هذه المرأة التي أحببتها كانت قاسية مثل رصاصة القاتل وجميلة مثل درهم الفقير. وحين تغضب تركل المائدة وتصفع النادل على قفاه وهي تضحك .. وكثيرا ما كانت ترجم الزبائن بطوب السكر ومنافض السجائر، ومرة صفعت شرطي المرور، حين طلب منها رخصة السياقة، ونعتته بالحمار ابن الحمارة.. فهذه المرأة التي أحبها، لم تكن تملك سيارة ، لكنها كانت تعشق الجلوس في مقعد السائق حين ينزل من الطاكسي ليتفقد العجلات، ومدمنة على ظغط المنبه باستمرار، وتشغيل راديو السيارة بصوت عال.. حين يجتمع المارة حولها، تترجل من السيارة تفرد قامتها، تعيد شتلات شعرها الى وراء، وتنشد أغنية حب حزينة.. كان صوتها يشبه الحنين، وفي نظرتها تركض خيول الغواية، وشفتيها حقل من الكرز البري، إذا حاول عابر أن يقربها، أو مد طامع يدا نحو حقلها السري.. عظته بأسنان من عاج مسنون، ومرغت رأسه في التراب .. هذه المرأة التي أحبها، رأيتها بعد ربع قرن تقود قطعانا من الخرفان، وتصعد إلى مرعى الجبل، حيث تتكاثف أدغال الغابة .. كانت ما تزال قاسية مثل رصاصة، واثقة الخطوة مثل جندي عنيد، في يدها عصى من شجر الرمان.. أشارت بها نحوي وهي تبتسم. قالت : هل تراني قلت: منذ الأزل.. قالت:وحدك من يراني.. فأنا محض حكاية نبتت في أرض خيالك، وانت محض بستاني، يشذب أطرافي ويرعاني.. ويرويني بمطر اللغة.. فأرجوك لا تنساني، … حين أختفي وقطعاني بين أدغال هذه الغابة.