خطوة جريئة لمواجهة سيطرة غوغل على الإنترنت صفقة "ياهو": هل ستشكّل الحدث الكبير القادم؟ بشراء "ياهو"، تكون "مايكروسوفت" قد أطلقت آخر رصاصة في الحرب الأخيرة،حرب حول الإعلانات في محركات البحث على الإنترنت، وهي فئة كان فيها أداء "مايكروسوفت" و"ياهو" متواضعا ومتأخرا مقارنةً مع "غوغل". لهذا فقد تعتبر "مايكروسوفت" ان "ياهو" هي فرصة للحاق ب"غوغل" بالرغم من ان هذاالعرض لم يحظى بكثير من الترحيب و الحماس. ففي "سيليكون فالي" الشراء يُعتبر مخالفاً لثقافة الابتكارو قد جرت العادة على استثمار الأموال والأدمغة في صنع الحدث الكبير القادم بدلا من اللحاق بحدث سابق. "" فما هي المعركة التالية؟ قد تتمثل في ابتكار معالج صغري يعمل على كمية منخفضة من الطاقة يحمل اسم "سيلفرثورن" من شركة "إنتل". وقد صُمم هذا المعالج لموجة جديدة من الأجهزة اللاسلكية المحمولة التي تأمل "سيليكون فالي" أن تطال الجيل المقبل من البرامج وإبداعات الإنترنت. أو قد يكون شيئاً مختلفاً تماماً. لا أحد يعرف الجواب بالطبع، بيد أن الرهان على المستقبل هو جوهر "سيليكون فالي". فالكل يلاحق الحدث الكبير المقبل مع احتمالوقوع خطأ يهدد استمرارية العمل. و الدليل على ذلك، الشركات التي لمع اسمها في الثمانينات– "كومودور" و"تاندم" و"ديجيتال أكويبمنت" و"مايكروبرو" –و التي أصبحت في مقبرة تاريخ بعد بروز مع شركات جديدة في التسعينات نذكر منها– "أت هوم نتورك" و"نتسكايب" و"إنفوسيك"على سبيل المثال. أما "ياهو"، التي أسّسها طلاب متخرجون في جامعة "ستانفورد" وغدوا مشاهير وأصحاب المليارات فقد تكون مهددة هي الأخرى بالزوال. والجدير بالذكر أن "ياهو"، التي يقع مركزها في "سانيفايل" في كاليفورنيا" لا يتعدّى عمرها 13 عاماً. وترغب "مايكروسوفت" في شراء الشركة لقاء 44.6 مليار دولار بغية منافسة "غوغل"، التي أسسها أيضاً طلاب متخرجون في جامعة "ستانفورد"، اصبحوا كذلك مشاهير وأصحاب المليارات. ويقول جيم برير، شريك في شركة "أكسل بارتنرز" في "سيليكون فالي": "هذه طبيعة العمل في "سيليكون فالي". بعد نمو قوي جداً، تبدأ الأعمال بالتباطؤ مع ازدياد حدة المنافسة وبعد بروز الشركات الناشئة المبدعة التي تنافس سابقاتها." وقد أعطى الاقتصادي النمساوي جوزف ألويس شومبيتر اسماً لمبدأ الرأسمالية هذا: الدمار الإبداعي. قد لا نجد مكاناً أفضل من "سيليكون فالي" ليبرز فيه المفهوم بشكل درامي – وسريع – إذ يطلق الإبداع قوة تخلق وتدمّر مراراً وتكراراً. وتقوم "مايكروسوفت" – التي ما زالت في عزها بعد 32 عاماً من العمر – بأكبر عملية شراء لها لأنها تتأثر بدورها بهذه القوة. وقدتأسست "مايكروسوفت" عام 1975، وحظيت بفترة نشاط تتعدّى معظم الشركات التكنولوجية لأنها غدت بارعة في اللحاق بالحدث المهم التالي: نظام التشغيل، والحوسبة التي تعمل بتوجيه الإشارة والنقر، والبرامج للخادمات، وخدمات الوب، والألعاب الفيديوية، ومشغلات الموسيقى، والبحث على الإنترنت والإعلانات على الوب مؤخراً. وقد لا يكون الإبداع التكنولوجي سبب ريادة "مايكروسوفت"، فلطالما تمّ انتقادها لتقليد الآخرين وللنجاح في مشاريعها في محاولتها الثالثة. ويبدو أحياناً أن مواهب التسويق والترهيب لعبت دوراً مهماً أيضاً في نجاحها. (لكي نكون عادلين، يمكن اعتبار الاستعمال المبدع لهذه المواهب كنوع من الإبداع). لقد ربحت "مايكروسوفت" في معارك أعمال ضخمة، بدءاً من سيطرتها على برامج الكمبيوترات الشخصية ضدّ "آبل" خلال الثمانينات. وبعد عقد، قضت على "نتسكايب للاتصالات" بسهولة، التي جعلت تصفّح الإنترنت شائعاً في أواسط التسعينات. ومع أن "مايكروسوفت" ما زالت تجني أرباحاً طائلة بسبب قبضتها المحكمة على برامج الكمبيوتر فقد فشلت جهودها حتى الآن في التفوّق على "غوغل"، وهي شركة الإنترنت الرائدة من الجيل الثالث في "سيليكون فالي". وقد أثار إبداع "غوغل" المحوري (محرك البحث على الإنترنت) حيرة "مايكروسوفت" على الرغم من استثمار مليارات الدولارات لتطوير التكنولوجيا وعمليات شراء صغيرة متعددة. والجدير بالذكر أن تكنولوجيا الإنترنت تفوّقت على قطاع الكمبيوتر كمحور العمل الأساسي، مع رؤية المزيد والمزيد من الناس الكمبيوتر كمجرد بوابة إلى عالمهم الافتراضي. وتدعو "غوغل" هذه الظاهرة "الحاسوبية الضبابية." وكانت "غوغل"، التي تقع في ماونتن فيو في كاليفورنيا تنشئ، مراكز بيانات عملاقة حول العالم. وقد استفادت من إبداعات البرامج التي قامت بها مئات الشركات الجديدة الذكية من أجل تطوير برامج تصل إلى ملايين المستخدمين على الوب. لقد أطلقت "غوغل" قوة المجاني – ليست بفكرة جديدة ل"سيليكون فالي" – لتصبح المفضلة لدى جيل جديد من مستخدمي الكمبيوتر مع خدمات وجدوا أنهم لا يقدرون الاستغناء عنها، مثل البريد الإلكتروني والفيديو والتشبيك الاجتماعي. حالياً، تحاول "مايكروسوفت" التعويض عبر شراء ما لم تستطع بناءه. بالنسبة إلى الكثير من التكنولوجيين والمقاولين، فإن الصفقة تبرز صحّة المنطقة التي أنتجت موجات من التكنولوجيا المتزايدة القوة لأكثر من نصف قرن، عوضاً عن الإشارة إلى أي خطر وشيك لثقافة الشركات الجديدة في "سيليكون فالي" أو الإيحاء بأن المنطقة قد تسير على خطى ديترويت. ويسري إحساس بين المستثمرين هنا أن "مايكروسوفت"، كثقل موازن أكثر فعالية ل"غوغل"، قد تؤدّي إلى إطلاق عنان الإبداع في "سيليكون فالي". قال ويليام هيرست الثالث، وهو شريك في "كلاينر بركينز كوفيلد وبايرز": "حين كانت "مايكروسوفت" في طريقها صعوداً، برز الكثير من نواحي الاستثمار التي لم تهمّ المستثمرين. أما الآن فيمكن خوض غمار مجال جديد وسوف يظنّ الناس أن شركة من الشركتين العملاقتين ربما ستهتمّ بشراء تلك الشركة الصاعدة." لطالما كان الإبداع القوة الدافعة في "سيليكون فالي"، وكانت النتائج على مدى ربع القرن الماضي مذهلة، إذ يتمّ استخدام أكثر من مليار كمبيوتر شخصي في العالم اليوم، ويحمل 3 مليارات شخص هواتف جوالة. ويبدو أن الجيل المقبل من الكمبيوترات الجوالة ستطال مليارَي شخص في غضون ستّ سنوات فحسب. وقد أدت أرباح الإنتاجية من هذه الأجهزة إلى دفع الاقتصاد العالمي نحو نمو اقتصادي أسرع وإلى معيار أعلى من العيش لشريحة متزايدة من سكان العالم. ويقول بعض الإداريين إنه لو اشترت "مايكروسوفت" "ياهو" يكون السؤال إن كان ذلك سيلغي هوسها باللحاق ب"غوغل" ويجعلها تنظر إلى الجيل التالي من الإنترنت، حتى لو كان ذلك سيهدّد مركز "مايكروسوفت" المسيطر في برامج الكمبيوتر. ويقول نيكولاس كار، كاتب "ذا بيغ سويتش" The Big Switch الذي يصف تداعيات حوسبة الإنترنت إن عملية شراء "ياهو" انما "تبيّن أن قبضة "مايكروسوفت" على الكمبيوترات تقلّ في معناها." في هذا السياق، قد تكون "مايكروسوفت" في وضع مشابه لشركة "أي بي أم" في بداية الثمانينات. فبعد أن كانت الشركة مسيطرة في مجال الكمبيوترات الضخمة وأصبحت مهدّدة من الكمبيوترات الشخصية، ردّت "أي بي أم" بسرعة وتحوّلت إلى أكبر بائع للكمبيوترات الشخصية. بيد أنه على الرغم من كل الفعالية في الإنتاج كانت حرب الكمبيوترات الشخصية أقلّ ربحاً ولم تتمكن أي بي أم من إنجاح هذا العمل. وقد احتاجت إلى تغيير ثقافي منهك وطرد إدارتها وعشرات الآلاف من الموظفين لاستعادة ثباتها. في النهاية، سيكون تحدّي "مايكروسوفت" في إنجاح شرائها الجديد تحدياً ثقافياً. فهل يستطيع العملاق – الذي يقع في ردموند في واشنطن على بعد 1360 كلم من "سيليكون فالي" – استخدام شراء ضخم للدخول في ما يجعل "سيليكون فالي" ناجحاً؟ وهل سيجبر ذلك "مايكروسوفت" إلى النظر إلى الأمام وليس إلى الخلف؟ ويعتبر الكثيرون أن هذه المسائل هي ما تواجهه "مايكروسوفت". ويقول دافيد ليدل، رأسمالي في شركة "يو أس فنتشور بارتنرز": "إلى حدّ بعيد، إنها الرغبة في التقدّم وهجران أمر ما. إنها هذه القدرة على التخلّي عن أمر ما والانتقال إلى الحدث المهم التالي."