ان نادي قضاة المغرب يبقى جمعية مهنية مؤسسة في إطار الظهير الشريف المؤرخ في 15 نونبر 1958 كما وقع تغييره وتتميمه، استنادا لأحكام الدستور المغربي وخاصة الفصل 111 منه، وهو جمعية غير محدودة في مدتها، مستقلة في نشاطها، غير منتمية لأي حزب سياسي أو منظمة نقابية»، ويضع من بين أهم مجالات اهتمامه تحقيق مجموعة من الأهداف من بينها الدفاع عن الضمانات الأساسية للحقوق وحريات المواطنين، الدفاع عن السلطة القضائية واستقلالها، لم شمل قضاة المغرب والدفاع عن حقوقهم وهيبتهم وكرامتهم واستقلالهم، التعريف والإلتزام بالأعراف والتقاليد والأخلاقيات القضائية، ورفع مستوى أداء القضاة لمهامهم القضائية، ... ومن المعلوم أن جمعية نادي قضاة المغرب أنشئت في ظل ظروف استثنائية لم تنشأ فيها مثيلاتها من الجمعيات السابقة لتأسيسه ولا اللاحقة لظهوره، حيث أسست رغم ما تعرضت له من منع غير مشروع يوم 20 غشت 2011، بعيد أيام قليلة من المصادقة على الدستور الجديد، وذلك بفضل إصرار القضاة رغم محاولات المنع والتضييق، وبدعم من العديد من الحقوقيين المدافعين عن استقلال القضاء. هكذا اذن أريد لنادي قضاة المغرب أن يكون جمعية انبثقت من واقع قضائي يعيشه القضاة ويتقاسمه معهم جميع المتدخلين في منظومة العدالة فضلا عن بقي المواطنين، لذا كان طبيعيا أن تقوم هذه الجمعية بتشخيص واقع القضاء ومحاولة استجلاء مكامن الخلل فيه و بلورة تصور شامل ودقيق لتحقيق الإصلاح المنشود، وهو ما تحقق فعلا بمناسبة انعقاد الدورة الاولى لمجلسه الوطني وما تمخض عنها من توصيات شكلت نواة أول ملف مطلبي مستعجل يضعه القضاة أنفسهم في سابقة غير معهودة داخل الجسم القضائي المثقل بمخلفات اعمال موجب التحفظ كقيد طوق حرية تعبير القضاة لمدة عقود. فإلى أي حد يمكن القول بأن الملف المطلبي لنادي قضاة المغرب يشكل خارطة طريق من أجل اصلاح القضاء ؟ 1- إصلاح القضاء يمر حتما عبر تحسين الوضعية المادية والاجتماعية للقضاة : ان القضاء قبل أن يكون مهنة فهو رسالة، فالقاضي خليفة الله في أرضه ينشر العدل بين الناس، يفصل الخصومات، يرجع الحقوق المهضومة، يحفظ الأموال والأنفس والأعراض..، والقضاء أساس الملك كما يقال. من هنا جاء نبل رسالة القضاء التي تجعل من القاضي قاضيا وليس موظفا عموميا، ونظرا إلى المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق القاضي وما تتطلبه ممارسة مهامه من واجبات عدة ضمانا لإستقلاليته، تجرده، وحياده ، ...كان لزاما التفكير في طريقة عادلة لتعويض القضاة عما يبذلونه من جهد في سبيل القيام برسالتهم وبشكل يضمن كرامتهم ويبعدهم عن جميع المؤثرات التي من شأنها التأثير على القيام بمهامهم على أكمل وجه، خاصة وأن ما يتقاضاه القضاة المغاربة حاليا كأجر عن مهامهم العديدة المتعددة يبقى جد ضئيل ولا يناسب بالمرة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم. كما أن راتب القضاة لم يطرأ عليه أي تغيير منذ سنة 1993، والقضاة هم الوحيدون من جميع القطاعات الذين يقومون بمهام إضافية وخارج أوقات العمل دون أن تمنح لهم أية تعويضات عن ذلك كما أنهم يضطرون للعمل بوسائلهم الخاصة . وبالرغم من أن خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لثورة الملك والشعب كان حاسما في ضرورة النهوض بالوضعية المادية والإجتماعية للقضاة، إلا أن التلكؤ يبقى سيد الموقف ، ولازالت طموحات القضاة حبيسة الانتظار . من هنا فإن نادي قضاة المغرب اعتبر أن تحسين الوضعية المادية للقضاة يبقى مدخلا مهما لإصلاح القضاء، لذا اقترح أن تشمل الزيادات المرتقبة في أجور القضاة كافة درجاتهم دون استثناء الملحقين القضائيين ولا حتى قضاة الدرجة الاستثنائية أو القضاة من خارج الدرجة، على أساس أن يتم احتساب هذه الزيادات بأثر رجعي انطلاقا من تاريخ الخطاب الملكي المذكور. كما اقترح وفي نفس السياق تقرير تعويض عن تحمل المسؤولية بالنسبة لرؤساء ووكلاء الملك بالمحاكم الابتدائية فضلا عن الرؤساء الأولون والوكلاء العامون لمحاكم الاستئناف العادية والمتخصصة إلى جانب الرئيس الأول والوكيل العام لمحكمة النقض ، على أن يشمل التعويض عن المسؤولية أيضا رؤساء أقسام الأسرة ورؤساء المراكز، بالإضافة الى منح قاضي التوثيق وقاضي الزواج تعويضا عن الأعباء الإضافية. وإقرار تعويض عن الديمومة والأعمال الإضافية بالنسبة لقضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وقضاة الأحداث . بالإضافة الى ما ذكر ، اقترح نادي قضاة المغرب أن تمنح للقضاة تعويضات مادية تكميلية وذلك بمنح القضاة المعينين حديثا والمتخرجين من المعهد العالي للقضاء مبلغا جزافيا قدره 60000 درهم بمجرد التحاقهم بمقرات عملهم لمواجهة التكاليف الأولية للتعيين، مع منح تعويض ملائم للعمل في المناطق النائية، واستخلاص نسبة 1 % من قيمة البيوع الإجبارية لفائدة القضاة وتوزيعها عليهم بالتساوي في نهاية كل سنة، إلى جانب منح أجرة الشهر الثالث عشر والرابع عشر معفاة من الضرائب...، 2- إصلاح القضاء يمر عن طريق تقوية مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية وتمكينها من ممارسة الصلاحيات المخولة لها بمقتضى الدستور: لا شك أن تجسيد مفهوم السلطة القضائية كسلطة حقيقية وضمان استقلاليتها أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية يبقى دورا منوطا دستوريا بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، هذا الدور لن يتأتى تحقيقه إلا إذا كان القانون التنظيمي للمجلس محكم التصور، نابع من مشاركة القضاة في صياغته، وقادر على ضمان تأدية هاته المؤسسة لوظائفها وبالطريقة التي أريد لها أن تكون حتى يكون تنزيل الدستور في هذا الجانب حقيقيا وذا فعالية. لذا فإن نادي قضاة المغرب وبعد وقوفه على العديد من الإختلالات المرتبطة بسير عمل المجلس الأعلى للقضاء في ظل الوضع السابق والحالي، والتي جعلت منه مؤسسة غير قادرة على ضمان الشفافية في أشغالها والفعالية في تدبير الشأن القضائي، ونظرا للعديد من السلبيات التي تمت مراكمتها طوال كل هاته السنوات، واعتبارا لهاته المعطيات واعتبارا لما نص عليه الدستور الجديد، وضع نادي القضاة تصورا دقيقا حول سبل تقوية هاته المؤسسة وضمان فعاليتها. فبخصوص انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، اقترح النادي : - مراجعة طريقة الإنتخابات بما يضمن شفافيتها، - عدم اشتراط أية أقدمية للترشح لعضوية المجلس، - منح الصلاحية لجميع الأعضاء للبت في الوضعية الفردية للقضاة جميعا بصرف النظر عن درجة العضو ما دام هذا الأخير قد حاز على ثقة القضاة، - توفير الدعم اللوجيستيكي والمالي للحملة الانتخابية للمرشحين من مالية الدولة وتمكين الأعضاء المرشحين من تقديم برامجهم الانتخابية على أمواج الإذاعة والتلفزة . - إعادة النظر في طريقة تحديد عدد مكاتب التصويت ودائرتها ومواقعها بشكل يسمح للقضاة بممارسة حقهم في التصويت بكل تيسير وفي ظروف ملائمة مع إجراء عملية فرز الأصوات بعين مكان محل التصويت. ولضمان نجاعة التمثيل في هاته المؤسسة اقترح النادي إقرار مبدأ التفرغ لأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وإلغاء مبدأ تجميد ترقيتهم أثناء ممارسة مهامهم التمثيلية خلافا لما ينص عليه القانون الحالي، مع إمكانية عقد المجلس الأعلى للسلطة القضائية دوراته بمجرد توفر النصاب المحدد في الثلثين ، والالتزام بعقد أربع دورات لأشغال المجلس في السنة ( دورة مارس ، يونيو ، شتنبر ودجنبر ). وتماشيا مع ما نص عليه الدستور من كون المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتوفر على الاستقلال الإداري والمالي، فقد اقترح النادي أن تتوفر هاته المؤسسة على مقر خاص بها ، وأن يتم فصله عن وزارة العدل بشكل فوري ومستعجل ، وأن يتم إلحاق عدد كاف من القضاة للعمل داخل المؤسسة على غرار ما جرى به العمل داخل الوزارة وذلك كي يتمكن المجلس من ممارسة مهامه بكل حرفية وإتقان، كما اقترح أن تكون هيئة التفتيش كهيأة مستقلة ينتخب أعضاؤها من طرف القضاة لمدة معينة للعمل بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية إضافة الى هيئة المقررين الموكولة لهم مهام التقرير في المساطر التأديبية باستقلال عن هيئة التفتيش. وكي لا ينحصر دور النادي في النقد الغير بناء، فقد وضع عدة تصورات تشكل أرضية لضمان شفافية أشغال المجلس سواء فيما يتعلق بتدبير الوضعية الفردية للقضاة أو فيما يتعلق بإسناد مهام الإدارة القضائية. وفي هذا الإطار، تم التأكيد على ضرورة إشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية على الحياة المهنية للقاضي ابتداء من الإعلان عن مباراة الالتحاق بسلك القضاء إلى غاية التقاعد. ومراجعة ضوابط وشكليات التعيين بما يضمن تكافؤ الفرص، ومراعاة الوضعية الاجتماعية للقاضي على أن يكون المعيار الأساس هو الكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية. وإلغاء العمل بالتكليف والتمديد لما نتج عن النظامين المذكورين من خلق وضعية تخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين القضاة ، وأكد الملف المطلبي لنادي قضاة المغرب على ضرورة وضع ضوابط شفافة للمسطرة التأديبية بشكل يضمن شروط المحاكمة العادلة للقضاة من خلال ضمان ( حق الدفاع ، حق الاطلاع على التقارير وكل الوثائق وأخذ نسخ منها، حق الطعن ...) كما أكد على ضرورة تفعيل حصانة القضاة من التنقيل المكرسة دستوريا من خلال إلزامية تقيد المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمحاكم المطلوبة في طلبات الإنتقال مع ضرورة بلورة تفسير واضح وبين لمصطلح» المصلحة القضائية» . وبخصوص الإدارة القضائية، اقترح الملف المطلبي للنادي أن يتم وضع معايير موضوعية تحدد الشروط التي يجب أن تتوفر في القضاة المرشحين للمسؤولية وأن يتم الإعلان من قبل المجلس عن المناصب الشاغرة لها على أن يقوم الراغبون في تقلدها، والمتوفرون على الشروط اللازمة باجتياز مباراة تحت إشراف المجلس تتعلق بإحاطتهم بالمعلومات القانونية إضافة إلى اختبارات نفسية. وبعد اقتراح إحداث معهد عالي للإدارة القضائية توكل مهمة الإشراف عليه كذلك للمجلس ، فقد تم اقتراح إخضاع المسؤولين الجدد لتكوين مدته ستة أشهر، مع تحديد مدة المسؤولية في أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، على أن ينقل المسؤول الذي يرغب في الاستمرار في مسؤوليته لمدة أكبر لدائرة استينافية أخرى، مع اقتراح إعفاء المسؤول القضائي من مهامه فورا في حالة ما إذا ثبت عدم كفاءته على تقلد مهامه . 3- إصلاح القضاء يمر عبر تحسين ظروف العمل بالمحاكم والرفع من مستوى النجاعة القضائية : انطلاقا من معطى أن إصدار أحكام عادلة تعيد الثقة للمواطن في العدالة ببلادنا لن يتحقق إلا بتحسين الظروف الملائمة ليقوم القاضي بمهامه على أتم وجه، فقد بلور نادي قضاة المغرب تصورا واضحا بخصوص ما يتعين توفيره في هذا الجانب. وذلك من خلال العناصر التالية: توزيع القضاة على المحاكم حسب الحاجيات ووفق إحصائيات علمية مضبوطة . توفير قاعات المداولات في كل المحاكم ومراكز القضاة المقيمين مع تجهيزها بالحواسيب والمكاتب وغيرها من الضروريات . إسناد التدبير المالي للمحاكم للمسؤولين القضائيين . توفير جميع التجهيزات والوسائل الوجيستية داخل المحكمة . توفير الموظفين داخل المراكز . توفير الأمن في المراكز والمحاكم. تجهيز المراكز بآليات العمل من فاكس وهاتف . توفير مكاتب خاصة بقضاة التحقيق والاحداث داخل المحاكم وكتابة مؤهلة خاصة بهم وحدهم . تحديد معايير معينة لفتح المراكز أو إغلاقها مع ضرورة فصل بناياتها عن بنايات الإدارة المحلية . التعجيل بإصلاح أو بناء مراكز القضاة المقيمين غير الصالحة. إنشاء مقاصف محترمة داخل المحاكم أو التعاقد مع ممونين لتوفير المأكل للقضاة اثناء تأديتهم لمهامهم . أما بخصوص آليات الرفع من النجاعة القضائية، فقد اقترح النادي ضرورة إعادة النظر في اختصاصات وكيفية اشتغال الجمعية العمومية بشكل يضمن فعاليتها. مع إعادة النظر في نظام التكوين الأساسي والمستمر للقضاة بوضع برنامج متكامل وواضح وفق أجندة معدة سلفا وتحمل الدولة مصاريف التكوين. وإسناد مهمة الإشراف على هذا التكوين للجنة علمية تضم جميع الفعاليات القانونية. وتمديد مدة تكوين القضاة المتدربين لسنة إضافية. مع الحرص على ضرورة معادلة شهادة نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء مع شهادة الماستر و جعل التكوين المستمر جهويا مع اقتراح إمكانية التكوين عن بعد نظرا للإمكانيات الهامة التي تتيحها هذه التقنية وبأقل تكلفة . 4- إصلاح القضاء يمر عبر الانفتاح على كافة مكونات المجتمع والانخراط الفعلي في مسلسل التخليق : لقد أثبت واقع الحال أنه لا يمكن لقضاة اليوم أن يعيشوا في معزل عن العالم في ظل هاته الحركية التي يشهدها المجتمع على جميع الأصعدة والمستويات، وألا يتفاعلوا مع محيطهم والحال أنهم يساهمون في التأثير عليه بطريقة أو بأخرى، فكان لزاما أن ينخرط القضاة من موقعهم ليدلوا بدلوهم في النقاش العام حول سبل تكريس أسس الديموقراطية الحقة والنهوض بالبلد عبر تقوية استقلال السلطة القضائية وبناء دولة الحق والقانون . وانفتاح القضاة على محيطهم الوطني أو الدولي لن يتأتى إلا بالانفتاح على الجمعيات المهنية التي لها نفس الأهداف والغايات ووضع أسس للتعاون مع مختلف منابر الإعلام في إطار إبراز الحقائق واطلاع الرأي العام والمواطن على ما يجري بكل شفافية وتجرد في الساحة القضائية والكل مع احترام أدبيات التواصل وأخلاقيات المهنة. من هنا اهتم نادي قضاة المغرب بورش التخليق ، ووضع برنامجا وطنيا لتخليق منظومة العدالة بدأ بتنفيذه عبر مستويات انطلقت بحملة تحسيسية همت كل المحاكم تحت شعار لا للرشوة، وتم تدعيمها بتفعيل مبادرة التصريح العلني بممتلكات القضاة عبر خطوة لها دلالاتها من خلال قيام أعضاء المكتب التنفيذي بنشر لائحة ممتلكاتهم وديونهم عبر عدد من المنابر الاعلامية، فضلا عن إنشاء لجان تخليق وطنية وجهوية موكول لها العمل على محاربة الفساد داخل منظومة العدالة مع الانفتاح على الهيئات الوطنية والدولية الناشطة في هذا المجال لتوفير مناخ سليم وطاهر لكسب رهان إعادة الثقة للمواطن في عدالة بلادنا. انطلاقا مما سبق ، يمكن القول بأن توصيات الدورة الأولى للمجلس الوطني لنادي قضاة المغرب التي تشكل نواة أول ملف مطلبي يصوغه القضاة بأنفسهم تبقى دعامة أساسية يمكن اعتمادها من أجل تفعيل الجهود الوطنية المرصودة لإصلاح منظومة العدالة، ذلك أن تقوية دور مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والانفتاح على كافة مكونات المجتمع والانخراط الفعلي في مسلسل التخليق، وتحسين ظروف العمل بالمحاكم والرفع من مستوى النجاعة القضائية فضلا عن تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية للقضاة تبقى كلها خطوات مهمة لا يمكن إلا أن تنتج قضاء قويا مستقلا فاعلا في مجتمعه قادرا على كسب الرهانات وفي مستوى تطلعات المواطنين والمستثمرين، ومن تم قادر على المساهمة الفعالة في تحقيق التنمية المطلوبة.