1 لا تمكن الاحاطة بالتفصيل الذي يجب وبالدقة تلزم وتلزم بفتح التاء وضمها على التوالي في مقالة أو دراسة أو مقاربة واحدة بكل ما أنجزه الكاتب المبدع، الباحث - المنظر، الأستاذ عبد الله شقرون (1,926) وذلك أولا، لكثرة ما دونه من كتب ومؤلفات متنوعة يربو عددها عن أربعين مصنفا، بالعربية والفرنسية وثانيا، لتعدد المجالات والحقول الفنية والثقافية والفكرية أحيانا التي أقبل عليها وخاض فيها قرابة ستة عقود. ونجد في كتابه - سيرته الذاتية »طفولة وشباب على ضفتي أبي رقراق« (م. النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، ط 1، 2008 - 255 ص) ما يمكن بمثابة «»بوصلة«« توجهنا في محاولة الكشف عن مضمرات هوية انتماء الكاتب إلى عوالم الكتابة والابداع والبحث والتنظير، اضافة إلى «إبدالات» هذه الهوية الذاتية في علائقها المركبة المختلفة مع المجتمع والثقافة والفن على مدى ستين سنة ونيف من خلال الكشف عن هذا العنصر أو ذاك من عناصر «»الوجود»« و»»الانتماء«« إلى جيل مؤسس بدوره للثقافة المغربية الحديثة ثم المعاصرة على أساس من اسهامات هذا الجيل في المسرح والسينما والتلفزيون وكذلك الاذاعة على مستوى التخطيط والبرمجة والتنشيط والتسيير الإداري والتقني. يتكون كتاب «»طفولة وشباب على ضفتي أبي رقراق«« من مقدمة (ص 7/5) وأربعة فصول هي على التوالي: الفصل الأول: نشأة وترعرع في مدينة سلا (ص 64/11). الفصل الثاني: في مراحل التعليم من الابتدائي إلى العالي (ص112/65). الفصل الثالث: في أول العمل بالإذاعة المغربية ثم التخصص المهني بباريس (ص 168/113). الفصل الرابع: نشاط متواصل في الاذاعة والمسرح والتلفزيون (169 - 199). يلي ذلك »»ملحق»« يتضمن ما سماه الكاتب »»سيرة ذاتية« «ص 225/203) مشفوعا (مشفوعة) بصورة وهذه »»السيرة الذاتية«« يمكن اعتبارها بمثابة »»مناص« «أو (مناصص)« لكتاب «طفولة وشباب..» لأنه من جهة «»يزكي»« ما فيه، لكنه في نفس الوقت يجعله »»ندا«« له في تمثل مسارات الكاتب »»الطبيعية»« بحكم الشخصية والادوار التي »»قام»« بها. هذه »»السيرة الذاتية»« تتشكل تقنيا من مؤشرات اضافية لما بعد »»زمن»» الكتاب وهو يتوقف ?تعاقديا- عند مرحلة الشباب والانخراط في الوظيفة و»»تحمل المسؤولية«« تتخلل السيرة أيضا »»محددات«« ترصد من خلال سيماتها وايقاعها أفق وإمكان التأريخ للشخصية على المستوى العربي والافريقي والاوروبي وفي مجال »»الملكية الفردية» دوليا (ص 210/206) ومغربيا (ص212/210)، إلى جانب مساهمات الكاتب في »»الدراسات والأنشطة الثقافية والاعلامية« «ص216/212)، وينضاف إلى كل هذا ماسماه الاستاذ عبد الله شقرون »»هوية عامة ومنوعات»« ص 225/216) قبل أن يختم الكتاب بقائمة الكتب والمؤلفات المنشورة بالعربية والفرنسية يزكيها، في كل هذا، نص مواز آخر (ص 155/248) بأسماء هذه الكتب وب «»هوية»« الكاتب دائما. ولعلنا، نحن نقدم تشخيصا هيكليا لكتاب »»طفولة وشباب«..» كما هو في هيئته و»»شكله««، نجد أنفسنا رأسا في صلب مسألة كتابة السيرة الذاتية باعتبار هذه الأخيرة جنسا أدبيا قائم الذات بالمعنى التأريخي والتاريخي معا، كما نجد أنفسنا أيضا في صلب التداخل والتقاطع والتمفصل بين «»السيرة الذاتية«« و»»الترجمة الذاتية«« و»»الترجمة الشخصية الذاتية«« و»»الترجمة الشخصية««، ناهيك عن قضايا أخرى من قبيل علائق كل هذه الجنسيات (الأدبية) الفرعية بجنس »»المذكرات»«، ونقرأ في كتاب »»طفولة وشباب على ضفتي أبي رقراق«« ما يستدعي ويدعو إلى التأمل النظري بصدد هوية الكتاب أصلا على ضوء «»الشكل«« الذي اتخذه وعلى ضوء ما يتراكب فيه من تفاريق في رسم الذات وفي المراوحة بين »»أنا« «(الأنا«) وبين «»الشخصية«« أي «»الكائن»« الحقيقي الذي كان منذ الميلاد، في مسقط الرأس، سلا، وفي الإقامة في الرباط مع السفر، بين حين وآخر، إلى الجزائر وباريس وتونس وأمريكا، وكذلك إلى دمشق والقاهرة ومدن أخرى. 2 هناك شق آخر يفرض نفسه ومداره إشكال رئيس: هل نعتبر نص »»طفولة وشباب على ضفتي أبي رقراق»« سيرة ذاتية »»خالصة»« وكفى بحكم المواثيق التي تفرضها القراءة النصية وتفرضها النظرية بكل تشعباتها أم نقرن ذلك بإمكانات اعتبار النص أيضا سيرة ثقافية وسيرة إبداعية وسيرة مهنية بحكم أن خطاب النص المركزي البؤري يتشرب بالكثير من المؤشرات الدالة على تفاعل هذا الكتاب وضمنه خطابه «»السيري«« مع خطابات أخرى متضمنة بمعنى أن خطاب النص هو خطاب »»حواري»« مع ما سميناه «»المحددات»« (الفقرة 1) وعلى ضوء ذلك يتحول النص إلى «»نصوص»« محايثة نقرأ في ص 7: »أما عن تسمية هذا المصنف... فتجدر الاشارة إلى أن هذه التسمية تعني أن المرويات المسطرة فيه تشمل جوانب من الطفولة كما تشمل جوانب من مرحلة الشباب. ونقرأ في ص 92 وفي الوقت الذي أكتب فيه هذه المذكرات لم يبق من عائتلي كما ذكرت من قبل لا إخوة ولا أخوات«، ونقرأ في ص 118 «والسيد محمد بلقزيز، كما ذلك لي إسم أديب باحث لامع وأذكر الآن وأنا أكتب هذه المذكرات» كما نقرأ في ص 138 «والغريب أني تعودت ... من ذلك التاريخ إلى اليوم الذي أكتب فيه هذا الكلام، ثم نقرأ في ص 182 : وأنا أبحث وأنقب فيما لدي من الأوراق المتبقية عن الماضي الذي مضى بخيره وعدم خيره» ونقرأ قبل ذلك: »أجد في وثائقي الشخصية عن تلك الفترة صورة تقرير من مدير مدرسة هيئة الاذاعة والتلفزيون الفرنسية...« (160). مرويات مسطرة، مذكرات، »كلام«، أوراق متبقية، وثائق شخصية. كلها تشكل »مادة« للكتابة، بعضها مكتوب أصلا وقابل للتحويل (أوراق، وثائق)، بعضها الآخر مصدره »الشفاهي« (مرويات، كلام)، ثم تأتي الذاكرة التي تنظم فعل الكتابة والتدوين، ومن »التحويل« ننتقل، مع الكاتب الى »التحول« وإلى الانتماء إلى خانة »السيرة الذاتية« في حدود ما يوفره هذا الفعل من أخذ ورد، من استحضار ومحو، من »تفقّد« و »فقدان« ومن »لعب« لضمان إيقاع صنعة الكتابة والاستقرار عند حدود اختيار: »إن هذا الكتاب الذي يحمل عنوان »طفولة وشباب على ضفتي أبي رقراق« سيرة ذاتية لجوانب من مسار مؤلفه طفلا، وتلميذا وطالباً ومقبلاً على العمل الثقافي والمهني، مع العلم أن له كتباً سابقة قد ألّفها ونشرها مشتملة في تضاعيفها على عناصر وتلميحات من نشاطه في الميادين التي تخصص فيها وندب نفسه لأجلها« (ص 5). بهذا تنغلق دائرة أولى بصدد التساؤل النظري حول هوية هذه »السيرة الذاتية« المشفوعة بسيرة أخرى للكاتب المؤلف، ليس من حيث التحقق فحسب، بل أيضاً من حيث رغبة الكتابة من منظور امتلاك حق الشهادة عن وصول زمن مضى، لكنه يستعاد من طرف الكاتب بنوع من الحنين الى هذا الزمن الفردي، إنما دون إنكار ل »الجماعة« ول »الجيل« بحيث تتخلل هذا الكتاب أسماء وأسماء أعلام وشخصيات وأحداث ووقائع، بعضها خاص بالمقربين وب »العائلة« الصغرى، وبعضها يوسع الدائرة: »العائلة« الكبرى مرتهنة بالمجتمع والدين والفن والإبداع والثقافة والتاريخ والسياسة، ومرتهنة أكثر بما يسميه الكاتب »انتداب النفس« (ص 5). وهكذا تتوارد وتتوالى الشخوص، الأم، الأب، الإخوة، الأخوات، الأعمام، الأخوال، الفقهاء، العلماء، المعلمون، الأساتذة، الزعماء، الفنانون، الكتاب، الشعراء، المغنون، الصحفيون: يحضر ج. كولان (ص 54)، كما يحضر ق. الزهيري (ص 40/ ص 46)، ويحضر ع. بوعبيد (ص 75/ ص 95/ ص 96) ويحضر ي. نكروف (ص 75، ص 96، ص 146)، ويحضر ب. القادري (ص 94، ص 102/101)، ويحضر م. باحنيني م. م. بلعباس القباج (ص 118)، ويحضر إ. الجاي أكثر من مرة (ص 120، ص 122، ص 123، ص 151)، ويحضر ع. كنون (ص 123) والطيب بن زيدان (141) وأ. ڤوازان (ص 174) والطيب الصديقي وم. س. عفيفي (ص 176) وح. الصقلي (ص 177) والطيب العلج (ص 186). هذه أمثلة فقط لأن المجال لا يسمح بكل الأسماء وأسماء الأعلام، غير لأنه لإبراز علاقة المحكي السيري والسير ذاتي معاً تستدعي الضرورة ربط هذا المحكي بما هو مسطر لاقتناص السيري المجتمعي والثقافي والديني والاجتماعي والفني والسياسي، علماً بأن هذا المحكي يتنامى ويتوالد على إيقاع إبراز مناخات مدينة سلا بكل ما تحمله هذه المناخات من رمزيات في صقل الذات والشخصية والذاكرة بالنسبة الى طفل ثم شاب مشدود الى هويته الخاصة لضمان الفردية في »المغامرة« و »التجربة« في التعلم والتعليم والدراسة والتكوين من خلال رصد »حي البليدة«، حيث »النشأة« وحيث يقيم »وجهاء« سلا (ص 14) ثم »الكُتاب« (المسيد) (ص 19/17) و »السوق الكبير« (ص 19 وما بعدها): »لم يكن أبي غنياً ولا محتاجاً، كان مستور الحال، وكان نشاطه في دكانه يتجلى في جانب عرفته وأنا طفل، بينما هو كان حينئذ أخذ يتقدم في السن وبدأ مظهر العياء يدركه تدريجياً دون أن يُقلّ أو يحدّ من قوة جسمه وحركيته ووعيه ونباهته، وفي جانب كنت أسمع عنه ولم أدركه بنفسي، ولكن بقية باقية ظلّت طافية« (ص 23). 3 عندما يكتب الأستاذ عبد الله شقرون: «ثم بعد وفاة والدي كُتب لي أن أنمو فيه [الفضاء المحدود] يتيماً من الأب، ثم يتيم الأم والأب، وكان عليّ أن أعارك الحياة عراكاً شديداً (ص 22)، فإننا «نفهم» مدى ما تشكله شخصية الأب، وكذلك شخصية الأم، في حياة الفرد وينذر ألا نجد سيرة ذاتية لا تعوج على هاتين الشخصيتين، إما بنبل أو بشراسة مدارها تصفية الحساب، خاصة مع الأب، كما يفعل ذلك محمد شكري في «الخبز الحافي»، على عكس ما نجده، مثلا، في نص »الزاوية« للتهامي الوزاني أو في نص »في الطفولة« لعبد المجيد بن جلون، بل إن تمجيد الأم في نصوص تحرك المكون السير ذاتي، مثل »لعبة النسيان« يكشف عن عمق ما يمثله الفقدان في حيوات الكتاب والمبدعين المغاربة وهم يلحون إبراز مجموعة من القيم الأصيلة في الوعي بالعالم بالمعنى الرؤيوي حول المجتمع والتاريخ والثقافة وحول الوجود بأكمله. وبين تصور الكاتب »في عالم الخيال البعيد جداً« (ص 24) لأبيه »جالساً في دكانه« (نفسها) وإسهامه طفلاً في »تنظيم أعمال والده« (ص 25) يأتي موت الأب لينقله الكاتب من عتبة إلى أخرى في لحظة نيل »الشهادة« (ص 87). العتبة الذي يظل فيها الأب حاضراً رغم موته واختفائه: »وكنتُ، وأنا أصغر أفراد أسرتي، متمسكاً بمحبة والدي كأشد ما يكون التمسك بين أب وابنه [...]. كان أبي بالنسبة إلي النّور الذي أرى من خلاله الدنيا بكاملها، وما كان يخطر على بالي أنه سينتقل ذات يوم إلى العالم الآخر« (ص 90). أما موت الأم (ص 93)، فإنه يقبل من متاهة أخرى، متاهة تجربة الكاتب طفلا في التعبير عن ذاته نضالياً (ص 90/ ص 98) وتعرضه للملاحقة إثر مظاهرة ضد الظهير البربري يوم السبت 29 يناير 1944 (ص 94) أو هكذا، على الأقل، يتصورها الكاتب: »تذكر الحاضرون بالمسجد الأعظم مظاهرات المغاربة ضد صدور الظهير البربري سنة 1930، فارتفعت أصواتهم في تأثر وخشوع« (ص 94). »عندما أخبرت أمي، والوقت وقت تناول طعام الغذاء، بأن رجلين بباب منزلنا يبحثان عن ابنها عبد الله، كان أحدهما مخزني عند الباشا، وكان معروفاً والآخر شرطي ارتعدت فرائصها [...] أعفي عليها حالا، ومن تلك اللحظة بالذات أصيبت بالذهول التام« (ص 96)، و »فقدت النطق إلى الأبد« (ص 97): هكذا هي »أم« الكاتب، كما استشعرها طفلا وكما يستشعرها منخرطاً في الاستذكار والتدوين والكتابة. »وإذ أربط ما سلف بيانه [...] وما تلاه، أسجل أن ؟؟طامة أخرى سرعان ما حطت بكلكلها على يُتمي بوفاة أمي فترة قصيرة بعد وفاة أبي، وفي ظروف قاسية« (ص 93). هكذا هي »أم« عبد الله شقرون، وهي أيضاً »أمنا« (أمهاتنا)، نقبل من أرحامهن، كما نقبل إلى رحم الكتابة، نقبل ولا نقنع بما توفره لنا الكتابة والكتب فنجنح نحو الذات لنرصد ما كنا وما كنا عليه لمنح أنفسنا هوامش الإبحار في عوالم تقاطع هذه الذات وهذه الكتابة. كتاب »طفولة وشباب على ضفتي أبي رقراق« يحفل بهذه الصّيرورة المتعالية، ولذلك يتخذ في تشكّله صورة سِفْر (بتكسير السين وتسكين الفاء) يحاور الذات ويحاور الكتب من خلال عدة اعتمالات ابرزها العناية بالكتب قبل الكتابة، بل امتلاك مكتبةكما يتحقق ذلك بالتدريج ويدفع بالكاتب الى الكشف عن بعض كنوزها من خلال كتابة حكايةخزانة شخصية ام، مطبعة الامنية ط 1، الرباط 2010، 178 وبذلك تتحول سيرة الاستاذ عبد الله شقرون، من خلال بعض ملامحها الى سيرة كتابة وسيرة كتب بشكل مضاعف. الكتابة مهجة، كذلك القراءة وما يكتنفها من الق ومن قلق واصرار على نحت الشخصية وتشييد صرح هالة الهوية المضافة، هوية الكتابة بما هي هوية مفتوحة و مسترسلة رهينة بالرغبة والمسعى: اقرأ المراجع والامهات في اللغة العربية وألخص مضامينها وقواعدها، واحاول استيعاب ملخصاتي لها، وقد اقتنيت لتلك الغاية، كتبا وكلها كانت مستواها اعلى من امكانياتي الجبلية (بكسر الجيم والباء).. والى الان احتفظ بتلك الكتب اعتزازا بها (ص 72). ويقترن هذا المسار، مسارالرغبة والمسعى، بشرخ يفرضه زبد الزمن السيري عندما تضيع المكتبة في لجة الحاجة ومطالب الحياة المادية: كانت لدي مكتبة شخصية جيدة (ص 145 )، لقد جمعت الكتب العربية من مكتبتي تلك - وكنت معتزا بها ايما اعتزاز. ووضعتها، والدموع تترقرق، بمقلتي، في «كروسة» يدفعها حمال من حي البليدة، في مدينة سلا، الى حي بوقرون بمدينة الرباط (نفسها)، وبعت.. كامل كتبي العربية دفعة واحدة (ص 146). هذه دائرة اخرى تنغلق وتدعو قارئ «سيرة» الكاتب اجماليا قراءة أخرى عليها ان تحتفي بتعالقات كتابة السيرة الذاتية وثقافة الكاتب كتلك التي نجدها في نصوص العديد من كتاب هذه السيرة لمعرفة المكون الثقافي بالمعنى المباشر ومدى تأثيره في صقل الكتابة وصقل شخصية الكاتب من حيث ارتباطه بمسقط الرأس والكشف عنا لذات والتعبير عن وعي (ما) بالعالم على أن ما يميز نص طفولة وشباب على ضفتي ابي رقراق، للاستاذ عبد الله شقرون، في هذا السياق، وهو تدشينه لمسار ارتباطه، كنص مركزي وان كان موقعه هو الكتاب الثلاثون في قائمة وسلالة كتبه، من حيث التأليف تقديرا ومن حيث الاصدار تحديدا، بكل نصوص الكاتب، بكل كتبه ومؤلفاته التي يتحول بعضها الى ند له في الكشف عن المضمر والخفي في سيرة الكاتب الذاتية والشخصية معا، هذا لا يعني ان نص طفولة وشباب يوجه هذه النصوص والكتب والمؤلفات بارادة من الكاتب عن طواعية، بل لان القراءة التفاعلية تتطلب ذلك لما بينها من علاقة نسب وسلالة نصية، نجد هذا في كتاب حياة في المسرح (1997) كما نجده في كتاب مسيرة حياة في الاعلام السمعي البصري (2005) ونجده في كتاب سنوات في كتابة المسرحيات والتمثيليات (2009 ) وهي كتب تضيء مسارات مقاربة سيرة عبد الله شقرون الذاتية بقدر ما تضي ايضا مسارات مقاربة سيرته الشخصية، المهنية والثقافية دون اغفال كتب اخرى تحلق وتدور في مجرة هذه السيرة دائما، من ذلك مثلا، كتاب شيوخ واساتذة 2011. 4 انها نصوص، كتب، مؤلفات، تجاور بعضها وترسم خط وخريطة نثر الحياة وزبد الزمن الذاتي وتضفي على المقروء من هذا المتن هالة من التشعبات القصوى التي لا تكفي قراءة واحدة للاحاطة بها وبكل ما يقتضيه شرط القراءة كما يلزم بما يلزم من رحابة في تمثيل شخصية الكاتب الذي لا يكتفي بشرط الكتابة عن الذات وحدها، بل يسند ذلك، عن وعي، بالابحار في لجة التنظير، يمثل ذلك كتاب فجر المسرح العربي بالمغرب (1988) كما مثله كتاب فن الاذاعة 1957 ويمثله كتاب جلسات حول الدراما التلفزيونية (2001) وهي كتب مدارها الخبرة النظرية والتقنية بمفاهيم واشكالات تظل مطروحة ودقيقة في تقدير ابعاد الثقافة الجمالية لدى الكاتب. اما كتاب دولة الشعر والشعراء على ضفتي ابي رقراق 2004) وكتاب »فن الملحون في مدينة سلا 2009 فيتطلبان تصورات اخرى في تمثل سيرة الكاتب باعتبارهما ينحدران من ويصبان في دائرة ما يمكن تقريبه من التأريخ الادبي وكذلك التأريخ الفني والثقافي والاجتماعي لمدينة سلا، والرباط ايضا، ان لم يكن التأريخ المجتمعي. ونجد هذا الملمح مستوفيا وموحيا ايضا في نص طفولة وشباب على ضفتي ابي رقراق، كما نجد بعض سماته في كتاب ادب وفن من المغرب 2010 الذي يستجيب لمساحة أخرى في رصد سيرة الكاتب المركبة والمتراكبة، وتضاف الى هذا كله كتب اخرى من صنف الكتب الابداعية وهي على التوالي: الواقعة 1996 مسرحية طوق الحمامة (2001 مسرحية) المجموعة الحمراء من النصوص المسرحية (2002) المجموعة الخضراء من النصوص المسرحية (2002 سفارة أبي القاسم الزياني لدى الدولة العثمانية 2010 مسرحية. انطلقنا في مغامرة تقديم نص واحد ووجدنا انفسنا محاصرين بكتب اخرى لا مفر من استدعائها ولو طفيفا، ولو تلميحا، وذلك لان هذا الكتاب الثلاثين مدة كما في ثبت لقائمة كتب ومصنفات الكاتب، را مثلا، هذه القائمة في حكاية خزانة شخصية، م.م.، ص 177 والرابع والثلاثين، مرة اخرى (كما في نفس الثبت، را مثلا هذه القائمة في شيوخ واساتذة، م.م، ص 6) وان جاء متأخرا في الترتيب، يشكل بؤرة تأطير ما يمكن ان نعتبره مسارا موازيا لمسارات كتابة السيرة الذاتية في المغرب وهي تغتني بنص من حق صاحبه ان يجد له مكانا في متواليات نصوص السيرة الذاتية المغربية من حيث الزمن الثقافي وكذلك الزمن الذهني عندما نبحث في علاقة هذه النصوص، منذ نص الزاوية، بما ترومه من احتمالات الشهادة عن عصر او بيئة او عن مجتمع ثقافي، بل عن نخبة يمثلها المتصوف الفقيه او يمثلها الكاتب الحديث والعصري كما يمثلها المثقف العضوي، وغيره باعتبار النصوص - نصوص السيرة الذاتية نقصد - هي نفسها «بيان رحلة» في واقع ومجتمع وتاريخ جمعيين نص طفولة وشباب على ضفتي ابي رقراق. من هذه النصوص، في تقديرنا، بل لعله من النصوص المركبة في تمثل اي صنف هو الكاتب من اصناف مثقفي النخبة المغربية المخضرمة التي عاشت زمني الحماية والاستقلال وبينما زمن المقاومة ولابأس، في هذا المجال، من الافتراض، والقول بان عبد الله شقرون يمثل صنف المثقف التقني الذي اقتنع بشرط التحديث مع الارتباط ارتباطا وثيقا بالهوية الوطنية التي لم تلغ ارثها واصالتها، روحيا، ثقافيا، معرفيا، وسياسيا كما يشهد بذلك نص طفولة وشباب وتشهد به ايضا نصوصه الاخرى، مجتمعة ومتفرقة ونجد طي كتاب »»طفولة وشباب«..» ما يساعد علي ممارسة ما يشبه «»الحفريات»« لهذه الغاية انطلاقا من سنوات الكاتب الأولى للتعليم والدراسة والتحصيل ثم الاستعداد للتكوين بعد ذلك، وهذا تعكسه كتب أخرى أشرانا إلى بعضها ومن خلالها الكتب الأخرى- يزداد المكون السيري كمونا وانبثاقا في نفس الوقت. الأمر يتعلق بمعادلة ثنائية يتكامل طرفاها: الكائن والمسار، أو لنقل: الكائن والوجود على غرار مختلف نصوص السير الذاتية التي تهم البحث والنقد والدراسة الأدبية في المغرب، وفي غير المغرب، ربما: هذا »»الواحد من الناس»«، هذا المنسوب الى ضفتي أبي رقراق، هذا »»المناضل الصغير»«، هذا الشاب الذي يخوض غمار مجالات شتى، بالاضافة الى «الانشغال الدائم بالأدب» (أنظر ص5) لا يحس، فقط أو يدرك أن »الزمن يمر بين يديه ويداريه أو يتحداه، بل يجعل قدراته محكومة ومقيدة بضرورة التحكم فيه و التغلب عليه، خاصة بعد فقدان الأب والأم وتحويل ذلك الى سلاح لفرض التماهي مع ما كان يسطره لنفسه ويسعى من خلاله الى أن يجد له موقعا «بين الناس» بين «الوجهاء» و»الرموز» في الحاضرتين العدوتين وخارجهما. «الوجاهة» و»الرمزية» في سياق القراءة الحفرية لما كتبه و»ألفه الأستاذ عبد الله شقرون، هما و جاهة القول ورمزية الفعل، لذلك يدور في خلد الكاتب الذي هو «هو» أنه «مندوب»، وكان مندوبا دائما على امتداد حياته وسيرته المتوزعة بين كتبه لما ينبغي ان تكونه عليه الذات وتكون عليه «الأنا» المتوارية في حدود المعقول: «وندب نفسه لأجلها» (ص5): يقصد ب «»الهاء»« هنا «»الميادين التي تخصص فيها» (نفسها) لكنها تعني أيضا في تقديرنا الدور والوظيفة و نيل المرامي خدمة للوطن والهوية والفوز بنعمة تلبية النداء وللمصلحة العليا للبلاد باعتبار الكاتب - ا لشخص أقصد هنا- من ثمرات المجتمع المغربي في لحظة بناء الشخصية المغربية الأصيلة على غرار العديد من رموز الحركة الوطنية ممن يذكرهم، ويذكر بهم، في سيرته الذاتية وفي كتب أخرى له وقد أشرنا الى بعضها. يرتهن هذا التأويل بما تقدمه هذه السيرة وهذه الكتب من مادة حصرية للتحليل، لكنه يرتهن أيضا بما يفتح باب هذا التاويل نفسه على مصاريع معادلة النخبة والتحديث في المغرب منذ الثلاثينات الى الآن، ومن خلال هذا ثم من خلال معادلتي «الكائن والمسار» والنخبة ولتحديث» نهتدي بالتدريج الى صوغ ما يجعلنا ونحن «نفكر» عبد الله شقرون، نفكر في ذات غير ذات «حياة واحد من الناس»ص (5 دائما يكتب عبد الله شقرون في هذا السياق: والتركيز على مسار حياة فرد معين في ظرف معين هو في الوقت ذاته وبالأولوية تركيز على وصف وضعية المجتمع في فترة من التماثل التاريخي والواقعي بين أواخر عهد الحماية الاستعمارية والكفاح الشامل الرامي الى التحرر والانعتاق من قيود ذلك العهد وأوصافه، من جهة و أوائل استقلال البلاد وولوجها دنيا الحرية وقيام السيادة الوطنية على مقدراتها والمحاولة من جهة أخرى لتنقية المجتمع من الجمود العتيق والتخلف الفكري عند بعض أفراد الطبقة ا لمسؤولة الجديدة إذ ذاك (ص6*. «وضعية محتمع» «فترة تماثل» «تحرر وانعتاق»، قيود، «أرصاف»، «دنيا حرية»، »»قيام سيادة وطنية»، «مقدرات» «تنقية مجتمع»، «جمود عتيق»، «تخلف فكري» «أفراد طبقة مسؤولة جديدة» هل يكفي هذا - وهو كثير أصلا - لتحريك صلب المعادلتين المذكورتين الكائن والمسار، النخبة والتحديث لأجل الكشف عن «رؤية للعالم» كانت محايثة، في لحظة ما لدى الكاتب - المثقف عبد الله شقرون؟ هل تلاشت هذه الرؤية أم تراجعت و خفت، خفتت بالأحرى؟ ثم ماذا عسانا نقول عن «»الوضعية»« و»الفترة» و»التماثل» و»التحرر» و»الانعتاق» و»الأرصاف» و»الحرية» و»السيادة» و»المقدرات» و»الجمود» و»التخلف» و»الطبقة» و»المسؤولية» و»الجدة»؟ إنها تشكل حقلا دلاليا لخطاب ولغة يحلقان في فضاء أي مشروع فكري (كان) يدفع بصاحبه (أصحابه) الى خوض معركة ضد واقع محدد في ذهنه (أذهانهم) من أجل نهضة ما، من أجل نهوض ما على الأقل في مجال محدد كما يفهم من الفقرة المشار إليه ويفهم من ممارسة الكاتب - المثقف عبد الله شقرون «الشخص» كما يفهم من جل كتاباته، وهنا تقبل معادلة ثالثة لرصد المعادلتين السابقتين وهي «»النهضة» تساوي «التحديث» تحديث السمعي البصري (إذاعة، مسرح، تلفزيون وتحديث الإدارة من ثم يشخص وعي «الكاتب - المثقف عبد الله شقرون، من خلال الحقل الدلالي» المذكور، نوعا من الموقف العضوي في مواجهة واقع مترتب عن «عهد الحماية الاستعمارية» ومهيأ لاقتراح بديل - بدائل قصد الخروج من «»زمن» الي «زمن»، من زمن «الحماية» إلى زمن «الحرية» من زمن الاستعمار الى زمن «السيادة الوطنية» من زمن «الجمود» و»التخلف» الى زمن الدينامية والحركة والإبداع والابتكار، أي زمن «التجديد» الذي يشترط مقاومة التخلف الفكري لدى أفراد من الطبقة المسؤولة كما يقول الكاتب المثقف و»الجديدة»، فوق ذلك كما ياها وكما تتوهم هي مكتفية بما لديها من سلطة (من سلط) وبما تملكه من «رأسمال»« ثقافي، ربما يبدو غير كاف لانجاز هذا المشروع أو ذاك، نظرا لكونه رأسمالا ثقافيا متجاوزا لا يلبي رغبة «التحديث» «نقد» الكاتب - المثقف عبد الله شقرون نقد مشروع في حينه انطلاقا مما كان عليه المغرب في عهد الحماية، ويأتي هذا النقد مقترنا بجرأة لا يمكن التنكر لها في سياق المعادلات الثلاث المؤشر عليها وهذا ما تؤشر عليه أيضا سيرته الذاتية والشخصية وسيرة من كتب عنهم وكتب «بهم» سعيا وراء الكشف عن خلل ما في تركيبة ثقافة مغربية وليدة اثر رحيل الاستعمار وانتثار الحماية من ثم: نستشرف لدى الكاتب - المثقف عبد الله شقرون نوعا من القلق الذي يغذي «نقده» ومن ثم أيضا: تدور كتبه وتآليفه في مجرة سؤال مركزي وجوهري هو كيف «نجدد»؟ وهذا سؤال - إشكال تترجم إجاباته نصوصه الأخرى المتفرقة خارج مدارات سيرته الذاتية وحدها، ومن ذلك مثلا «جلسات حول الدراما التلفزية» و»شيوخ وأساتذة»،أما النصوص المسرحية التي نشر بعضها،ومنها»الواقعة»(1966)و»طوق الحمامة» و»سفارة أبي القاسم الزياني»، فتحتاج الى سبر آخر لأغوارها وطياتها قصد الكشف عن غوايتها كما هو نص «بيت الدمية» لابسن المدفون في ثنايا كتاب «شيوخ وأساتذة «من ص103 إلى ص107) دون أن يكتسب هوية معلنة سوى أنه «مجاز» للكاتب - المثقف عبد الله شقرون نحو إلى «التحديث» «تحديث» المسرح بالذات و«تحديث» مشهد ثقافي - إبداعي - فني برمته.