قدمت جمعية عدالة يوم الجمعة الماضي بالرباط دراستها الجديدة تحت عنوان : «الولوج إلى العدالة والمحاكمة العادلة» . وارتكزت الدراسة حول جزئين، انصب الاول حول أهم الاشكالات القانونية والمؤسساتية وانعكاسها على الواقع . فيما انكب المحور الثاني على خلاصات بحث ميداني استهدف معرفة آراء وتمثلات المتقاضين لبعض فاعلي العدالة، وإكراهات الولوج إليها، والمساعدة القضائية وشروط المحاكمة العادلة كما يراها المتقاضي . ترأس تقديم الدراسة الاستاذ محمد بوزلافة الحقوقي والاستاذ الجامعي بكلية الحقوق بفاس حيث أبرز أن الولوج إلى العدالة يعد أحد المقومات الاساسية لتحقيق محاكمة عادلة . وأن الموضوع له من الراهنية ما يعزز قيمته العلمية في سياق التحولات التي تعرفها المملكة. الجزء الاول قدمه الاستاذ سعيد خمري الجامعي بالكلية المتعددة الاختصاصات بآسفي استعرض فيه الاشكالات القانونية والمؤسساتية المتعلقة بالحق في الولوج إلى العدالة. وقدم تشريحا لعدد من المشاكل والحلول الممكنة في ما يخص مواضيع محددة . وقدمت الاستاذة عائشة حليم وهي أستاذة السوسيولوجيا بكلية الاداب بالجديدة ، الجزء الثاني الذي تناول إشكاليات الولوج إلى العدالة والمحاكمة العادلة من منظور المتقاضين وفاعلي العدالة والمجتمع المدني اعتمادا على خلاصات البحث الميداني الذي تم انجازه وخاصة حول معيقات الولوج إلى العدالة واكراهات تطبيق نظام المساعدة القضائية وإعمال الوسائل البديلة لحل النزاعات ... بعد العرضين تدخل كل من الاستاذ القاضي محمد الهيني والاستاذة المحامية والفاعلة في الحقل الحقوقي وخاصة النسائي الاستاذة خديجة الروكاني للتعقيب . الاستاذ الهيني اعتبر أن الداراسة تكتسي طابعا علميا تلتقي مطالبها مع مطالب الحقوقيين. وقال أن الولوج إلى العدالة ينبني على ثلاثة محاور: الأول تحديث المنظومة القانونية والمؤسساتية، والثاني يتمثل في الاصلاح والتكوين والثالث تخليقي. ولاحظ الاستاذ الهيني أن المغرب يفتقد لمؤسسة للتعريف بالقانون ويتوفر فقط على مؤسسة لنشر القانون وهي الامانة العامة للحكومة في الوقت الذي نحن بحاجة لولوج معرفي سهل وشفاف للقانون . كما أن هناك ضعف يطال المجتمع المدني على مستوى مساهمته في التشريع وضعف في مساهمة الاعلام بالتعريف بالمعلومة القانونية ونشرها . وتطرق الاستاذ الهيني إلى نظام المساعدة القضائية وأكد على أن إصلاحه هو أحد أبرز مداخل الولوج إلى العدالة... الاستاذة خديجة الروكاني لاحظت في بداية تعقيبها ضرورة إدراج الداراسة في سياقها ومن بين عناصره المقتضيات التي تضمنها الدستور الجديد ، والحوار الوطني حول إصلاح العدالة ، والتزامات المغرب على الصعيد الدولي . .. وأوردت الاستاذة خديجة الروكاني أن الدراسة ، أي دراسة، يجب أن تنبني على تراكمات وتشكل قيمة مضافة خاصة وأن هناك انتاج في نفس المجال للمنظمات الحقوقية والحركة النسائية . ولاحظت أن العينة التي انبنت عليها الدراسة جد محدودة ومجالها الجغرافي ضيق وأنها لم تستند على مقاربة النوع . إذ أن أكثر الفئات التي تجد صعوبة في الولوج إلى العدالة هن النساء ... II -) على مستوى الدراسة الميدانية كانت النتائج كالآتي: 2-1 في ما يتعلق بصعوبات الولوج إلى العدالة تواجه مسألة الولوج إلى العدالة صعوبات تعوق المتقاضي دون التمتع به، و هي صعوبات تخترق كل الأعمار و لا توضع لها حدود تذكر بين الجنسين، كما أنه لا تتحكم فيها مؤشرات كالسن و الجنس و المستوى الدراسي، بل نجدها حاضرة عند الجميع و بنسب متقاربة، و تتعلق هذه الصعوبات بالجوانب التالية: الحصول على المعلومات، مصاريف الملف، سير أطوار القضية، بطء المسطرة، صعوبة التتبع الإلكتروني للقضية، مصاريف خدمات الدفاع...إلخ. و أن هذه الصعوبات المعلن عنها من طرف المتقاضين و التي واجهتهم أثناء ولوجهم للعدالة منها ما تم تجاوزه أو تجاوز جزء منها بشكل متفاوت بين الجنسين من خلال الاستشارة أو الاستفسارات التي يطلبونها . 2-2 فيما يتعلق بتمثلات المتقاضين و فاعلي العدالة: تمثلات المتقاضين تجاه فاعلين أساسين من فاعلي حقل العدالة، تمثلات متناقضة إيجابية بشكل أكبر تجاه المحامي، و سلبية تجاه القاضي. و التي في كلتا الحالتين محكومة بطبيعة النتيجة المقدمة للمتقاضي من حيث الدفاع و نجاحه في إرضاء المتقاضي من جهة، أو الأحكام التي يصدرها القاضي و مدى استجابتها لانتظارات المتقاضين من جهة أخرى. الأمر الذي يجعلها وفق هذا المنطق تغيب مسألة ما إذا كانت هذه التمثلات تحترم في جوهرها مبتغى العدالة أم أنها فقط تروم إلى خدمة المصلحة الشخصية للمتقاضي النفسية و الاجتماعية... ألخ. كما سجلت الدراسة أن التمثلات الاجتماعية المتعلقة بالمعيش اليومي للمواطن و للمتقاضي في هذه الدراسة تتجاوز كلا من معايير الجنس و المستوى الدراسي و تتعالى عن التقسيمات التقليدية لدور هذه المتغيرات في بعض الظواهر و تفسيرها لأنها تصبح بمثابة أخطبوط الحقائق التي تتسرب إلى جميع خلايا المجتمع و تستوطن بها عن طريق التجارب اليومية التي تؤكد جزءا من هذه التمثلات دون أن يكون الانحياز إلى كونها تمثل جزءا كبيرا أو صغيرا منها. يلاحظ من خلال تحليل الدراسة أن التمثلات الاجتماعية للمتقاضين ليست نتاج الخيال، و إنما ترتكز على أسس منبعها الحياة اليومية و التجارب مع فاعلي العدالة. كما أن الدراسة لم تتوقف عند طرف دون آخر للاستماع إلى التمثلات بل قامت بدراستها في إطار علاقة جدلية أبرزت صورة المتقاضي في نظر الفاعلين و هو يواجه الجهل القانوني و الأحكام المسبقة التي يأتي إلى العدالة و هم محمل بها و ما لذلك من تأثير على مسألة تثبيت الثقة بين الأطراف كلها. فضلا عن السلوكات التي تصدر عنه و التي تخل بمبدأ طلب الحق و المتمثلة في رفضه لدفع مستحقات الدفاع، دون التغاضي عن الدور الذي كشريك في مسلسل الفساد كما يعلن عن ذلك المتقاضون أنفسهم و فاعلو العدالة أيضا. 2-3 في ما يتعلق بإكراهات تطبيق المساعدة القضائية بالنسبة للمتقاضين: ما يمكن استنتاجه في هذا الإطار يتمثل بالأساس بجهل المتقاضين المستجوبين لنظام المساعدة القضائية ، و هو الجهل الذي تتدخل فيه العديد من العوامل و ا لأسباب المتشابكة، و هو ما يحرم المتقاضي من التمتع بهذا الحق الذي يخوله القانون. و الجهل بنظام المساعدة القضائية بالنسبة للمستجوبين تختفي معه المسافة التعليمية بين مختلف أسلاك التعليم في تأثيرها على فهم مضامين القوانين أو العلم بوجودها مع عدم الاستفادة من التعليم أصلا، فضلا عن تسجيل غياب في الفرق بين الجنسين و اثر متغير الجنس في المعرفة آو عدمها و بذلك تضيع العديد من حقوق المتقاضين بين ما تضمنه القوانين و بين الجهل بهذه الأخيرة. بالنسبة للفاعلين في حقل العدالة توصلت الدراسة الميدانية إلى وجود إشكالية في النص القانوني حول المساعدة القضائية، إذ بين الجهل بالقانون المنظم لها عند بعض مرتفقي العدالة و بين التلاعب الذي يلجأ إليه بعض المتقاضون للاستفادة منها بطرق غير مشروعة، يوجد نظام المساعدة القضائية أمام محك عدم الاهتمام به لعدم حصول الدفاع على أتعابه. بالنسبة للمجتمع المدني يعتبر المجتمع المدني شريكا في تفعيل نظام المساعدة القضائية، غير أن بعض المعايير التي تتحكم في هذا النظام تجعله أحيانا بعيدا عن منطق التعامل به و الاستفادة منه. و من بين هذه المعايير ما هو مرتبط بالأرضية القانونية، و منها ما له علاقة بالوضع المهني لفاعلي العدالة الذين لهم علاقة مباشرة بتطبيق المساعدة القضائية و أخيرا ما يتعلق بالسياق الثقافي للمتقاضين. 2-4 فيما يتعلق بإكراهات تفعيل الوسائل البديلة لحل النزاعات بالرغم من اتفاق أغلب فاعلي العدالة على أن سن قانون الحلول البديلة لحل النزاعات مسألة مهمة جدا خصوصا و أن لها دورا مهما في إيقاف عدد كبير من القضايا قبل أن تجد طريقها إلى القضاء و مساطره، و بالتالي تعتبر آلية فعالة لتخفيف الضغط الذي يعانيه القضاء. غيرأن العمل بشكل معمم بهذا الإجراء داخل كل المحاكم لا زال يواجه بعض الصعوبات خاصة و أن التجربة في بدايتها الجنينية من جهة، و صعوبة إقناع المتقاضين عن العدول للجوء إلى القضاء الذي يكون بالنسبة لهم في غالبية الأحيان استنفاد جميع الطرق التي من الممكن أن تؤدي إلى حل المشكل المتنازع حوله. بينما لم يجد ? حسب الدراسة - أي أثر، سواء تعلق الأمر بالمساعدة القضائية أو الحلول البديلة للنزاعات، لجمعيات و منظمات المجتمع المدني في أجوبة المبحوثين الذين يجهلون هذه الجمعيات و أدوارها المهمة في تحقيق التوازن الاجتماعي و النهضة التنموية داخل المجتمع الذي تنخرط فيه. 2-5 المتقاضي و مطلب المحاكمة العادلة هناك إعلان صريح للمستجوبين حول عدم رضاهم عن العدالة(61 بالمائة ) و نتائجها انطلاقا من الأحكام التي تصدرها و ذلك لأسباب عديدة، منها ما يرتبط القوانين، فاعلي العدالة و الممارسات اللأخلاقية التي يلجأون إليها، و منها ما هو مرتبط بتلوث حقل العدالة بالفساد بشكل عام. الأمر الذي نجم عنه اقتراحهم للعديد من العناصر التي يعتبرونها أساسية لتحقيق المحاكمة العادلة. 2-6 الشروط الأساسية للمحاكمة العادلة و دورها في تحفيز المتقاضي للولوج إلى العدالة الشروط القانونية؛ الشروط القيمية و الأخلاقية؛( النزاهة ? المساواة ? استقلال القضاء ...). الشروط المؤسساتية؛ الشروط التكوينية و التوعوية؛ 2-7 معيقات المحاكمة العادلة كما يراها المتقاضي و انعكاسها على الولوج إلى العدالة المعيقات المرتبطة بمهن العدالة/القضاء؛ المعوقات على مستوى العمل المؤسساتي؛ المعوقات المرتبطة بسلوك المواطن؛ المعيقات المرتبطة بمنظومة القيم. 2-8 شروط المحاكة العادلة كما تراها فعاليات المجتمع المدني و المؤسسة الوطنية ركزت فعاليات المجتمع المدني اهتمامها فيما يتعلق بمقترحاتها حول الشروط التي تضمن تحقيق المحاكمة العادلة المبنية على ولوج ميسر لجميع المواطنين إلى العدالة على ثلاث نقط رئيسية و هي: إصلاح جهاز القضاء: بما يتطلبه من إصلاحات على مستوى الموارد البشرية، البيئة المؤسساتية و الأخلاقية. تقوية دور مساعدو العدالة: باعتبارهم من يلعب الدور الرئيسي و الوساطة بين المتقاضين و جهاز القضاء. اتخاذ الإجراءات قانونية التي من شأنها تيسير ولوج المواطنيين إلى العدالة باعتبارها حلقة مفصلية و أساسية لإعادة الثقة في الجهاز القضائي.