«هذه هي المجموعة الإرهابية الأكثر خطورة التي تم كشفها في فرنسا منذ 1996 « بهذه الكلمات وصف المدعي العام للجمهورية «فرانسوا مولان» في باريس، خلية «كان-طورسي» مما يعكس الجدية التي تتعامل معها السلطات الأمنية مع هذه الخلية المفككة. و قد جاء تصريح المدعي العام في أكتوبر 2012 بعد اعتقال الأعضاء الإثنا عشر الأولين، بعد إحباط عملية كانت تستهدف متجرا في ملكية يهودي ب»سارسيل». بعد ذلك بستة عشر شهرا، استمرت النواة الأولية للخلية في الانتفاخ. ففي فبراير الماضي تم النطق بمتابعة العضو الحادي والعشرين، بينما لا زال حوالي عشرة آخرين رهن الاعتقال. فالشخص الذي تم اعتقاله يوم 11 فبراير (ابراهيم. ب) كان عائدا من سوريا، حيث قاتل قوات بشار الأسد في صفوف «جبهة النصرة». وكان ابراهيم قد غادر فرنسا رفقة صديق صباه «عبد القادر ت» الذي اعتقل بدوره في نهاية يناير بإيطاليا وتم استقدامه إلى فرنسا. ومن سوريا، التي وصلاها في سبتمبر 2012 ، قام الرجلان ببعث رسائل عبر الشبكة الاجتماعية تدعو إلى «معاقبة فرنسا». ويعكس مسار الرجلين تطرفا سريعا بعد ماض منحرف في بعض الأحيان، مع حضور قوي للمعتنقين الجُدد للإسلام (يشكلون حوالي نصف مجموعة «كان-طورسي») ومواضبة على مواقع الأنترنت يعقبه مرور عبر المعسكرات الجهادية في سوريا ثم مشروع ضرب فرنسا بعد عودتهم: هذا هو المخطط الذي تخشاه السلطات الفرنسية وهو ما تعكسه الشهادات والكتابات التي تكشف عنها صحيفة «ليبراسيون». بالموازاة مع خطورة هذه الشبكة التي يتكون معظم أعضائها من مواليد فرنسيين وحاملين للجنسية الفرنسية، هناك نوع من «الهواية» التي تجعلهم غير قابلين للرقابة. فخلال عمليتهم الأولى، ضد متجر «ناوري» اليهودي، كان سوء تسديد أحدهم للقنبلة اليوغوسلافية (التي علقت تحت شاحنة خنقت انفجارها) هو ما حال دون وقوع المجزرة. فيما بعد، بفحص حاسوب أحد زعماء المجموعة، «جيريمي باييه» (الملقب بعبد الرحمان) وجد المحققون أثر مشروع عملية ضد أحد متاجر «ماكدونالدس» أخفق بسبب خلل في الساعة المنبهة لأحد أعضاء المجموعة. في يوليوز 2013 ، وفي رسالة تم اكتشافها من طرف السلطات السجنية، يشرح ‹جيريمي» نفسه لصديق له كيفية صنع قنبلة مع إعطائه تفاصيل دقيقة عن مكتب أحد قضاة مكافحة الإرهاب في قصر العدالة بباريس. كما تشهد الأسلحة والمتفجرات التي تمت مصادرتها في خريف 2012 وفي فبراير الماضي على تصميم المجموعة على العمل العنيف. وتكتسي معظم العمليات المخطط لها طابعا عدائيا للسامية، كما تشهد بذلك اكتشاف لائحة من عشرات الجمعيات من بينها المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا. ويشهد اعتناق هؤلاء الأشخاص، و معظمهم شباب في مقتبل العمر، للإسلام على عزلتهم الاجتماعية. فالأطر والمهن الذهنية نادرة وسط هذه المجموعة، فيما يتشكل أغلبهم من صغار المستخدمين المفتونين بتفسير تبسيطي للعالم، المنقسم بين مؤمنين وكفار. كما أن اللقاء مع صديق إضافة إلى الأنترنت قد حلت، في مهمة التكوين، محل الإمام و المسجد. «فلوريان. ل»، ملاكم، جنايني وإرهابي خلال التفتيش في منزل «فلوريان، ل» بمدينة «موجان»، وضع رجال الأمن يدهم على مسدس رشاش وعلى مسدس أوتوماتيكي وعلبتي ذخيرة إضافة إلى أسلحة دفاعية إلكترونية. وقد تم اعتقال «فلوريان. ل» (27 سنة) في أكتوبر الماضي، للاشتباه في مساعدته في الإعداد لعملية ضد مناطق عسكرية في منتصف 2013 بمنطقة «فار». كما هو متهم بنقل أهم المشاركين في عملية المتجر اليهودي ب»سارسيل» في أكتوبر 2012 بعد قيامهم بالعملية. كيف وجد هذا الجنايني الهاوي للملاكمة، المنتمي لأسرة كاثوليكية وأم ممرضة نفسه وسط هذه الخلية الإرهابية؟ خلال حبسه الاحتياطي، لم يجد هو نفسه تفسيرا لما حدث. فاعتناقه للإسلام مثلا تم بمحض الصدفة. فقد دخل في البداية مسجدا من أجل ترجمة دفتر مكتوب بالعربية، وبعد ذلك وجد نفسه معتنقا الإسلام «لقد تم ذلك بتلقائية» ... بيد أن نتائج هذا الاعتناق بدأت بالظهور بسرعة «لقد ساعدني ذلك على الهدوء والاتزان وأوقفت تدخين الحشيش وأعتقد أن هذا ما ساعدني على نيل شهادة بيت ي إس»، ثم صام رمضان في العام الموالي وبدأ يؤدي الصلوات الخمس رغم أنه اليوم يلوم نفسه بعدم تأديتها كاملة. وشرع هذا الشاب الذي تسمى «عبد الحكيم» في البحث عن زوجة مسلمة بتسجيله في لائحة موقع اللقاءات الإلكتروني «إن شاء الله». ويحكي «فلوريان،ل» عن عدم اهتمامه بالكتابات الدينية، باستثناء بعض النصوص القصيرة الموجودة في «غوغل». وتتذكر والدته، التي حاول تحويلها للإسلام، الطابق المخصص في الثلاجة للمأكولات الحلال، كما تتذكر اللباس الجديد لابنها و لحيته و إخفائه لبعض اللوحات المعلقة بالصالون و التي تمثل صورا لكلاب. حينما سأله المحققون عما إذا كان مؤيدا لتطبيق الشريعة، قال «أنه كي يتم رجم الزاني ينبغي التوفر على أربعة شهود شهدوا واقعة الزنا، و أعتقد أنه من الغباء إظهار هذه الواقعة لأربعة أشخاص، و من يفعل ذلك يستحق الرجم، أما بخصوص قطع يد السارق و بالنظر للاكتظاظ الذي تشهده السجون حاليا، فأظن بأنه لا بأس من قطع يد السارق، على الأقل لردع الآخرين». وباعتناقه للإسلام شرع «فلوريان.ل» في الشك في التفسير الرسمي لتفجيرات 11 سبتمبر. أما بخصوص الأسلحة، فهي ليست له بل «لأحد الإخوان» مضيفا «لقد كنت أنوي القيام بواسطتها ببعض السرقات كي أحصل على المال للسفر لتايلاندا.ليس هناك رابط بين الأسلحة و بين القصة التي تحكونها لي الآن», ثم اعترف في النهاية بأنه أخفاها لمساعدة صديق له اعتقل أيضا، لكنه لم يكن يعتزم أبدا استخدامها في عملية ما. «ميكائيل. أ» إسلامي تائب كان على وشك السقوط.فأثناء تجوله في الشاطئ، قبيل العملية التي اقترفها أصدقاؤه ضد متجر اليهودي في «سارسيل»، اكتشف «ميكائيل.أ» 24 سنة، من أب يهودي وأم كاثوليكية والمعتنق للإسلام الراديكالي، بأنه كان موشكا على الذهاب بعيدا. لهذا حاول الابتعاد عن زعماء الخلية الذين ازدادت تصريحاتهم قوة و عنفا، لكنه خاف. تم اعتقال الشاب في يناير 2013، لانتمائه للخلية الإرهابية. أمضى ثلاثة شهور في السجن قبل أن يتم وضعه تحت الرقابة القضائية. وتتهمه العدالة بكونها اقتنى العناصر الضرورية لصنع عبوات متفجرة لاستخدامها في عمليات بعضها ضد مصالح يهودية. ويعود اعتناق «ميكائيل»، الذي يعيش أخواه غير الشقيقين حاليا في إسرائيل فيما أخته يهودية مطبقة,للإسلام إلى سنة 2010 . «كنت أرى بأن كثيرا من الأمور السيئة تقع لي, فالتفتت إلى الله للحصول على أجوبة...فكلمني أحد المعتنقين الجدد عن القرآن، كان هذا في فترة كنت أدخن فيها كثيرا، ولدى قراءتي للقرآن شعرت بأني قد وصلت للحقيقة». وفي مسجد كان التقى الأعضاء الآخرين للخلية المقبلة. يقول «ميكائيل» أنه كان يعتقد الحصول على الهدوء في الإسلام. ورأى أن «إخوانه» يأملون في أن يتحول اليهود والمسيحيون جميعهم للإسلام» وتبين من خلال النقاشات أنهم يريدون القتال في فرنسا، معتبرين محمد مراح مثالا لهم، ويقولون أنهم هم بدورهم يمكنهم أن يفعلوا شيئا، معبرا عن أسفه «لقد كنت أريد أن أفهم، و كدت أومن بذلك». ويقسم «ميكائيل.أ» أنه لم يكن على علم بالعملية ضد متجر اليهودي، لكنه يعترف بأنه اشترى من صيدلية في صيف 2012 ، الملح الصخري (الملحة الحية) الذي استخدم في المتفجرات. أمام اعتناق إبنهم لدين جديد، لم يتحرك والدا «ميكائيل» اللذين لم يربياه على الدين اليهودي. ويقول والده :»كنا نتناقش مع ميكائيل حول جميع المواضيع باستثناء الدين»، بينما تتحدث والدته المنفصلة عن والده، عن «ميكائيل» باعتباره مراهقا فاشلا في دراسته بدون أي ثقة في نفسه...حدثني مرة عن اعتناقه للإسلام لكني لم أعلم ذلك حقا إلا بعد أن امتنع عن شرب الخمر و شرع يأكل الحلال فقط». «في حالة الحرب مع العدو» إنها رسالة من 15 صفحة، مرقونة بآلة كاتبة تعكس بعض الثغرات و الأوجاع لكنها لا تشك أبدا في أولوية الإسلام على جميع الديانات الأخرى. هذه الرسالة التي كتبها «يان نساكو» (20 سنة) المعتقل حاليا ضمن مجموعة «كان-طورسي» لوالديه و عثر عليها المحققون في منزله. هذا الرياضي المفتتن بكرة القدم الذي تكون داخل الفريق الرياضي ل»كان» ثم انتسب إلى فريق انجليزي قبل أن تأتي إصابة كي تقضي على مساره الرياضي نهائيا، يفسر في رسالته هاته أسباب اعتناقه للإسلام : «سأقول كل شيء لأنكم والداي و ينبغي أن تعرفا». من أصل كونغولي وتربى في أحضان الدين البروتستانتي، يحكي «يان» عن سنواته الأولى وتربيته الخلقية العالية قبل أن يبدأ في سنوات الثانوية في «التدخين» و «شرب الخمر» إلى أن جاءت عوامة الإنقاذ على شكل رياضة كرة القدم «هذه الرياضة الجميلة التي ساعدتني على الانفتاح». وبعد تجربة الذهاب إلى انكلترا لمدة سنة وإصابته في الركبة، عاد مهزوما إلى «كان» حيث التقى بأحد رفاق طفولته الذي هداه إلى القرآن «و بقراءتي لهذا الكتاب المعجزة وجدت جوابا على كل أسئلتي، فاعتنقت هذا الدين الرائع». وهو يحاول طمأنة والديه يؤكد لهما أنه لن يشارك أبدا في عمليات يذهب ضحيتها الأبرياء. «باستثناء حالة حرب أو معركة مباشرة مع العدو»، وبذلك يبرر عمليات الفلسطينيين ضد اليهود في إسرائيل «تماما مثل المقاومين خلال الحرب العالمية الثانية» ولكي يُطمئن والديه أكثر يؤكد لهما أنه لم يخضع لعملية غسيل دماغ بل إنه يعرف ما يفعل. تم إطلاق سراح «يان نساكو» تحت رقابة القضاء في أبريل مع متابعته في حالة سراح فوضعية يان استثنائية يقول محامياه في هذا الملف «فالتزامه الديني في حد ذاته ليس إجراميا، و سيتم إظهار براءته، و أول مؤشر على ذلك هو إطلاق سراحه». عن «ليبراسيون» الفرنسية 28 مارس 2014