في عصر الإنترنت، تتحول شبكات التلفزيونات وشركات إنتاج الأفلام إلى مواقع. ثم تشمل المواقع اتصالات اجتماعية، يتحادث فيها الناس مع التلفزيونات ومع الأفلام، ومع بعضهم البعض. لهذا، ليس غريبا أن تتحول مواقع اتصالات اجتماعية إلى تلفزيونات وأفلام. وهذا ما فعل موقع «ياهو». بل، يبدو أنه تفوق على الآخرين. في الأسبوع الماضي، شجع الناس لمشاهدة فيلم «رايدنغ الونغ» (نركب معا)، مقابل جوائز. منها: نسخة مجانية من الفيلم، واشتراكات مجانية في خدمات «ياهو». قبل عشرين سنة، أسس «ياهو» خريجان من جامعة ستانفورد (ولاية كاليفورنيا): جيري يانغ، وديفيد فيلو. كانا زميلين في كلية الهندسة الكهربائية في الجامعة. وكان اسم الشركة: «دليل جيري وديفيد للإنترنت». ثم غيراه إلى «ياهو»، إعجابا بشخصية في رواية «رحلات غاليفار». اسم الشخصية »فيلو«. وكان يوصف بأنه «ياهو» (غير متحضر). لكن، اليوم، صارت «ياهو» متحضرة جدا، وعالمية جدا. صارت لها رئاسة عملاقة في صنيفيل (ولاية كاليفورنيا)، في وسط ما يعرف باسم «سيليكون فالي» (وادي سيليكون، وادي شركات الكومبيوتر). واليوم، حسب إحصائيات مستقلة، يشترك في موقع «ياهو» مائة وثلاثون مليون شخص. ويزوره أكثر من ثلاثة مليارات شخص كل شهر. وهكذا، صارت «ياهو» واحدة من أكثر المواقع شهرة في كل العالم. في عام 2008 . عرضت شركة «مايكروسوفت» شراء «ياهو» بقرابة خمسين مليار دولار. ورغم أن «ياهو» رفضت، بسبب قلة المبلغ، أوضح ذلك أن «ياهو» صارت من أكبر شركات الإنترنت في العالم. لكن، واجهت «ياهو» مشاكل كثيرة. مثل نزاع في فرنسا حول معلومات نازية عن يهود فرنسا. ومثل نزاع في الصين أدى إلى تنازل «ياهو» عن حرية كاملة لنشاطاتها. ومثل منافسة قوية من «غوغل». ومثل تأرجح محاولاتها لدخول مجالات مثل التلفزيون والأفلام. وربما هذا هو جعل ديفيد كار، محرر شؤون الإعلام في صحيفة «نيويورك تايمز» يكتب الآتي: «تبدو«ياهو» وكأنها في مرحلة مراهقة لا نهاية لها، وفي بحث دائم عن هوية». وأشار إلى تصريحات أدلت بها ماريسا ماي، مديرة «ياهو» التنفيذية، قالت فيها: «نبحث عن أفلام ومسلسلات جاهزة لإطلاقها في الإنترنت. نبحث عن أشياء جاهزة للإطلاق، ولا تتطلب جهدا كبيرا». وتندر كار: «ألا نبحث كلنا عن أشياء لا تتطلب جهدا كبيرا». وشن هجوما على ماي (رغم أنها واحدة من عدد قليل من النساء في قيادة شركات كومبيوتر وإنترنت). وقال: إن عدد زوار الموقع انخفض إلى أقل من مليار شخص شهريا (بالمقارنة مع الرقم السابق: ثلاثة مليارات). في الحقيقة، تخسر أو تربح، تريد «ياهو» أن تدخل مجالا دخلت فيه قبلها شركات أفلام أخرى. مثل «إتش بي أو» و«أي سي» و«شوتايم» و«إف اكس« (لا صلة لها بتلفزيون «فوكس»). منذ سنوات كثيرة، راهنت هذه الشركات على أن جهاز الكومبيوتر سيحل، تدريجيا، محل جهاز التلفزيون. وبعد أن دخلت مجال الإرسال السينمائي الرقمي، كان سهلا عليها دخول مجال الإنترنت. لكن، هذه الشركات، عكس «ياهو»، أسست جذورا عميقة في أفلام التلفزيون، قبل أن تدخل الإنترنت. لهذا، رغم قلة نشاطاتها في الإنترنت، تظل أفلامها تتمتع بعشرات ملايين من المشاهدين في التلفزيون. خاصة في الولاياتالمتحدة، حيث يقضي الأميركي، في المتوسط، خمس ساعات كل يوم يشاهد التلفزيون. وتظل هذه الشركات تفرح بسبب إحصائيات تقول: إن أغلبية هذه الساعات تقضى في مشاهدة قنوات غير القنوات التقليدية (غير «إي بي سي» و«سي بي إس» و«إن بي سي»). في السنة الماضية، بالإضافة إلى هذه الشركات السينمائية، ظهرت شركة «نيتفليكس» السينمائية. في البداية، كانت هذه تؤجر أفلامها في أقراص مدمجة. ثم تحولت إلى التلفزيون، ثم إلى الإنترنت. واشتهرت سريعا جدا بعد أن أنتجت فيلم «هاوس أوف كاردز» (بيت من أوراق اللعب). لهذا، كان متوقعا أن تدخل هذا المجال شركات أخرى لم تتخصص في إنتاج الأفلام. مثل: أولا: «أمازون»: بدأت ببيع الكتب. ثم صارت تبيع كل شيء تقريبا. ثانيا: «هولو»: بدأت بتوزيع أفلام شركات أخرى في الإنترنت. ثم صارت تريد إنتاج أفلام خاصة بها. ثالثا: «ياهو». تحمست «ياهو» أكثر بعد أن حققت شركات غيرها نجاحات كبيرة. مثلا: تضاعف ثلاثة مرات إرسال «أمازون برايم» (تلفزيون «أمازون»). ونجحت محاولات جديدة. مثل: »فايار تي في« و«أبل تي في» و«كومسات تي في». هذا بالإضافة إلى «غو تي في» (فرع الإنترنت التابع لتلفزيون »إتش بي أو« السابق الذكر). وقال جونا بيريتي، خبير إنترنت: «يريد الناس أن يكونوا مثلما ليسوا هم». (قصد أن شركات الإنترنت تريد أن تكون شركات أفلام، وأن شركات الأفلام تريد أن تكون شركات إنترنت). وقال جون لاندغراف، رئيس شركة «إف اكس»: «غطرسة من الأغنياء والأقوياء اعتقاد أن المحتوى سهل» (قصد شركات الإنترنت، مثل «ياهو»، وقلة تجاربها في مجال الإنتاج السينمائي). أخيرا، قلة تجارب أو كثرة تجارب، يبدو أن هذا هو المستقبل. وها هي شركة «إتش بي أو» تعلن أن فيلمها المسلسل «غيم أوف ثرونز» (لعبة العروش) دخل عامه الرابع. وأن أول حلقة في العام الجديد شاهدها سبعة ملايين شخص، حول العالم، في نفس الوقت. أي دار سينما تقدر على ذلك؟