أعاب الكثير من اللبنانيين على وزير الداخلية اللبناني تهنئته، على الهواء مباشرة، لأحد أصدقائه المرشحين لنيل مقعد تشريعي، وذلك في ندوة صحفية عقدها الوزير للإعلان عن نتائح الانتخابات الأولية. وجاءت التهنئة في إطار مستملحات اعتادها الوزير، الذي شغل مهنة الصحافة وامتهن الكتابة، في سلسلة الندوات التي عقدها في مختلف القضايا التي تهم البلد وتدخل في نطاق اختصاصاته. وعبر نهاد المشنوق عن أسفه في التأخر عن إعلان النتائج لأن ذلك راجع إلى عملية نقل صناديق الاقتراع وتسليم المحاضر. وفي الوقت الذي استرسل فيه الوزير في الإعلان عن النتائج الأولية، تسرب إلى المسامع إطلاق نار قالت مصادرنا إنه يعود إلى تصادمات بين شباب منتمين لتيارات مختلفة في ما بينها حد العداء الطائفي والعرقي، كما أن نفس المصادر أكدت لنا أن وزير الداخلية نفسه سبق وأن نعت شبابا محسوبين على الإسلاميين ب «الأوباش». ورغم أن لبنان في ذلك اليوم كانت قد تحولت إلى ساحة تنذر بانفلات أمني ناتج عن حدة الاصطدام بين أنصار هذا المرشح وذاك، فإن مصادرنا أكدت أن الدولة اللبنانية حريصة على أن تمر انتخابات 2018 في أجواء وطنية، وأن التأخير الذي طالها لمدة زمنية زادت عن تسع سنوات هو بهدف تأمينها وتوفير الشروط الكفيلة بذلك. لم يكثرت نهاد المشنوق بالذي يحصل، وكانت الابتسامة تعلو محياه كلما سأله الصحفيون عن حدث ما يعد خرقا أوخارج القانون، ومن بين هذه الأحدات ما وقع لجمانة حداد كمرشحة عن مقعد الأقليات، والتي رفضت أن تتحول من فائزة إلى خاسرة، متوجهة بذلك لمبنى الداخلية في حركة احتجاجية ضد ما أسمته تزوير، مصرحة لوسائل الإعلام :» لقد أجمعت الماكينات الانتخابية، على اختلاف توجهاتها السياسية، على اعتباري فائزة، ما الذي تغيّر بين ليلة وضحاها؟ الماكينات أجمعت على أن «كلنا وطني» نالت حاصلين، فأين اختفى الحاصل الثاني؟ أضع هذه الحقيقة الصارخة في تصرف رئيس الجمهورية ووزير الداخلية والرأي العام. واحتفظ بكامل حقوقي للطعن في هذه النتيجة المستجدة». وجعل وزير الداخلية تواجده بين الصحفيين فرصة ليرد على اتهامات جمانة، كون النتائج الأولية لا تحدد فوز المرشح وأن ذلك يحتاج إلى إنهاء عملية الفرز في كافة المكاتب. إلا أن الرأي العام المحايد رأى في الأمر التباسا بما في ذلك السطو على مقعد امرأة أبانت حملتها الانتخابية أنها قادرة على الحصول على مقعد نيابي في برلمان كادت أن تختفي فيه النساء في غياب آليات ضامنة لتواجدها باعتراف سعد الحريري نفسه، والذي اعتبر قانون الانتخابات الذي ضمن تمثيلية كافة الأطراف، لم يضمن مقاعد للنساء. لكن ما يحسب لجمانة هو جرأتها في حمل ملفها إلى القضاء لا من موقعها كامرأة بل من موقعها كسياسية خاضت الانتخابات وسط مشهد ذكوري إلى جانب مجموعة من النساء ركبن سفينة التحدي رغم إخفاقهن في انتخابات شرسة استعملت فيها كل اللغات من الطائفية والعقائدية إلى لغة المال والسلاح، لكنها انتخابات ضمنت للبنان وضع الرجل في خطوات الأمن والاستقرار، وهذا هو التحدي الكبير الذي وجه الوضع الإقليمي المعقد كما واجه ما يمكن أن ينتج عن التصعيد الخطابي الطائفي بين القوى المختلفة التي تبادلت بالفعل مختلف الحركات الاستفزازية. تساءلت هل يحق لوزير الداخلية الذي ينتمي إلى «تيار المستقبل» حسب ماهو معلن، أن يكون حكما وخصما في نفس الوقت وأن يدبر العملية الانتخابية وتياره يخوض المنافسة في انتخابات مكبلة بحدة الصراع القائم بين توجهات مختلفة في كل شيء، من الطائفية والعقيدة إلى المرجعية الفكرية والإديولوجية، ناهيك عن امتداد هذه القناعات إلى جوار معقد ومحاط بالكثير من الإشكاليات تتجاوز حدودها الإقليمية إلى عالم بإسره. اكتشفت أن السؤال لم يكن يعنيني لوحدي بل كان مجال اهتمام مختلف المتتبعين. تركت السؤال جانبا – بقناعة أن لبنان في مراحل انتقالية وأكيد أن المستقبل سيكون مغايرا، فما أحوجنا أن تكون هذه اللبنان شعلة هذه المنطقة في التفكيروالتنوير، كي ننتصر كلنا ضد المنحى الممول جدا في صنع خرائط الظلام والتكفير- لأسأل أحد زملائي اللبنانيين، قلت له كيف لنهاد المشنوق أن يكون قلبه مع تياره وذهنه مع كافة التيارات والأحزاب الأخرى، ضحك زميلي وقال لي: لقد جرب السيد المشنوق يوما أن يكون سنيا وشيعيا في نفس الوقت، قلت له كيف؟ أجابني: تلك قصة أخرى عليك أن تبحثي فيها، وتساءلي :» لماذا نعت وزير الداخلية عناصر من حزب الله بالشهداء..» ، لم يفسر زميلي كلامه، لكنني قلت له ربما الرجل يتعامل مع مواطنين لبنانيين ومن موقعه كوزير، فهو وزير كل الطوائف وغير المنتمين إليها، ووزير الشيعي والسني،،،» لم أكمل كلامي لكن زميلي أجابني بطريقة تدل على أني لم أصل إلى فهمه:»…تكرم عينك …وزيرنا اسمه نهاد المشنوق وليس عبد الوافي الفتيت.. !»، رجعت إلى إحدى أجوبة المشنوق حول هذا الموضوع، لأجد أنه صرح بالقول:» في ما يخص اعتباري الشباب الذين سقطوا في «بريتال « شهداء، فإن كل ما قمت به هو التعبير عن وجهة نظري. هؤلاء الشباب سقطوا وهم يقاتلون التكفيريين داخل الأراضي اللبنانية، فلا أستطيع مقارنتهم بالتكفيريين. أقل شيء هو أن أعتبرهم شهداء. وما قلته عن حزب الله وعن مخابرات الجيش لم يقله أحد. أنا عبّرت في خطابي، الذي ألقيته بمناسبة مرور عامين على اغتيال اللواء الحسن، عن مواقف سياسية على امتداد عدة صفحات، فإذا كان الاعتراض على هذا السطر فقط فأنا متمسك به…».