مرة أخرى يأبى الفتى المدلل والمطرب المثير للجدل ذو الثلاثة والثلاثين ربيعا، سعد المجرد، إلا أن يعيد من جديد إشعال مواقع التواصل الاجتماعي على أوسع نطاق بفعلته الشنيعة، المتمثلة في تواصل «غزواته» الرعناء، حيث أنه اعتقل من قبل الشرطة الفرنسية صباح يوم الأحد 26 غشت 2018 بالمنتجع السياحي لمنطقة «سان تروبيه»، وأخضع للحراسة النظرية التي مددت لمدة 24 ساعة من أجل تعميق البحث والتحقيق، على خلفية تقديم مواطنة فرنسية تصغره بأربعة أعوام شكوى ضده، تتهمه فيها باعتدائه عليها جنسيا وارتكاب أفعال «ينطبق عليها وصف الاغتصاب» ليلة السبت- الأحد… بيد أن السلطات القضائية الفرنسية لم تلبث أن قررت الإفراج عنه بصفة مؤقتة مساء يوم الثلاثاء 28 غشت 2018، مقابل كفالة مالية بقيمة 150 ألف أورو، بعد أن وجهت له تهمة الاغتصاب مع وضعه تحت المراقبة القضائية، ومنعه من مغادرة التراب الفرنسي وتجريده من جواز سفره، في انتظار أن تبت في القرائن والإثباتات المتوفرة لديها وتقول كلمتها الفصل في هذه القضية، إما بإدانته أو الحكم ببراءته، وهو ما لا يعتقده الكثير من المراقبين بفعل تعدد مغامراته الطائشة. ويعتبر سعد المجرد الملقب ب»لمعلم» أو «خوليو المغرب»، مغنيا وراقصا وممثلا وكاتب كلمات، نشأ وترعرع في أحضان أسرة فنية محترمة، الأب: البشير عبدو المطرب المحبوب، والأم: الممثلة المقتدرة نزهة الركراكي، وقد سطع نجمه بسرعة فائقة في مجال الأغنية بالعامية، مباشرة بعد حصوله على المرتبة الثانية عام 2007 في البرنامج الغنائي «سوبر ستار» بلبنان، ومن ثم انطلقت مسيرته الغنائية، يطوي المسافات ويحقق النجاحات في زمن وجيز، ليحصل على عدة جوائز وألقاب محلية وعربية وغربية، والأهم من ذلك أنه حظي بالمثول بين يدي ملك البلاد محمد السادس، ووشحه بوسام المكافأة الوطنية من درجة فارس في صيف سنة 2015 بمناسبة الذكرى 52 لميلاد الملك، خلال الاحتفالات بعيد الشباب. فهل استطاعت هذه النجاحات والجوائز والألقاب أن تخفي سواد بعض النقط التي لطخت صفحات سجله الفني؟ إنه لمن المؤسف أن تظل لعنة التحرش والاغتصاب تلاحق نجما، تكهن له الكثيرون بأن يكون ذا شأن كبير في مجال الأغنية المغربية، ما لم ينحرف عن سكة العطاء المتواصل ونكران الذات والتحلي بالقيم الأخلاقية، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، عندما بدأت عثرته الأولى باعتقاله في الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 2010، إثر اتهامه من قبل شابة أمريكية بالاعتداء الجنسي والاحتجاز، غير أنه لم يلبث أن فر هاربا إلى المغرب فور تسديده لواجب الكفالة، حيث كان من المرجح أن يحاكم بعقوبة سجنية لا تقل مدتها عن 25 سنة و100 ألف دولار غرامة مالية في حالة ثبوت الجريمة. وعلى بعد ست سنوات من أولى غزواته المرضية، قامت الشرطة الفرنسية بإيقافه في 26 أكتوبر 2016 في العاصمة باريس، بتهمة الاعتداء بالضرب ومحاولة الاغتصاب في حق مواطنة فرنسية تدعى «لورا بريول» بالفندق الذي كان يقيم فيه، سجن إثرها لمدة ستة أشهر تقريبا على ذمة التحقيق بالسجن الاحتياطي، ثم تم تمتيعه بالسراح المؤقت في 13 أبريل 2017 مع شرط وضع سوار إلكتروني وعدم مغادرة التراب الفرنسي قبل صدور الحكم النهائي، ولم يرفع عنه ذلك السوار إلا في أكتوبر 2017. وفي خضم هذه القضية، تقدمت شابة أخرى من جنسية فرنسية وأصول مغربية بدعوى اغتصاب ضده، مصرحة بتعرضها له في ربيع 2015 بمدينة الدارالبيضاء، لكنها خوفا من العار تكتمت على الواقعة، فما الذي يدفع شابا في مقتبل العمر وأوج الشهرة والعطاء، إلى أن يعرض مستقبله الفني للانهيار والزج بأزهى مراحل عمره في غياهب السجن والحرمان؟ وقد كان من الطبيعي إزاء هذا التهور، الذي يعد الثاني من نوعه فوق التراب الفرنسي والثالث أمام القضاء الأمريكي والفرنسي، أن تتلطخ صورة «لمعلم» الذي لم يرد أن يتعلم من أخطائه الظاهرة والخفية، وآثر المضي قدما في الاستهتار بنفسه وجمهوره، وأن يتوقف عدد كبير من محبيه عن الادعاء بأن ما يحصل له من اعتقالات واتهامات لا تعدو أن تكون مؤامرات مدبرة من خصومه وحساده… والاغتصاب، تلك اللعنة التي باتت تلاحق «الفارس» المُجرد من أخلاق الفنانين الحقيقيين، فضلا عن كونه ممارسة شنيعة ودنيئة لا يقدم عليها إلا ضعاف النفوس، يعتبر من الناحية العلمية قضية متشابكة، تستدعي تدخل عديد الخبراء لمعالجتها، بدءا بالطب النفسي والعلوم الجنائية، مرورا بعلوم الاجتماع ووصولا إلى علوم الدين، ويؤكد الطب النفسي أن هناك عوامل خاصة بالمتحرش جنسيا، إذ يمكن أن يكون مر بتجربة اغتصاب في طفولته، أدت إلى اهتزاز شخصيته والميل إلى الانتقام من الآخرين بشتى السبل وعدم القدرة على بناء علاقات سوية والتحكم في الذات… مما يجعله يعاني من اضطرابات نفسية حادة تستوجب العلاج العاجل، ومنها أمراض الفصام والشيزوفرينا وإدمان الكحول والمخدرات. وفي انتظار أن يقول القضاء الفرنسي كلمته، على «لمعلم» أن يدرك جيدا أن الفنان الذي يسلك طريق المخدرات والكحول وينطلق في غزوات التحرش والاغتصاب، إنما يعمل فقط على تدمير ذاته ومساره الفني والإساءة إلى وطنه، في الوقت الذي يجدر به أن يكون نموذجا لجمهوره في حسن الخلق والتحلي بالحكمة والرصانة وعدم إيذاء الآخرين، والحرص على صون الرسالة السامية التي لا ينبغي أن تحيد عن ذهنه ووجدانه، وأن تترجمها تصرفاته اليومية عبر مساعدة المحتاجين والذين يعانون من أمراض مزمنة، عوض تبديد أمواله في حياة المجون والعربدة وأداء الغرامات والكفالات…