليس «الثورات» كما يسميها هو، لم يكن غرضها الفتك بالمركز و «الاستقلال» عنه، فاطلاعنا على وثائق جديدة ستعتمد في هذه المقالات تتبث لنا بالملموس أن العلاقة كانت مستمرة بين المركز والهامش اللهم إذا استثنينا بعض التشنجات التي وسمت العلاقة لظروف معينة، كحملة أغناج الحاحي على دار إيليغ زمن المولى سليمان (1792/1822). يمكن القول أن السلطة المركزية حاولت أن تترك المجال على عوائده وهي سياسة كرسها الحسن الأول (1873/1894) ولم تكن سياسة جديدة.تشير الدراسة إلى أن أغلب «الثورات» بسوس خلال القرن الثامن عشر الميلادي، «كانت تتبنى مشروع التغيير الشامل للسلطة الحاكمة بالمغرب»، إنها عبارة فضفاضة غير مسؤولة، إذ لا تعدو ان تكون مجرد تمردات قبلية مرتبطة بأزمة انتقال السلطة أو حادث عابر كالمسغبات والمجاعات والأوبئة- كما ورد في مجموعة من الدراسات – كان يراد بها أن أهل السوس كانوا تواقين إلى البقاء على العوائد، وهو ما رضخ له بالفعل المولى الحسن الذي فهم هذا المجال كما يجب فأحسن فهمه، وستشير مقالاتنا إلى هذه النقطة والتي تتأكد بالفعل من خلال إقدام المولى الحسن بعيد الحركتين الأولى والثانية (1882/1886) على تعيين ثلة من القواد من أبناء سوس بعدما كانت الساكنة تنفر من القواد الأجانب كما هو الحال مع القواد الحاحيون. وسيتكرر الحراك بعيد وفاته خلال فترة حكم الاسرة الكيلولية والانفلوسية بسوس التي ما تزال أعمالهم موشومة في الذاكرة والمتخيل الشعبي السوسي إلى يومنا هذا.تعترف الدراسة مجددا بأن أدبيات البيعة هي من تحكم في علاقة المركز بالهامش – وهو ما يجعلنا في حيرة من أمرنا، وهو ما يعبر في الوقت ذاته على تناقض الرجل في أرائه وأحكامه ويؤكد بالملموس نفس خلاصات واستنتاجات الدراسات الكلونيالية.