محمد أيت قدور مناضل اتحادي، من العيار الثقيل، مهندس كفؤ، ومديرا لميناء مدينة القنيطرة، وأحد قادة حزب الاتحاد الاشتراكي، وكان عضو اللجنة الإدارية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ تأسيس حزب القوات الشعبية، وعضو اللجنة الادارية للاتحاد الاشتراكي فيما بعد، وعضو اللجنة الخارجية للحزب لعدة سنوات، وممثلا لجريدة الحزب في الخارج لسنوات. تربى في أحضان الوطنية وعاش وطنيا يحب وطنه، هو ابن قرية بوعياش تالخوخت الواقعة على بعد 25 كلومتر من ميدلت. كان وراءه المهدي بنبركة في الدخول إلى المدرسة، في هذا الصدد يحكي والده المرحوم السي أحمد، في منتصف الأربعينات زار سريا المهدي بنبركة منطقة قرية بوعياش، وقال المهدي في تلك الزيارة لوالد أيت قدور: «الاستعمار استولى علينا لأن القبائل فضلت أن يكون أطفالها مجرد «سراح» يرعون الغنم واليوم إن أردتم أن نأخذ الاستقلال فعلينا أن نفكر في رجال الغد، إنهم أبناؤكم الذي يجب أن لا يبقوا مجرد سراح، وعليكم إذن أن تكونوا بجانب ملكنا وحزبنا» يضيف المهدي «ملكنا وحزبنا يريدان لابناء المدينة والبادية أن يتعلموا ويتقدموا في العلم، ولهذا نبحث الآن في كل مدينة وقرية، نصل إليها على أماكن تصبح مدارس لأبناء الشعب». يحكي والد أيت قدور للمهدي أن أفراد عائلته في تلك الحقبة تخلوا عن الخيام وأصبحوا يسكنون دار مبنية وبجانبها مكان كبير مغطى خاص بالبهائم قال المهدي: «البهائم ستنام برا وهذا «الكوري» سيكون هو المدرسة». في تلك الفترة سافر والد أيت قدور إلى الرباط وربط له المهدي بنبركة الإتصال بعدة رجال من الحركة الوطنية للتذاكر معهم في شؤون المدرسة ومنهم بلافريج واليزيدي، وفيما بعد أصبحت المدرسة تستقبل أطفال الدوار ومنهم محمد أيت قدور الذي كان من الممكن أن يكبر مع رعاة البهائم لولا زيارة المهدي بنبركة لقرية بوعياش. في سنة 1946 تعرض رجال قرية بوعياش للاعتقل من ضمنهم والد آيت قدور السي أحمد، من طرف سلطات الاحتلال. محمد أيت قدور نجا من حكم الإعدام محمد أيت قدور تلقى تعليمه الأولي بمنطقته، وفي سنة 1953 تخرج من مدرسة ميدلت، قبل أن يصل إلى الشهادة الابتدائية، حيث أخذه مدير المدرسة التي كان يدرس بها وهو فرنسي الجنسية، لاستكمال دراسته، وفيما بعد تخرج مهندسا والتحق بالسكك الحديدية، قبل أن يقضى عدة شهور متدربا في محطة سيدي قاسم، ثم انتقل إلى الرباط وبدأ نضاله يتزايد في العاصمة وفي تافيلالت. فمنذ سنة 1962 كان أيت قدور يشتغل مهندس في السكك الحديدية وهي المهنة التي أتاحت له إمكانية التحرك والترحال. في ربيع سنة 1964 أخذ أيت قدور عطلة ليزور أباه بمدينة ميدلت، وهناك أوقفه شخصان وألقيا به في وضع غير مريح تحت المقعد الخلفي للسيارة وربطت يداه ووضعت قطعة من القماش على عينيه، ثم نزلوا به إلى سرداب حار خانق وهو مخفر شرطة بمدينة مكناس، وتم الاستنطاق معه على سطح المبنى تحت شمس حارة، وفيما بعد تم نقله إلى مدينة الرباط. أثناء الاستنطاق اكتشف أن تنقلاته إلى تلمسان أمرا يشكل مس بأمن الدولة. وفي تلك الفترة تم إخراج من السجن رفاق شيخ العرب الذين اعتقلوا سنة 1960 وهم: عبد الله بوزاليم وعبد الله ككاز والسويسي المزابي المسمى بلحسن ومحمد أوشواط، فقتل هؤلاء الأربعة دون محاكمة ودون شهود، أما الفرشي نجا بأعجوبة من مطارديه. فبوزاليم وككاز اختطفتهما شرطة أوفقير يوم 10 يونيو 1964، في حملة اعتقالات مجموعة شيخ العرب، ومورس عليهما التعذيب إلى أن توفيا ورمي بهما، بوزاليم عثر على جثته بطريق بوزكورة، وككاز تم العثور على جثته بمنطقة بعين السبع بشاطئ زناتة. وفي نفس اليوم استشهد أيضا المقاوم أحمد أشويط . بعد اعتقال محمد أيت قدور أخذ نصيبه من القمع والتعذيب، قبل المثول أمام المحكمة العسكرية بمكناس التي حكمت عليه أنذاك بالبراءة، لأنه لم يهرب من العدالة ولو هرب لكان الحكم عليه بالإعدام كالآخرين، مثل شيخ العرب و14 من رفاقه يوم 27 مارس 1965. بعد مرور سنوات يتذكر أيت قدور دار المقري، عندما بدأت حصته من التعذيب وصله صوت مندهش وسط آلامه: «أنت هنا؟» إنه صوت الكولونيل الدليمي، رغم العصابة على عينيه. لقد أمضى أيت قدور ثمانين يوما في دار المقري، وفيما بعد اقتيد إلى السجن المركزي بمكناس وبعد أسابيع مثل أمام محكمة عسكرية وتمت تبرئته. فأوضح أيت قدور قائلا: «إن القاضي فسر ذلك بقوله إن البلد مازال يحتاج إلى مهندسين». بعد اختطاف الشهيد المهدي بنبركة في أكتوبر 1965، قام أيت قدور بتعبئة شاملة من أجل إعلان عن إضراب عام داخل قطاع السكك الحديدية، رغم أن المحجوب بن الصديق لم يوافقه على ذلك.. أيت قدور وعمر الخطابي وأمقران والكويرة والشلواطي بخصوص العلاقة التي كانت تربط أيت قدور بعمر الخطابي أكد أيت قدور أنه تعرف عليه في سنة 1968 عندما عين بالقنيطرة على رأس مينائها، آنذاك كان عمر الخطابي يدير صالونا للنقاش بداره، بدأت علاقاتهما بنقاش القضايا السياسية في إطار تكويني متبادل وإخباري ثم تطورت إلى صداقة تقوت عبر جملة من الالتزامات. يقول أيت قدور كان عمر الخطابي معارضا، وهذا أكيد لا غبار عليه لكنه لم يكن منتميا سياسيا، كان مزاجيا وصاحب الكلمة «الساخنة»، والفعل «الوعر».. وكان على علاقة بالكثير من الرجالات وكان عنيفا.. عمر الخطابي كان محملا بأفكار وورث ثلاثة أشياء، أولها أنه من عائلة الأمير الخطابي.. وثانيها عاش بمصر وعاين كيف تمت الإطاحة بالملكية وكيف قام تنظيم الضباط الأحرار بالثورة، إذن ظلت عينه على هذه التجربة التي عاينها عن قرب وهو شاب يافع، وكانت بالنسبة إليه حلا من الحلول لبلوغ التغيير، وثالثها أنه درس بسويسرا قرب باريس، وبالتالي كان عليه أن يكون ثوريا وعلمانيا، لكنه مسلم.. ويعتقد محمد أيت قدور أن عمر الخطابي ركب القطار في تلك المرحلة التي كان يغلب عليها التغيير باستعمال العنف، وتمكن من الاطلاع على جملة من الخبايا لأن منزله كان بمثابة مزار لكل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين وحتى المخابراتيين الأمنيين، ولولا إرادته القوية لكان قد اندمج في أوساط القصر الملكي، إذ في البداية حاولت مجموعة الأمير مولاي عبد الله جلبه واستقطابه لإدماجه في اللقاءات الحميمية.. أما بخصوص العلاقة التي كانت تربطه بأمقران والكويرة، فمادام أنهما من الريف كان من الطبيعي أن تربطهما علاقات بمدينة القنيطرة، شأنهما شأن كل ريفيي... الذين كانوا يحجون إلى داره بمن فيهم رجال الأمن الريفيين. أيت قدور كانت له لقاءات انفرادية مع أمقران والكويرة، يقول أن لهما إرادة وروح التضحية ويحبان بلدهما ولم يهتما قط ب «تسويس» السياسة... غادر أيت قدور المغرب في أوائل شهر يونيو 1972 الى فرنسا، وبخصوص علاقة عمر الخطابي بانقلاب 16 غشت 1972، أكد محمد أيت قدور أنه لا يمكن أن يشهد إلا بما عاين، وفي هذا الإطار يظن أنه كان له دور مادام أمقران كان معنيا بالأمر، لكن يقر أيت قدور أن عمر الخطابي كان على علم بمشروع الانقلاب.. ويضيف محمد أيت قدور أنه التقى بأمقران بالديار الفرنسية أياما معدودة قبل الهجوم على الطائرة الملكية (ما بين أسبوع و10 أيام) لتسليمه رسالة الفقيه البصري، آنذاك كان أمقران في فترة نقاهة، لم يقل له شيئا بخصوص مشروعه الانقلابي، لكن قبل مغادرته ابتسم وقال له: «سأبعث لك بطائرة..»، لم يفهم أيت قدور إلا بعد أن حدث الانقلاب. بعد أحداث الإنقلاب سنة 1972، حكم على محمد أيت قدور غيابيا بالإعدام، وتمكن من الحصول على وضع لا جئ سياسي في فرنسا منذ سنة 1973. ويقال أن هناك تسجيل نادر لاستنطاق محمد آيت قدور في سنة 1972 للضابط السابق أحمد الرامي. يحكي الأخ محمد الحبابي حين كان يدرس بعض المسؤولين العسكريين عن آيت قدور، أنه كان مديرا لميناء القنيطرة، يستدعيه من حين إلى آخر، لتناول وجبة الغداء في بيته إلى جانب كبار العسكريين، ومنهم الكولونيل الشلواطي. وكان ينبهه عبد الرحيم بوعبيد، عن تلك اللقاءات، ويطلب منه ألا يلبي دعوة آيت قدور لوجود بعض المسؤولين العسكريين، وبعض الشخصيات لها علاقة بالنظام وبالمخابرات المغربية أنذاك. أيت قدور وقرار 30 يوليوز 1972 التاريخية قال محمد أيت قدور حول قرار30 يوليوز 1972، أنه حضر كل الاجتماعات التحضيرية التي انبثق عنها قرار 30 يوليوز 1972، وقد كانت كلها ملتفة حول الفقيد عبد الرحيم بوعبيد. ويضيف أنه شارك في اجتماع الدارالبيضاء والرباط ، وكانت الغاية من هذه الاجتماعات، هي توضيح قرارات الحزب، ورغم أنه غادر المغرب في منتصف سنة 1972 الى فرنسا، كان متتبعا لما يجري من نقاشات حول القرارات المتخذة. ويضيف ومباشرة بعد اطلاعه على قرار الحزب، بعث برسالة إلى الأخوين عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي، بشأن موافقته على القرارات. هذه الأخيرة التي جاءت من أجل وضع حد لخطة التجميد وسياسة الغموض. وحول موقف المرحوم محمد الفقيه البصري من قرارات 30 يوليوز 1972، قال محمد أيت قدور التقاه في فرنسا، وبعد اطلاعه على موقفه، أحس بمؤاخذاته على قرارات 30 يوليوز، التي يعتبرها موجهة له. أيت قدور وعمر بنجلون في منتصف السبعينات قام الشهيد عمر بن جلون بزيارة لفرنسا والتقى بمحمد أيت قدور وفي حديث معه قال عمر: أحب شوارع باريس وهذه المعالم ولكن أفضل أن أكون فقط زائرا للعاصمة الفرنسية لأسبوع أو أسبوعين وإذا كان علي أن أعيش مبعدا عن المغرب وعن تطورات المجتمع المغربي منفيا هنا فأنا أفضل أن أعيش في السجن المغربي أو أن أرقد نهائيا في قبر بالمغرب. محمد أيت قدور والمؤتمر الوطني الخامس للاتحاد الاشتراكي بعد 17 سنة من المنفى، وفي سنة 1989 تحمس محمد أيت قدور لحضور في المؤتمر الوطني الخامس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، واندفع إلى الطائرة كأنه يتذكر كلمة الشهيد عمر بنجلون حين قال له أعيش في سجن المغرب ولا أعيش مبعدا عن بلدي، قالها في زيارة له بعد المؤتمر الإستثنائي. وصل أيت قدور إلى الرباط مساء يوم 29 مارس ليلة افتتاح المؤتمر الوطني الخامس للاتحاد، من أجل المشاركة في أشغال المؤتمر، جاء على متن طائرة قادمة من مطار أورلي بباريس، مستعملا جواز سفر الوكالة الفرنسية لحماية اللاجئين وبمجرد وصوله مطار الرباط- سلا تم اعتقاله من طرف مصالح الأمن واحتفظت به السلطات المغربية حيث حملته إلى مكان مجهول. أثناء البحث معه استنطقوه بخصوص تسمية ابنه «أمقران»، وقال لهم هو الذي كشف رئيس العملية الذي جعل الدولة المغربية تظل راسخة وجعلكم أنتم الذين تستنطقونني، موظفين تتقاضون رواتبكم، ولولاه لما ظل المغرب كما كان.. لم يعجبهم قول أيت قدور، يضيف أيت قدور «إنه يستحق أن يبنى له تذكار لإعطائه حقه في التاريخ».