ورقة القيتها ضمن الندوة التي اقيمت بموازاة الملتقي الوطني لشعراء الهايكو – إفران 30-31 دجنبر2017 يختلف الهايكو بصفته نمطا شعريا عن كل الأنماط الشعرية الأخرى ، إذ يتفرد بخصائصه البنائية والفنية . وشاعر الهايكو هو ذاك القناص الحاذق الذي يلتفت إلى كل الأشياء من حوله مهما كانت بسيطة منفلتة ليحولها إلى صيغ جمالية ناطقة بالإبداع الخلاق . هي لقطة « زووم» ذات دقة عالية الرؤية …فقطرة الندى ،أوغصن شجرة مكسور ،أو شق في جدار قديم ، أو شوكة في وردة …أو….أو…هي مشاهد يومية لا نعيرها اهتماما ولا نلتفت إليها ، ولكن شاعرالهايكو يلتقطها في اقتصاد لغوي بديع . فالصور متناثرة بالآلف من حولنا ومن غيره يحولها إلى كلمات مكثفة ، عميقة الدلالات بديعة الصور ؟؟ ولعل كل هذا نعثر عليه جليا مجسدا عند الصديق الشاعر الهايكيست سامح درويش في ديوانه « خنافس مضيئة» ، إذ أنه – الديوان – عبارة عن ومضات وهاجة ولوحات منتقاة بدقة متناهية ، تقتفي مواطن الجمال والدهشة الشعرية في حياة الشاعر اليومية . الديوان من حيث الشكل يحتوي على ثلاثة عناوين كبرى : 1- معصوب المجاز أنظر إليك يا أزهار اللوز 2- مكان قلبي، بهمة يحفر نقار الخشب 3- قبلة في الهواء تبهج فتى يصلح السكة . 4- خوذته معه ، لكنه يعتمر عمامته . كل عنوان من هذه العناوين الاربعة يتشكل من مجموعة نصوص يوحد بينها قاسم مشترك هو الطبيعة وهذا هو لب الهايكو الذي يبدو فيه سامح محافظا على هذه الروح ،لكنه مجدد في اللغة والصياغة والتركيب اللفظي والموضوعات (التيمات )– ولا أقول هنا المواضيع -عنصر التجديد هنا في هذا الديوان ، هو قدرة الشاعر الخلاقة أن يجعل المألوف المعتاد مبهرا ، جديدا ، لافتا مدهشا ….ومحملا بدلالات عميقة . فالكائنات التي رصدها سامح : نبات…شجر…طير…حشرات…لا تعدو أن تكون كائنات معتادة مألوفة لدينا ، لكنه يرصدها وسيلة يحملها شعرية رائعة في اقتصاد لغوي بديع : « من بعيد ، شجرة البرتقال تبوح بكل شيء.» ص 35 فالمشهدية التي تعد أساس الهايكو ليست غاية في ذاتها ، إنما هي إطار لتمرير رسالة أوخطاب شعري موجز مكثف يختزل لنا رؤية الشاعر وتجرية حياة ، وإن كان يتحدث عن نملة او فراشة أة خنفساء…..أو حتى قشرة مندرين حتى : « يالقشرة المندرين تتضوع من المدفأة ، فيندلع الحنين « ص 19 أعود لأقول إنها المشهدية ولكنها مؤطرة بدهشة شعرية تقول وجدانيات الشاعر المنبثقة على شكل التماعة عشق أوحسرة أوذكرى أوعزلة أوإعجاب… « على صفحة المدفأة ، بحبة زيتون تخط حروفا ، اسمي أيضا يحترق .» ص19 أقول إنها المشهدية مؤطرة بدهشة شعرية تقول وجدانيات الشاعر المتبلورة على شكل التماعة عشق أوحسرة أو ذكرى أو عزلة أو إعجاب ….ولك أن تقرأ في هذه المجموعة ألوانا متعددة دون تكرار أو ملل أو نمطية … ولم تعد المشهدية محصورة في الطبيعة وعناصرها بل نجد سامح ينوع لنا المشاهد فيلتفت إلى المحطة والباص والقطار والترومواي والمصعد والسوق والمتسول….إنها قدرة خلاقة للشاعر في التقاط كل ما حوله وتحويله إلى لوحات شعرية : « المصعد معطل يلهث صاعدا ، عامل المناجم المنخور « ص 77 «في السوق، بسخاء يفشي السلام رجل الريف المجلبب» ص83 ويبقى الهايكو عند سامح إبداعا جماليا ونظرة فكرية عميقة الدلالات تحاول استجلاء كنه الأشياء المحيطة بنا. في نصوصه تنزاح اللغة لترسم لك مشاهد شعرية بألوان الطيف ،تستدرجك الصورة المشهدية بدلالاتها وإيحاءاتها لتجد نفسك في مواجهة السؤال يطوح بك بعيدا إلى أسئلة تتناسل باستمرار ، فتدمن قراءة النص من فرط جدته وحلاوته ….وهذه هي متعة القراءة الحقة التي يمنحها لنا سامح درويش في خنافسه المضيئة . * ورقة القيتها ضمن الندوة التي اقيمت بموازاة الملتقي الوطني لشعراء الهايكو – إفران 30-31 دجنبر2017 * النصوص مقتطفة من ديوان سامح درويش« خنافس مضيئة » عن منشورات الموكب الأدبي الطبعة الأولى 2015