قال سفير المغرب ببرازيليا العربي مخارق، في حوار أجريناه معه في مكتبه ببرازيليا على هامش مشاركتنا في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بالبرازيل، إن الدولة البرازيلية تمنت وقدرت الحضور المغربي في المنتدى، مشيرا إلى ورود ذلك في كلمة الافتتاح التي ألقتها الوزيرة المكلفة بحقوق الانسان في الحكومة البرازيلية . وأضاف أن السفارة وظفت جميع آلياتنا اللوجستيكية البشرية والمادة والدبلوماسية لإنجاح هذه الهامة التي من شأنها أن تعطي الصورة الحقيقية والواقعية للمغرب الديمقراطي الحقوقي لدى البرازيل وكافة الدول المشاركة في هذا المنتدى العالمي الأول، و أن تكاثف الجهود أدى إلى نقل هذه التجربة الحقوقية الدولية الهامة الى المغرب في دورة ثانية من أجل الانفتاح بها على كافة المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الانسان . هذا النجاح الذي لقي تصفيقا من كافة المشاركين وعلى رأسهم الوزيرة البرازيلية المكلفة بحقوق الانسان وممثلة الأرجنتين ونائب الرئيس الكولومبي وكافة الهيئات المدنية والدبلوماسية، يعطي دلالة على أن المغرب ماض في تحقيق مساره الديمقراطي المنفتح عن العالم، رغم كل النعرات الانفصالية التي أبداها بشكل إنفرادي ممثل البوليساريو ببرازيليا. السيد العربي مخارق سفير المغرب بالبرازيل، نرحب بك في حوار لجريدة الاتحاد الاشتراكي، نود البداية فيه من العلاقات المغربية البرازيلية؟ شكرا للإتحاد الاشتراكي على هذه الاستضافة . فالحديث عن العلاقات المغربية البرازيلية يتطلب منا استحضار مكونتها السياسية والاقتصادية والثقافية. وأعتقد ان البداية مما هو سياسي سيدفعنا الى التفصيل في المكونات الأخرى. فعلى المستوى السياسي، وكما هو مدون في التاريخ، المغرب كان من الدول الأولى التي اعترفت بجمهورية البرازيل. و منذ ذلك الحين والعلاقات المغربية البرازيلية مستمرة رغم غياب مكتب للمغرب بدولة البرازيل، لكن التواصل كان مستمرا بالزيارات المتتالية الرسمية بين البلدين آنذاك. ومع بداية الحماية والاستعمار في المغرب تراجعت هذه العلاقات، لكنها لم تنعدم. وبمجرد حصول المغرب على استقلاله، كانت البرازيل أول الدول المفكر فيها في الدبلوماسية المغربية بتمثيلية وازنة وبسفير مقيم، وذلك بالعاصمة ريودي جانيرو. واستمرت العلاقات منذ ذلك الحين بنفس التمثيلية الوازنة الى يومنا هذا. فالتنسيق مستمر والاحترام متبادل في جميع المحطات السياسية التي عاشتها البرازيل. رغم ما شاب بعض هذه المحطات من مد وجزر. وما ينبغي الوقوف عنده أن للمغرب و البرازيل ، علاقات جيدة على جميع الأصعدة، فالمغرب كان أول بلد إفريقي ربط مع البرازيل علاقات دبلوماسية - كما قلت -، والتي بدأت منذ 1906 عندما قدم الوزير المفوض للبرازيل بالبرتغال أوراق اعتماده للسلطان مولاي عبد العزيز. غير أن الإمبراطورية البرازيلية كانت قد فتحت قنصليتها سنة 1884 بطنجة عندما كانت مدينة دولية. ومن جهة أخرى، نجد أن أول مجموعة مغربية وصلت إلى هذا البلد البعيد، في أواسط القرن الثامن عشر، سنة 1754 . و بعد ذلك سيستقبل البرازيل موجات من العرب من المشرق، وبخاصة من لبنان وسوريا وفلسطين. ويتقاسم المغرب والبرازيل خصوصيات ثقافية متنوعة. تدعوهما الى مزيد من التقارب عبر المحيط الأطلسي كمشترك جغرافي استراتيجي وهام. وقد تمت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البرازيل والمغرب وتعيين السفير البرازيلي بالرباط سنة 1962 . تتويجا للتشاور السياسي المتوج بالتوقيع على مذكرة تفاهم حول إجراء مشاورات سياسية بين وزارتي خارجية البلدين سنة 1999 .وقد عرفت العلاقات الثنائية ازدهارا كبيرا بمناسبة الزيارة التي قام بها جلالةالملك محمد السادس سنة 2004 إلى البرازيل في إطار جولة ملكية في أمريكا اللاتينية ، والمباحثات البناءة التي أجراها جلالته مع الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، مما مكن من توسيع التعاون الثنائي في جميع المجالات بشراكة استراتيجية شكلت وقعا على مستوى الفعل والممارس ، علما أن هذه الزيارة الملكية قد سبقتها زيارة الملك محمد السادس نصره الله عندما كان وليا للعهد سنة 1992 بمناسبة « يوم الأرض». وكان لهذه الزيارة أثرها الإيجابي في العلاقات بين البلدين. ماهي انعكاسات هذا التحول السياسي والاجتماعي على مستوى الاتفاقيات الموقعة بين البلدين؟ بخصوص الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، فعلاقات التعاون المغربية - البرازيلية تؤطرها مجموعة من الاتفاقيات المبرمة في العديد من الميادين السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، العلمية والتقنية. وقد شكلت الدورة الأولى للجنة المشتركة بين البلدين، المنعقدة بالرباط يومي 24 و25 يونيو 2008، مناسبة لتوقيع و تحيين مجموعة من اتفاقيات التعاون الثنائية، ويتعلق الأمر ب: - اتفاق في مجال الصحة والبيطرة؛ - بروتوكول تعاون في مجال البيئة وإدارة الموارد المائية؛ - تعديل اتفاق التعاون العلمي والتقني والتكنولوجي الخاص بتنفيذ مشروع دعم إنشاء ورشة حول «مدرسة نموذجية لمهن البناء المدني»؛ - تعديل اتفاق التعاون العلمي والتقني والتكنولوجي الخاص بتنفيذ مشروع «دعم مكتب التكوين المهني والتأهيل العلمي من خلال إنشاء 7 منشآت للتكوين لفائدة برامج تشغيل المعوقين»؛ - تعديل اتفاق التعاون العلمي والتقني والتكنولوجي الخاص بتنفيذ مشروع «الشراكة في مجال النسيج والألبسة بين المدرسة العليا لصناعات النسيج والألبسة بالدارالبيضاء ESITH ومركز تكنولوجيا الصناعة الكيميائية والنسيج CETIQT RIO ؛ - تعديل اتفاق التعاون العلمي والتقني والتكنولوجي الخاص بتنفيذ مشروع «تقوية قدرات المدربين في مجال البناء المدني»؛ - تعديل اتفاق التعاون العلمي والتقني والتكنولوجي الخاص بتنفيذ مشروع «تكوين لتعديل اتفاق التعاون العلمي والتقني والتكنولوجي بالنسبة المدربين في مجال محو الأمية المعلوماتية، وذلك لفائدة المكفوفين وضعاف البصر؛ - تعديل اتفاق التعاون العلمي والتقني والتكنولوجي الخاص بتنفيذ مشروع «دعم التنمية الحضرية».ثم اتفاقية للتعاون القضائي في المواد المدنية 2013 . وفي المستوى السياسي ، فإن المشترك القوي بين البلدين في المحافل الدولية وخاصة على مستوى الأممالمتحدة في قضايا السلم والبيئة والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان وكل ما يخص الحوار جنوب - جنوب و الحكامة والتكافؤ الدولي، يقوي العلاقات بين البلدين. لكن ما يقوي هذه العلاقة أكثر ويجعلها في مستوى تطلعات جلالة الملك في زيارته الاستراتيجية للبرازيل، هو الموقف الإيجابي والواضح لدولة البرازيل من الوحدة الترابية للمغرب، فالبرازيل مع الحل السلمي المتفق عليه في قضية النزاع المفتعل في أقاليمنا الجنوبية. ولهذا فنحن في الدبلوماسية المغربية نعتبر هذا الموقف موقفا حكيما و رزينا، رغم كل الضغوطات التي تتعرض لها البرازيل من أطراف معادية لوحدتنا الترابية. وعودة الى استكمال سؤالكم عن الجوانب الأخرى. فإن مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين قوية يصل معدل التبادل التجاري إلى أكثر من 2 مليار دولار، فالمغرب يصدر الى البرازيل الأسمنت و الفوسفاط بما يعادل 80 في المائة من حاجيات البلد الى هذه المادة. كما يصدر المغرب السمك المعلب وبعض المواد الأخرى الغدائية. كذلك بعض الصناعات الإلكترونية، رغم العراقل التي تقف ضد مزيد من تطور هذه العلاقات لأن الإمكانيات في توسيع الوعاء التجاري متوفرة. هل تقصدون السيد السفير أن الجانب القانون في المعاملات التجارية غير كاف لتوسيع ، هذه العلاقات؟ هذا ما كنت أريد الاسترسال فيه، فالجانب القانوني يتيح إمكانية التطوير والبحث عن فرص أخرى في بلد تتجاوز ساكنته 180 مليون نسمة مع وجود طبقة متوسطة بمعدل 60 في المائة، ولها قدرة شرائية عالية، تتجاوب مع المنتوج المغربي وهذا ما أشير إليه في كافة تدخلاتي، كون البلدين لهما مشترك قوي في نمط العيش، مما يتيح الإقبال على هذا المنتوج ضمن أولويات المواطن البرازيلي. ولعل التغني « بزيت أرغان « لخير دليل على أن هذا المواطن مستعد لمزيد من الاستهلاك للمنتوج المغربي. وفي هذا الجانب أريد أن أشير الى ضرورة عقد اللجنة المغربية البرازيلية المشتركة للدفع بهذه العلاقات الى ما هو أحسن، علما أننا نتواصل مع الجانب البرازيلي من أجل العمل على ذلك في أقرب الآجال. في هذا الجانب ما هو مستوى الاستثمار بين البلدين؟ في هذا الجانب أريد أن أشير إلى أن الجانب التجاري هو الطاغي في مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، أما الجانب الاستثماري فيبقى جد محدود، وهذا ما نعمل الآن على كسبه ضمن استراتيجية انطلقنا فيها من التنسيق بين رجال أعمال البلدين، من خلال زيارتين متتاليتين للمسؤول عن الوكالة المغربية التنمية الاستثمار، ونتج عن ذلك وضع مشروع استثمار200 مليون دولار في مادة الأسمنت. ومن هذا المنطلق نسعى إلى الوصول للمستثمر البرازيلي من خلال تقديم المغرب من موقعه الاستراتيجي القريب من أوروبا وإفريقيا والمنطقة المغربية والعالم العربي، و من خلال اتفاقيات كبرى في مستوى الوضع المتقدم للمغرب مع أوروبا ومستوى التبادل الحر مع أمريكا والتي تنخرط فيه اتفاقية أكادير التي تضم مجموعة من الدول العربية، زيادة على انفتاح المغرب الكبير على دول إفريقيا في مجالات اقتصادية حية وتتوفر على آليات لوجستيكية في ربط العلاقة بين البرازيل وإفريقيا، عبر طنجة المتوسط كمعلمة اقتصادية كبرى تغري بمزيد من التنسيق الاقتصادي، ولعل إعادة فتح خط جوي بين البلدين الدارالبيضاء - ساو باولو، سيقوي المزيد من التنسيق في كافة المجلات. وفي هذا الإطار أستحضر الجانب السياحي ورغبة البرازيليين في زيارة المغرب، حيت سجلنا في السنة الماضية توافد البرازيليين على المغرب بأعداد تدعو الى التفكير في توطيد هذه العلاقة السياحية، بالاشتغال عليها من بوابة خلق مزيد من المسالك ، كما هو الشأن بالنسبة للمكتب السياحي ومكتب الخطوط الملكية المغربية اللذين فتحا مؤخرا بساو باولو. وأذكر في هذا المنحى بالزيارة الناجحة التي قام بها وفد برازيلي مكون من ما يناهر 200 مشتغل في البحث السياحي للتنسيق في المعاملات السياحية بين البلدية. وذلك بتنظيم من المكتب الوطني للسياحة، وزار الوفد كافة المدن السياحية الكبرى في المغرب. أما على المستوى الثقافي فهناك اجتهاد في هذا المنحى له منطلقات جيدة نذكر منها صدور كتاب عن «الاسلام في البرازيل» عن معهد اللغة البرتغالية ، كذلك بعض الزيارات الفنية التي يقوم فنانون مغاربة. وفي هذا الصدد أذكر الحفل الذي أحياه الفنان الكبير الحاج يونس مؤخرا ضمن فعاليات أول مهرجان عربي في العاصمة برازيليا، والذي لقي تجاوبا كبيرا مع الجمهور البرازيلي ومع نخبه، وفي هذا الاطار نحن مدعوون الى مزيد من التعاون لتطوير العمل الثقافي الخارجي بانخراط المجتمع الثقافي فيها، وفي هذا المنحى سنعمل على تنظيم الأسبوع المغربي الثقافي بالبرازيل 2014 . أما بخصوص الفضاءات الثقافية التي نخصصها كسفارة للانفتاح الثقافي على البلد الذي نحن متواجدون فيه دبلوماسيا، فقد عملنا على إحياء الفضاء الثقافي المغربي الذي سيكون بوابة أساسية للتعريف بالثقافة المغربية والانفتاح على المثقفين البرازيلين الراغبين في معرفة المغرب. ربح المغرب معركة حقوقية كانتصار للديمقراطية بتنظيم الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الانسان، ماهي أهمية ذلك في التنسيق بين الدبلوماسيتين الرسمية والموازية؟ نعتبر التنسيق الجيد الذي تم بين المشاركين في المنتدى من المندوبية الوزارية لحقوق الانسان والمجلس الوطني لحقوق الانسان والفاعلين السياسيين والمدنين و الاعلاميين، كانت له انعكاساته الايجابية في الحضور الفاعل والوازن للوفد المغربي. وقد تمنت وقدرت الدولة البرازيلية الحضور المغربي، وقد جاء ذلك في كلمة الافتتاح التي ألقتها الوزيرة المكلفة بحقوق الانسان في الحكومة البرازيلية .ونحن كسفارة وظفنا جميع آلياتنا اللوجستيكية البشرية والدبلوماسية لإنجاح هذه المحطة الهامة التي من شأنها أن تعطي الصورة الحقيقية والواقعية للمغرب الديمقراطي الحقوقي وهذا الجانب لا يتعلق بالبرازيل فقط، بل بكافة الدول المشاركة في هذا المنتدى العالمي الأول. والحمد لله أننا جميعنا بتعاون مثمر ووازن دفاعا عن الوطن وعن صورة المغرب استطعنا أن ننقل هذه التجربة الحقوقية الدولية الهامة الى المغرب من أجل الانفتاح بها على كافة المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الانسان. هذا النجاح الذي لقي تصفيقا من كافة المشاركين وعلى رأسهم الوزيرة البرازيلية المكلفة بحقوق الانسان وممثلة الأرجنتين ونائب الرئيس الكولومبي وكافة الهيئات المدنية و الدبلوماسية، يعطي دلالة أن المغرب ماض في تحقيق مساره الديمقراطي المنفتح عن العالم، رغم كل النعرات الانفصالية التي أبداها بشكل إنفرادي ممثل البوليساريو ببرازيليا.