يمكننا أن نرى أساس هذا الانفراد شبه الاستحواذي المفروض على وسط إعلامي معروف باعتماده على العمل التعاوني جليا أثناء تصوير جزء من فيلم «أغنية الطريق»، وصفه راي في مقال نشر في كتابه «أفلامنا وأفلامهم»: واحدة من اللقطات التي كان علي تصويرها في ذلك اليوم الأول كانت للفتاة دورجا وهي تراقب شقيقها آبو، الذي يجهل وجودها، من وراء مجموعة من القصب الطويل، المتمايل. كنت أود أخذ لقطة متوسطة المسافة بعدسة عادية، تبينها من الخصر إلى الأعلى. كان معنا في ذلك اليوم صديق يعمل مصورا محترما، وبينما كنت واقفا وراء القصب أوضح لدورجا ما يتعين عليها القيام به في اللقطة، لمحت بشكل خاطف صديقنا يعبث بالعدسات، كان ما فعله هو إخراج العدسة العادية من الكاميرا. ووضع عدسة ذات بعد بؤري طويل. بدلا منها، وقال لي بينما كنت عائدا لألقي نظر من خلال كاشف المنظر «فقط الق نظرة عليها بهذه العدسة». كنت قد قمت بالكثير من التصوير الفوتوغرافي الثابت من قبل، ولكن بسبب ولائي الذي لا يتزعزع لكارتييه بريسون لم يسبق لي أن استخدمت عدسة طويلة من قبل. فما بينه كاشف الكاميرا الآن هو لقطة مقربة ضخمة لوجه دورجا تضيئه الشمس من الخلف، ويظهر في إطار بين القصب اللامع والمتمايل الذي باعدت بينه بيديها كان المنظر لا يقاوم. شكرت صديقي على المشورة التي جاءت في الوقت المناسب، وأخذت اللقطة، وبعد بضعة أيام، في غرفة المونتاج، شعرت بالرعب حين اكتشفت أن المشهد لم يكن ببساطة يحتاج إلى مثل تلك اللقطة المقربة. فعلى الرغم من كل جمال اللقطة، أو ربما بسبب روعتها، تميزت اللقطة بشكل صارخ فكانت في عزلة عن بقية اللقطات، ومن ثم أفسدت المشهد. علمتني هذه التجربة، بضربة واحدة، درسين أساسيين في صناعة الافلام: (أ) اللقطة تكون جميلة فقط إذا كانت صحيحة في سياقها. وهذه الصحة لا علاقة لها كثيرا بما يبدو جميلا للعين، (ب) لا تصغ إلى نصح بشأن تفاصيل من شخص لم يستوعب الفيلم كله بوضوح مثلك». حصَّن هذا الحدث المبكر ساتياجيت راي ضد الأفكار الابداعية التي كان يقترحها الآخرون ممن لم يستوعبوا بعقولهم بوضوح التفاصيل البصرية الدقيقة للفيلم الذي يقدمه، بما فيها حتى الموسيقي، قبل وقت طويل من بدء التصوير». هل من الضروري حقا أن يكون العمل فرديا إلى هذه الدرجة في مسألة صناعة الأفلام من أجل أن تكون مبدعا؟ هذا الغلو في فردية العمل عند راي قد يبدو من الأنانية إلى حد ما. من المعروف عن الكثير من المخرجين أنهم يتركون الأقسام المخصصة لصناعة الأفلام للخبراء، ويطورون أفكارهم من خلال مختلف مراحل الإنتاج، وممارسة الرقابة العامة فقط على ما يحدث، ولكن يتركون المجال لأنفسهم لوضع بصمة شخصية على المنتج النهائي. وهناك حالة كنت قد لاحظتها شخصيا وتتمثل في طريقة إخراج جيمس إيفوري لفيلم «المعلم». ترأس إيفوري بنوع من الشك مجموعة فذة من المواهب، يسترشد بهم بقدر ما يوجههم بنفسه، كان هذا الأمر صحيحا إلى حد أن وجودك ضمن طاقم فيلم «المعلم» يجعلك تعتقد أن المصور، سوبراتا ميترا، هو المخرج، إذا حكمنا من خلال الطريقة التي كان يسيطر بها على المجاميع والعمل، ناهيك عن ضبط مواقع الكاميرا. كانت بصمة إيفوري على أفلامه في ذلك الوقت فقط فيما يتعلق بخيارات إبداعية عامة تمارس بصفة رئيسية قبل وبعد التصوير والمونتاج الأولي، وليس من خلال مشاركة شخصية مكثفة فيما يحدث بين تلك الخطوات والعمليات المختلفة. فالعديد من المخرجين الأوروبيين، رينيه على سبيل المثال، لا يكادون ينظرون من خلال العدسة، ويكتفون بتحديد الاحتياجات العامة لمدير التصوير، وتركه يقوم بعمله، حتى جان رينوار لم يتدخل. في دقائق الأمور لكل لقطة أو الزي بنفسه إلى الحد الذي يفعله راي. ربما كان أسلوب راي نتيجة للمزيج النادر الذي اجتمع في شخص واحد صادف أن راي كان يمثله. وربما أن أنواع الأفلام التي كان يقوم بإخراجها كانت تتطلب هذا الاتجاه الأحادي التفكير في صناعة الأفلام، فعلى سبيل المثال، فيلم بديع مثل «تشارولاتا»، الذي تعد كل حركة فيه رقيقة جدا ومتوازنة، ومعدة، بدقة مع ضبط الموسيقى، يعني أن أدق انحراف من شأنه أن يحطم الخدعة السينمائية بالكامل. وإن بدا أن الاهتمام نفسه بالتفاصيل قد غاب في فيلم مثل «مهابوروش»، فذلك لأن العمل بالأسلوب التكاملي قد أصبح جزءا من طبيعة راي. ومن السمات البارزة لمنهج راي في العمل، خاصة في الأفلام الاولي، إدراكه المستمر لتدفق الحياة خارج الدائرة الضيقة للعمل الحالي. هاريهار يحتضر، وسيذهب آبو لإحضار الماء من النهر المقدس عند الفجر. والرياضيون الذين يمارسون الرياضة على ضفة النهر ليس لهم تأثير مباشر علي المشهد اللهم إلا لتذكيرنا أن الحياة تتدفق دون توقف، ودون مبالاة بالأفراح والأتراح الفردية. فالنجوم التي ينعكس ضوؤها في مياه الخزان الراكدة عشية وفاة سارباجايا، تحمل أصداء الدورات الكونية التي تدور متجاهلة المرأة المتلهفة على ابنها في قرية تقع على كوكب الأرض. هذا يرتبط ارتباطا وثيقا بالإيقاع البطيء في أفلام راي، ومرة أخرى، الأفلام الأولى منها خاصة، التي يجد بعض الجماهير في الخارج صعوبة في تحملها لأن أفلامه لا تتناسب مع إيقاع حياتهم، ولا حتى مع إيقاع حياتنا في الكثير من المناطق الحضرية في الهند، فهذه الأفلام تفرض إيقاعها على الجمهور، مثل كثير من الأدب الكلاسيكي، ليس فيه عجلة على الإطلاق. فينتشل المرء من وتيرة الحياة السريعة للطبقة المتوسطة في المدينة، ويوضع في قلب الواقع الهندي، مستسلما لإيقاع الحياة كما يعيشها غالبية الشعب، وقد عاشها منذ مئات السنين. فهذا الانتماء إلى إيقاع الحياة للناس أمر مهم، وفي معظم أفلام راي، خاصة تلك التي صورت في المناطق الريفية أو مواقع تاريخية محددة، يتم التعبير عن شعور أعمق بالواقع الهندي أكثر من الواقع الذي تعودنا عليه في جزرنا التي تتصف بالحداثة في الهند. فالأمر مختلف جدا عن الإيقاع البطئ لصانع الفيلم الإيطالي أنطونيوني الذي يطلب استجابة ليست طبيعية لأسلوب الحياة الغربية اليوم، ومن ثم يخلق توترا داخليا. يسعى أنطونيوني، كما كان يبدو، إلى تعريف جمهوره بإيقاع معين في حياة فرد ينفر من المجتمع الذي يعيش حوله، فهو يغري الأغلبية بفهم الأقلية أما ما يقوم به راي فهو على العكس من ذلك تماما، حيث يحاول إقناع أقلية صغيرة من الأفراد الذين تربوا في المدينة بأني يجدوا وقتا للاستماع إلى نبض القلب البطئ الذي تتصف به طريقة حياة الناس في المناطق الريفية أو الاشخاص المحتجزين في إطار تقليد طويل من الحركة المتأنية. كما يبدو، تحمل الشخصيات في أفلام راي عبر تدفق مياه النهر الذي فيه قوة كبيرة تدفعهم نحو مصيرهم، ولا يعول كثيرا على مناوراتهم الخاصة. فعلى سبيل المثال تسحب قوة خفية تشاور إلى نوع من التدفق الإيقاعي. تأمل الحركات الاهتزازية اللطيفة في مشهد الأرجوحة الأخير حيث تتابع الكاميرا المسارات على الأرض، وتبين قطع الورق المتجعدة الناتجة عن جهود المرفوضة للكتابة ملقاة بين اواق الشجر الميتة، ومن ثم تتسلق الكاميرا ذراعها إلى وجهها، فتظهر الأعباء فائقة الثقل الواحد تلو الآخر، ويبدو تركيز الضوء في العيون وكأنه لهيب الشمس الحارقة. ويتأرجح القارب ببطء إلى أسفل إطار الصورة، ويتحرك راقصو «التشاراك» إلى الأمام والخلف في مواجهة معاكسة للحركة الجانبية لوجهها عندما تتحرك برفق على الأرجوحة. لا يحافظ تصميم الحركة فقط على استمرارية تأرجحها طوال فترة الرؤى التي تشغل بالها وتضغط عليه، ولكنها أيضا تتوازى مع إيقاع العملية التي من خلالها تصل إلى فكرة مؤكدة حول ما تريد أن تكتب. في مثل هذا المشهد نرى تمكن راي من الإيقاع، الذي ينبع من الحدث والكشف عن المعنى الدقيق دون مساعدة الكلمات. ومن المثير للاهتمام أن تتذكر هنا أن راي نفسه، في رسالة وجهها الي، قارن أفلامه بلوحات بيير برنار قائلا: «حيث لا يكون جسم الانسان أكثر أهمية من الطاولة، والفواكه، والزهور، والمناظر الطبيعية والباب. وفي أفلام مثل «الخصم»أو «الوسيط»يلاحظ أن وتيرة الأحداث أسرع كثيرا، والإحساس بالتدفق أقل وضوحا، ولكنه مع ذلك، يكمن وراء الحدث. فالإيقاع، حتى عندما لا يكون بطيئا، لا تتم إعاقته أبدا، فهو يحمل جميع الشخصيات والأحداث في داخله بدقة موسيقية، جميع أفلام راي، ربما باستثناء فيلم «لاعبا الشطرنج»، فيها كمال في البنية التي تتكون لبنة لبنة، وهو كمال ينقذ أحيانا حتى المحتوى العادي، كما هي الحال في فيلم البطل يمنحه متعة وإثارة. نرى أن التفاصيل تتراكم الواحدة تلو الأخرى في بداية فيلم «الوسيط» دون سبب واضح، ولكن من اللحظة التي ينزلق سومناث على قشرة الموز، يبدأ الفيلم في التحرك تنتهي المقدمة، وبينما تتحرك الأحداث نحو الدراما المحكمة، تدخل كل التفاصيل السابقة حيز العمل، رافعة بنية الأحداث إلى المقدمة. الإيقاع البطئ هو أيضا نتيجة وجهة النظر التي يؤمن بها راي والمتمثلة فيما يسمى المراقب الصامت، إنه يريدنا أن نرى الأحداث التي تجري أمامنا وأن نتوصل إلى استنتاجاتنا الخاصة. بالطبع، هذه أداة من أدوات عمل راي، ويجري التلاعب بنا، ولكنها أيضا تعمل على إيصال مزاج من الصمت، طالما أن الكلمات لا تؤدي دورا كبيرا، فما يحدث في عقل الشخصية يجب أن يعبر عنه من خلال أفعالها. هذا التعبير عن الأحداث في العقل هو أصعب شيء في السينما، لأن الكاميرا تسجل فقط الأمور السطحية للواقع، وهذا هو ما يجعل راي معلما بارعا وبلا منازع. ويترتب على ذلك أن عملية التعبير عن أفكار الشخصية تتطلب بالضرورة وقتا لتصل بصمت. يقف آبو أمام المرآة بعد وفاة أبارنا، ويحدق في منظر وجهه غير الحليق بنفور، ويكتسب صوت القطار المألوف صبغة جديدة مشؤومة، ويهيئنا حين تنتقل الكاميرا إلى مشهد السكة الحديدية ومحاولة الانتحار وشيكة الحدوث. وتوجد حالات لا تحصى من هذا النوع في أعمال راي، حيث يمدد تجنب التعليق العلني عنصر الوقت، ويعطي كل حركة أو صوتا معنى نفسيا دقيقا، ويكسو المقطع الفيلمي بكامله بشفافية الزجاج، فيصبح لا مفر من الحركة البطئية للتعامل مع هذه التفاصيل الغنية والمعقدة. إذا كان يوجد أي شيء في أفضل أفلامه، فإن وتيرة الأفلام، على الرغم من وصفها بالبطء ليست كافية بالنسبة لنا لنستوعب كل شيء. لذلك، كل مرة نكرر فيها مشاهدة فيلم من أفلامه تحمل لنا مكافأة جديدة، حيث تبرز جوانب جديدة إلى الضوء في كل مرة. ولكن في الأفلام المبكرة، تتحرك تقريبا جميع الشخصيات ببطء، وأحيانا بأسلوب مدروس ومهذب. على سبيل المثال، يلتقط أموليا الرسالة من سريره ف «سامابتي» إجراء عرضي جدا بوتيرة بطيئة مستحيلة، كما لو أنه سيلمس ديناميت. يبدو الأمر وكأن هناك مقياسا ثابتا كيميائيا لحركة جميع الشخصيات. قد كون الحركة المتشنجة طبيعية أكثر، إلا أن الممثل لم يعد بهذه الطريقة. في المقابل، يجعل فيلم مثل «أيام وليال في الغابة» كل شخصية فيه تتحرك وفق الإيقاع الخاص. بها فشخصيات النخبة، المفكرين ويمثلها سوميترا تشاترجي وسوبهيندو تشاترجي تتحرك ببطء. أما رجل التنفيذ والإنجاز، الذي أدى دوره شاميتبهانجا فيتحرك بسرعة وفق معيار خاص به والكوميدي، العالة، الذي يؤدي دوره روبي جوش، يتحرك بعصبية وقلق، ربما لإخفاء عدم الثقة بالنفس. والفيلم نفسه يتحرك بثقة، على نحو متأن، وآمن في المسار الموصوف له الذي لا سبيل للتراجع عمه. في واقع الأمر، تتحرك بعض الأجزاء في فيلم «الوسيط» بسرعة كبيرة، فيتم التصوير بكاميرا محمولة باليد. وتؤخذ لقطات في ممرات ضيقة تعبرها سيارات متأرجحة لكن بما أن سومناتث استبطاني، فإنه دائما يتحرك ببطء أكثر من الشخصيات الأخرى. مرة أخرى، إذا نظرنا إلى إيقاع الفيلم ككل قسنرى أنه متزن ومتساو وهادئ ومتأكد إلى أن يتجه. وحتى عندما يسرع الإيقاع، فإنه يفعل ذلك بصورة تدريجية. أفلام راي ليست طويلة أكثر من اللزوم، وكثيرا ما يحدث الكثير فيها، ومع ذلك لا يوجد أبدا شعور بالعجلة، بسبب هذا الإيقاع البنيوي الدقيق. احد الجوانب التي تثير الاهتمام في هذه النوعية البنيوية هو اهتمام راي بالأمر الواضح، بل في بعض الأحيان، المغالاة، في ذلك. وبما أنه يبني هيكل الفيلم لبنة لبنة من أسفل، فهو حريص على عدم تجاهل ما قد يبدو واضحا لبعض الشرائح، من جمهورهز على سبيل المثال، في فيلم «كانتشانجونجا»، لم يعبر راي بهادور عن اعجابه بالبريطانيين ضمنا، بل تم التعبير عن ذلك بوضوح تام يكاد يكون زائدا عن الضرورة. وفي «حجر الفيلسوف»، يتم قضاء قدر كبير من الوقت في تهيئة الظروف لحياة موظف البنك قبل أن يجد حجر الفلاسفة (البلية)، وفي «المدينة الكبيرة» تتراكم تفاصيل العمل الذي يقوم به آراتي. وفي» أيام وليال في الغابة»،نرى ذلك الوضوح في الطريقة الدقيقة التي يسكن بها الأصدقاء في منزل الحكومة دون حجز مسبق فيه. وفي «شركة محدودة» وفي «لاعبا الشطرنج»، تستخدم أساليب توثيقية للوقوف على الحقائقز أما في «أجانتريك» الفيلم الرابع لريتويك جاتاك، فجأة وبشكل غير متناسب تظهر القبائل على الشاشة في النصف الثاني من الفيلم. هذا أمر لم يؤيده راي أبدا، وسيحاول بشق الأنفس تقديمهم في مكان ما في البداية من أجل أن يكون من السهل علينا فهم ما يجري حين يظهرون في وقت لاحق في الفيلم. وفي بعض الأحيان، هذا الحرص على إبراز الشيء الواضح قد تنتج عنه مبالغة ورمزية غير متلائمتين. على سبيل المثال، في «غرفة الموسيقى» يأخذ ماهيم، الرأسمالي القبيح، نشوقا ويقلب عينيه، فيما يعد نمطا من المبالغة التي غالبا ما نشاهدها في الأفلام الصامتة، وتتمثل الرمزية في القارب النموذج المقلوب علي الرف، والحشرة التي تحاول إنقاذ نفسها من كأس النبيذ قبل أن تأتي الأنباء بخبر وفاة زوجة وابن الزاميندار في كارثة قارب هي أيضا مما يرد في الأفلام الصامتة، وإلى حد ما ثقيلة أكثر من اللازم. من ناحية أخرى، فإن انعكاس الثريا في النبيذ هي مسألة رائعة، وليست مجرد رمز، بل إنها تعبير عن البهجة البصرية في صورة عميقة، وذات صلة. عندما نشير شارميلا إلى بطء الوقت في «أيام وليالي في الغابة»،كان عليها أن تسمح لحفنة من الرمال أن تسقط من بين أصابعها، مما يدل على الشعور بالوحدة. لكن لا يوجد أي مكان يكون فيه ولع راي أكثر وضوحا مما هو عليه الحال في مشاهد الحلم في فيلم «البطل». هذه الأحلام متعارف عليها، ويُحتفى بها في أساطير الملايين من عشاق السينما. في الحقيقة هذه ليست أحلام الفرد الذي هو نجم الفيلم في هذا السياق. بل إنها الأحلام التي يعتقد الجمهور أنه ينبغي أن يحلم بها. في أسوأ الحالات، فان ميل راي هذا إلى إبراز ماهو واضح يجعله ينزلق إلى ماهو ممل وعادي، وفي أفضل الحالات، يمنح بُناه وضوحا فريدا وقوة، مما يجعل معظم مراحل حل العقد في نهايات القصص غير قابل للتصديق على نحو غير عادي. ربما لأن هناك دائما شعورا بتدفق الشخصيات والأحداث التي تحملهم قوى أكبر منهم على طول الوقت، فإن استرجاع الاحداث (الفلاش باك) لا يعد جزءا من المعايير التقنية عند راي. فحين تحدث مثل هذه الاسترجاعات، فإنها نادرا ما تكون سعيدة، شاهدها في «كابوروش» أو «البطل» أو «الخصم» يفضل راي الترتيب الزمني التسلسلي المباشر بشخصيات وأحداث مترابطة تتدفق من خلال تسلسل زمني. وربما أيضا عندما يكون التسلسل الزمني واضحا، وكذلك جميع المسائل الناشئة منه قد تم حلها في السيناريو، وتم تحليل الدوافع، ووضعت رؤية واضحة للتصوير، فلن تبقى هناك حاجة للخيارات أن تُترك مفتوحة لاتخاذ قرار لاحق. هناك الكثير من مخرجي الأفلام المشهورين في جميع أنحاء العالم الذين يصورون مشاهد كاملة ولا يستخدمونها في المونتاج النهائي. وقد فعل راي ذلك مرة واحدة في «أغنية الطريق» تجد سارباجايا، خلال أيامها الصعبة أثناء غياب هاريهار، قطعة من ثريا كان قد أخبرها شخص ما بأنها من الماس، ولكنها لا تصدقه، وفي وقت لاحق أخذتها إلى تاجر مجوهرات في سرية تامة، إلا أنه قيل لها إنها في الواقع قطعة زجاج. تم تصوير جزء من المشهد ولكن لم يكتمل التصوير لعدم وجود المال. وتجدر الإشارة إلى أنه في صناعة السينما البنغالية توجد قيود مالية إلى درجة أن فئة من الناس يمكن أن تبقى خياراتهم مفتوحة للتمكن من تصور مشاهد كاملة. في حالة راي، هذا ينطبق إلى حد ما حتى على اللقطات، ليس فقط لأسباب مالية، وإنما من أجل الوصول إلى تصور تفصيلي أكثر. تحتوي نصوص أفلام راي المجلدة والمحفوضة على العديد من الرسومات لأوضاع الكاميرا، وملاحظات عن كل جانب من جوانب أي موقف. بالنسبة لفيلم «كانتشانجونجا» أعد راي خرائط لمناطق التصوير في طقس ضبابي ومشمس، وغائم، كما أعد لفيلم «القلعة الذهبية» رسما بيانيا للسفر والحركات بالألوان، كل ذلك بنفسه. كان عادة يمكنه التنبؤ بما سيقوم به بعد ثلاثة أشهر وستة ايام من الآن. كان هناك بالفعل مجال للارتجال، ليس لأن أفكار جزء معين من الفيلم ليست واضحة له، بل لأن الظروف المحلية تتطلب تغييرات في الحال. كان معروفا عنه أنه يقول إنه ليس كافيا تصور الأجزاء البارزة في الفيلم، وذلك لأن جميع أجزاء الفيلم هي بالقدر نفسه من الأهمية، ويجب أن يتم تصويرها بوضوح. وكان غالبا ما يدون الأفكار الموسيقية جنبا إلى جنبا مع الحوار أو ملاحظات العمل، أو مجموعة من الرسومات لمواقع الكاميرا، ناهيك عن المؤثرات الصوتية التي، في أكثر الأحيان، كان يسجلها بنفسه.