المجد لهن،دائما "لك المجد أيتها المناضلة الشعوب التي لا تقلد شعرك لن تتعلم الحرية« تعرف الشعوب الحرة حقا، من كونها تحرر المرأة وتحبها وعندما تكون هذه المرأة بالضبط جزءا من الحرية، بل صانعة للحرية فهي تستحق أكثر من العواطف تستحق الاعتراف في قلب المرجل الذي وُضِع فيه المغرب، كانت المرأة الاتحادية، منذ بداية المغرب المستقل تشعر أنها حارسة النار التحررية، وهي سيدة المكان الذي تخلق له ألويته ومرافئه ومخابيء وردته المهددة بالسكين ومخابيء الشمعة الواقفة، قدما في وجه الظلام من هنا نحن مدينون ،كلنا، لما في الأنوثة المغربية من فيض بطولي، وشجاعة وتفان، أي لكل القيم التي تكاد تكون اليوم مألوفة، بعد أن كانت مرادفة للاعتقال في أحسن الحالات ومرادفة للموت في أقصاها ستون سنة، والمرأة تصنع لنا المستقبل، على نار حامية وفي المخابيء، وفي المتاريس الرمزية، أمام المعتقلات ووراء القضبان عرفنا بعد جيل، بعد جيلين أن الحداثة التي لم تُقَبِّل يد المرأة، كما تتطلب اللياقة ذلك ليست حداثة، وعرفنا أن الحداثة التي لا تشعر بامتنان إلى ما قدمته نساء يساريات ،كثيرات كثيرات، حداثة معطوبة من جهة العقل والأخلاق انالحداثةالتيلاترفعراياتالامتنانلخديجةالمدكوري،مناضلةالساعاتالأولىلفجرالاستقلالوالمرأةالوحيدةفيمحاكمة1963،لارونقفيها وأن الحداثة التي لا تشعر بالخجل أمام وشم خديجة الشاو وهي تنتظر عودة ابنها الحسين المانوزي طيلة مغرب كامل ليست حداثة وأن الحداثة التي لا تطأطيء رأسها أمام اسم ثريا السقاط وهي تودع زوجها و ابناءها، الواحد تلو الآخر الى مجاهل السلطة حداثة وقحة وأنالحداةالتيلاتسلمموجتهاالىالطلسيةفاظمةبويقبةوشقيتهاواجميعةازغاروشقيقتهاوأميفامةليستحداثةتستحقالانوار اليوم ننحني لكل المناضلات اللواتي اخترن الشجاعة، واخترنا الكبرياء واخترن الوفاء واخترن الصمود، عندما كانت الموهبة الأولى التي يطلبها المجتمع، بكل سلطه من المرأة هي موهبة الخنوع! في منتصف الليل الأوفقيري الرهيب، والليل الذي بعده والذي قبله، كن، بأياديهن الرقيقة ونشيج الروح العزيزة ،نساءً عجنَّ قلوب إخوانهن وأزواجهن وأبنائهن من صلصال الجرأة ومعادن قادمة من بركان الحق وكن بدورهن حاملات الراية العالية لهن المجد، هن اللواتي هيأن لنا موائد من الشهامة عندما كنَّ يواجهن، في عزلة تامة وبأيادي عزلاء آلة رهيبة من القمع، آلة طحنت الكثيرين منا ومنهن لهن المجد، هن اللواتي، في الاقبية، نسجن رداء الفجر ورداء أحلامنا التي أدفأتنا، ملفوفات في بردهن وملابسهن البسيطة، كنا يجبن المخافر والمحاكم بسلال وضعن فيها قلوبهن وخوفهن وما حفظن من أغاني، بالقرب من ملابس تقينا من البرد وخبز قد لايصل الى جوعنا ثريا السقاط:لن تصبح المرأة المغربية، امرأة حقيقية، إلا إذا اقتربت من الصورة التي حلمت بها ثريا لها فاضمة بويقبة: اطلسية من صقيع القهر، كان الاطلس يقول لها، ضعيني على كتفيك حتى أبدو أكبر، خرجت مع عايدة أختها بنصف ذاكرة من اكدز فاضمة أوحدو، بوشمها الذي يبدو كصفصافة واقفة خلف سماء لا تظهر سوى في الحلم» أم حفيظ« المرأة التي صرخت ووضعت حملها تحت التعذيب جميعة وزهرة ازغار، وهما يضعا جسديهما سدا في وجه السيل الجارف ويهبا للبطولة أثداءها السخية ، امي فاضمة، بغضبها الذي يرتفع بقامة عزتنا وبصلابة صخرنا نساء وضعن للبلاد اسمها ووضعن لها ملحها وحليبها وخصوبتها حتى لا تكون أبدا عاقرا ثم أخوات أخريات جئن حاملات قلوبهن على أكفهن ليزرعن، في حقول مليئة بالنبات الجاف فكرة التقدم وفكرة العصر أسماء هذه الأنوثة الحسنى جيل آخر سهر على أن تكون للبلاد نصفها الآخر، بعد سعي حثيث من محترفي الصيد في بحر الظلمات على إسكات صوتهن-صوتنا-، جيل علمنا التعدد وأسمع البلاد صوتها المغيب يقفن في وجه الموت بجدارة، كما يفعل الضوء في وجه الظلمة، أيام كانت البلاد ممتلئة بالجثث والجرذان، يوم كان الواحد منا ستأكل فأرة اليأس رئتيه لولا صورتهن، لولا أغنية يخبئنها في الهزيع الأخير من الليل قوافل من نساء رفضن سجون شهريار وجحور السبايا اخترن الحياة، وأية شجاعة كانت في تلك اللحظة ضرورية لكي تختار المغربية والمغربي الحياة! وما زالت الحياة مخاطرة أمام زحف الظلام وثقافة القبور والأضرحة نساء كثيرات ، بعضهن مجهولات ،كنا يخرجن الى طوابير القتل نحيفات كخيط الأمل وقتها أمام الكلاب المعبأة بالنباح والحقد الطبقي ومهنة الأنياب وقفت مناضلات أخريات في وجه الحيوانية السياسية للآلة القمعية، وقفن في وجه الجزمة والجلاد- بطولتهن فارعة لهن المجد، اتحاديات ترتمي الأرض في أحضانهن وترتمي البلاد لتقبل أرجلهن في كل فجر سنفكر في قلوبهن في رجفتهن ونعتذر لأم الشاب اكرينة وعمر والمهدي عن ما فعله القمع فينا لهن المجد، فلقد أدركنا أن الاجيال تقاس بنوعية آمال المناضلات الآن، بعد أن انتصرت الحياة، ندرك أنه كلما تقدمنا على دروبها المشجرة يكون أندر نوع من أنواع الشجاعة، هي شجاعة التفكير وما زلن يفكرن في الرقي بنا الى مدارج عليا من نضجنا اسم ثريا السقاط لايزال يحظى بالكثير من الحياة، وثريا لم تكن تريد ما يريده الموت أن يكون، إذ هي ببساطة النموذج الفعلي للأم المغربية الصامدة وللمؤمنين بالحرية والوطن والإنسان، وهي بالتالي المرأة التي عشقت الكرامة الإنسانية بمنتهى الثبات والشجاعة والحب المجنون رغم »المتاريس« الممتدة من الاحتلال الأجنبي إلى سنوات الجمر، وحتى إن ظل اسمها على أعلى درجة من التقدير، ويتكرر على مسامع الجيل الحاضر كلما ورد اسم »مركب ثريا السقاط« بالدارالبيضاء، أو المؤسسات التعليمية التي تحمل هذا الاسم، فلعله نفس الاسم الذي بات عرضة لزحف العتمة في زمن لا »دين« فيه إلا نكران الذاكرة وحب الزعامة. استنشقت ثريا السقاط أنفاسها الأولى بأحد دروب فاس العتيقة، في اليوم العاشر من أكتوبر 1935، والعاصمة العلمية وقتها معقل العلم والفقه والشعر والنضال الوطني. لقاؤها الأول بالمقاوم والمناضل والشاعر محمد الوديع الآسفي في قصة حب مفاجئة انتهت بالزواج، ذلك عندما أعجب الرجل بقوتها ونبوغها، ولعله فطن لأنها نصفه الثاني الذي يستطيع مرافقته على الطريق، ولم يكن بمقدورها أن ترفض دخول حياته بهذه السرعة الجنونية، وكل ما تدريه أنه أحبها من أول يوم على سنة الله وحرية الإنسان والكفاح الوطني، ذلك حين دعت الظروف أن يعيشا الجزء الطويل من عمريهما في مواجهة مرارة الحقب السوداء، وحين يسأل المرء كيف كانت هذه المرارة يكون الجواب بكل تأكيد هو أن الزوجين ليسا وحدهما من تجرعاها، بل أن أبناءهما صلاح وعزيز وأسماء، عاشوا بشاعة الزنازن والقيود والظلام. انقطعت ثريا السقاط عن الدراسة على خلفية زواجها المبكر، إلا أن صلتها بالقراءة والكتابة لم تنقطع، إذ كلما انتهت من أشغال البيت غاصت في مؤلفات أكبر الكتاب العرب والعجم. وتقول ثريا في كتابها (مناديل وقضبان):»اللقاء الأول بيني وبين زوجي كان قاسمه المشترك معاناة الأمة، فبمجرد أن تم زواجنا ونحن في سن مبكر، جاء قرار النفي في حق زوجي الذي أبلغ - أثناء غيابي عن المنزل- بقرار الإبعاد بمعية مصطفى بلعربي العلوي ومصطفى بن أحمد، وعند رجوعي إلى المنزل وجدت الأثاث البسيط الذي كنا نتوفر عليه قد ضاع في ظروف مجهولة(...)، استمرت هذه المعاناة فترة طويلة إلى أن تمكنا من الحصول على منزل صغير بسلا استأنفنا فيه حياتنا من جديد«، وبينما كان الزوج الآسفي يساهم في إنجاز القضية الوطنية لتحرير البلاد من الاحتلال الأجنبي، كانت الزوجة ثريا تقوم بدور التأطير ومحاربة الأمية لفائدة النساء في صفوف طلائع الإصلاح، وبالتالي تحدث الكثيرون عن مشاركاتها المسرحية. كانت ثريا تعوض زوجها عند كل اعتقال في التكفل بتلامذته، وحين زارت يوما مؤسسة الشيخ بحي الوازيس بالدارالبيضاء لتتبع دراسة الأبناء انبهر مدير المدرسة السيد القباج أمام سعة معلوماتها واستغرب لمكوثها بالبيت عوض إبراز ما عندها. وثريا التي زج بها »القدر« في طاحونة المحن، بقيت تلك المرأة/الزوجة/الأم القوية الصامدة في مواجهة الاضطهاد، إذ في اليوم السادس من نونبر 1974 اعتقل ابنها عزيز، وعمره لا يتجاوز 16 ربيعا، وكم كان المشهد مروعا في اللحظة التي كانت فيها الأيادي الخشنة تقتاد هذا اليافع نحو المجهول وأمه تنصحه بالتحلي بالشجاعة، وبعد ساعات قليلة عاد زوار الفجر فأعلنوا عن اعتقالهم لصلاح وأسماء، هذا الترصد الذي حمل ثريا لأن تدخل نفقا بلا نقطة ضوء، ولم تعد تغادر مثلث الشرطة والسجن والمحكمة، وبعد الإفراج عن أسماء احتفظ رموز سنوات الجمر بصلاح وعزيز ضمن مجموعة تضم 26 معتقلا . كانت ثريا تحضر تجمعات أمهات وزوجات المعتقلين للدفاع عن مطالب أبنائهن وأزواجهن، وكثيرا ما لجأت الشرطة إلى تفريق اعتصاماتهن أمام السجن المركزي، وما اعتصامهن وإضرابهن عن الطعام بمسجد السنة إلا واحدا من ضغوط ثريا ورفيقاتها على المتحكمين في زمام الأمور. كانت ثريا مسكونة بالقضية الفلسطينية فقد شاءت الصدف أن تلتقي ياسر عرفات بعد حصار بيروت عام 1982 وهي آنذاك تحضر مؤتمرا للأممية الاشتراكية باليونان، كما التقت بزوجة رمز الانتفاضة الفلسطينية الشهيد أبو جهاد. أنثى بقلم وقلب أحدهم وقع مقاله ب»أبو أسامة« ذكر بحكاية جرت في بداية التسعينات »حين أصرت ثريا على حضور ندوة، وكيف قامت ثائرة، رغم وضعها الصحي الحرج، حين حاول أحد المتدخلين من ذوي المرجعيات الدينية المتزمتة، المساس بحق المرأة في التعبير والتسيير، إذ علت ثريا المنصة ونبهت إلى أن الإسلام دافع عن حق المرأة ومساواتها مع الرجل في كل الحقوق«، ولتكريس حرية المرأة ساهمت ثريا في تأطير الحركة النسائية وتأسيس قطاع نسائي بحزبها العتيد (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) الذي أصبحت وجها معروفا في صفوفه، ثم تقدمت عام 1983 للانتخابات حيث حصلت على مقعد بجماعة المعاريف بالدارالبيضاء التي قدر لأحد مركباتها الثقافية أن يحمل اسم ثريا السقاط، ولن ينسى الكثيرون كلمتها أمام المؤتمر الاستثنائي للحزب عام 1975 : »إن كل المهتمين بدراسة تاريخ الشعوب والحركات السياسية، يلاحظ أن العديد من النساء عبر التاريخ ساهمن بكل جدارة وقدرة في جل الميادين الثقافية والاجتماعية والسياسية، بل حتى الحربية منها (...) لماذا لم تتطور الحركة النسائية بعد الاستقلال؟(...) من المسؤول عن هذا الفراغ المخجل الذي تعيشه المرأة المغربية في المرحلة الحالية؟«، مضيفة في كلمتها الغاضبة في وجه »ذكورة« حزبها »لقد كنت من جملة من فسح لهن المهدي بنبركة المجال للعمل بجانبه، فهل وقع التفكير في شأن المرأة من طرفكم؟، وهل وضعتم لذلك تصميما لفتح مجال العمل لها داخل حركتنا؟ علما بأن المرأة اليوم تحتل مكان الصدارة في مختلف الحركات الثورية عبر العالم، ولقد اتفق المفكرون والقادة على اختلاف مبادئهم السياسية على أن مشاركة المرأة في الميدان السياسي لا يمكن الاستغناء عنها أبدا، لأنها المدرسة الأولى لتكوين الشعب وتوجيهه».