كلما نزلت إلى شوارع لبنان وأزقتها أحس أن شيئا يشدني للبحث عن وجوه نسائية وسط صور المرشحين للانتخابات التشريعية اللبنانية، والتي غطت كافة الواجهات بشعارات تنهل من ثقافات مختلفة أو تغيب الثقافة والمرجعية، وتستمد مشروعها مما هو متداول في المجتمع. لا أدري إن كان هذا الاحساس بدافع تاء التأنيث، أم بدافع المعرفة بموضوع جئت من أجله إلى هذه اللبنان، التي سمح جزء منها بالتطاول على تراب بلدي، وهو الجزء الذي ترك مدفعية العدو الإسرائيلي موجهة إلى صدره، كي ينتشي بعض كوادره بالقدرة على بناء أنفاق توصل الهاربين فوق رمال تيندوف، إلى أقاليمنا الجنوبية، بدءا بتفاريتي نحو السمارة والعيون، وربما خيل لهم أنهم سيصلون إلى كلميم بجواد دونكيشوت الخشبي، الذي ترك هذه المرة الأرض والسماء، ليتوجه بأنفاق تحت الرمال إلى حيث يريد خياله المريض، بالقدرة على الفعل بزمن خارج التاريخ ومتحد للجغرافيا. بدأت أبحث في الصور عن زميلاتي المرشحات من الصحفيات ومقدمات برامج، لم أجد بولا يعقوبيان، وجيسيكا عازار وغادة عيد، ولا هؤلاء اللواتي نشرت صورهن في الصحافة مثل زينة منذر ورانيا غيث وستيريدا جعجع، و ميريام سكاف والفت السبع و نادين عيتاني ونعمت بدر الدين. كان هناك نساء أخريات ازداد عددهن بعدما سجلت انتخابات 2018 التشريعية في لبنان -بعد أزيد من تسع سنوات من الزمن الضائع سياسيا، أو المنتج لقانون صحح المسار مبدئيا- ارتفاعا في عدد المرشحات ليبلغ هذه المرة مئة وإحدى عشرة امرأة من أصل تسعمائة وسبعة عشر مرشحا. قال مصدري إن العوائق الحقيقية التي وضعت أمام نساء لبنان، هي قانونية بالدرجة الأولى، حيث لم يفكر المتحمسون للبحث عن حل توافقي بين الحساسيات السياسية والعقائدية والطائفية، في آلية ضامنة لمشاركة النساء في البرلمان، بحجة أن الوضع أكبر من حديث عن المساواة في التمثيلية السياسية التشريعية والتنفيذية، والحال أن الفكر الذكوري يلقي بظلاله بشكل مفضوح على إقصاء المرأة اللبنانية وإبعادها وتركها تصارع فكرا في مجتمع لا يمكن فصله عن المجتمعات العربية الأخرى، رغم كل بوادر الخصوصية التي تطبع المجتمع، بدليل أن الثمانين في المئة من هؤلاء النساء مستقلات، ولم ترشح الأحزاب إلا عشرين في المئة منهن على لوائحها. لقد فتح قانون الانتخاب النسبي بالفعل الباب لتغييرات في مستوى الترشيحات، لكنه لم يستطع أن يفتح العقول على أهمية وجود المرأة اللبنانية في البرلمان بنسبة محترمة، الشيء الذي لم تنفه هذه الأحزاب نفسها، والتي تركت للمجتمع المدني الذي يعرف حركية كبيرة في هذا الشأن نتيجة نضالات نساء خبيرات في هذا المجال، مهمة إقناع النساء في الترشيح، واقتحام الساحة الانتخابية بتحد كبير للفكر الذكوري، وتمزيق نسيج اجتماعي كان البعض من الرجال يعتقدون أنه مجالهم بالفعل والقوة، وهو الواقع الذي جعل لبنان في مرتبة متدنية على مستوى التمثيلية في المراكز التشريعية بنسبة لا تتعدى ثلاثة في المئة. لا أدري بالفعل لماذا علقت في ذهني صورة المرشحة «صفية ظاظا التي كانت ضمن «لائحة المعارضة البيروتية» عن دائرة بيروت الثانية، والمدعومة من الوزير السابق اللواء أشرف ريفي، والصحافي زياد عيتاني، والتي تضم إلى جانب صفية ظاظا (عن المقاعد السنية)، كل من كرم سنو، و عامر إسكندراني، و ياسين قدادو بشارة خيرالله (عن المقعد الأرثوذكسي)، و لينا حمدان (عن المقعد الشيعي) وزينة منصور (عن المقعد الدرزي). كانت ظاظا تتحدث من خلال صورتها كما ذكرت سابقا أنها أقوى من كل هؤلاء الرجال بمختلف مشاربهم والمدعومين بسلطة الذاكرة الذكورية واستمرارها، ومفهوم المحيط الإقليمي والجهوي المعقد وانعكاساته على المنطقة، الذي تذهب بعض القناعات فيه أنه «بدّو رجال..ما بدّوش نسا..» وكأن اتفاق الطائف يعني لغته الذكورية التي عندما أقرت وثيقته مبدأ المساواة كان المعني بها المساواة بين الرجال مسيحيين ومسلمين… انتقادات كثيرة وجهت إلى القانون الذي سطر انتخابات لبنان الحاسمة، والذي ذهب فيه التسطير حد الزوغ عن الدستور اللبناني الذي يقر بالمساواة بافتقاده إلى بعض النقاط الإصلاحية الجوهرية المتعلقة إلى إقرار نظام «الكوتا» النسائية من أجل إنصاف النساء اللواتي يمثلن نصف المجتمع ويتمتعن بثقافة وحضور عاليين في لبنان المختلفة جدا في المحيط الذي استعملته الذكورية من أجل السطو على مقاعد مستحقة لهن داخل البرلمان. انتقادات لا يمكن قراءتها إلا بالنفس الإيجابي في صناعة التغيير في هذه اللبنان التي نجد فيها الكثير من المشترك بيننا حضاريا وثقافيا، حد أنك تتشبث بالاهتمام بتفاصيلها، متناسيا هؤلاء الذين يريدون إرسال الشر إلى الخط المحاذي لأقاليمنا الجنوبية معتقدين أننا منشغلون عن تحركاتهم التي شمت من إبريقها رائحة البترول النتن الذي أذهب العقول حد ترك شعوبهم تئن من ثقل القضايا ليضعوا منقارهم في قضية بنينا فيها قدراتنا على النفس الطويل، فهي أرضنا، شاينا وخزنا، الهواء الذي نتنفسه، ماؤنا سماؤنا، امتدادنا المشروع في التاريخ والجغرافيا…يتبع