لم يكن عبد السلام الغرنيط و هو يغادر مدينة الرباط حاملا لشيك بقيمة 12 مليون سنتيم، يدري أنه بصدد عملية نصب و مكر مدبرة للهروب من مسؤولية مفترضة لجهات رسمية بعد سنوات عاشها بمعية أسرته، و هو من الحاجة و الرعاية لا يطلب شيئا سوى لقمة عيش كريمة ليعيد فتح واحد من الملفات الشائكة و المستعصية، و ربما حان الوقت للتاريخ أن ينصف أناسا ذنبهم الوحيد أنهم تواجدوا سلفا في زمن غير زمانهم. عبد السلام الغرنيط وجد نفسه من معتقلي مجموعة 107 سنة 1977 و هو لم يتجاوز بعد ربيعه الخامس و العشرين منتشيا بنيله شهادة الباكالوريا ، يحكي لنا عبد السلام عبر شريط فيديو مصور و يضيف: اعتقلت دون أن أنتمي لأي هيئة سياسية، فقد كان همي الوحيد التحصيل الدراسي لمساعدة أفراد أسرتي في محنتهم اليومية مع لقمة العيش » . و فوجئ ابن مدينة وزان بأن وجد نفسه أمام قاضي التحقيق ليلقى به في أحد سجون الدارالبيضاء السرية ل 8 أشهر كاملة لم تستطع عيناه فيها النوم و لم يستطع جسده أن يلامس الحرية التي ظل يجهل سبب حرمانه منها ، و لم يلبث مدة حتى اكتشف فيما بعد أن الإستحقاقات الإنتخابية لسنة 1977 كانت السبب المباشر لاعتقاله دون أن يكون ممثلا لأي جهة سياسية على الإطلاق. أطلق سراحه بعد أن فقد من مقومات الإنسان الطموح و القوي ذي كرامة الشئ الكثير. وبعد أكثر من 20 سنة أطلق المرحوم ادريس بنزكري بمبادرة من الملك الراحل الحسن الثاني هيئة الإنصاف و المصالحة، و التي تمكن من طرق بابها بمساعدة أحد معارفه الذي أثبت ضياع مستقبله بعد الإعتقال التعسفي الصادر في حقه، و استطاع أن يثبت حالته النفسية المتدهورة لتتوج بعد سنتين و قبل صدور حكم قضائي في قضيته بدعوته من الرباط لأمر يهمه، يضيف عبد السلام، ليتم تسليمه مبلغ 12 مليون سنتيم في غفلة من محاميه ، و هو المبلغ الذي اعتبره عبد السلام لا يجسد على الإطلاق جسامة المحنة التي اجتازها و هو الذي تجاوز 60 سنة ، دون الحصول على أي مورد للعيش، و هو الذي كان يعول عليه لإنقاذ أسرته من الفقر، و الآن لا يقتات عبد السلام سوى من صدقات محسني منطقة ونانة القروية بضواحي وزان و طلب رأفة و رحمة كفيلتين بصون القليل من كرامته المفتقدة . عبد السلام واحد من العديدين الذين عصفت بهم رياح المجهول نحو اللاكرامة و اللاإنسانية، لا يسعنا إلا أن نكون مناصرين له ولأمثاله .