علمت الجريدة من مصادر مطلعة أن استقبالا ملكيا تم أمس لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. وأفادت ذات المصادر أن بنكيران قدم لجلالة الملك مقترحا حول إعادة تشكيل الحكومة يتضمن هندسة جديدة للحكومة تتضمن إحداث وزارة جديدة ودمج أخرى. وأفادت المصادر أن الهيكلة الجديدة تستجيب لمطالب التجمع الوطني للأحرار الذي يلح على أن يتولى القطب المالي في الحكومة، كما سيتم إحياء وزارة المقاولات الصغرى والمتوسطة التي كانت أقرت من طرف حكومة عبد الرحمان اليوسفي وستحدث وزارة للتكوين المهني وأخرى للصيد البحري. وكشفت مصادرنا أن الحديث عن الأسماء المرشحة للاستوزار مازال لم يتم الحسم فيه بين الفرقاء في انتظار تأشيرة جلالة الملك على الهندسة الحكومية في الوقت الذي سيجد بنكيران نفسه مضطرا لعقد لقاء التحالف الرباعي، ممثلا في الحركة والتقدم والاشتراكية والتجمع بديلا لحزب الاستقلال الذي غادر سفينة الحكومة في وقت سابق، وذلك من أجل الاتفاق على قائمة الوزراء والوزيرات الجدد والمغادرين قبل رفعها الى الملك الذي له الكلمة الفصل طبقا للدستور. وحسب مصادر من التحالف، فإن طريق إعلان الحكومة الفعلي والاسماء مازال غير سوي رغم التقدم في مسار إقرار هيكلة جديدة. ورجحت مصادرنا أن بنكيران الذي فضل منذ بداية الأزمة الركون إلى الصمت والعمل في الكواليس، اضطر الى الإسراع بطلب اللقاء الملكي بعد أن بدأت أصوات عدة ترتفع مطالبة إياه بالاستقالة إذا كان عاجزا عن تسيير الأمور، خاصة وأن تداعيات الأزمة وصلت الى عموم المواطنين الذين يعانون من الزيادات المتوالية في الأسعار، والدخول السياسي الذي يعرف تصعيدا من طرف المعارضة وكافة الحركات الاجتماعية. وفي خطوة اعتبرت إشارة على انفراج الأزمة، قدم بنكيران القانون المؤطر للمالية المغربية بخصوص سنة 2014 يتضمن عدة اقتراحات يلاحظ أن بصمة التجمع الوطني بادية عليها. من جهة أخرى أطلق بن كيران سراح الرسالة التأطيرية لمشروع قانون مالية 2014، التي ظل يترقبها الفاعلون الاقتصاديون والسياسيون لمعرفة الخطوط العريضة لما ستكون عليه أجندة الإصلاحات التي تزعم الحكومة أنها ستباشرها. محاور الرسالة التأطيرية لرئيس الحكومة تتقاطع في معظمها مع توجيهات الخطاب الملكي لعيد العرش، الذي أكد على ضرورة ضبط التوازنات المالية للدولة وتحفيز النمو وتسريع وتيرة الإصلاحات الكبرى المهيكلة، وتدعيم آليات التماسك الاجتماعي وضمان استقرار الموجودات الخارجية والتحكم في عجز الميزانية. ولم تخل الرسالة من لهجة تقشفية تلمح حينا وتصرح أحيانا، بأن ميزانية 2014 لن تكون سخية في خلق مناصب الشغل وفي رفع الاستثمارات العمومية التي كانت المحرك الحقيقي لعجلة الاقتصاد الوطني خلال السنوات السابقة. بن كيران، طلب من وزرائه الحاليين والمفترضين، أن يتقشفوا في إحداث المناصب المالية وألا يعوضوا أي منصب شاغر إلى أن تكتمل السنة المالية، كما منع عليهم بنكيران تنفيذ أي قرار بترقية الموظفين في وسط السنة وهو ما يعني أن كل موظف حصل على ترقية في بداية السنة أو وسطها لن يحصل على الأثر المالي لترقيته إلى غاية العام الموالي، وهو القرار الذي لن يعجب بالضرورة آلاف الموظفين الذين كانوا يعولون على مبالغ هذه الترقيات لمواجهة مصاعبهم المادية. ومن الأمثلة كذلك عن التوجيهات التقشفية التي يطالب بها بن كيران حكومته التي لم تر النور بعد، «التقيد بخصوص المناصب المالية في الحد الأدنى الضروري لتغطية الحاجيات الملحة» والالتزام بعدم اقتناء أو كراء السيارات إلا في الحالات الضرورية وإخضاعها للترخيص المسبق لرئيس الحكومة، بالإضافة إلى منع برمجة المساكن والبنايات الجديدة وتقليص نفقات الكراء المتعلق بها. ولم ينس بن كيران تكرار وصيته التي قلما يأخذ بها وزراؤه ، في عقلنة السفريات الى الخارج وحصر مصاريفها في الحد الأدنى وتقليص كلفة المشتريات . وحتى لا يضطر إلى الاقتطاع من ميزانية الاستثمار العمومي، كما فعل خلال ميزانية 2015، طالب بن كيران وزراءه باحتساب الميزانيات المرحلة من السنوات السابقة قبل التفكير في طلب ميزانيات قطاعية جديدة، علما بأن وتيرة التنفيذ الضعيفة للاستثمارات جعلت اعتمادات الاستثمار ترحل من سنة إلى سنة حتى وصلت في متم 2012 إلى 21 مليار درهم . أما بالنسبة للإصلاحات الهيكلية التي يركز عليها مشروع القانون المالي 2014 فتحدثت الرسالة عن إصلاح منظومة القضاء، حيث دعا إلى تعبئة جميع الجهود من أجل أجرأة مضامين ميثاق إصلاح منظومة العدالة، وإصلاح النظام الجبائي حيث سطر بنكيران على ضرورة جعل مشروع الميزانية منطلقا للتفعيل التدريجي والتشاركي لتوصيات المناظرة الوطنية حول الجبايات، وفي مقدمتها مواصلة سياسة توسيع الوعاء الضريبي وإدماج القطاع غير المهيكل، واعتماد إصلاح شامل لمنظومة الضريبة على القيمة المضافة، وعدم إحداث إعفاءات ضريبية جديدة مع العمل على الحذف التدريجي للإعفاءات غير المجدية، زيادة على حذف الاستثناء الضريبي الذي يستفيد منه المستثمرون الفلاحيون الكبار، كما دعت الرسالة أيضا إلى إصلاح القانون التنظيمي للمالية، ونظام المقاصة .. وهي كلها إصلاحات تبقى رهينة بمدى قدرة الحكومة على خلق توافق مجتمعي حولها ليس داخل أغلبيته التي لم تتشكل بعد، وإنما بين جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين.