هشام الدكيك يستدعي 23 لاعبا للمشاركة في وديتي المغرب ضد إسبانيا    ريتشارد ديوك بوكان الثالث يحل بالمغرب سفيرا جديدا لواشنطن... ذو خلفية اقتصادية ومقرب من ترامب (بروفايل)    طقس الخميس ..امطار متفرقة مرتقبة بالريف    لقاء يجمع ولد الرشيد ببرلمان "سيماك"    روسيا: المغرب "شريك مهم" بإفريقيا    أحكام ثقيلة ضد مثيري الشغب بسوس    حسن طارق ينوه بمنشور رئيس الحكومة الداعم للتعاون بين الإدارات ومؤسسة الوسيط    محكمة الإستئناف بتونس تصدر أحكاما في قضية اغتيال شكري بلعيد منها حكمان بالإعدام    تحذير أممي من زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو    منتخب الفتيات ينشد التألق المونديالي    الذكاء الاصطناعي الدامج يفتح آفاقاً جديدة للشركات في الاقتصادات الناشئة    رئيس مجلس النواب يتباحث مع الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالمغرب    نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة غدا الخميس بعدد من مناطق المملكة    بسبب المهاجرين غير النظاميين.. تشديد المراقبة الأمنية بمحيط الفنيدق    طنجة.. نهاية مطاردة مثيرة لمتهم فرّ من الأمن خلال إعادة تمثيل جريمة قتل    استخراج جثة الطفل الراعي بميدلت    تجدد المطالب لأخنوش بالحد من خسائر تعطيل التكرير بمصفاة "سامير" والحفاظ على حقوق الأجراء    «تمغرابيت».. عمل فني جديد يجسد روح الوطنية والانتماء في الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    عبد الله ساعف يحاضر حول «العلوم الاجتماعية في المغرب» بتطوان    «مغربيات ملهمات» لبنحمو بالمقهى الثقافي بالرباط    طنجة تتربع على عرش السياحة بالمغرب سنة 2025..    مهرجان الدوحة السينمائي يسلّط الضوء على الأصوات العربية المؤثرة لإلهام الجماهير العالمية    الجزائر المتآمرة تشعل حرباً رقمية ضد المغرب وتستدعي "جنودها الافتراضيين"...    "أشبال الأطلس" على موعد مع التاريخ في نصف نهائي مونديال الشباب    لقاء بنيويورك يعزز التعاون اللامركزي بين جماعتي الداخلة وغريت نيك الأمريكي    والد جندي إسرائيلي: "حماس" سمحت لابني بالصلاة 3 مرات يوميا وكانت تعطيه كتاب "سيدور" للصلاة منه    علامة الأزياء العالمية «GUESS» تحتفل بالذكرى الخامسة والأربعين بمؤتمر «عالم واحد، علامة واحدة» في مراكش    "ذاكرة السلام" شعار الدورة 14 لمهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور    ليكيب الفرنسية تكتب: ياسين جيسّيم.. جوهرة دنكيرك التي تبهر العالم بقميص المغرب في مونديال الشباب    المنتخب المغربي... رمز للوحدة الوطنية لا ساحة لتصفية الحسابات    نزهة بدوان: "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء" ترسيخ للمحلمة الوطنية    ماذا يحدث في المغرب؟    في ‬مفاهيم ‬الخطاب ‬الملكي:‬ من ‬تأطير ‬المواطنين ‬إلى ‬ترسيخ ‬ثقافة ‬النتائج    المجتمع المدني والديمقراطية    بركة: الموسم الفلاحي المنصرم سجل تحسنا نسبيا    أسعار الذهب ترتفع قرب مستوى قياسي جديد    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    إسرائيل تستعد لإعادة فتح معبر رفح للسماح بدخول شاحنات المساعدات إلى غزة    وليد الركراكي: التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال 2026..المنتخب المغربي يواصل استخلاص الدروس والتحسن استعدادا لكأس أمم أفريقيا    الملك يترأس مجلسا وزاريا للتداول في توجهات قانون مالية 2026    أزيد من 36 ألف شاب دون 40 سنة استفادوا من برنامج دعم السكن منهم 44.5 في المائة من النساء الشابات    أمني إسرائيلي يعلن التوصل بجثة رهينة "خاطئة"    برلماني يسائل تدبير مؤسسة في وجدة    واشنطن.. صندوق النقد الدولي ومحافظو بنوك مركزية إفريقية يجددون تأكيد التزامهم بالتنمية المستدامة في إفريقيا    تتويج جمعية دكالة ضمن أفضل جمعيات المجتمع المدني بالمغرب في اليوم الوطني لمحاربة الأمية    كرة القدم: 16 فوزا متتاليا.. رقم قياسي عالمي جديد من توقيع أسود الأطلس    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم الموسيقى والأغنية والفنون الاستعراضية والكوريغرافية    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتورة حياة عمامو، الباحثة التونسية في تاريخ الإسلام المبكر 02 . .أنا شديدة الانبهار بالمنهج النقدي للمستشرقين الألمان
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 13 - 07 - 2017

تعتبر الدكتورة حياة عمامو من أهمّ الباحثين المختصّين في تاريخ الإسلام المبكّر حيث يقول عنها المؤرّخ والمفكّر الكبير هشام جعيط :"حياة عمامو عرفت عنها الجديّة والنباهة و الإطّلاع الكبير المتمكّن من المصادر العربية الإسلامية في التاريخ".
وهي باحثة شديدة الانبهار بالمنهج النقدي للمستشرقين الألمان الّذي برز في أواخر القرن التاسع عشر، مختلفة مع المدرسة الماركسية في قراءة التّاريخ حيث تنفي أن يكون العامل الاقتصادي هو المحدّد في فهم أحداث الماضي و ظواهره. و تعتبر أنّ الإنسان هو الّذي يصنع التّاريخ لأنّه مصدر الفعل التّاريخي.
و تذهب الباحثة حياة عمامو إلى أنّ القرآن هو الوثيقة الأصليّة الوحيدة والمصدر الأساسي من مصادر فترة التّاريخ الإسلامي المبكّر.

o ذكرت في كتابك "السّلطة وهاجس الشّرعيّة في الثّقافة الإسلاميّة": " أنّ الشّورى لم تعتمد باعتبارها ممارسة سياسيّة إلاّ مرّة واحدة بعد مقتل عمر بن الخطّاب". هل يمكن اليوم( مع الفرق في اللّفظ والمصطلح) أرضنة مفهوم الدّيمقراطيّة بالبلاد العربيّة أم أنّ ذلك من قبيل المستحيل؟
n إنّ تعرّضي لمفهوم الشّورى كممارسة سياسيّة في الثّقافة الإسلاميّة لم يرد بنيّة مقارنته بمفهوم الدّيمقراطيّة، بل على العكس من ذلك فقد أردت أن أبيّن أنّ المفهومين لا يلتقيان ولا يمكن أن يوجد بينهما قواسم مشتركة وذلك لطبيعتهما وتطوّر مسارهما. أمّا عن إمكانيّة ممارسة الدّيمقراطيّة اليوم في بلدان العالم العربي الإسلامي، فلا شيء يمنع من ذلك شريطة أن لا يقع خلط هذا المفهوم بمفهوم الشّورى وجعل اللّفظين مترادفين، فالدّيمقراطيّة لا يمكن أن تطبّق في الوقت الرّاهن إلاّ باعتبارها مفهوما لائيكيّا يمارسه مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات.
o روى الطّبري حول النّزاع الّذي كان بين أميّة بن عبد شمس وعمّه هاشم بن عبد مناف حول أولويّة الشّرف في مكّة(القيادة والسّقاية والرّفادة) وكيف احتكم إلى كاهن خزاعي قضى بنفي أميّة عشر سنوات إلى منفى اختياري وكان اختيار أميّة على بلاد الشّام. وبعد سنين قامت في الشّام دولة كبرى باسم الدّولة الأمويّة يرأسها معاوية حفيد أميّة بن عبد شمس. فما قولك في كلّ هذا؟
n لا أظنّ أنّ ثمّة علاقة بين ما أورده الطّبري عن نفي أميّة بن عبد شمس إلى بلاد الشّام وتأسيس حفيده معاوية للدّولة الأمويّة في نفس المنطقة. وأريد أن أوضّح هنا بأنّ ما تورده المصادر عن العداوة بين الهاشميّين والأمويّين في فترة ما قبل الإسلام يعود إلى خيال الرّواة المتأخّرين المتعاطفين مع العلويّين والمنضوين تحت لواء العبّاسيّين والمعادين للأمويّين لإقناع النّاس بأنّ عداء آل النّبيّ من الهاشميّين للأمويّين هو أزلي ولم يبدأ مع اندلاع الفتنة الكبرى بين علي بن أبي طالب ومن معه من أهل العراق ومعاوية بن أبي سفيان ومن معه من أهل الشّام.
o البحث في فترة الإسلام المبكّر ودراستها ليس بالأمر الهيّن واليسير باعتبار مصادر هذه الفترة دوّنت في وقت متأخّر كما أنّ حركة التّدوين لم تتطوّر إلاّ في العهد العبّاسي. فما هي استراتيجيّة أو استراتيجيّات المؤرّخ عند زحفه على هذه الفترة رغم الألغام وقذائف "النّيبلم" الّتي تنتظره؟
n تكمن صعوبة البحث في التّاريخ الإسلامي المبكّر في قلّة أو غياب الوثائق المباشرة مثل الأرشيف والنّقائش والآثار الماديّة. وهو في ذلك يشترك مع تاريخ الحضارات الّتي سبقته مثل الإغريق والفنيقيّين والفرس... لذلك فإنّ دراسة هذه الفترة تعتمد أساسا على نصوص إخباريّة وأدبيّة وفقهيّة وجغرافيّة... كتبت بعد 150سنة من وقوعها. وقد أثار هذا الأمر حفيظة الكثير من المستشرقين الّذين نزعوا عن كلّ هذه المصادر أيّ نوع من المصداقيّة داعين في بعض الأحيان إلى التّخلّي عن كتابة تاريخ هذه الفترة مثل ونزبرWansbrough، وفي أحيان أخرى إلى اعتماد المصادر الأجنبيّة مثل المصادر اليونانيّة والسّريانيّة مثل كرون Crone وكوكCoo.
إنّ التّعامل مع المصادر العربيّة المتعلّقة بالفترة الإسلاميّة المبكّرة يتطلّب ملازمة الحذر الشّديد لفهم الإطار الزّمني الّذي تتنزّل فيه الرّوايات والتّسلّح بالتّيقّظ المستمرّ لمعرفة ما إذا كانت الرّوايات الواردة في المصادر ملائمة للإطار الزّمني ومتماشية مع منطق الأحداث أم لا. إنّ التّفطّن إلى أصليّة الرّواية وتقييم مدى صدقها في نقاش ما حدث فعلا أمر يمكن أن يكتسبه المؤرّخ بطول معاشرته لهذه الرّوايات وباعتماد الفكر النّقدي الصّارم الّذي يخوّل التّوصّل إلى التّخلّص من الكثير من الوهم وتجاوز الكثير من التّعتيم وكشف النّقاب عن الكثير من المسكوت عنه. وبالرّغم من اتّخاذ كلّ هذه الاحتياطات فإنّ البحث في تاريخ الإسلام المبكّر يبقى أمرا شائكا وغير مضمون النّتائج.
o ما تقييمك لواقع البحث التّاريخي في العالم العربي اليوم؟
n مع الأسف الشّديد يمكنني الجزم بأنّه لا يوجد بحث تاريخي في العالم العربي بدليل انعدام العلاقات بين الباحثين في هذا المجال خارج إطار المؤسّسات الأجنبيّة وخاصّة الفرنسيّة منها بالنّسبة إلى تونس، وفيما عدا ذلك فإنّ مؤرّخي العالم العربي ينقسمون إلى صنفين فإمّا أن ينخرطوا في فرق بحث بالاشتراك مع مؤسّسات أجنبيّة وخاصّة الفرنسيّة منها بالنّسبة إلى تونس وإمّا أن ينغلقوا على أنفسهم فيتحوّل أغلبهم إلى مغمورين لا يسمع بهم أحدا.
o إلى أيّ المدارس التّاريخيّة تنتمين؟ وهل يمكن أن تعرّفيها لنا؟
n يصعب الإجابة على هذا السّؤال، وكلّ ما يمكن قوله في هذا الصّدد أنّني شديدة الانبهار بالمنهج النّقدي للمستشرقين الألمان الّذي برز في أواخر القرن التّاسع عشر وأتمنّى أن أتوصّل في يوم ما إلى حذق هذا المنهج لأتمكّن من معالجة بعض ما ورد في المصادر العربيّة الإسلاميّة بالصّرامة والإقناع المطلوبين.
o جاء في كتابك «أصحاب محمد ودورهم في نشأة الإسلام»: «إنّ الانتصارات الّتي صنعها المسلمون للإسلام الدّين و الدّولة و الحضارة طيلة القرن الأوّل للهجرة...» كأنّك هنا تفرّقين ما بين الإسلام الدّين و الدّولة والحضارة. فهل لك أن توضّحي ما هو إ سلام الدّين؟ما هو إسلام الدّولة؟ ما هو إسلام الحضارة؟ وما هي الفروق الّتي بينها؟
n خلافا للدّيانات السّماويّة الّتي سبقت الإسلام لم يأت نبيّ الإسلام بديانة تقتصر على عقيدة تحتوي على شعائر وطقوس ومواعظ قصد تحديد علاقة الإنسان بخالقه، وإنّما كان زعيما سياسيّا أيضا تمكّن خلال إقامته بالمدينة من تأسيس نواة دولة لعلّ من أبرز مقوّماتها المؤسّسة العسكريّة والنّظام المالي اللّذين جعلا المسلمين يتوسّعون شيئا فشيئا حتّى أمكنهم أن يصبحوا القوّة الأعظم في العالم المعروف وقتئذ، وهذا ما فتح الباب على مصراعيه لتأسيس حضارة إسلاميّة لها مقوّماتها الماديّة والثّقافيّة.
هل بالإمكان أن تبيّني لنا تأويلك لواقعة السّقيفة؟بدون أن ننسى هذه الإرهاصات الأولى لهذه الخلافات بين الأنصار والمهاجرين وهي اعتراض المهاجرين من قريش على حمل سعد بن عبادة من الأنصار راية الفتح.
لقد مثّلت حادثة السّقيفة- في نظري- أزمة عرضيّة عاشها المسلمون بعد وفاة نبيّهم، وهذا أمر طبيعي ّلعدم أيّ مؤشّر في القرآن كفيل بتنظيم العمليّة السّياسيّة بعد النّبيّ. وقد تمكّن المسلمون من الخروج من هذه الأزمة دون خسائر تذكر لأولويّة ذكر المهاجرين على الأنصار في القرآن وهو ما يجعلهم أصحاب الشّرف الإسلامي الأوّل لإسلامهم الأقدم. أمّا عن اعتراض المهاجرين على حمل سعد بن عبادة لراية الفتح فإنّ الأمر يتطلّب تدقيقا لأنّ هذه الرّواية يمكن أن تكون قد حيكت بعد حادثة السّقيفة أو أنّ سعد بن عبادة لم يكن ليكون حامل راية الفتح أصلا لأنّ هنالك من بين المهاجرين القرشيّين من هو أولى منه بحملها.
o ذكرت في كتابك «أصحاب محمد...» هناك ثلاثيّة أنجزت الإسلام و ركّزته هي:الوحي والنّبي وأصحابه هل أنّك هنا مع مقولة أنّ الإنسان هو صانع التّاريخ؟
n الإنسان هو صانع التّاريخ فعلا، ولكن لا يجب أخذ هذه المقولة في معناها المبسّط لأنّ الإنسان لا يمثّل كلاّ متجانسا، ذلك أنّ النّاس يختلفون في استعداداتهم وتكوينهم ووعيهم بالأمور وهذا ما يضفي على صراعاتهم سمة الغالب والمغلوب، ومهما كان موقع الإنسان في هذا الصّراع فهو دائما صانع التّاريخ.
o لاحظنا كثيرا في بحوثك ودراساتك اعتمادك على القرآن فكيف يمكن اعتماد القرآن كمصدر من مصادر تاريخ الإسلام المبكّر؟
n يعتبر القرآن مهمّا جدّا للبحث في فترة التّاريخ الإسلامي المبكّر لأنّه يمثّل-في نظري- الوثيقة الأصليّة الوحيدة ولذلك لا بدّ من اعتماده بوصفه مصدرا أساسيّا من مصادر الفترة المدروسة.
o حول ما جاء في بحثك «المفاوضات بين النّبي محمّد وأهل يثرب»، الّتي أسفرت إلى الهجرة من مكّة إلى يثرب (المدينة). هل يمكن استنتاج أنّ هذه الهجرة هي الّتي أنقذت دعوة محمّد من الإجهاض باعتباره حوصر هو وأتباعه في مكّة؟ وهل أنّ اختيار الرّسول الهجرة إلى يثرب لنصرته وفكّ هذا الحصار له صلة بالقرابة الّتي تجمع آل الرّسول بأخواله من يثرب؟
n لقد مثّلت الهجرة من مكّة إلى المدينة منعرجا حاسما إ ذ حوّلت الإسلام من دعوة صامتة ومعذّبة ينحصر مجهودها في محاولة حماية المستجيبين لها من معارضة قريش إلى فعل سياسي وعسكري منظّم يسعى إلى محاربة أعدائه للتّوسّع على حساب أراضيهم المجاورة وضمّ أكثر عدد من عناصر القبائل المقيمة على هذه الأراضي. لا اعتقد أنّ هجرة النّبيّ ومن معه من أصحابه المهاجرين إلى يثرب كانت بسبب تواجد أخواله من بني النّجّار الخزرج هنالك، بقدر ما كانت بسبب الأوضاع الأمنيّة والاقتصاديّة المتردّية بين الأوس والخزرج من جهة وبين عشائر كلّ قبيلة منهما من جهة أخرى. يقوم أساس عيش هاتين القبيلتين على إنتاج الأرض بواحة يثرب، غير أنّ التّزايد الدّيمغرافي في الواحة جعل الأرض وما تنتجه لا يكفي لكلّ من يتواجد عليها. ولعلّ عدم التّكافؤ هذا بين إنتاج الأرض وعدد السّكّان هو الّذي جعل الحروب المنطق الوحيد"للتّحاور" بين عشائر يثرب. لقد ساعد هذا الجوّ المشحون بالصّراعات على قبول الأوس والخزرج باستقرار الرّسول ومن معه بينهم لعلّهم بذلك يستطيعون تجاوز خلافاتهم الّتي وصلت بهم إلى حدّ استحال معه العيش، خاصّة وأنّ النّبيّ كان يحمل مشروعا من المنتظر أن يغيّر نمط عيش السّكّان هنالك، فضلا عن تنظيم العلاقات بينهم وبينهم وبين أجوارهم.
حركة النّفاق في المدينة هل كانت دوافعها سياسيّة أي معارضة للدّولة؟ أم كانت لها خلفيّات دينيّة؟ باعتبارها غير متحمّسة للدّعوة في الأصل.ومن هو زعيمها عبد الله بن أبيّ؟ وما سرّ هذا التّعامل(التّكتيك السّياسي) الّذي توخّاه معهم الرّسول ولم يكن معهم حاسما وراديكاليّا؟
لقد تزعّم عبد لله بن أبيّ بن سلول حركة النّفاق انطلاقا من معركة أحد. وكان قبل ذلك قد أعلن إسلامه بالرّغم من أنّه كان يتهيّأ قبل هجرة النّبيّ إلى يثرب بقليل إلى أن يتوّج ملكا على الأوس والخزرج لولا الصّراعات المستمرّة وحالة الفوضى الّتي حالت دونه ودون بلوغ هذه المرتبة. وما يلفت الانتباه في حركة النّفاق الّتي تزعّمها عبد الله بن أبيّ أنّها لم تذكر في القرآن إلاّ في سورة التّوبة عندما رفض المنافقون الخروج مع النّبيّ ومن معه إلى معركة تبّوك. ولعلّ تأخّر القرآن في ذكر المنافقين ومساواتهم بالمشركين واليهود هو الّذي جعل النّبيّ يهادنهم ولا يأمر أصحابه بقتالهم برغم تحمّسهم لذلك. ويمكن تفسير موقف النّبيّ هذا بسببين فإمّا لعدم إعلان هؤلاء المنافقين لعداوتهم الصّريحة للنّبيّ ومن معه، وإمّا إلى حرص الرّسول على ألاّ يفتح على أمّته النّاشئة جبهات قتال متعدّدة فحصرها في محاربة المشركين واليهود واكتفى بالنّسبة إلى المنافقين بتأليب أصحابه عليهم وخاصّة منهم الأنصار الّذين تربطهم بهم علاقات رحم.
لماذا وقع تغييب الهجرة إلى الحبشة وعدم إعطائها الاهتمام اللاّزم مثل الهجرة إلى يثرب (المدينة
الهجرة إلى الحبشة تختلف جوهريّا عن الهجرة إلى يثرب، ذلك أنّ الهجرة الأولى لم تكن إلاّ حلاّ مؤقّتا التجأ إليه النّبيّ لتخليص البعض من صحابته المنتمين إلى العشائر المتنفّذة في قريش مثل مخزوم وعبد شمس وسهم وجمح للتّخفيف من تضييق الحصار الّذي ضربه عليهم أهاليهم لثنيهم عن اعتناق الدّعوة المحمّديّة، فضلا على أنّ الهجرة إلى الحبشة لم يأمر بها القرآن كما هو شأن الهجرة إلى المدينة.
حسب ما جاء في بحثك «المفاوضات...» أنّ المبايعين في العقبة الثّانية ليسوا كلّ الّذين أسلموا أي أنّ هناك من بايع محمّدا ولم يدخل في دينه بمعنى أنّ هذه المفاوضات سياسيّة بدرجة أولى. إن ّمحمّدا انتقل إلى مرحلة أخرى رسم فيها استراتيجيّات جديدة فما رأيك في هذا؟
من المعروف أنّ بيعة العقبة لم تنعقد من أجل دخول أهل يثرب في الإسلام، بقدر ما كانت من أجل قبولهم للنّبيّ ومن معه في ديارهم مع الالتزام بالدّفاع عنهم في حالة تعرّضهم إلى خطر. وعلى هذا الأساس فلا غرابة أن يكون من بين المبايعين من لم يعتنق الإسلام بعد، علما وأنّ دخول الأنصار إلى الإسلام مرّ بعدّة مراحل بدأت في بيعتي العقبة وانتهت في معركة الخندق بمن فيهم المنافقين الّذين ظلوا داخل المجموعة الإسلاميّة إلى حدود معركة تبّوك.
اعتناق المغاربة النّحل الإسلاميّة (الخوارج، الشّيعة، إلخ...) في القرن الثّامن ميلادي يشبه القرن الرّابع ميلادي حينما خرجت الكنيسة الدّوناتيّة (نسبة إلى الأسقف دونات) عن الكثلكة واعتنق المغاربة هذه الحركة (الدوناتية).هل هو تعبير المغربي ونزوعه الدّائم إلى الاستقلال؟باعتبار انخراطه في الحركات الاحتجاجيّة الّتي يعلن بواسطتها الثّورة عن السّلطة المركزيّة وإن هذه النّحل تضمحلّ بعد حين.
أتّفق معك في أنّ النّحل الإسلاميّة المغربيّة تشبه إلى حدّ ما النّحلة الدّوناتيّة المسيحيّة الّتي اعتنقها البربر في القرن الرّابع للميلاد، غير أنّ اعتناق هذه النّحل سواء كانت المسيحيّة منها أو الإسلاميّة لم يكن مردّه نزوع البربر إلى الاستقلال بقدر ما كان تعبيرا عن ذاتيّتهم المضطهدة ومعاملتهم الدّونيّة من قبل الغزاة الّذين رفضوا أن يعاملوهم كأنداد لهم لدونيّتهم المتأصّلة حسب هؤلاء الغزاة سواء كانوا رومانا مسيحيّين أم عربا مسلمين.
ما هو رأيك في تقسيم عبد لله العروي لبلاد المغرب إلى ثلاث مناطق على النّحو التّالي:
المغرب المفتوح- الخاضع (إفريقيّة: تونس).
مغرب وسطي (سواحل الجزائر والمغرب الأقصى).
مغرب صحراوي (جنوب تونس والجزائر والمغرب الأقصى)؟
إنّ التّقسيم الثّلاثي الّذي أقامه عبد الله العروي يمكن أن يكون مقبولا إذا ما نظرنا إليه بصفة عامّة ، غير أنّ الدّخول في التّفاصيل للتّفريق بين المناطق الخاضعة والمناطق الثّائرة يجعل من غير الممكن القبول بهذا التّقسيم لأنّ الخضوع للسّلطة والثّورة عليها ليس دائما أمرا محسوما يمكن تحديده حسب ما ورد في هذا التّقسيم.
أين التّاريخ من تكنولوجيّات الاتّصال كالأنترنت وغيرها من وسائل الاتّصال؟بمعنى مكانة التّاريخ في عصر المعلوماتيّة؟ وما رأيك في مسألة «نهاية التّاريخ» و»صراع الحضارات»؟
مثل كلّ العلوم، استفاد التّاريخ كثيرا من تكنولوجيّات الاتّصال وخاصّة فيما يتعلّق بالتّاريخ الكمّي حيث أمكن للمؤرّخين المشتغلين في هذا المجال من تجميع معلوماتهم الكثيرة في قاعدة معلومات base des données، تسهّل عليهم استغلالها والمقارنة بينها ومن ثمّ تخوّل لهم إقامة الجداول والرّسوم البيانيّة الّتي توصل إلى نتائج يمكن نعتها بالمضمونة.و فيما عدا التّاريخ الكمّي سهّلت الأنترنت الاطّلاع على رصيد المكتبات العالميّة والاطّلاع على محتوياتها دون الاضطرار إلى الانتقال على عين المكان في أحيان كثيرة.
ولا يفوتنا هنا لفت الانتباه إلى أنّ الأنترنت التّي سهّلت على الباحثين الاطّلاع على ما يوجد في المكتبات الأجنبيّة، ما يزال تطوّرها دون المستوى المطلوب في تونس وخاصّة فيما يتعلّق بالمكتبة الوطنيّة.
تقوم فكرة "نهاية التّاريخ" على أساس الحتميّة التّاريخيّة الّتي تعتقد أنّ تطوّر المجتمعات الإنسانيّة لا يمكن أن يكون لا نهائيّا، فكانت نهاية هذا التّطوّر الدّولة اللّيبراليّة بالنّسبة إلى هيجل والمجتمع الشّيوعي بالنّسبة إلى كارل ماركس. وقد استعاد فوكوياماFukuyama في نهاية القرن العشرين الموافق لنهاية الحرب الباردة ليجعل هيمنة الدّول الليبراليّة على النّظام السّياسي العالمي هي نهاية تطوّر المجتمعات باعتبار أنّ هذا النّظام السّياسي القائم على العدل والحريّة كفيل بأن يحقّق للإنسانيّة جمعاء حاجيّاتها الأكثر عمقا والأكثر أهميّة. غير أنّ المتتبّع للوضع الإنساني منذ انتهاء الحرب الباردة يلاحظ تزايد المجاعات والأمراض وتقلّص الحرّيّات حتّى في صلب الدّيمقراطيّات الكلاسيكيّة وانعدام توفّر العدالة بين شرائح نفس المجتمع وبين المجتمعات المختلفة وتراجع فرص الحياة الكريمة لكثرة البطالة...لذلك يبدو أنّ نهاية الحرب الباردة لم تنه التّاريخ ولكن عادت به إلى مرحلة العبوديّة رغم إعلان مواثيق تحرير العبيد.
قبل أن ننهي حوارنا ماذا تقول حياة عمامو بشكل مختزل في:
ابن هشام؟
مصدر مهمّ يلزمه تكوين متين للتّفريق بين ما هو أصلي فيه وما هو ملفّق.
الطّبري؟
مصدر ثريّ ما زال ينتظر مزيد الاهتمام في كثير من جوانبه.
محمّد بن سعد صاحب «الطّبقات الكبرى»؟
لا يقلّ أهميّة عن الطّبري وخاصّة بالنّسبة إلى التّاريخ الاجتماعي.
أبو المهاجر دينار؟
والي من ولاة إفريقيّة اكتسب أهميّته لانتسابه إلى الموالي لذلك يمكن اعتباره نموذجا للاندماج الاجتماعي والصّعود إلى المراتب العليا.
مدرسة الحوليّات؟
مهمّة جدّا ولكنّها غير مفيدة للبحث في تاريخ الإسلام المبكّر.
هشام جعيّط؟
أستاذي وله الفضل الأهمّ في تكويني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.