بلباسه الرث ودروشته المعهودة، ووجهه الذميم…دخل سقراط الى المقهى؛ لم ينظر إليه أي أحد من الجالسين.فقد كانت وجوههم ناظرة الى الشاشة ناظرة، وتهتز أجسادهم بين الحين والآخر، كأنها أجساد منفوخة بالريح. جلس سقراط ونظر إليه النادل باندهاش وشفقة، وقد تجنب إحراجه بالقدوم إليه وتسجيل طلبه. بدأ سقراط بتصفح الجرائد اليومية، فلم يجد فيها أي أثر لحكمة أثينا أو قوة إسبرطا، أو بيت الحكمة للمأمون العباسي، أو صالونات التنوير الفرنسي… ترك الجرائد، وبدأ يتأمل الوجوه الخاشعة الى تلك الاصنام الجديدة،وهي تمنحها قرابين عقلها. فلم يطلب أي مشروب، ومرت دقائق و لم يناد بعد على النادل، ومرت نصف ساعة وهو كذلك، لايفعل شيء غير التأمل، ومرت ساعة وهو في ملكوته، وفجأة أخرج هاتفه القديم من تحت ثوبه الرث، فلم ينتبه الى أن هاتفه سجل العديد من المكالمات من زوجته زَنبيپ، وأعاد الهاتف الى تحت ثوبه، وعاد يحدق في الجمهور التي لم يعطه أدنى اهتمام، وبين صافرة الحكم التي أنهت الشوط الأول والصافرة التي أعلنت الشوط الثاني، انتكست كل الرؤوس الى هواتفها الذكية، تحفر عليها خرائط التيه بأصابع الضياع، فكل شيء يكتب على السطح.ويمسح على السطح. وبدأ حينها يتدفق سيل جارف من الإشهار والإغراء بالاستهلاك…كل واحد يجمل منتوجه، اشرب هذا المشروب الغازي لتصبح سعيدا، استعمل هذا الصابون لكي تصبح جميلا…وسقراط التعيس الذميم يحدق باستغراب. وفي الأخير نادى سقراط على النادل،وطلب منه سم الشوكران وشربه وانصرف؛وفي أول خطوة خارج المقهى،تعثرت رجلاه وسقط بعد أن زهقت روحه،حينها تجمعت عليه الجموع ليصوروا بهواتفهم الذكية ذلك الحدث.