في رحلة شبيهة بالقوافل والفتوحات والبطولات والسباقات، وبالغزوات والمعارك القديمة ورحلات الصيد والاستكشاف والبدو الرحل، بادرت إحدى الجمعيات المحلية بخنيفرة، في سابقة مثيرة تستحق الانتباه، إلى تنظيم رحلة طويلة على الخيول، انطلقت، يوم الخميس 26 شتنبر 2013، من مدينة خنيفرة باتجاه مدينة الجديدة، على مسافة 320 كلم، قرر المنظمون قطعها في 8 أيام، على أساس أن تصل خلال يوم الجمعة 4 أكتوبر 2013، وذلك للمشاركة في المهرجان الدولي للفرس، ويأتي اختيار الرحلة في إشارة من المنظمين إلى نهر أم الربيع الذي يجمع خنيفرة بأزمور بين منبعه ومصبه، ويبلغ عدد المشاركين في هذه الرحلة 30 شخصا، منهم 15 فارسا. وتتميز الرحلة، حسبما صرح به المنظمون ل «الاتحاد الاشتراكي»، بوجود خيول من الجيل الخامس للخيول التي شارك بها موحى وحمو الزياتي في معاركه ضد قوات الاستعمار الفرنسي، وليس أقلها معركة لهري الشهيرة التي وقعت خلال منتصف شهر نونبر من عام 1914، وتوجد سلالة الخيول المذكورة لدى بعض أبناء وأحفاد البطل الزياني موحى وحمو، وهي معروفة بدمها العربي البربري والعربي البربري الأصيل، وبخطاها السريعة وصبرها القوي وقدرتها على تحمل الصعاب والتضاريس والمسافات الطويلة، علما أن تربية وركوب الخيول تظل جزءا لا يتجزأ من تاريخ الثقافة المغربية على مر القرون. «جمعية أمان نعاري للقنص والرماية»، صاحبة المبادرة، ومقرها بمنطقة أجلموس بخنيفرة، أكدت، في ورقة لها، أن رحلتها تأتي للمساهمة في نشر المواطنة والسلام على غرار الفرق التي كان يطلق عليها بالأمازيغية اسم «إكبار»، ولم تفتها الإشارة إلى فرسان قبائل الأطلس المتوسط والأعالي الجبلية الذين كانوا يقومون برحلات استكشافية لأنماط الحياة والعادات والأنشطة الاجتماعية بمختلف القبائل الأخرى، وكانت هذه الرحلات تتم كلها عبر البراري والبيد والقرى، حيث تستغرق الرحلة الواحدة أزيد من شهر، وكل قرية حل بها الفرسان الرحالون يجدون في استقبالهم السكان، حيث تعلو الزغاريد وتنصب الخيام وتقام الولائم، ويستمر السمر إلى وقت متأخر من الليل، وهكذا دواليك إلى حين عودة الفرسان إلى ديارهم سالمين. وتأتي «رحلة الخيول» في إطار الإسهامات الرامية إلى إحياء ما تلاشى من الإرث التاريخي في تجلياته المختلفة، والتعريف بالخصوصيات الجبلية كعامل استقطاب للسياح بفضل ما يتيحه الجبل من ميزات طبيعية غير اعتيادية بخلاف المواقع السياحية المعروفة التي ترتكز على البحر، كما تأتي الرحلة لأجل التعريف بتقاليد المناطق الجبلية القروية، وما تزخر به من غنى طبيعي وسلالات متنوعة للخيول، ومدى احتفاظها بهويتها التراثية والثقافية والاجتماعية العريقة، وما كانت تقوم به قبائل زايان على المدى البعيد. المشاركون في الرحلة استعرضوا، في اتصال بهم مع «الاتحاد الاشتراكي»، اللحظات الرائعة التي عاشوها بين الهضاب والجبال والشعاب والأنهار، وبين الأهالي الذين برهنوا بجلاء عن حسن كرمهم وضيافتهم، وإيمانهم بقيمهم المغربية الأصيلة، وكم تتقوى الحميمية كلما حل الظلام وحطت القافلة رحالها، حيث يقضي الفرسان ليلتهم بين «الخيل والبيداء» كما كان يفعله الرحل والرحالة في العالم القديم، ويتبادل المشاركون فيها أراءهم ونوادرهم في أجواء من السمر الرائع واستعداد تام لمعانقة الطريق في اليوم الموالي. وقد سبق ل «جمعية أمان نعاري للقنص والرماية» أن قامت برحلة على الخيول، انطلقت تحت شعار «من تقاليدنا العريقة العناية بالفرس باعتباره جزء من الإرث والتاريخ»، وزارت عدة فرى ومداشير، بينها تاجموت، تيغسالين، سيدي يحيى أوساعد، مولاي يعقوب، تقاجوين، بوياضيل، أغدو، أنفكو، ترغيست، إسلي، بحيرة تيسليت، ثم إملشيل، حيث عقد المشاركون لقاءات مفتوحة مع ساكنة هذه المناطق، وتعرفوا على تقاليدها وظروف عيشها وتفاعلها مع مظاهر العزلة والتضاريس الوعرة، واختتمت هذه الرحلة بلوحات فولكلورية عاش خلالها المشاركون في القافلة، على ضفة بحيرة تيسليت الخلابة، دقائق جميلة وشاعرية زادها ضوء القمر والحطب المشتعل جمالا وروعة، ونشوة بالمغامرة وركوب الخيل.