ما الذي يحدث حين تهدي كتابك لغيرك؟ هل ستنساه وتتركه يلقى مصيره بين أمواج ورياح قاسية؟ كتابك هو لك وحدك ولكنه يبحث دوما عن تحرره منك أنت الذي سجنته في فضائك الذهني، وأفهمته أن لا سلطة خارجك. يتماسك هو في سجنك يأخذ طعامك مذعنا، وشرابك وماءك طائعا شاكرا. فلم تكن عاطفته نحوك حرّة. ولو كنت تعلم أنه سينفصل عنك وينساك حالما يُطرح في واجهات المكتبات والأكشاك، أو حين يحدث ذلك الفعل المضحك وأنت تمسك قلما وتذهب واثقا عازما وكريما إلى صفحته الأولى البيضاء،وتكتب اسم غيرك عليها، فاردا أريحية عطائك وغزارتك منحتك، كل ذلك بالمجان، إنه هدية منك إليه/إليهم دون استشارته أو رضاه. عندما ستدور في محاجر رأسه فكرة التمرد: لم يعد لك، سيبدأ في رؤية فجر حريته ونهارها الطويل الذي لا يليه ليل. فيبدأ ينظر إلى غيرك نظرة لا محدودة. غيرك الذي قد يكتب عنه، وقد ينساه، وقد يعيره لغيره، وقد لا يقرأه، وقد يرميه في قمامة، وقد يبيعه لكتبي الكتب المستعملة. أشياء كثيرة تحدث لكتابك حين تعطيه مجانا لقارئ صديق، أو كاتب لا يقرأ أو لم يسبق له أن اشترى كتابا. هذا زلزال تشعر معه كلمات الكتاب بدوار شديد. ليست هذه هي المخاطرة الوحيدة، فهذه لعبة خطرة غير منتهية يصبح فيها كتابك بلا اسم. وما الذي يحدث حين يذهب قارئك بنفسه إلى المكتبة لشراء كتابك؟ يشعر كتابك أنه في كل مكان، في كل قلب وذاكرة وعقل. تبدأ مواده تعقل نفسها استعدادا لفعل قراءتها. فثمة عقل جديد يعيد فهم ما كتبه الكاتب. وحتى مالا يُدرك يصبح قابلا للإدراك. حالة أخرى، وهي الأخرى مادية، الورق الغزير، أو القليل، في الكتاب تخرج منه الكلمات، يخرج منه التفكير، مثل سرب حمام ويحط في مكان واحد. الكاتب ينهض ومعه كلماته التي أزاحت عنها كل غطاء. أيها الكاتب كلماتك لك، أيها القارئ كلمات الكاتب ليست لك، فابحث عنها إنها تتجمهر في مكان واحد، وأنت تعرفه.