التجمع الاحتجاجي الذي ينظمه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ضد الابتزاز السياسي والتفقير الاجتماعي، بمعية شركائه وفرقائه السياسيين والنقابيين التقدميين، يأتي في وقته تماما. فلم يعد سرا اليوم، أن الطبقات الشعبية في الأحياء والقرى والمداشر تكتوي يوميا بنار الغلاء الذي أصبح كابوسا يقبض بأنفاس الجميع، وغولا يلتهم المداخيل والمدخرات، ولم يعد سرا كذلك أن هناك جاذبية طبقية سفلى تجرف في طريقها الفئات المتوسطة بسرعة كبيرة، والتي تنحدر سنة بعد أخرى وضعيتها منذ ما يقرب من السنتين. ينطبق الأمر بالطبع على كل المواد الاستهلاكية وعلى كل الخدمات، ويمس بصفة أساسية تلك الفئات الشعبية، التي أقسم رئيس الحكومة بأغلظ الإيمان ذات يوم، بأنه سيحافظ على قدرتها الشرائية بل وسيحسن منها بطريقة تدريجية، قال هذا الكلام مع حزبه خلال الحملة الانتخابية، وقدم الوعد تلو الآخر، وأعلن مرارا أنه لا معنى لمشاركته إذا لم تكن من أجل تحسين الأوضاع المعيشية لعموم المواطنين وتطوير استفادتهم من الخدمات العامة، وتجاوز الخصاصات التي هكذا قال خلفتها الحكومات السابقة، وما نود التنبيه إليه، وما هو جدير بالتوضيح للرأي العام، ليس هو فقط واقع الغلاء الفاحش، وتدني القدرة الشرائية لعموم المواطنين، وانسداد الأفق أمام أية إمكانية لتحسين الوضعية أو حتى المحافظة على المستوى الذي كان، فهذه أمور يلمسها اليوم المواطن العادي، في مأكله وملبسه وكراء منزله وتمدرس أبنائه وصحة كل أفراد عائلته، وهي ليست في حاجة إلى علماء اقتصاد لإبراز مفعولها على جيوب وأبدان ومعنويات المواطنين. إن الذي نود إثارة الانتباه إليه بالأحرى هو أن الوضعية الاقتصادية المتأزمة، والقرارات التي اتخذتها حكومة العدالة والتنمية، أو لنقل اللاعدالة واللاتنمية على الأصح، كشفت للعموم فراغ جعبة هذا الحزب على مستويين على الأقل: المستوى الأول: مستوى غياب ما نسميه في لغتنا العامية: « القلب على الضعفا والمساكين» وهو ما رافق الخطاب الذي ظلت اللاعدالة واللاتنمية تردده على مسامع الناس صباح مساء، فلقد تبين أن الطبقة السياسية لهذا الحزب إذا جاز تسميتها كذلك، لا تمتلك أي عطف أو غيره على أمة المسحوقين في هذا البلد. المستوى الثاني: هو مستوى انعدام الكفاءة بشكل واضح، هذا ما أبانت عنه حكومة السيد بنكيران في إدارة أهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ،التي تكلفت بتدبيرها وذلك رغم أن الظروف المالية والاقتصادية التي باشرت فيها أيامها الأولى، كانت مشجعة, سواء من حيث المحصول الزراعي أو الوفورات المالية أو مستوى العملة الصعبة وحجم توفرها، إذ رغم كل هذه العوامل المساعدة، فشلت الحكومة الحالية في توفير ظروف عيش أحسن للمواطنين، واكتفى زعماؤها بترديد تلك الأسطوانة المشروخة « لم يتركونا نشتغل «. وللتذكير والمقارنة فقط، فإن حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي التي تحملت المسؤولية في ظروف مالية ومناخية صعبة (سنوات الجفاف)، حققت منجزات ومستويات تنمية جد متقدمة، يحق للمغاربة كلهم أن يفتخروا بها: انخفاض كبير في المديونية الخارجية. ارتفاع كبير نسبيا في أجور الموظفين. عفو ضريبي متفاوض حوله. تطوير في خدمات البادية أعاد الثقة لسكانها وجدد ثقتهم في العمل السياسي. إشعاع دولي كبير استفادت منه قضية وحدتنا الترابية. إبداعات في مجال برامج تشغيل الشباب. بلورة ميثاق التربية والتكوين. تطور في بنية الميزانية العامة جعل مخصصات الاستثمار ترتفع سنة بعد أخرى. تكثيف في برامج كهربة القرى ومدها بالماء الشروب. رفع التهميش عن الأقاليم الشمالية وإطلاق مشروع الميناء المتوسطي. ومشاريع أخرى عديدة لا يسع المجال هنا لذكرها كلها، ولكن يحق لنا فعلا عند المقارنة أن نذكر بالآية الكريمة « وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون «. إذن والحالة هذه أليس احتجاج يوم السبت 5 أكتوبر2013 الذي ينظمه حزبنا ويشارك فيه فرقاؤه السياسيون والنقابيون التقدميون احتجاجا في محله وأوانه؟ بلى بكل تأكيد هو احتجاج في وقته.