{ كيف يقارب الشباب والبالغون الحب؟ يطرح الشباب كثيرا من الأسئلة حول حالة الحب والجنس. الذين قابلتهم خلال مناقشات في المؤسسات التعليمية كانوا يطرحون أسئلة مرتبطة مباشرة بجيلهم. أسئلة بسيطة وتلقائية: «هل يوجد الحب لدى المراهقين؟»... «الحب كشعور والحب كممارسة، هل يمكن أن يوجد الواحد دون الآخر؟»... «هل يمكن نصب متاريس في وجه مشاعرنا؟»... هل الحب موجود بالفعل أم أنه مجرد وهم؟»... «الأمور المحظورة دينيا تجذب المغاربة، لماذا؟»... حالة الحب حالة تستنفر الرغبة وتمنح الشعور بالاكتمال، بل وأحيانا بامتلاك قوة مطلقة. يفقد كل شيء أهميته معها، وخاصة إحباطات الحياة اليومية. وتختلف التصرفات إزاءها حسب الأوساط الاجتماعية، فالبعض يكشفون عن مشاعرهم, بينما يحجبها آخرون بسبب الكبرياء أو الحشمة أو المحظورات. يمكن إعلان الحب بافتخار وتألق، وهو الحال عند الشباب. لكنه يمكن أن يكون الحب مخزيا، وهي الحالة لدى الأقل سنا، خاصة حين يجسد اعترافا بضعف ما. هناك عدة عوامل تجعل اللقاء ممكنا، تعززها أو تقف في وجهها. إن المجتمع التقليدي المغربي لا يسمح، عموما، للشباب بالتعبير عن مشاعرهم خارج مؤسسة الزواج. وهذا أحد مكونات الطابوهات الاجتماعية والمحظورات الدينية. ويجب أن نشير، في هذا الإطار، إلى أن المواضعات والتقاليد والتزمت والنفاق الاجتماعيين عادة ما تبرر بالدين. { ما الدور الذي يلعبه الدين في هذا المجال؟ يمكن للمحظورات الدينية أن تقمع الرغبات، لكنه ليس بإمكانها القضاء عليها. عادة ما يرتبط الحب لدى المراهقين بالحب الأول. وحتى حين يحصل الحب الأول أيام الطفولة، فإن الحب لدى المراهق مرتبط بالإثارة الجنسية. ثمة أفكار وأحاسيس تهيمن على الجسد والفكر لديه. المراهق يحلم بتحقق حبه، حتى حين يعجز عن التعبير عليه. الأوهام من ميزات المراهق الذي يشيد محيطه انطلاقا من خياله. وحين يتساءل عن النسبة التي تمثلها الأوهام، فإنه يكون قد بلغ سن البلوغ. البعد عن الكائن المحبوب يولد شعورا مؤلما بالفقدان. وحين يعجز المحبوب عن تلبية الاكتمال المنتظر والمأمول، فإن الانفصال يؤدي إلى العنف إزاء من كنا جد مرتبطين به. حينها، يمكن الشروع في البحث عن موضوع آخر للحب. { ما العلاقة بين المثلية الجنسية والطفولة؟ لمقاربة هذا الموضوع، أود أن أقول أولا إن الهوية الجنسية لا تتأسس على جسد الإنسان فحسب، ولكن أيضا على رغبته في أن يكون ذكرا أو أنثى. ومنذ الطفولة، يمكننا ملاحظة أن الفتيان أو الفتيات ينجذبون إلى أصدقاء من نفس جنسهم، أن فتيانا يحبون المشاركة في أنشطة نسائية، وأن فتيات تتصرفن مثل الذكور. إن هذه المعطيات تخضع للسياق وتتغير حسب المرحلة التاريخية والوسط والثقافة. لا يمكننا الحديث عن مثلية جنسية خلال مرحلة الطفولة، ولكن عن ازدواجية جنسية لا واعية. عقب المرحلة الأوديبية، وهم في مواجهة والديهم، يظل بعض الصغار متعلقين بالأب أو بالأم، ويعجزون عن تغيير موضوع حبهم الأول. ولذا، نجدهم يحولون هذا الحب نحو شخص من ذات الجنس. إن مسألة المثلية الجنسية لا تقتصر على هذا التفسير، فثمة أشكال متعددة من المثلية الجنسية، مثلما ثمة أشكال متعددة من الجنس حسب الطريقة التي تتهيكل بها الهوية الجنسية وطبيعة الفرد. { ما هي الأسباب التي تؤدي إلى رفض المثلية الجنسية؟ المثلية الجنسية مرتبطة بالسياق الثقافي. وقد وفرت شروط تنظيم اجتماعي جد متطور لدى اليونان والرومان. وقد كانت لها مكانتها في المجتمع ضمن التقاليد العربية- الإسلامية، كما أن كبار الشعراء، من قبيل أبو نواس، تغنوا بها. إن المعايير الاجتماعية تتغير من مرحلة تاريخية إلى أخرى ومن بلد إلى آخر. وفي المغرب، كانت المثلية الجنسية، وخاصة مضاجعة الغلمان، تمارس وتمتدح سرا. كما ظلت منتشرة بين المراهقين الذكور في المرحلة التي كان خلالها العنصر النسائي غائبا عن الحقل الاجتماعي المرئي. والمثلية اليوم موضوع لنقاشات دينية ومجتمعية. وهي تتعرض للرفض أكثر مما تتعرض له الممارسة الجنسية بين الجنسين خارج مؤسسة الزواج، ذلك أنها مرفوضة من طرف جل الديانات. وحين تقارب المثلية كانحراف، فإنها تكون كذلك بالمقارنة مع ممارسة الجنس بين رجل وامرأة التي تشكل المعيار. يمكن تفسير رفض مؤسسة الزواج المثلي بكبث النزوعات المثلية الكامنة في كل إنسان، كما يمكن أن نفسره بالخوف من تهشيم الخلية الأسرية التقليدية. من اللازم عدم الخلط بين مفهوم كراهية المثلية الجنسية في أغلبية المجتمعات الغربية، وبين مفهوم قمعها في مناطق أخرى من العالم، بل واضطهادها. في دول المغرب العربي، النقاش مفتوح بشكل غير رسمي. وهو كذلك في المغرب بفعل أحداث متفرقة وكتاب مثل عبد الله الطايع لم يترددوا في الإعلان عن مثليتهم والمطالبة بحقهم في ذلك. هنا أيضا، يستبق الأدب النقاشات المجتمعية ويدمج مسألة المثلية الجنسية ضمن الجدل حول الحريات ومواجهة الطابوهات. { هل تعتبر المثلية الجنسية حالة مرضية من وجهة نظر المحلل والطبيب النفسي ؟ كانت المثلية تصنف ضمن الانحرافات الجنسية في الماضي, لكنها لم تعد كذلك اليوم في الكثير من الدول الغربية. لقد غير الأطباء النفسانيون تصنيفاتهم وراجع المحللون النفسيون النظريات الكلاسيكية، وذلك بهدف أن تأخذ أبحاثهم منحى دراسة الأشكال الجديدة للجنس. المنحرف هو من يستغل شريكا غير موافق على العملية، ولا يعامله كموضوع بل كشيء، مثلما هو الحال في استغلال الأطفال جنسيا أو الاغتصاب. وينطبق لفظ «الانحراف الجنسي» خاصة على الأوضاع حيث تلغى لذة الآخر. وفي العديد من البلدان، تعتبر المثلية اليوم شكلا من أشكال الممارسة الجنسية، نزوعا طبيعيا إلى الميل نحو فرد من ذات الجنس، كما أنه تتم المطالبة بإمكانية عقد زيجات مثلية. لكن هذه المجتمعات ليست خالية من أنماط متعددة من التمييز تؤدي أحيانا إلى العنف. التمييز ضد النساء، التمييز ضد المثليين، التمييز العنصري... ومن المحتمل أن سبب الرفض العنيف للمثلي الجنسية يكمن في الخلط بينها وبين ممارسة الجنس ضد القاصرين. سأشير، في الأخير، إلى وجود علاقة بين الهوية الجنسية والقدرة على الابتكار. فكما أوضحت ذلك جوي سماك دوغال، وهي طبيبة سريرية كبيرة، فإن فهم مسلسل القدرة على الابتكار يتطلب من المرء أن يكون رجلا وامرأة، أن يتحمل من يكون وكل ما يمتلكه. الابتكار يتم عبر الأعضاء الذكورية والأعضاء النسائية لكل إنسان. (...) { ما هو تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية والدينية في مجال الحب؟ تلعب هذه العوامل دورا كبيرا. إن الشفر والطقوس تتغير من مجتمع إلى آخر ومن حقبة إلى أخرى. يمكن أن يتم حظر الأسئلة المتعلقة بالحب والجنس في بعض السياقات، بينما تكون مباحة في سياقات أخرى، بل إنه قد يتم إضفاء قيمة كبرى عليها أو توظيفها. في بعض المناطق من العالم، تهيمن الحقول الاجتماعية والسياسية والقانونية، أما في مناطق أخرى، ومنها منطقتنا، فإن الهيمنة تؤول للعنصر الديني. هناك منطقان داخل النص القرآني: الحرام والحلال. هذا الأخير يشجع على ممارسة الجنس على عكس المسيحية. من لم يلاحظ الجانب الاستيهامي والعجائبي لجنة المسلمين؟ جنة مخصصة أولا للرجل الذي سيحظى فيها بعشرات الحوريات العذراوات. وللإشارة، فإن الآيات القرآنية حول الجنة موضوع تأويل من طرف باحثين يعتقدون في ضرورة إخضاع النص للتحليل الأنثروبولوجي والتاريخي واللساني. الحقل الديني رهين بالسياق الثقافي والسياسي للبلد حيث يسود. ويمكن للمجتمع أن يتقبل بعض الممارسات المحظورة دينيا، كما بإمكانه أن يسن القوانين اعتمادا على الدين. وفي هذا المجال، تظل جميع التدرجات والتجاوزات محتملة حسب الوسط والسن والعلاقة مع التقاليد والتماهيات الجديدة. ومعلوم أن الدين لم يشكل الوسيلة الوحيدة لضبط الممارسة الجنسية النسائية. { إذن، ما هي التفسيرات المقدمة من زاوية نظر علم النفس؟ الجنس وتصوراته تختلف بين الفضاء الخصوصي والفضاء العمومي. المحظورات (والإسراف فيها) تكشف عن التخوفات المكبوتة للرجل إزاء المرأة. لقد حاولت جميع المجتمعات تقريبا تنظيم الممارسة الجنسية النسائية، وهدف جميع المعايير الجنسية هو إلغاء حق المرأة في اللذة الجنسية وذروة الجماع. لقد وصف فرويد الخوف من النساء وطابو العذرية على أساس أنهما إفرازات حضارية وليست وليدة ثقافة بعينها. والعنف الممارس ضد النساء أمر معترف به كمعطى كوني لا يخلو منه أي مجتمع. هكذا، فإن التأكيد الزائد على حده على الرجولة يمكنه أن يحجب إلغاء الثنائية الجنسية النفسية. أجل، ففي لا وعي الرجل، مثلما في لا وعي المرأة، هناك مكون ذكوري ومكون أنثوي. وعلى مستوى الوعي، فإن هيمنة أحد المكونين يؤدي إلى مسلك الممارسة مع الجنس الآخر أو المثلية الجنسية أو الازدواجية الجنسية. ومع ذلك، وفي بعض الثقافات، تكون بعض المواقف مدعومة بنوع من التسامح الثقافي. وهي حالة مكانة الرجل عندنا الذي تعطاه قيمة لأنه رجل، لأنه يعتبر الأقوى. كما تعطى القيمة لممارسته الجنسية حتى حين تتم خارج الزواج. أما إذا مارست امرأة الجنس خارج الزواج، فإنها تعتبر طائشة أو خائنة بل خطيرة... ليس بمقدرة أي مجتمع من المجتمعات أن يقف في وجه الإحساس بالحب، لكن الإعلان عنه يمكن أن يكون علنيا أو يظل سريا، وذلك حسب المحظورات المفروضة من طرف المحيط. وحين تكون المحظورات جد قوية، فإنه يمكن أن تقود العلاقة في اتجاه الكذب والسلوكات المنحرفة، تارة عبر اللجوء إلى كل ما هو متاح لحجب العلاقة، وتارة عبر الالتفاف على المحظورات بواسطة الخيانات واللذة المسروقة... وبفعل التطور الذي يعيشه المجتمع المغربي، فإننا نلاحظ أن الأفراد شرعوا في عيش علاقات حبهم بشكل علني. وقد ساهمت الأغاني والأفلام كثيرا في هذا التحول. هذا المنظر يؤكد بالملموس أن جلسة الأسئلة الشفوية عندنا ومن دون الدخول في حديث عقيم حول كيفية استغلالها من طرف بعض السادة النواب والمستشارين، والذين يطرحون أسئلة أقل مايمكن أن يقال عنها إنها فارغة من كل محتوى، اللهم رغبة طارح السؤال في الظهور على شاشة التلفاز إن كانت الجلسة تبث مباشرة على الهواء، أو الوفاء بوعد قدمه لشخص ما أو مجموعة ما بطرح الموضوع على سيادة الوزير! سأتحدث هنا عن أجوبة بعض السادة الوزراء، الأجوبة التي لاتخرج عن إطار »المناورة« أحيانا كثيرة من دون ملامسة عمق المشكل المضمن في السؤال، ولسان حال الوزير يقول لطارح السؤال » فوتني عليك، سولتيني وبنتي في التلفزة كاتهضر، راني جاوبتك باللي كاين إيوا طلق مني.. «! هنا يتدخل المعني بالسؤال والذي قد يكون فردا أو مجموعة أفراد أو جماعة أو حتى ساكنة مدينة بأكملها وليس لهم حق التعقيب، فيقولون مخاطبين السيد الوزير، »الجواب خطأ.. «! ترى لماذا أخطأ السيد الوزير الإجابة؟ ألكونه لم يراجع ما دونه له مستشاروه من كلام اعتبروه إجابة عن السؤال؟ لاأظن ذلك، فسيادة الوزير يمسك بورقة صيغ فيها الجواب وهو يقوم فقط بتلاوتها أحيانا كثيرة، إذن السيد الوزير استظهر ما كتب له، جميل، فلماذا أخطأ إذن ؟ بكل بساطة لأن من صاغ له الجواب تعمد عن قصد أو غير قصد أن يخطئ الوزير، وهنا ندلي بالمسار الذي يقطعه جواب السيد الوزير منذ لحظة طرح السؤال. إذا كان السؤال يهم قطاعا ما في إحدى المصالح التابعة لوزارته في مدينة ما، فتتم العملية على الشكل التالي: يتسلم مكتب السيد الوزير السؤال، ترسل نسخة منه إلى المصلحة المختصة بالوزارة، والتي تحيل نسخة منه بدورها على المديرية المعنية بموضوع السؤال والتي تتصل برئيس المصلحة وتطلب منه إيضاحات في شأن السؤال، وفي حالات كثيرة ترسل له هو أيضا نسخة من السؤال، هنا بيت القصيد، فالسؤال أصلا يتناول موضوعا، رئيس هذه المصلحة هو الذي تسبب فيه وبطبيعة الحال، فإن رئيس المصلحة سيجيب بما يبرئ ذمته، وهنا سيكون الوزير بجوابه هذا فقط ناطقا رسميا باسم رئيس تلك المصلحة المعنية بالسؤال.. يدافع عنه وفي أقصى الحالات يعد بمتابعة الأمر ، وهو مالايتم في حالات كثيرة، ولكم في أرشيف الأسئلة الكتابية والشفوية بالمجلسين دليل على قولي هذا. الغريب في الأمر أن حتى التعقيب على جواب السيد الوزير يكون في أحيان كثيرة مرقونا لدى طارح السؤال وكأنه كان يدرك مسبقا طبيعة الرد! البعض يعتبر بأن دوره انتهى هنا، فالنائب المحترم برأ ذمته بطرحه للسؤال، والسيد الوزير قام بما طلب منه بإجابته عنه. لايهم إن كان الجواب صحيحا أم خطأ والمواطنون المعنيون بموضوع السؤال يتحسرون وهم يتابعون وقائع جلسة الأسئلة الشفهية ولسان حالهم يقول »راهم كايضحكو علينا.. « ! فهل سيقطع الدستور الجديد مع مثل هذه الممارسات ؟ سؤال يبقى معلقا إلى حين.. { هل يمكننا الحديث عن علاقات حب من صنف جديد؟ يعرف المغرب تحولات كثيرة، مرتبطة بالشباب الذي يشكل أغلبية سكان البلاد. وهذا الشباب يخلخل الطابوهات ويغير القيم. كما أن الشاب لا يعير كثير اهتمام للمحظورات الاجتماعية ويسعى عادة إلى تجاوزها. وعبر التحديات التي يواجه بها الشاب الأسرة والمجتمع، فهو يستطيع تغيير البنية العائلية ومنح وجه جديد للمجتمع. إن الشباب يشيرون إلى المستقبل، وهم يخففون من حدة التمايزات السوسيو-ثقافية، كما أنهم يتقاسمون نفس القيم مع أبناء جيلهم أكثر مما يتقاسمونها مع أوساطهم الاجتماعية. { هذا الشباب الطامح إلى التغيير، ألا يجد نفسه في مواجهة فئات أخرى من الساكنة تتشبث، من جانبها، بقيم منتمية للماضي؟ هذه الشبيبة تطرح عدة تحديات لأنها متشبعة بالتغيير. لكن هذا التحدي قد يولد، إذا كان معبرا عنه بمغالاة ردود فعل منغلقة ورافضة لكل ما يمت للحداثة بصلة. وهو ما ينتج عنه مواقف نكوصية، تحن إلى الماضي وتعكس التخوف من افتقاد المرجعيات التقليدية. ومن جهة أخرى، فإننا نلاحظ وجود شباب يصبحون بأنفسهم حاملين لمواقف محافظة تدعو إلى الانغلاق، والإقصاء وعدم الاختلاط بين الجنسين، وهم بهذا يدفعون بالنموذج الأخلاقي الذي تشبعوا به ونشروه إلى أقصى مداه. وهكذا، فهم يتحولون إلى حملة محظورات أكثر قوة من التي اكتسبوها من آبائهم. { ما هي المحظورات التي تواجه علاقات الحب؟ المحظورات متعددة. هناك أولا نظرة الآخرين، نظرة شخص بعينه أو مجموعة ما. وتحمل هذه النظرة أحكاما أخلاقية: التوبيخ، العقوبات... يمكن لهذه النظرة أن تأتي من الجيل القديم المتوجس من التحولات التي تعرفها العادات. كما يمكنها أن تنبعث من مجرد غيورين، وهو ما يترجم مظاهر الحسد والتنافس السائدة لدينا. ومن اللازم، عند هذا الحد، الفصل بين الأحكام المفبركة التي تتعرض لها كل علاقة، وبين الأحكام المشروعة المتعلقة بالمس بالأخلاق وبالانحرافات التي تكون بين فئات السكان والأعمار معرضة لها. هناك أيضا المحظورات الاجتماعية، ومن بينها إمساك ذراع الجنس الآخر في الشارع العام دون التوفر على عقد زواج. وعادة ما توظف المحظورات الاجتماعية، بدون ترتيب، الاتهامات الشخصية والقوانين الوضعية والتعليمات الدينية. إن العلاقة الجنسية خارج الزواج محظورة دينيا. وهو حظر نتجت عنه نقاشات واسعة خلال إصلاح مدونة الأسرة. وبسبب هذا التحريم، كان مسموحا بالزواج المبكر للفتيات وهن في الخامسة عشرة من العمر. ومن بين أهم مكتسبات الحركة النسائية رفع سن الزواج إلى 18 سنة، وهو ما لا يتنافى مع المذهب المالكي. يفرض الدين العديد من المحظورات والسلوكات الجنسية المفروض على الرجل والمرأة الامتثال لها. وإذا كانت تعاليمه تشجع الممارسة الجنسية، فإنها تختلف حسب الجنس المقصود، وعامة ما تكون لصالح الذكور. وإلى جانب المحظورات الاجتماعية والدينية، نجد المحظورات العائلية النابعة من الوالدين أو الإخوان والأخوات، ويرتكز هذا الصنف من المحظورات على التربية، والتقاليد، والدين ونظرة المجتمع. وهي ممنوعات تهم الخروج من البيت، وخاصة بالنسبة للفتيات، مثلما تهم الصداقات وتفرض الرقابة المستمرة عليها. وتؤدي هذه المحظورات إلى التأنيب والعقوبات، وأحيانا إلى العنف حين لا تحترم التعليمات. وهي تؤثر على العلاقة بين الجنسين، علما أن المعاقِبين ضحايا في نفس الآن للمحظورات التي يفرضونها. ومن ثمة، فكيف يمكن للرجال أن يتمتعوا بحياتهم الجنسية إذا كانت كمية كبيرة من المحظورات مفروضة على النساء؟ ليست المحظورات مطبقة بصرامة، بل إنه يتم خرقها على جميع المستويات السالفة. القانون لا يطبق في حالة «الخروقات البسيطة»، كما أن العائلات تتسامح أو تغض الطرف أحيانا بسبب الحشمة وتلافيا للفضيحة. وفي كثير من الحالات، يحدث تواطؤ بين الفتاة وأمها بهدف حجب الوقائع عن الوالد، بل وعن الإخوان أيضا الذين يكونون أحيانا أكثر قمعا من الأبوين. لكن العشاق يجدون دائما الحل للقاء، فالشباب يزعزعون المحظورات عبر الالتفاف عليها أو الغواية أو التشويش على المواضعات. { لماذا يولد الحب، حين يصبح مفرطا، العنف والعدوانية والتدمير؟ الحب المفرط مثله مثل الإدمان. في سياقه، يصبح الكائن المحبوب معبودا، متملقا له ومنتظرا له بلهف. يعاني بعض الأفراد من نقص عاطفي كبير، كثيرا ما تعود جذوره إلى مرحلة الطفولة. وحين يلتقون بالطرف الآخر الذين يعتبرونه مثاليا، فإن هذا الأخير يعوض هذا الخصاص، ليصبح من اللازم عليه، منذ ذاك، الحضور الدائم ويتحول إلى شيء في ملكية المحب. يفرط هذا الأخير، سواء كان ذكرا أو أنثى، في حماية المحبوب ويعامله بسوء، يصبح ارتباطه به دائما كما هو حال المدمنين فيحرمه من حريته. وفي كثير من الأحيان، لا يكون الفراق ممكنا إلا عبر التمزق، ذلك أن العلاقة تصل إلى حد الانصهار. من الممكن أيضا أن يكون المحبوب مصدر الشغف ويقوم بكل ما يستطيعه لبلوغ هذا الهدف، تلبية لحاجته في أن يرتبط به المحب بقوة حتى يصبح هذا الارتباط حاجزا أمام أية علاقة أخرى. وهذا مختلف عن حالة الحب، حيث الحاجة إلى حضور الآخر متبادلة. إن العنف والعدوانية مرتبطان بلعبة غرائز الحياة وغرائز الموت في إطار الحب المفرط. وهذا ينجلي، على سبيل المثال، في حالة الرجل الذي يصبح عدوانيا ضد من أحبها، فحين تستجيب المرأة لحبه، فإنه يتباهى بنرجسيته ورجولته، أما حين ترفضه، فإن غرائزه المدمرة هي التي تطفو على السطح على غرار ما يحدث للمحارب الذي تزداد عدوانيته لما يخسر المعركة؛ علما أن هذين المنحيين موجودين معا في أعماق كل واحد منا. أما في الحالات المندمجة اجتماعيا، فإن الحب يكون هو المنتصر لأنه يروض الغرائز الأخرى. { هل هناك خصوصيات للمجتمع المغربي في المجال الجنسي؟ وما علاقة هذا الأخير مع الحياة النفسية واضطراباتها؟ علاقة المجتمع المغربي مع الحياة الجنسية علاقة معقدة، إذ رغم ما تحظى به هذه الأخيرة من قيمة، فهي تظل مخزية وسرية ومكبوتة. إن التناقضات تبلغ حدها الأقصى حين يتعلق الأمر بالاختلاف بين الجنسين، علما أن بصمة الأبيسية والدين جلية. لا يزال مجتمعنا موسوما بسيطرة الذكور الذين يضطلعون بدور اجتماعي أهم، بينما اختزلت النساء، منذ قرون، في دور الإنجاب، وتلبية رغبة الرجل، والأشغال المنزلية وتربية الأطفال في البيت. وهذا لا يعني أنهن كن دائما بلا ملامح ولا وجود، فهن، رغم عدم مغادرتهن المنزل، كن يلعبن دورا أساسيا في قرارات الزوج والأسرة. لا يمكن مقاربة القضية الجنسية من زاوية الأعضاء التناسلية بمفردها، فالإنسان جسد وفكر، ولذا، فالتوازن الجنسي يهم أيضا توازن الجسد والفكر. يحظر الدين الممارسة الجنسية قبل الزواج، ورغم ذلك، يقضي الشباب العزب يومهم بأكمله بحثا عن لذة عابرة أو دائمة. فكيف يستطيعون الوصول إلى التوازن المعنوي والجسدي في ظل خضوعهم الدائم للإحباط؟ إن عدم المساواة بين الجنسين تنجلي في هذا المحظور أيضا، والمرأة التي مارست الجنس قبل الزواج تخضع للإقصاء من الزواج في بعض الأوساط، إلا إذا حجبت فقدانها للعذرية أو رممت ذلك. يحدث كثيرا أن يسعى الرجل إلى تلبية لذته الجنسية دون أدنى علاقة عاطفية. وحين يحصل، في هذه الحالة، عجز جنسي، فإن الأمر يؤشر على رفض الجسد لهذا الصنف من العلاقات، فرغم أن الرغبة تظل قائمة في نفسية الفرد، فإنه يشعر بكبت كبير قبل الممارسة الجنسية. وطالما استعمل علاجات طبية أو فيزيولوجية تتوجه للجسد وتلغي النفسية، فإن سعيه لن يفيد في العلاج. ذلك أن سبب عجزه الجنسي لا يكمن في النقص في الرغبة لديه، بل في صراع نفسي لا يمكن معالجته إلا من طرف التحليل النفسي. إن نصائح الأطباء الاختصاصيين في العلاج الجنسي والأدوية غير كافية، ونحن نصادف مثل هذه الحالات باستمرار. لا يجب مقاربة الحياة الجنسية من زاوية العلاقات الجنسية فحسب، ذلك أن الجنس هو العلاقة بالآخر. { أين تنجلي التناقضات بين ما هو محرم دينيا والآثار الراهنة للإنترنيت ووسائط الاتصال؟ أنجزت دراسات علمية محكمة من طرف رحمة بورقية، ومحمد العيادي، ومحمد الهراس وحسن رشيق، حول الشباب والقيم وحول الممارسة اليومية للتدين. وقد أكدت أن الواقع الجنسي ومعيش الشباب بعيدان عن التعاليم الدينية. ثمة تناقض بين الواقع والتربية. أما بالنسبة لوسائل الاتصال الحديثة، الصور والأفلام واستعمال الإنترنيت، فإن آثارها معقدة. لقد شرعت بكل تأكيد أبواب المبادلات وسمحت بالالتفاف على المحظورات العائلية والاجتماعية. بإمكان الشباب ربط علاقات جديدة، افتراضية في أول الأمر، ثم المضي نحو اللقاء المادي الذي قد يكون مآله الفشل أو النجاح. وبإمكانهم، وهم في منزل الأسرة، التواصل طوال ساعات مع قرنائهم، مشاركتهم الرغبات وتبادل الأفكار معهم، مما يؤدي إلى اعتماد مشاريع مشتركة تكون نتيجتها أحيانا لقاءات فعلية، أو دفع المستعملين إلى الانغلاق داخل مشاريع خيالية تجعلهم منسلخين عن الواقع. ويحذق هذا الخطر الأخير أكثر بالشباب، نظرا لأن حريتهم مسلوبة من جهة، ولمعاناتهم من الكبت الذاتي، والعقد الجسدية أو الفكرية، ولغياب الثقة في النفس من جهة أخرى. في مواجهة حوافز الإدمان على الاستهلاك، بما فيها تلك المتعلقة بالممارسة الجنسية، يعجز الأفراد على المكوث سجناء للتقاليد. لذا، فأغلبيتهم تخرقها، رغم الشعور بالذنب. ويسعى آخرون إلى العودة للتقاليد المنتمية لأزمنة بعيدة أو قريبة، تلك التقاليد التي تُعمل المكبوتات والحنين للماضي. أما الذين ينجحون في هذا المضمار، فهم أولئك الذين يستطيعون تجاوز ازدواجية التقليد/ المعاصرة عبر الإيمان بأن هويتهم تتكون من عدة مصادر وأنه لا شيء يمنعها من الانفتاح على تأثيرات أخرى. { انطلاقا من تجربتك، كيف يمكن كشف الصراعات؟ ما أهمها هنا في المغرب، تلك التي تفرض نفسها على الفرد؟ أهم الصراعات ترتبط بالهوية. يمكن لعدم التطابق بين الوسط العائلي والوسط الخارجي أن يكون كبيرا، مما يجبر الفرد على الاختيار بين الانفتاح (الحرية في التعبير عن الرأي والتصرف وفق إرادته وانتظاراته) وبين الانغلاق عبر اللجوء إلى مواقف متصلبة، منفصمة عن المعيش الراهن وعن مستلزمات الحداثة. الآباء والأبناء معرضون جميعهم لهذا الانفصام، وكذلك بعض الأزواج وعدد من الأشخاص المنفصلين عن مجموعات انتمائهم. الهروب إلى الأمام، عبر استعارة هوية مزيفة، أمر وارد أيضا. وفي هذه الحالة، فالشخص الرافض للقواعد الأخلاقية، عن طريق خرق الممنوعات والاستفزاز المستمر، يكون معرضا لأوضاع ملؤها التحدي، أوضاع قد تؤدي به إما إلى النجاح المغالي، وإما إلى الانكماش المرَضي داخل طقوس وعادات جامدة، ورهاب يرافقه الحد من الخروج إلى العالم الخارجي. ويمكن أن تنتج عن المفارقات، في أوساط الشباب، اضطرابات خطيرة للشخصية. { إن هذين الوضعين المغاليين موجودان في الواقع. وهو أمر ملحوظ بشكل أكبر لدى الشابات. هل تساهم الأسرة والمدرسة والتربية في هذا؟ منحى تقمص هذه الهويات المتعددة أمر طبيعي لدى الشباب. لكن الظروف العائلية والتربوية والدينية يمكن أن تخلق لديهم مكبوتات يمكن وسمها ب»الانتقائية»،ذلك أنه يتم قبول بعض السلوكات ورفض أخرى. ويمكن لهذا الرفض أن يكون شاملا، مع صد الطرف عن التقاليد برمتها أو عن كل ما يمت للعالم المعاصر بصلة. هذه بالطبع حالات سمتها المغالاة. (...) { هل يلعب المال دورا في هيكلة الفرد؟ تسمح النقود بتنظيم المبادلات وأداء الديون، واستعمالها وسيلة للحفاظ على الفروق الضرورية بين الأفراد. بعد قيامها مقام مقايضة المجتمعات القديمة، أصبحت النقود تمثل جزء الإنسان الموهوب مقابل خدمة أو سلعة... إن تقدير القيمة التبادلية للنقود، لكي تكون العملية التجارية عادلة، مؤشر على الأهمية التي يكتسيها المال كمقابل للخيرات، كهبة او التزام من قبل الأفراد. إن اقتناء سلعة بثمن يعتبر باهظا أمر يستفيد منه طرف على حساب الطرف الثاني، وسيشعر الأول بأنه كسب والثاني بأنه ظلم. أما البيع والشراء في إطار «التخفيضات» فهو اتفاق مضمر بين الأطراف، كما أن القضاء قد يتدخل للفصل في بعض القضايا. كل هذه الأمثلة أدلة على أهمية المال في إطار الاقتصاد الداخلي، الاقتصاد النفسي للأفراد. إنه يمثل المقابل الذي يتخلى عنه الإنسان مقابل فعل أو منفعة. ومن ثمة، فهو يمثل جهدا، هبة للذات يتم كسبها بواسطة القيام بعمل أو تضحية. بالطبع، الحكم هذا لا ينطبق على ربح المال بدون أداء مجهود أو كسبه عن طريق الإرث، فحينها لا تبقى قيمته نفسها. وهو ما يعني أن المال مرتبط جدا بالعوامل النفسية وباستثمار الفرد له. (...) { كيف تتمظهر إشكاليتا المال والجنس لدى الذين تعالجهم؟ خلال ممارستي المهنية مع المعالَجين، يتمظهر المال لدى الآباء منهم على شكل استثمار من طرفهم لأداء دين، للحصول على أكبر قدر ممكن من الحرية. يكشف المعالًجون، وهم يتناولون تاريخهم الفردي، أن الحب الحقيقي لا يهدف إلى نيل مقابل مالي، وأن بعضهم يمنح دون حساب. لكنه، وفي أحيان عديدة، يتحول المال، حين يمنح كهدية، إلى فعل يخلق دينا وارتباطا. الهدية تلزم من يعطيها، كما تلزم من ينالها ويقبلها. وبهذا، فالمال يربط بين المشاركين في العملية بتبعية مشتركة تتجاوز الحدود المادية. غير أن الأمر جد مختلف حين تتعلق الهبة المالية بالرغبة الجنسية وليس بالحب. حينها، يصبح المال في علاقة مع الجسد، يفقد سمته كهبة أو اقتسام، ويصير المقابل المالي للاقتناء، لملكية ولبضاعة. ومع ذلك، لا يمكن اختزال الكائن البشري في هذا البعد بمفرده. إن المال، بالفعل، انعكاس للطريقة التي يدبر بها الأفراد حياتهم، عن طريق صرف الأموال أو توفيرها، عن طريق النجاح أو تعريض أيامهم للخطر. إن هذه العوامل برمتها تبرز ما يندرج في إطار المسؤولية الفردية.