تواصل "المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية"، صدورها المنتظم متناولة قضايا وإشكاليات أساسية ومؤسسة في الشأن السياسي والاقتصادي والثقافي المغربي. في العدد الرابع من المجلة، التي يديرها الأكاديمي والفاعل السياسي والمدني عبد المغيث بنمسعود طريدانو، والصادر في جزأين يمكن للقراء متابعة اكثر من أربعين دراسة وبحث ومقال حول الانتخابات في المغرب، عشرون منا بالعربية، في تاريخيتها ساهم بها أكاديميون وكتاب ومحللو الرأي والسياسات العامة. في تقديمه لهذا العدد كتب محمد دوخة عضو هيئة تحرير المجلة ما يلي: "بهذا العدد الممتاز من المجلة يواصل مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، الذي يصدر المجلة، رهانه للمساهمة في توفير المعرفة والمعلومة بشأن الممارسات والظواهر السياسية من زوايا مختلفة. ويجد القارئ في النسخة العربية من المجلة كمحور اول دراسات وقراءات في بعض الاستحقاقات الانتخابية، وفي الحور الثاني "بعض جوانب التجديد وسمات التحول في الظاهرة الانتخابية وفي المحور الثالث دراسات في صيغة " محاولات لفهم اشتغال الظاهرة الانتخابية في الميدان: آليات التحكم واستراتيجيات التوافق وتهجين النخب وظاهرة الأعيان الجدد ا وأعيان الريع". وكما سبق أن أكدنا، فإن هذا الإصدار بدوره يعد من ثمرات المجهود الفكري والنقاش السياسي والأكاديمي الذي دشنه المركز مع مطلع 2006 حول الحكامة السياسية بالمغرب دون اختزالها في إشكالية بعينها، ولكن بجعلها سؤالا أفقيا يغطي مستويات التدبير المحلي وإشكالية السلطة وإعادة إنتاجها وإشكالية الاختصاص في الشق السياسي الوطني ومسألة المشاركة السياسية1. ومنذ إصداره الأول حول الانتخابات في 20082 وعد المركز بمواصلة "الاشتغال على الإشكالية الانتخابية والمشاركة السياسية وتشكل الحقل السياسي المغربي" وهو ما يواصل تحقيقه اليوم من خلال هذا العدد من المجلة الفصلية الأكاديمية الصادرة عنه والذي يعتبر حلقة في سلسلة الأعداد التي تناولت الحقل السياسي المغربي والظاهرة السياسية: مغربيا وإقليميا (تمحور العدد الثالث من المجلة حول الثورات العربية وتضمن العدد الثاني محورا أساسيا عن المنطقة المتوسطية)، وفي الأعداد التي ستلي هذا العدد 3. إن التركيز على الانتخابات في المغرب من جانب النخبة المشتغلة في المركز وفي هيئة تحرير المجلة لا يمليه فقط التزام هذه اللجنة بقضايا البلاد المركزية وبمساءلة الواقع، كما أنه ليس من باب الترف الثقافي، ولكنه يتوخى تحقيق جملة أهداف منها: 1- تحقيق المعرفة الضرورية بالانتخابات التي يفترض أن تكون إحدى آليات تحقيق الديمقراطية والمشاركة والتمثيلية وفرز المؤسسات التي يراهن على أن تحقق التوازن في الحياة العامة درءا للأتوقراسية والاستبداد والتسلط، مصادر التطرف والتشدد والاضطرابات، 2- تحقيق التراكم في إشكاليات أساسية ترتبط بالظاهرة الانتخابية وآلياتها: الأحزاب - الاقتراع- المشاركة - القيادة - الناخب وتمثله للاقتراع وللسياسية عامة، إلخ. 3- المساهمة في إبداع وبلورة وتطوير جهاز مفاهيمي وأدوات بحث من أجل فهم واع للواقع السياسي والاجتماعي المغربي كما يتمظهر ويتجسد في الظاهرة الانتخابية التي تختزل بدورها ظواهر وسلوكات وتمثلات ذات خصوصية (في الحالة المغربية) والنخبة والمؤسسة والفاعل السياسي والحزبي، 4- وتلتقي كل هذه الأهداف في طموح مركزي يتمثل في تجميع المعرفة بالانتخابات في المغرب كما تمت أقلمتها وملاءمتها مع كل مرحلة مرحلة، ومع حاجيات الفاعل السياسي المهيمن، وتوريث هذه المعرفة لأجيال الباحثين الجدد والمتسائلين، وبالأحرى الحائرين، في طبيعة النسق السياسي المغربي والظواهر التي يفرزها لتعيد هي إنتاجه. ونعتقد أن هذا المجهود في التجميع والمراكمة مفيد للغاية في عصر تهيمن فيه السطحية والشكليات واللامبالاة والنفور من البحث العلمي المضني والمتعب كقيمة تعرف تراجعا خطيرا في مطلع الألفية الثالثة، 5- ويتمثل الهدف الخامس في توفير فضاء للنقاش للباحثين ليعبروا عن أرائهم وليقدموا مقاربات في شأن مركزي بالنسبة للحياة السياسية الوطنية. إن الأمر لا يتعلق ب"منبر" للتعليق أو تسجيل المواقف، ولكن بأبحاث ودراسات ومقالات ملتزمة بمعايير البحث والنشر الأكاديمي القلق عند السؤال، والمتريث والرصين عند تقديم الجواب، إذ يتعلق الأمر، في ما يرجع إلى الانتخابات في المغرب بظاهرة في غاية التعقد، تفلت من التحليل كلما تصورت أنك قبضت عليها (نظريا) (Appréhendé ) كما السمكة عندما تحاول القبض عليها باليد في مجرى مائي مليء بالطحالب والوحل، لقد أهملت الظاهرة الانتخابية في المغرب، أو على الأقل لم يحصل الاهتمام الأكاديمي بها على النحو المطلوب، إلى درجة أنها تحولت إلى شأن لعدد من المتطفلين والمفسدين وأصحاب السوابق والمستفيدين من الريع والجاهلين بأمر السياسة الذين تمكنوا من التحكم بشكل أو بآخر في عدد من المؤسسات التمثيلية، وإلى حد أن النخب الكفأة وذات المصداقية والرصيد السياسي والاعتباري أصبحت أقلية في هذه المؤسسات إن لم تكن مغيبة في غالب الحالات. لقد تكالب على الانتخابات في المغرب تحالف المال غير النظيف والجهل وأنتجا معا سلطة أضحت تتحكم في الحقل السياسي وتعيد إنتاج بنيات الفساد والرداءة والضعف ما نجم عنه وهن المؤسسات وضعف نجاعتها مما أفقدها المصداقية لدى الناخبين الذين عبروا عن ذلك من خلال الامتناع عن التصويت في الانتخابات، وهو ما تجلى بالخصوص في الانتخابات التشريعية التي جرت في سابع شتنبر 2007، والتي لهذا السبب، إلى جانب أسباب أخرى، كانت موضوع تركيز من جانب هيأة التحرير في هذا العدد من المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية. لقد كانت استحقاقات 2007 لحظة فارقة في الحياة السياسية المغربية بالنظر إلى نسبة العزوف والبطائق الملغاة والمجهود الدعائي الذي واكب الاستحقاق دون جدوى. وبالنظر الى ما ميز هذا الاستحقاق ودلالاته السياسية، فقد تم التركيز عليه أكثر خاصة وأنه أبان عن أدوات جديدة لاستمالة الناخبين وأفرز فاعلين سياسيين جددا هم الأعيان الجدد المتسلطين على السياسية من أوساط مبهمة. وليست ظاهرة الامتناع او المقاطعة الواعية للانتخابات هي السمة الأساسية والخاصة للانتخابات في المغرب. فالظواهر والعوامل والآليات المستعملة في التحكم الانتخابي، تعددت وتلونت حسب كل استحقاق والأهداف المتوخاة منه. ولكن ثمة آليات تتسم بالاستمرارية. فالتزوير وتعبئة الاحتياطي الانتخابي في البادية وضواحي المدن وتوجيهه في هذا الاتجاه أو ذاك واستراتيجية التقطيع الانتخابي المخدوم وخلق الأحزاب وتوظيف القبيلة والأعيان التقليديين منهم والجدد (أعيان الضواحي وأحزمة الفقر في المدن بالخصوص الذين عوضوا النخب الحداثية العصرية) واستمالة الناخبين بواسطة المال، وقوائم الناخبين وأنماط الاقتراع4، كلها آليات لازمت العملية الانتخابية في المغرب بدرجات توظيف مختلفة وفق موازين القوة ودرجات تعبئة وصرامة القوى العقلانية في المجتمع. إن الحاجة إلى تفكيك هذه الآليات، بما هي أدوات اشتغال أساسية في تدبير الشأن الانتخابي، هو ما حدا بهيئة التحرير إلى تخصيص هذا العدد للمسألة الانتخابية في المغرب. ذلك أن العجز déficit الواضح في المعرفة السوسيولوجية الخاصة بالانتخابات في بلد يتطلع إلى بناء مؤسسات سياسية تجسد وتؤمن الانتقال الديموقراطي في سياق إقليمي متوتر، لا يسعف انتشار الثقافة الديموقراطية والمشاركة ولا يشرف البحث العلمي. لقد أضاء فكر التنوير الطريق أمام تحولات عظيمة في تاريخ اروبا والعالم وأنتج علم السياسة وعلم الاجتماع في الغرب نظريات ومفاهيم شكلت رافعة للديموقراطية المؤسساتية. وفي لحظات التحول تكون الحاجة الى إنتاج المفاهيم والبناء النظري الذي يحلل السلوك الانتخابي والعوامل المتحكمة فيه، كبيرة، بل تكون هذه المهمة حاسمة. واذا كان العديد من علماء السياسة والاجتماع يعتبرون ان من شروط نجاح الديموقراطية البرلمانية مستوى معين من التربية لدى المواطنين كما يرى عالم الاجتماع الالماني 5Thomas Wagner، فإن الشرط المسبق للتربية السياسية والثقافة العامة هي توفرها وتوفر المعرفة لدى الانتلجسيا ذات الدور الحاسم في لحظات التحول. هذا ما تسعى هيئة تحرير المجلة إلى المساهمة به من خلال إثارة الأسئلة ذات الصلة بالديموقراطية والاقتراع وغيرهما. وهكذا يجد القارئ في هذا العدد إحاطة بالظاهرة الانتخابية بالمغرب في مختلف الاستحقاقات ومن زوايا مختلفة : أنماط الاقتراع والتأطير القانوني وأساليب التحكم في النتائج، والتقطيع الانتخابي وظاهرة خلق الأحزاب بمناسبة الانتخابات، وفشل هذه الآلية في الضبط السياسي، وظاهرة الأعيان في الانتخابات بالإضافة إلى دراسات او بالأحرى مشاهدات من دوائر انتخابية تحاول قراءة السلوك الانتخابي وأساليب استمالة الناخبين وشبكات التحكم في الأصوات من زاوية السوسيولوجيا الانتخابية وعلم السياسة، أنجزها كتابها وهم فاعلين في الميدان وفي لحظة الانتخابات أو وهم مكلفين بمهام مراقبة هذه اللحظة . وتأمل هيئة التحرير في أن تسعف المواد المتضمنة في هذا العدد ايضا الفاعلين السياسيين والمدنيين والبحث العلمي في الإحاطة بالاشكالية الانتخابية في المغرب وتعقدها وتموجها مع تضاريس ومناخ السياسة ولعبة موازين القوى وعمليات الاحتواء والاستقطاب و الإنتاج القسري للنخب وتهجينها. 1 - من تقديم الكتاب الصادر عن المركز بعنوان "الانتخابات التشريعية ل 7 شتنبر 2007 - النتائج الكاملة : قراءة وتحليل" كتاب جماعي -فبراير 2008. 2 - الإصدار الأول حول الانتخابات كان بعنوان "الانتخابات التشريعية 2007 : اللعبة والرهانات" يناير 2008 وهو إصار جماعي. 3 - العدد المقبل من المجلة سيتناول الأحزاب السياسية. نظرا لتيسيره تشتت الأصوات على سبيل المثال لن يسمح نمط الاقتراع اللائحي النسبي المعتمد حاليا في المغرب بتشكيل أغلبية من حزب واحد او حتى من حزبين متحالفين4 5Thomas Wagner "Sous couvert de démocratie"