غالبية العقول المتكلسة الجاثمة فوق صدر دار الضمانة ضدا على إرادتها منذ يونيه 2009 ، لم ولا يمكن أن تستوعب يوما عمق وأبعاد مقولة «تدبير الشأن المحلي كالطبيعة لا يقبل الفراغ » . فمن لم يتذوق قوة هذه المقولة، لفقدانه حاسة الذوق أصلا، يستعصي عليه تقدير خطورة ما قد ينتج عن الفراغ الذي يتركه تدبيره للشأن المحلي ، وحدها الأجيال اللاحقة ، والفضاءات التي تعيش فيها هذه الأجيال ، ستؤدي فاتورته ( الفراغ ) الثقيلة ، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ونفسيا ، في قرن أضحى الانخراط في دورته يقاس بجزء ألف الثانية ، لا بالشهور والسنوات والعقود كما حدث لدار الضمانة ، التي أفقدها التدبير المختل بوصلة الإقلاع التنموي الذي رسمه المخطط الاستراتيجي الدي أشرف على إعطاء انطلاقته الملك محمد السادس في زيارته التاريخية للمدينة أواخر سنة 2006 . مناسبة هذا الكلام ما سجلته ساكنة دار الضمانة وزوارها في الشهور الأخيرة من حضور قوي ونوعي ، وبنظرة جمالية ، للإدارة الترابية الإقليمية والمجتمع المدني النزيه والشريف على قلته ، فوق رقعة مدينة كانت مهددة بالشلل الدماغي ، بعد أن استقال المجلس البلدي من مهامه التي يحددها له الميثاق الجماعي ، بل يمكن الجزم بأنه انطلق مستقيلا من تدبير شأنها ، تاركا إياها تواجه المجهول . واستباقا للهزة التي كانت كل المؤشرات ترشح المدينة للتعرض لها، تم إطلاق جملة من المبادرات، جعلت البسمة تعلو محيا موروث تاريخي ريّفه الفساد معماريا وثقافيا. وهكذا تم فتح أبواب السوق الأسبوعي الجديد في وجه الساكنة، والوافدين والوافدات عليه من القرى المجاورة، بعد أن كان لوبي عقاري له حماة بالمجلس البلدي قد عطل تشغيله رغم جاهزيته لاستقبال زواره سنتين قبل ذلك . إن تحويل السوق الأسبوعي إلى أحواز المدينة ، جعل هذه الأخيرة تشرع في القطع مع مشاهد البدونة التي كانت تؤثث فضاءها كل خميس ، كما أن هذا الإجراء ساهم في التخفيف من معضلة السير والجولان بشوارع المدينة التي ضاقت إلى حد الاحتقان . أما المبادرة الثانية التي تركت ارتياحا واسعا في صفوف الساكنة وخصوصا النساء والأطفال ، فتتجلى في ضخ الإدارة الترابية الإقليمية جرعة من الحياة في فضاءين عموميين ( فضاء النور ، ساحة الاستقلال ) بعد تأهيلهما ، ليصبحا بمثابة خالتين فوق خد المدينة ، أضفيا عليه سحرا خاصا . الفضاءان كانت خدماتهما ستظل معطلة إلى أجل غير مسمى ، لأن سرطان التطاحنات التي لا لون ولا طعم لها معشعش في ثنايا جسم بعض " صناع القرار " بالمجلس البلدي ، هذا مع العلم بأن فتح أبوابهما في وجه العموم كان مقررا نهاية سنة 2010 . المبادرة الثالثة والتي لا تخلو من أهمية، جاءت متجاوبة مع مطلب الساكنة في استرجاع الفضاء العام المشترك، الذي بالإضافة إلى احتلاله، والزج بالتجارة المتصالحة مع القانون إلى الإفلاس، وعرقلة السير والجولان ، وتسرطن اللصوصية ، نسجل القبح الذي عاشه شارع محمد الخامس( نموذج من الفضاءات المحررة أخيرا ) الذي يشكل القلب النابض بالمدينة ، وهو القبح الذي تضخمت بشاعته في السنوات الأخيرة ، بحيث كان هذا الشارع يتحول كل مساء إلى سوق قروي . ولأن الجلباب التي ألبسها المجلس البلدي الحالي والسابق للمدينة ضدا على مقاسها وإرادة سكانها ، تتقاسم مع جلباب " خاي العربي " القبح في أبشع صوره ، ولأن من حقوق عيون أهل وزان وزوارها ، التي لا تقبل الانتها ك ، الحق في رؤية الجمال الساحر لمدينتهم ، فقد أطلق عامل الإقليم بشراكة مع بعض الجمعيات ، وفي غياب تام للمجلس البلدي ، وبتعاون مع الساكنة ، مبادرة تبليط و تجيير وصباغة جدران المنازل والمتاجر المطلة على الشوارع الرئيسية التي تخترق قلب المدينة ، وأكد للجريدة مصدر موثوق بأن العملية ستطال جميع أحياء المدينة مما سيجعلها تتصالح مع زمانها الجميل ، فوزان «جوهرة اقضاو اعليها ...» كما رددت ذلك حناجر أبناء حركة 20 فبراير في مسيراتهم النضالية من أجل مدينة مواطنة بامتياز . ومساهمة منها في تنظيم مهن يمارسها مواطنون ومواطنات مصنفون في دائرة الهشاشة الاجتماعية ، نذكر منهم باعة الحلزون والخبز والسمك ...... ( يمارسها ) بشكل عشوائي بشوارع المدينة وفوق أرصفتها ، وحماية لهم من كل استغلال قد يطالهم ، فقد وزع عليهم في الأيام الأخيرة رئيس اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في حفل أقيم بالمناسبة جملة من الآليات والتجهيزات ، وخصص لهم فضاء خاصا بالمدينة لممارسة تجارتهم التي على بساطتها ستدر عليهم دخلا يواجهون به متاعب الحياة .