عن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر بأكادير، صدر كتاب تحت عنوان "عودة إلى زمن والديّ ? مقاربة أنثروبولجية ?" من تأليف الباحث المغربي حسن رشيق وترجمة عزالدين العلام. يقع الكتاب في 136 صفحة، و يضمّ إضافة إلى التقديم خمسة فصول هي على التوالي: "في الأصْل" و "مسار فقيه" و "مسار امرأة" و"اللقاء" و "في المدينة". وللقارئ الكريم، نقدّم هذا المقتطف من الكتاب : حول الاسم التّقليدي إنّ أهم ميزة للاسم التّقليدي هي نسبيته بالمعنى الذي يفيد أنّ محتواه يرتبط بالسياق الاجتماعي لاستعماله. فعلى مستوى القبيلة، يكفي الاسم الشخصي متبوعا باسم الوالد واسم القرية. أمّا في السوق أو المدينة، فإنّ الاسم يجب أن يتضمّن اسم القبيلة، أو اسم التكتّل الأوسع، اتّحاد قبائل، بل والمنطقة في حدّ ذاتها. وبإيجاز، لا يحمل الشخص اسما وحيدا ونهائيا، ولكنّه يملك مخزونا من الأسماء يرتبط غناها بتعقّد التّجمعات التي ينتمي إليها، كما يتحدّد استعماله حسب السّياق الاجتماعي. (...) إنّ الاسم التّقليدي هو انعكاس لهوية متعدّدة ودينامية. هكذا، قد يحدث في المجتمعات التّقليدية أن يحمل الأشقاء، بل والوالد وما ولد، أسماء مختلفة. لا تسير الهوية والنّسب بالضرورة على نفس المنوال. فالاسم التّقليدي شديد المرونة، وهو ليس رمزا ثابتا لشخص بعينه خارج الزّمان، بل هو رمز متغيّر يصاحب التّقلّبات الفردية ويشير إليها. (..) لقد حدث التّخلي عن هذه الأسماء النّسبية أو المتحوّلة بعد مدّة، نتيجة موجة تعميم دفتر الحالة المدنية. ففي سنة 1957، تخلّى والدي نهائيا عن الأسماء التّقليدية. هكذا اقترح على دائرة حيّه في الدارالبيضاء اسم أحجام (و هو الذي يمارس مهنة الحجامة)، وهو اللقب الذي عُرف به جدّه، وستُعرف به عائلته على مرّ الأيام. وهذا الاسم لم تتم الإشارة إليه في مختلف العقود العدلية القديمة التي وصلتنا. وقد رفض أعضاء عائلته هذا اللقب، بل وهاجموا أولئك الذين كانوا يستعملونه. ولم يكفّ ابن عم والدي، الذي اختار اسم عطية، على التّذكير بأنّ عائلته كانت مكوّنة من المتعلّمين وليس من الحجّامين. واليوم، يرى والدي أنّ الأمر يتعلّق باسم لا يُستحبّ حمله. وحسنا فعل موظّف الحالة المدنية الذي رفضه، واقترح حينها اسم رفيق. ومع ذلك، تمّ استدعاء الوالد بعد مدّة لإخباره أنّ اسم رفيق سبقه إليه غيره. و إذاك، اقتُرح عليه اسم رشيق فقبله. اسم اعتباطي بامتياز، ينهل من قاموس جديد. كان ذلك فعلا علامة تغيير جوهري استوعب والدي معناه بالكاد. ما تبقّى أساسا في ذهني من خلال كلّ هذه الشذرات البيوغرافية، سأقوله هنا بلسان جدّي: " أتعلم، لا يمكن للهوية أن تُورّث تماما، كما لا يمكن أن تُرفض كلّية. عليك أنت أن تبني هويتك الخاصّة بمضاعفتك إلى ما لا نهاية دوائر انتماءاتك. ففي مجال الهوية، هناك أشياء قليلة يمكن أن تنتقل من جيل لآخر، ولكن هناك أشياء كثيرة يمكن صنعها فرديا أو جماعة. ليست الهوية خطّا بسيطا يربط مباشرة الفرد بجماعة، مهما كان أساسها، لغويا أو دينيا أو سياسيا. إنّ الهوية علاقة راهنة تنسجها البيوغرافيا مع بيوغرافيات وجماعات أخرى. ليس بلد الأجداد بالضرورة هو الذي يمنح الاسم والهوية. انظر ! لقد عرّفت نفسي دائما ك"رزكيني" وليس ك"هرغي". ولم أخضع لاسم والدي. أترى أي متاهة أوقعت فيها نفسك، وأنت تريد أن تجمع في نصّ واحد كلّ ما عشته على التّوالي وبالتفصيل. فحتّى لو تعلّق الأمر بشخص واحد، فإنّ الأسماء والهويات تتغيّر، ويطويها النّسيان. من يستطيع أن يراكم إلى ما لا نهاية كلّ الهويات الموروثة وكلّ الأسماء التي حملها أجداده؟ هل يكون علينا دائما أن نعود إلى الماضي السّحيق؟ ثمّ، هل يكون من حقّك أن تسمى "هرغي" أو "رزكيني" ؟ كلّ هذه الأسماء مرتبطة بتواريخ فردية لن تتمكّن من حملها إلا اعتباطا. اسمك... ذكّرني أوّلا بهذا الاسم الذي اختاره والدك ! أعرف أنّ هذا الاسم ليس أمازيغيا، و لا يحيل على أي جماعة، وأنّه محض اختلاق... آه، لقد تذكّرته، رشيق. لا يهم، أنا أيضا لست أمازيغيا تماما. قد يكون اختيار رشيق موفّقا. لقد كان بإمكان ولدي أن يختار اسم القبيلة التي ازداد بها، كما فعلت أنا بنفسي، وأن يضع اسم الرحالي. ولكن فقط، هاأنذا أسمح لك مرّة أخرى أن تقول بلساني إنّ اسم الرحالي، أو أي اسم مشابه، مثقل بتوابعه. فأنت وأبناؤك ستحملونه بصعوبة، فهو يذكّر بالقرية والقبيلة والزاوية...ليس رشيق أفضل من الرحالي ولا أسوأ منه، إنّه بكلّ بساطة يلائم أكثر زمانكم. إنّه علامة زمانكم. ليس هناك سبب يفرض عليكم حمل أسماء مرتبطة بسياقاتها، وأنتم لا تعيرون كبير اهتمام بالسياق، أو حمل أسماء جماعات وما يطبع زمانكم هو التكتّم عليها و تلاشي روابطها."