دخل رجال ونساء الإعلام في الجزائر على خط الانحياز للشعب الجزائري في مواجهة إعادة تكريس بوتفليقة رئيسا للبلاد لعهدة خامسة، رغم أن شعبه لم يسمع صوته منذ سنوات وهو حاليا يخضع للعلاج بسويسرا. وانخرط رجال الإعلام في حملة تكذيب لوسائل إعلام، سواء عامة أو خاصة، حاولت التشويش على النزول الجماهيري غير المسبوق للشوارع، رغم قانون الطوارئ الذي يمنع التظاهر منذ سنوات طويلة ويمنع أي حراك بالقوة، وسجلت المظاهرات عدم تدخل الجيش رغم عسكرة العاصمة بالخصوص وحصار البرلمان وقصر المرادية وغيرها من المرافق . وفي سياق الغضب الإعلامي أعلنت رئيسة التحرير في القناة الإذاعية الثالثة الحكومية، مريم عبدو، استقالتها من منصبها، على خلفية رفض الإذاعة تقديم خدمة عمومية تخص تغطية مسيرات الجمعة، ونشرت على صفحتها ب»الفيسبوك» قرار الاستقالة، قائلةً «لقد نشر زميلي كمال منصاري هذا اليوم: (عندما نقول صحافي أومسؤول في هيئة تحرير، فإن المبدأ الأساسي هو إعطاء المعلومات، في وقتها وبموضوعية، وعندما لا نستطيع ذلك بقصارى جهدنا، فعلى الأقل لا نتجاهل، وبالتأكيد لا نتجاهل حدثًا واضحًا وصارخاً كمسيرات 22 فبراير). وقالت الصحافية في قناة «نوميديا» الخاصة، آسيا سلابي، إنه من «المفروض إعلان يوم 22 فيفري(فبراير) يوم حداد وطني على الصحافة والإعلام في الجزائر، عظم الله أجرنا». وأضافت أنّ «التعددية الإعلامية في الجزائر… على شاكلة التعددية الحزبية، لنمثل معاً في مسرح النظام»، كما عبّر مقدم الأخبار في قناة «الشروق نيوز» مهدي مخلوفي عن استيائه من السقطة المهنية التي وقعت فيها القنوات. هذا وتمرد بعض الصحافيين على مقررات نشرات الأخبار وخرجوا على النص المقرر للنشرة، وفي هذا السياق قال الصحافي ومقدم نشرة الأخبار في قناة «الشروق» محمد الفاتح خوخي، الذي كان قد شارك وقاد إحدى المسيرات المناوئة لترشح بوتفليقة: «بالأمس فقط نمت وضميري مرتاح أمام الله والوطن والسادة المشاهدين، لم أقرأ النشرة من الأوتوكيو (الجهاز) كالعادة لكن قرأتها من وجوه المتظاهرين وأصواتهم التي كانت تصدح، لا أدري ما سيحصل لكن الذي أدركه جيداً أنه مهما كانت العواقب أنا راض عن نفسي». أما الصحافي ومقدم برنامج في الإذاعة الحكومية مروان لوناس فقد انتقد محاولة القنوات الجزائرية تضليل وتحويل المطلب المركزي واتهمها بالكذب قائلاً «كذب، المظاهرات لم تطالب بالإصلاحات بل بإلغاء العهدة الخامسة، الإعلام الجزائري يكذب». وأقرت مقدمة برنامج «نقاط على الحروق» في قناة «الشروق نيوز»، ليلى بوزيدي، بأن «تجاهل مسيرات اليوم من طرف القنوات المحلية، خاصة وعامة، خطأ فادح، سيناريو العشرية السوداء يعيد نفسه». من جانبه قال الكاتب الصحافي عبد العزيز بوباكير إنّه «حزين لما آلت إليه الصحافة اليوم»، وعلّقت الإعلامية حسينة بوالشيخ على السقوط المهني للقنوات، واعتبرت أنّ همها الوحيد الإشهار (الإعلانات) وليس الحرفية والمهنية». وهكذا يتطور الحراك الشعبي في الجارة الشرقية وينفرط عقد النظام حيث ساهمت وكالة الأنباء الرسمية في بث قليل من الأخبار عن مظاهرات الجمعة واعتبرتها تطالب بالإصلاحات وهذا عكس الواقع في الوقت الذي فتحت المجال لتأويلات التحالف الحاكم . وكتبت جريدة الخبر في تغطية من التغطيات المتميزة والمباشرة «توحد مئات الآلاف من الجزائريين، من شرق البلاد لغربها وشمالها لجنوبها، على رفض استمرار الوضع القائم، وقالوا في كلمة سواء، رددتها حناجرهم على اختلاف لهجاتهم: «لا للعهدة الخامسة». وأضافت الجريدة، «هذه المسيرات، اتخذت شكل انتفاضة شعبية معممة ضد حكم الرئيس بوتفليقة، هي الأولى من نوعها منذ توليه الحكم سنة 1999 وهو الذي لم يكلم شعبه منذ أزيد من سبع سنوات»، وقال المصدر أيضا إن «الحدث أربك بشكل واضح أنصار الرئيس في الموالاة الذين لم يستطيعوا إيجاد عبارات يعلقون بها»، وأضاف المنبر ذاته أن حالة التمرد لم تكن على خطاب أحزاب الموالاة فحسب بل تعدتها إلى النفور حتى من كلام الأئمة الذين اجتهدوا في خطب الجمعة، من أجل تثبيط المواطنين عن الخروج للمظاهرات، عبر التعليمات التي وصلتهم من وزارة الشؤون الدينية، ورجح محللون بأن العهدة الخامسة انتهت وأن النظام يسعى إلى ربح الوقت من أجل إيجاد بديل من داخل النظام لاستمرار نفس المصالح، حيث لا وجود لمرشح مشترك للأغلبية التي اتفقت على دعم حراك الشارع ولم تتفق على مرشح مشترك في آخر اجتماعاتها. عديدة هي السيناريوهات التي تحبل بها لعبة السلطة في قصر المرادية، غير أن مظاهرات غير مسبوقة ومن جهات غير معروفة نجحت في تشتيت عقل السلطة وخلط أوراقها، فهل ما يقع لعبة بأقنعة داخل دواليب قصر المرادية أم هي فعلا انتفاضة «الحكرة» والتفقير؟