حوالي الساعة العاشرة والنصف من ليلة أول أمس الإثنين، وبعد ست ساعات من النقاش في أجواء مشحونة ومتشنجة، اتخذت أغلبية مجلس مدينة طنجة، المشكَلة من البام، الأحرار، الاتحاد الدستوري، الحركة الشعبية وحزب الاستقلال، قرارا برفض تفويت شركة أمانديس، المفوض لها تدبير قطاع الماء والكهرباء وتطهير السائل، إلى شركة أكتيس البريطانية ذات التمويل القطري، كما صادقت أيضا على إعمال الفصل 72 من عقد التدبير المفوض، الذي يتيح لمجلس المدينة شراء ما تبقى من العقد واسترجاع تدبير هذا القطاع الحيوي، وهو ما يعني أن أيام أمانديس بطنجة أصبحت معدودة، وأن قرار الرحيل الذي كان مطلبا ملحا لساكنة مدينة طنجة إبان الحراك الشعبي منذ ثلاث سنوات، قد تم ترسيمه قانونيا من طرف مجلس المدينة باعتباره السلطة المُفِوضة. بالمقابل وفي موقف مفاجئ لكل التوقعات، رفض منتخبو حزب العدالة والتنمية، المتموقعين في المعارضة، أن يناقش المجلس مصير شركة أمانديس بمدينة طنجة، بدعوى عدم وجود هاته النقطة في جدول أعمال الدورة، والاكتفاء فقط باتخاذ القرار حول صفقة تفويتها إلى شركة أكتيس. وبدا واضحا أن منتخبي حزب بنكيران كانوا مصرين على عدم تمكين المجلس من اتخاذ قرار إنهاء عقد التدبير المفوض الممنوح للشركة الفرنسية، حيث تناوبوا على تناول الكلمة متعمدين إطالة مدة التدخلات بهدف إنهاك الأغلبية وإجبارها على تأجيل الحسم في هاته النقطة، وقدموا عدة دفوعات من قبيل عدم قدرة المجلس على تدبير هذا القطاع، وافتقاد الأغلبية لتصور واضح حول التركيبة القانونية والمالية التي ستعتمد لاسترجاع تدبير هذا القطاع، واتهموا عمدة المدينة، فؤاد العماري، المنتمي للبام بتلقيه للتعليمات من جهات لم يحددوها لتوريط المجلس في هذا القرار غير المحسوب، معتبرين ذلك عودة للتحكم في الحياة السياسية. تدخلات العمدة وممثلي الأغلبية كشفت تناقض خطاب العدالة والتنمية المنتقد لحصيلة تدبير الشركة الفرنسية والرافض في نفس الوقت لاتخاذ قرار إنهاء عقد التدبير، معتبرين أن قرار شراء العقد هو قرار سياسي الهدف منه قطع الطريق على الشركة الفرنسية ومنعها من استغلال قرار الحكومة الزيادة في فواتير استهلاك الماء والكهرباء لإثقال كاهل الساكنة، وأيضا لمنع الشركة من فتح قنوات التفاوض مرة ثانية مع مؤسسات وشركات أجنبية أخرى، مؤكدين أن الدولة لها ما يكفي من الإمكانات البشرية والمالية والتقنية لتدبير عملية استرجاع تدبير هذا القطاع الاستراتيجي بما يحفظ مصالح مجلس المدينة ومصالح الساكنة. هاته التوضيحات كانت كافية لإشعال فتيل الاحتجاجات في صفوف منتخبي الحزب الحاكم، الذين انتفضوا بكل هستيرية في وجه العمدة رافعين شعارات «البام إرحل، العماري إرحل» معلنين دعمهم الكامل لمطلب بنكيران بضرورة حل حزب الأصالة المعاصرة لكونه رمزا للتحكم والاستبداد. القرار المفاجئ لحزب بنكيران الرافض لإنهاء عقد أمانديس، و المناقض لمطالب الساكنة، اعتبره متتبعون للشأن المحلي بالمدينة محاولة يائسة لسحب البساط من الأغلبية المشكلة لمجلس المدينة حتى لا تستغل هذا الملف كورقة انتخابية في المستقبل، ذلك أن قرار إنهاء عقدة تدبير أمانديس لقطاع الماء والكهرباء يبدو أنه فاجأ حزب العدالة والتنمية الذي رأى فيه عودة لأسلوب التعليمات والتحكم، وأن هناك جهات تتآمر عليهم هي من أوحت للعمدة اتخاذ هاته المبادرة. وختمت المصادر تصريحها بالتأكيد على ما حدث بمجلس مدينة طنجة يكشف بالملموس أن قرارات ومواقف حزب العدالة والتنمية يحكمها هاجس الحفاظ على مصلحة الحزب بالدرجة الأولى والأخيرة، وأن شعار الدفاع عن مصالح السكان ستبقى حبرا على ورق ما دامت لا تخدم المكاسب الانتخابوية للحزب والجماعة.