قال تعالى : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ "الانبياء ويقول الله - تعالى -: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} النساء: 93 قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم -: "مَن قتل معاهدًا، لم يرح رائحة الجنة"؛ رواه البخاري ... هناك شبه اتفاق على أن الارهاب هو كل الاعمال التي تثير لدى الانسان الاحساس بالخوف من خطر مفترض، باستعمال طرق ووسائل من شأنها نشر وزرع الرعب في انفس الافراد أو الجماعات وتحفز وتثير وتدعم الاعمال المؤدية للعنف ... فهو لغة من مصدر أرهب إرهابا وهو الخوف والخشية والرعب .. ولقد جاء في الفقرة الثانية من المادة الأولى للاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب أن الإرهاب هو "كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به، أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر." وميز فيه بعض الفقهاء بين إرهاب محرم شرعا والذي يستوجب معاقبة الفاعل والمتسبب فيه - من سلب واعتداء على الممتلكات و الحرمات ومن قتل وجرح...- كان أفرادا أو مجموعة، وبين "إرهاب " مشروع وقصدوا به الإعداد المادي والمعنوي لإظهار الدولة أو المجتمع كقوة تمتلك قدرات دفاعية وهجومية " ترهب / تخيف " المتربصين والاعداء ، وفي هذا قال تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم... " ويمكن اعتبار الإرهاب مظهرا من مظاهر التوحش والهمجية المعتمدة منذ القدم في الصراع من أجل البقاء، وبسط النفوذ على مناطق الرعي والغذاء والمأوى والذي يستعمل فيه القتل والابتزاز والاختطاف والهمجية بمختلف تلاوينها القديمة ...وبقيت فلسفته المادية تقريبا في جوهرها هي هي، وصبغت الموضوع بتنظير تبريري إما تحت مسميات روحية أو عقدية أو مذهبية ...فتغيرت آلياته القتالية والعسكرية والقانونية والسياسية التي تشرعن أحيانا للإرهاب في مواجهة إرهاب مفترض أو متوقع أو إرهاب حاصل. ورغم الروح البناءة للديانات السماوية وآخرها الاسلام، فإن البشرية شهدت وعرفت أنواعا وممارسات من الارهاب تعرفت عليها أمتنا في عصر الخلفاء الراشدين، حيث قتل عمر وعثمان وعلي والحسين رضي الله عنهم وآلاف آخرون، وعذب وشرد وأسر وسبي العديد...تحت مبررات لا يمكن لسيدنا محمد (ص) إلا أن يرفضها ويدينها لأن الله ما أمر بالظلم والترهيب وإراقة الدماء وترويع الناس ...ومازلنا إلى يومنا هذا نرى بعض الفرق والمنظمات والجماعات والأحزاب، وبعض التيارات التي تنصب نفسها متحدثة باسم الاسلام أو بعض المذاهب وهي تنظر للإرهاب، وتتفنن في أساليبه ،معتقدة ادعاء أنها تمارس الوعظ والارشاد أو تنصر الدين أو تدافع عن الديموقراطية والعدالة . ونجد مثل هذا في العديد من المعتقدات والمذاهب في أوربا وآسيا وغيرهما كانت سماوية أو وثنية أو مادية ... إن الصراع على الموارد الطبيعية وعلى المناطق الاستراتيجية وكذا الصراع على السلطة تحت غطاء ديني / مذهبي ، مدخل لإثارة الفتن والاضطرابات لإضعاف الجهة المستهدفة لتسهيل السيطرة على قدراتها، وإخضاعها لنفوذ جديد تتقوى به مصالح معسكر على حساب معسكرات أخرى بمسميات متعددة تتقاطع فيها وتتكامل أحيانا مصالح تحكمها معتقدات متناقضة ...وفي الحقل الذي يعنينا هنا والمرتبط بالدين في شموليته، يرى البعض تحت مبرر نشر الاسلام وتنزيل الحكم الاسلامي في الأرض، الدفع باعتماد « قاعدة الضرورات تبيح المحظورات» التي يخرجونها عن سياقها ليصبح الحلال حراما والحرام حلالا.. وسفك الدماء جهادا، وسرقة أموال الناس غنائم ، واختطاف النساء الحرائر واستعبادهن وجعلهن سبايا واستباحة أعراضهن وجعلهن إماء للفراش، وبيعهن في أسواق النخاسة امورا مشروعة. إن الإسلام جاء ليبني شخصية جديدة متجددة متشبعة بحس إنساني راق، محبة للمعرفة والعلم ومتحلية بالأخلاق الفاضلة في علاقاتها مع الانسانية كافة والامة بصفة خاصة ، تقوم على السلم والتسامح والتعاون والتراحم ومع نبذ الكراهية والحقد والعنف ، ومؤمنة بمبادئ السلام التي هي جوهر الاسلام. إن الإيمان عندنا يفترض أنه يرتكز ويؤدي إلى: أولا : الانضباط لجوهر الحديث النبوي الشريف : «والله لا يومن، والله لا يومن، قيل من يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه»، والجار هنا غير مقيد لا بدرجة ونوع القرب المكاني ولا بجنسه هل هو ذكر أو أنثى، ولا بعقيدته ومعتقده ولا بلونه ولا بلغته ولا بمستواه المادي ومركزه الاجتماعي ... والجار يمتد من البيت الى الجماعات القبلية التي بالجوار الى الأمة ومع الامم الاخرى وإلى الدولة مع غيرها من الدول ، لأن الله سبحانه وتعالى جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتعاون في الخير والله هو الذي يحدد المتقي والصالح من غيره. ومن هنا فالإيمان الحقيقي في الحديث أعلاه ينتفي ويتعطل إذا مال مدعيه الى ممارسة الإرهاب ضد غيره من الناس .والاشكال يعظم عندما نجد من يفترض فيهم نصح الناس وتعليمهم الاسلام والايمان الحق، هم من ينبري لإباحة الارهاب واستغلال بساطة الناس لجعلهم وقودا للقتل والفتن ...لأغراض لم يأمر بها الله و رسله وأنبياؤه. ثانيا:البلورة السليمة لمقتضيات روح الحديث الشريف :» كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه».. وحديث «حدثنا مسدد قال حدثنا بشر قال حدثنا ابن عون عن ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه، قال أي يوم هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى، قال فأي شهر هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال أليس بذي الحجة قلنا بلى ،قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه». من المؤكد أن استعمال لفظ « التحريم» في الحديث قطعي لا يحتاج الى تفسير أو تأويل لأن نفس ودم ومال وعرض الافراد يرقى لدرجة التقديس الأدبي الاخلاقي، مما يفرض وجوبا وقطعا منع المساس بها جزءا وكلا. إن الإرهاب الذي يمارسه السياسويون ،باسم الإسلام ، يهدف الى إقصاء الآخر بالتكفير أو التشكيك في إيمان الغير ،فيدفعون بفتاوى ظلامية تعتمد أقصى درجات الترهيب أي القتل والاغتيال للأفراد والجماعات أحيانا دون تمييز ،...كما هو الشأن بالنسبة للشهداء أمثال عمر بنجلون. بناء على هذا يمكن لنا أن نصنفه الى إرهاب مادي وفكري ونفسي ولفظي. ان الإسلام يأمر المؤمنين بالابتعاد عن كل أشكال الغلو والتعصب والتشدد، ويمنع العنف والإرهاب ويدعو الى الرفق والتراحم والتسامح بوضع منهج تجاوز ردود الافعال السلبية المغذية للأنانية والانتقام .. قال تعالى : « ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم..» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق «وقال « إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» وقال تعالى: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.» إن للإرهاب آثارا خطيرة قد تمتد انعكاساتها وتداعياتها ماديا ومعنويا لسنوات وأحيانا لعقود وقرون ...فتحصد الأرواح والأنفس وتدمر الممتلكات وتخرب آثار ومآثر لا تقدر بثمن، وقد تنقرض حضارات ويصبح الخوف والرعب متحكما في كل شيء .. فتنعدم الطمأنينة والثقة والاستقرار اللازم للتطور والتقدم، وتدور كل العجلات نحو التفكك والتشرذم فتضعف الأمة / الدولة ، وتبدد مكاسبها...فيتجرأ عليها من هب ودب من الاعداء والخصوم كانوا من الداخل أو الخارج، فهم على نية واحدة مع اختلاف نوعها.. والذين لا يطمئنون إلا باستمرار تخلفنا وجهلنا وتحجرنا وانتشار الفتن بيننا ...فما هكذا تراعى وتحترم المعتقدات السماوية ولا تربى الأجيال ولا تبنى الحضارة التي وصفها الله بقوله «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر « .. وما فكر ولا خطط ولا تعامل الرسول الكريم (ص) إلا بروح أنه الرحمة المهداة من الله للناس كافة فاحترمه وقدره من عرفه وعاشره من مسلمين وغير مسلمين .. أليس هو صلى الله عليه وسلم الذي قال بعد فتح مكة -وليس غزوها - مخاطبا من حاربه وقتل العديد من المسلمين والمسلمات الأوائل وهو في أوج قوته ونجاحه ... : » من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن « وكان بردا وسلاما على من كان بمكة. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: » يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطى على العنف ، وما لا يعطي على سواه « . إن ظاهرة التطرف التي تنتج الارهاب تحتاج إلى تجديد الفهم للرسالة النبوية و للكتاب والسنة .. وحاجتنا للعلم والفقه الغاية منها هي صنع كبار الرجال لينهضوا بالعلم ويطوروا ويجددوا، ويوسعوا مجالات الإدراك والوعي وليس الاتباع التقليدي غير المدرك لجوهر وموضوع الاتباع . أما صغار الرجال كما قال أحد المفكرين لا يرفعهم العلم، بل ينحدرون به إذا لم يحترموا قدسيته وبهاءه ... ولصناعة الانسان المسلم القادر على مواجهة تحديات مرحلته، لابد له من التكوين العلمي والعقلي والادبي، ولابد للعلم أن يرتبط عنده بالأخلاق والقيم النبيلة . إن الرسالة العظيمة للإسلام تفرض علينا أن نعمل من أجل تأهيل الانسان ليحمل رسالة العلم، ويكون في مستوى حمل رسالة الاسلام. فكل جيل مؤتمن على عصره وعليه الاستفادة من تجارب السابقين، وأن يعتمد على خبرات وتجارب عصره ومتطلباته . فالنص هو هو والانسان والخصوصيات والمعطيات تتغير باستمرار، والملاءمة يجب أن تتحقق وتتم بالتجديد الديني المعاصر، وبتحديث آليات اكتساب الفهم الملائم لكل قضية ومسألة في كل مرحلة وحقبة. وفي هذا السياق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: : « إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها « ... كل هذا حتى تكون هناك قيادة للناس قادرة دائما على السير نحو الأفضل لهم في راهنهم ومستقبلهم تدفع بالتي هي أحسن حتى نكون كما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم »ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى«، وقال: »اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ«. وقال صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا « وقال: « من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ».