أصدر المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان مؤخرا، بلاغا حول مستجدات الثورة المصرية اعتبر فيه ما وقع انقلابا عسكريا على الديمقراطية، منددا به ومدينا له ومحذرا من عواقب ذلك على حريات وحقوق الشعب المصري. ليسمح لي الأخوات والاخوة في المكتب المركزي ببضع تساؤلات مرتجلة: - هل يستند البلاغ المذكور - والمستهجن من طرف قطاع عريض من الحقوقيين المغاربة-على أسس فكرية حقوقية واضحة؟ - هل ينسجم مع المبادئ الحقوقية المتعارف عليها ومع المواثيق والنصوص الدولية ذات الصلة ؟. - أين غاب حق الشعوب في تقرير مصيرها هذه المرة؟ خصوصا وأن الأمر يتعلق بشعب حقيقي يمتلك كل مقومات ومحددات مفهوم الشعب وليس مجرد «شعيب صحراوي» وهمي؟. - أين توارى مبدأ السيادة للشعب كأساس لكل شرعية دستورية وقانونية وسياسية ؟. - ألم ينتبه «الذي» أو الذين صاغوا البلاغ إلى أن المؤسسة العسكرية المصرية الوطنية لم تتحرك إلا استجابة لنداء الشرعية الثورية الشعبية ....ولم تتصرف إلا لصون وحماية حق الشعب المصري في تقرير مصيره واستجابة لأضخم مسيرات شهدتها الإنسانية حتى الآن؟ - ألم تأت حركة العسكر لتأكيد سيادة الشعب المصري وحقه في اختيار نظامه السياسي وحماية حقه- الشعب المصري -في حرية الرأي والتعبير عن رفضه للنظام الاخواني الذي أخل بمبدأ التعاقد الاجتماعي والسياسي مع الناخبين - تذكروا معي من فضلكم فلاسفة الانوار كأحد المنابع الاساسية لفكرة حقوق الانسان الذي أفرزته ثورة يناير والذي تنكر له الرئيس المزاح بسرعة قياسية ؟ - هل تناسى الاخوة والاخوات « قادة الجمعية « أن صون والذود عن حقوق الشعب المصري : في الحياة أولا ، تجنب الاقتتال والمجازر ، والمساواة والتعايش بين مختلف مكوناته ( مسلمين ،سنة، وشيعة وأقباط )وضمان حريات : التفكير والاعتقاد والرأي والتعبير والحق في الاختلاف وتكافؤ الفرص السياسية وضمان الحق في الامن والسلامة البدنية والشخصية، وهو ما قامت من اجله ثورة يناير اصلا (والتي لم يغب الجيش المصري عن الفعل فيها والتفاعل معها ) وانتخب الرئيس المعزول على أساس تحقيق ذلك . ألا يعتبر ذلك أسمى وأرفع من أي تصور سطحي وشكلاني للشرعية ؟ فما أدراك بالمشروعية الديمقراطية؟ ( لنرجع لاميل دوركهايم قليلا ). * هل يمكن اختزال الشرعية الديمقراطية والسياسية في مجرد أغلبية عددية أفرزتها الصناديق في ظروف معينة ومعروفة بإكراهاتها لدى الجميع (استعمال المال الخليجي والدين لتوجيه الناخب ، واضطرار القوى الوطنية الحية للاصطفاف والانضباط لمواجهة المرشح أحمد شفيق). * أولم تكن صناديق الاقتراع وسيلة لبلوغ ادولف هتلرا سدة الحكم في ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية؟؟؟؟ * هل يمكن غض النظر عن عمليةالاغتيال الممنهجنة لكل آليات الديمقراطية ورافعاتها وتمظهراتها خلال ولاية الرئيس « الشريعة» وليس الشرعي؟ * هل يمكن تقزيم الفكرة الديمقراطية -التي تبقى دوما نسبية بالطبع ؟ واختزالها في مجرد آليات وتقنيات وأرقام أم أنها أرحب من ذلك ؟ لتلامس مدى توفر فرص وامكانية الاعتراف بالآخر وبحقه في الوجود والتفكير، وقدرتنا وتصميمنا على الدفاع عن حقه في التعبير وحرية المعتقد واحترام آرائه وأن الامر يتعلق باحترام حقوق الاقليات وضمانها وأشراك الاقلية دوما في اتخاذ القرار وتنفيذه ....؟ - أخشى أن تكون الرؤية السائدة الآن داخل الاجهزة المركزية «للجمعية م ح إ» والمتمحورة حول اختزال الديمقراطية في الاغلبية العددية المحصلة عبر عدد البطائق الموزعة على ذوي القربى و»ابناء السبيل الجمعوي» وعلى تجييش الاهل والاحباب إبان الجموع العامة والمؤتمرات للتحكم في «أعز ما يطلب» أي الاجهزة التقريرية. - أخشى أن تكون هذه الرؤية قد تحكمت في أصحاب البلاغ وأدت الى اسقاط «تصورهم» للديمقراطية على ما «يقع الآن في بر مصر» وبحرها وفهم طبيعة مختلف المؤتمرات الاقليمية منها والدولية ؟ - أخشى أن تكون هذه النظرة هي المسؤولة عن تحول الجمعية المغربية لحقوق الانسان من مدرسة لتعلم ابجديات الديمقراطية والاستقلالية وتهجي حروف الاختلاف، واحترام الرأي الاخر والتربية على اعتناق والدفاع عن حقوق الانسان الى مجرد دكان وملحقة حزبية لا يمكنها الاستمرار إلا عبر إقصاء باقي المكونات والطروحات الحقوقية تدريجيا ومنهجيا. - لنتذكر ما جرى منذ منتصف التسعينات : - إقصاء تدريجي للمستقلين سياسيا تم المنتسبين للحركة من اجل الديمقراطية ثم الطليعة ثم جزء مهم من شباب 20 فبراير والبقية تأتي( ان كانت هناك بقية) ليتم إفراغ الجمعية من أطرها الحقوقية. وكل ذلك لا يمكن اخفاؤه بإذكاء التعصب للرأي الواحد وتنمية عقلية القطيع « العقوقي» وانصياع المريدين للشيخ العارف بكل شيء ولا حتى بالتبجح والاختباء وراء أعداد المنخرطات والمنخرطين وأعداد الفروع التي لا تسري الحياة في اوصال أغلبها إلا أثناء الجموع العامة الانتخابية وقبيل المؤتمرات الوطنية . - أخشى أن يؤدي ذلك إلى تحول الجمعية م ح إ إلى رهينة للمصالح الخاصة التافهة وهيكل متضخم لكنه أجوف، يقتصر وجوده في عالم افتراضي عبر إصدار مثل هذه البلاغات وعبر التغطية الإعلامية لبعض الوقفات الرمزية التي تتخللها بعض المناوشات مع الأجهزة الامنية، وكذا تبني مواقف «صادمة» في نظر أصحابها فقط ومطلوبة من طرف المانحين والممولين. - أيتها الرفيقات والرفاق لنا كل الحقوق في أن نختلف مع بعض مواقف النظام المغربي الخارجية، لكن ليس عبر ردود الأفعال المتسرعة ولا عبر بوابة مصر بالطبع . للدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في مصر لابد من فهمها وهضمها وتمثلها وذلك بممارستها داخل الجمعية واجهزتها . - قد يكون ما وقع في مصر «انقلابا» على الرئيس: - الإمبراطور، الخليفة، ظل الله في الأرض....استجابة للشرعية والمشروعية الشعبية، لكنه حتما ليس انقلابا على الديمقراطية إلا إذا اعتبرنا أن التلاقي في المواقف والتنسيق وربما التحالف أحيانا مع جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية والسلفيين الجهاديين: اطار حركة 20فبراير، النقابة الوطنية للتعليم العالي ، المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف مثلا. أقول إلا إذا اعتبرنا أن هذا الفهم وهذه الممارسات تخدم قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلادنا وفي مصر وباقي انحاء المعمور ... !عبر فروع الجمعية في الخارج ... !طبعا . أظن أن ما حدث ويحدث في مصر إذا ما تم احترام خطة الطريق المطروحة في أفق التعقيد الدستوري والسياسي الديمقراطي السليم للمرحلة، سيعطي فرصة ثانية لسيرورة ثورية ذات عمق شعبي ونفس تقدمي كفيلة بتأسيس وترسيخ ديمقراطية حقيقية ذات نكهة مصرية . أرجوكم..... دعوا الشعب المصري يتدبر شؤونه، فقد أثبت عبر التاريخ أنه وبقيادة قواه الحية كفيل بنفسه وبرسم مستقبله. ولنلتفت لأنفسنا ولنقم بمراجعة عميقة وشاملة لذواتنا قبل كل شيء. اتهم أجد جلادي سوموزا الأب الكاهن روميرو -شهيد ماناغوا وأحد رموز لاهوت التحرير في امريكا اللاتينية -بأنه متطرف فأجابه روميرو قائلا «انا لست متطرفا ....أنا متجذر أما التطرف فهو بداية السقوط»