عاشت مدينة فاس على امتداد أسبوع كامل من 12 ابريل 2014 إلى 19 منه الدورة الثامنة لمهرجان الثقافة الصوفية تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس تحت شعار على خطى ابن عربي ، حيث كان متحف البطحاء بما يحمله من إرث ثقافي وجمال طبيعي وهندسة عربية أصيلة على موعد مع رواد الطرق الصوفية الذين توافدوا على فاس من مختلف المدن المغربية وعدد من الدول الأوروبية لحضورهذا العرس الديني الذي صدحت فيه الأصوات الرخيمة للمنشدين المغاربة والعرب والأجانب، تلك الأصوات التي كانت تسكر الجماهير التي غص بها متحف البطحاء طيلة أسبوع صوفي بامتياز حيث كانت تحملهم إلى عوالم لا يدركها إلا الذين تشبعت نفوسهم بالصفاء والطهر . وفي كلمته التي ألقاها د فوزي الصقلي عند افتتاح المهرجان أشار إلى أن ابن عربي الملقب بالشيخ الأكبر والذي عاش بين الأندلس وفاس والشرق سنة 1240، يعتبر من أكثر المنتجين والمبدعين شمولية وعمقا في عالم التصوف له أكثر من 400 مؤلف من بينها ما يضم مجلدات عديدة كالفتوحات المكية في سبعة وثلاثين مجلدا او كتفسيره المفقود للقران الكريم في أربعة وستين مؤلفا، بلغ صيته وعلمه الأفاق شرقا وغربا وهو الذي تنبأ بذلك حسب رؤية شهيرة رآها، سترسم رحلاته إلى الأندلس التي ولد فيها مرورا بالمغرب ومكة والأناضول وسوريا بهدف التلاقح والحكمة الحاتمية التي يعد انتشارها وتأثيرها حاضرا إلى اليوم، وقد أقام بفاس، يقول د الصقلي، في عدة مناسبات وخاصة في مسجد الأزهر بالمدينة العتيقة الذي يوجد حاليا في طور الترميم.. فما أحوجنا إلى اقتفاء أثر هذا الشيخ الصوفي لفهم فكر أكثر خصوبة وأهمية في علم التصوف والحكمة الكونية، يقول د الصقلي رئيس مهرجان الثقافة الصوفية . المهرجان الصوفي عرف عدة موائد مستديرة، صبت محاورها على خطى ابن عربي سيرته الذاتية وصور من الأنوثة عند ابن عربي وطريق الفتوة عند ابن عربي وابن عربي بفاس واثأر ابن عربي على المشرق والمغرب إلى غير ذلك من أعماله الشعرية والدينية . ساهم في هذه الندوات مفكرون مغاربة وأجانب في طليعتهم د سعاد الحكيم ود عبد الله ألوزاني وليلى أنفار وحسن شودويكن ومايكل باري... ومن أهم اللحظات المضيئة في هذه الموائد الصوفية تلك اللحظة التي تم فيها تكريم العالمة الصوفية د سعاد الحكيم التي تحدثت عن علاقتها بهذا الصوفي وكيف تعمقت في دراستها له من مختلف الجوانب الفكرية والعلمية ورؤيته للمرأة وسارت على خطاه منذ حصولها على الدكتورة حوله والى الآن، حيث جالت العالم الإسلامي والغربي أستاذة محاضرة في الفكر الصوفي عند هذا العبقري، لتتحدث بعد ذلك عن معنى الصوفية لتؤكد أنها صفاء الروح والبساطة، مما يجعل الإنسان يعيش في حياته في اطمئنان نفسى وفكري راضيا ومقتنعا بما وهبه الله تعالى . أما بالنسبة للبرنامج الفني الصوفي فإنه كان في مستوى الحدث، فقد أنشد كور وبنيانا أغان من الفلامينكو مستوحاة من قصائد ابن عربي ليندمج معهم بعد ذلك المنشد المتألق عمر حاجي بالإضافة إلى عندليب فاس عبد الفتاح بنيس وإلى المنشد الكبير ابا جدوب والنجم سعيد الشرايبي وغيرهم من الفنانين المرموقين من إسبانيا وتركيا، كما استمتع الجمهور، أيضا، بسهرات رائعة تألق فيها المطرب السوري حمام خيري الذي هز المشاعر بمواويله وأذكاره الدينية ليختتم سهرته بالأذان الذي أداه بطريقة رائعة، كما ساهمت الفرق الصوفية في نجاح الدورة باستقطابها لمرديها وفي طليعتها الفرقة القادمة من البوسنة والهرسك التي أحيت الحفل الديني على الطريقة القادرية، وحفل المديح والسماع أحيته فرقة الطريقة القادرية البوشيشتية والطريقة الصقلية والشرقاوية بالإضافة إلى الطريقة الخلواتية التركية..، واختتمت ليالي المهرجان بالسهرة الفنية الأندلسية برئاسة ذ ابريول، هاته السهرة التي عرفت إقبالا منقطع النظير، نظرا لمكانة هذا الفن الأندلسي في نفوس المغاربة بصفة عامة، سيما وأن السهرة عرفت مشاركة ألمع المنشدين المغاربة الذين تعاقبوا على ترديد المواويل الدينية التي تمجد السيرة النبوية، مما أضفى على متحف البطحاء هالة روحية صفق لها الجمهور بحرارة كبرى .