«المغرب العشيقة التي نجامعها كل ليلة، رغم أننا لسنا بالضرورة مغرمين بها، لكننا ملزمون بالدفاع عنها». فرانسوا دلاتير سفير فرنسابواشنطن اختار ممثل فرنسا في واشنطن سياسة الأفظع، أي نوعا من الممارسات التي تريد إغراق العلاقات الفرنسية المغربية في مستنقع الشك والتساؤل وردة الفعل.ما قاله ممثل فرنسابواشنطن، يفوق المعادلة الديبلوماسية ويصيب الكرامة الوطنية إصابة بليغة، جديرة بأن تهز الكيان الوطني وتعيد إلى الأذهان الاستعلاء الاستعماري المقرون بالتحقير اللاإنساني الذي مارسته فرنسا الكولونيالية.لن تكفي اللغة الدبلوماسية في الرد على السفير الفرنسي، ولا القاموس المتعارف عليه دولياً في اللباقة السياسية، ولا عواطف النعامة التي تبديها وزارة الخارجية إلى حد الساعة. فقد احتقرنا السفير، واعتبر بلادنا غانية وجارية في قصر الإليزيه تنتظر حظها من الحظوة الجنسية، وهو ما يمثل أعتى قمة التسفيه وقمة الإذلال.ونشعر كوطنيين أن القتل المادي الذي مورس ضد أبنائنا في حرب «التهدئة» ثم في حرب التحرير، لا يقل ضراوة عن التسفيه والتجريح الحالي، الشيء الذي يعيدنا إلى أجواء العداء التي خلنا أننا تحررنا منها.سلوك السفير، في تقديرنا، ليس معزولا، خاصة وأنه يندرج ضمن أجندة تصعيد واضحة المعالم.-1السعي الفرنسي نحو فتح ملف الصحراء المغربية، عبر حادثة استدعاء المسؤول عن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DST)، بناء على دعوة نعتقد أن النقطة المعتبرة فيها هي قضية المعتقل في قضية اكديم إزيك.وتجدر الإشارة إلى أن عدالة فرنسا وديبلوماسييها لا يمكن أن تفوتهم المعطيات التالية:1 المحاكمة العلنية والعادلة لمن اتخذت قضيته كحجة في الملف-2- فتح المغرب لأبوابه، في استقبال المندوب الأممي لشؤون التعذيب، وزيارته لبلادنا وتقديره للأوضاع في شأن الاتهامات المرتبطة بالتعذيب.-3- محدودية القضية المرفوعة بالمقارنة مع قوة الحجة الحقوقية (التعذيب) وهي المحدودية التي لا يمكن أن تتحرك بسببها آلة دولة عظمى عضو في مجلس الأمن الأممي وعلى دراية تامة بالتعذيب.إلى ذلك، يضاف التعليق الصادر عن السفير الفرنسي الى السجل ذاته، المرتبط بالصحراء المغربية. وهنا، لا يمكننا أن «نقتنع» بأن الصدفة وحدها التي تجعل الصحراء، قاسما مشتركا في سلوك العدالة الفرنسية وممثليتها بالولاياتالمتحدةالأمريكية. هناك ما يبعث على القلق لدى المغاربة أجمعين بهذا الخصوص.-2 «الاحتفاء» الإعلامي، من لدن وكالة أ.ف.ب، المعروفة علاقتها بالإليزيه، حسب القوانين المنظمة لها، والجوار السياسي الإعلامي بين المؤسستين، يكشف عن عمق الزاوية السياسية في هذا الاستفزاز الذي يجعل من بلادنا «عشيقة» لدولة فرنسا.-3 إن قاموس التحقير، الذي انبنى في أصل الاستعمار على الدور الحضاري لفرنسا في دول التخلف الإفريقي، وصل الى الحضيض هذه المرة عندما رمى بلادنا إلى درجة «الدعارة السياسية» التي تجبر الفحولة الفرنسية عليها بسبب المصالح.-4- لا يمكن، بالنسبة لنا كوطنيين تقدميين وحدويين، أن نتجاهل الهجوم الفرنسي على الذاكرة الوحدوية للمغاربة عبر محاولة اغتيال «قضائي» للشهيد المهدي، والتجنيد الوضيع لأبناء فرنسا بيننا من أجل طمس الحقيقة، وتبييض المشاركة الخسيسة لفرنسا في اغتيال المهدي، الى جانب أطراف أخرى لابد أن يفضحها التاريخ،-5 إن السحب اليوم، تتجمع في السماء الممتدة من الرباط الى باريس الى نيويورك، لتؤكد أن شيئا ما نتنا يحدث في الجمهورية الخامسة، ونعتقد أن الرهانات الجيواستراتيجية والمصالح المتبادلة بين البلدين، لن تربح من عودة التوتر بينهما، على غرار فترة الطيبة الذكر، دانييل ميتران (التي اكتشفت الحقيقة الفعلية للارتزاق الانفصالي في آخر المطاف)، والجوار الاستراتيجي في الساحل والتعاون الوثيق في مالي، خير دليل على ما نقول.-6 إن المغرب ينتظر، بأمل كبير فعلا، أن تتخذ دولة فرنسا ما يرد الاعتبار إلى البلاد وتاريخها ويطمئن المغاربة الى أن اللاوعي الاستعماري لم يعد يتحكم في العلاقة بين البلدين، وأقل ما يمكن أن يتم هو إقالة السفير في الولاياتالمتحدة والاعتذار الرسمي لبلادنا عن احتقاره.