عقدت «سند» وهي شبكة المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي بالتنسيق مع مركز حماية وحرية الصحافيين بالأردن لقاء تشاوريا ودورة تكوينية لحقوقيين وإعلاميين من دول عربية استهدفت الرصد والتوثيق.. شاركت فيها جمعية عدالة كممثل عن المغرب.. الدورة واللقاء كانا مناسبة للاطلاع عما يقع من تضييق وقمع وانتهاك لحرية الإعلام عند العرب.. وفرصة لإطلاع الأشقاء على الحياة الإعلامية والسياسية في المغرب.. أمر مدهش أن تذهب إلى الخليج لمناقشة حرية الإعلام وحماية الصحافيين في منطقة ما تزال تحت نير السلطوية والعشائرية.. مرد الدهشة أن العرب في شمال إفريقيا والشرق الأوسط يجهلون ما يحدث عند بعضهم البعض، وينطلقون دائما من أحكام جاهزة مسبقة...!!.. في الأردن وضبطا في العاصمة عمان تجمع الإعلاميون والحقوقيون العرب لمناقشة و تقليب أمر الانتهاكات التي تقع على الصحافة العربية ومنتسبيها. لم يكن اللقاء التشاوري الذي نظمته شبكة المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي «سند» مجرد كلام أو تواصل مُجامِل تُعَلِّبُه السطحية.. بل كان تجمعا حقيقيا تحكمه أهداف واستراتيجية موضوعة بعناية وفقا لمنهجية علمية صارمة حاولت تأطير أسئلة ملتهبة، تخترق المشهد الإعلامي العربي في علاقته بالسلطة و المجتمع.. وكان السؤال المركزي الناظم لكل هذا، هو سؤال الانتهاكات، كيفية رصدها، وسائل نشرها، طرق فضحها وإدانتها .. داخل الورش.. في جلسات الورش المنظم الذي حضره ممثلون عن مصر، الأردن، تونس، اليمن، والمغرب كانت المناسبة سانحة للتعريف بواقع كل بلد، كيف تدار فيه آلة «الانتهاكات» بشكل ممنهج ومنظم ومفكر فيه أيضا، ماذا يقع تحديدا..؟ .. كيف السبيل للخروج من هذا الواقع المريع الممهور بالقمع .. المصريون تحدثوا عن العنف الممارس ضد الإعلاميين هناك، ساقوا نماذخ لاعتداءات متكررة على مراسلي الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية، استفاضوا في ذكر الأسماء وتوقفوا عند حالة باسم يوسف صاحب البرنامج الساخر الذي قدم إلى المحاكمة ، فقط لأن «الإخوان» هناك لم يتحملوا لذاعة لسانه ، كان الحكي عندهم بمتابة مأساة وملهاة في آن واحد، بَيَّنَ ويبين أن المصريين في وضعهم الانتقالي هذا الذي يعيشونه بعد سقوط نظام مبارك، ينتظرون الأسوء،والنضال على الحريات الإعلامية قد بدأ للتو أمام حجم الانتهاكات والخروقات والاعتداءات. في تونس المسألة باتت معلومة خصوصا بعد اغتيال شكري بلعيد وخروج حزب النهضة من «روندتو» كما يقال بالدارجة المغربية. الإعلام التونسي ذو الخلفية الليبرالية أو اليسارية، بات في مرمى الاستهداف، هناك متزمتون حسب رواية بعض الحقوقيين الذين التقيناهم في عمان وأيضا من يملك السلطة أو وصل إليها على ظهر ربيع عربي مفترى عليه، لا ينظرون بعين الرضا إلى تغطيات الصحافة والإعلام الذي يضع مسافة مع تجربة «الإسلاميين». إذ لا يكاد ينقضي يوم حتى تسمع بتهديد أو علقة معتبرة لمصور صحافي أو كاتب.. هذه هي تونس الإعلامية اليوم .. الرعب الإعلامي ..! تجربة وواقع اليمن الإعلامي خطيرة ومرعبة .. ما حكاه ممثلو هذا البلد لما يقع بالداخل شيء تقشعر له الأبدان وتشيب له الولدان. إذا لم يعجبك صحافي، أسهل طريقة .. فرغ رشاشك في صدره،أو إذا كان هناك فريق تصوير يزعج شيخ قبيلة أو عشيرة، المسألة بسيطة للغاية، ضع قنبلة في سيارته أو انسفه في طريق صحراوي، لا يهم الطريقة.. المهم إسكات صوته و إطفاء أضواء كاميراته إلى الأبد.. القتل مباح في اليمن كما سمعنا في هذا اللقاء ، الحياة رخيصة بما فيه الكفاية، قتل المعارضين والبشر أسهل من «تخزين» القات (التخزين هو ملء الشدق بتلك النبتة العجيبة). استرسال الزميل اليمني في تشخيص الواقع أفزع كل المشاركين، مادام السلاح والقنابل يباع في الدكاكين.. اطلب سكرا وشايا ومعه قنبلة و ادفع الحساب..!.. ثم ارحل لنسف عدوك . اليمن كما اتفق المتورشون العرب في حاجة لمجهود كبير لرصد الانتهاكات على قبيلة الصحافة، ولعلهم هناك متأخرون بسنوات ضوئية عما وصل إليه بقية الأشقاء في دفاعهم عن حرية الصحافة.. المغرب.. النموذج المتميز.. عندما حان وقت الحديث عن واقع الإعلام في المغرب، كان من الطبيعي أن نضع الحضور في صلب التجربة المغربية بسياقاتها الإصلاحية الدستورية منها والسياسية وانتهاء بالحياة الإعلامية. مغرب تخلص من سنوات رصاصه، ودبج عدالته الانتقالية وتقدم إلى الأمام بدون رجعة، دائرة المعايير الدولية الراصدة للانتهاكات الجسيمة، خرج منها المغاربة بنجاح.. التصنيفات الراصدة لفظاعة الانتهاك على الجسم الصحفي تجاوزناها . هل هناك قتل في المغرب الأقصى للصحفيين..؟.. هل هناك تعذيب..؟ .. هل هناك اختفاء قسري أو اختطاف كما حدث مؤخرا في شمال سوريا مع الصحافيين الإيطاليين..؟ بالقطع الجواب معروف.. الأشقاء العرب من إعلاميين و حقوقيين داخل شبكة سند ومركز حماية وحرية الصحافيين الأردني، أعجبوا بالتراكمات النضالية للمغاربة وبالمسار الإصلاحي العميق الذي اختطته الدول بمختلف فاعليها.. قلنا لزملائنا.. وبالرأس المرفوعة.. أن المغرب ذاهب في انتقاله الديمقراطي على جميع المستويات الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية والإعلامية.. بمعنى أننا نعيش مجموعة انتقالات ولا حاجة للتطويل في هذا الحديث. بعضهم أصر على أن حجب المعلومات أو ما نسميه نحن الحق في الولوج إلى المعلومة والرقابة المسبقة والمحاكمات الرامية إلى تقييد حرية الصحافة.. نوع من الانتهاكات .. كان الجواب بسيطا وهادئا، قد نسميها تجاوزات ولكن ليست انتهاكات جسيمة، وتلك التجاوزات ستعالج بالحوار والتوافق، وأكثر من هذا الحق في المعلومة تم دسترته، أبعد من ذلك هناك لجنة متخصصة من الخبراء والمهنيين تعكف على إخراج مدونة للصحافة والنشر خالية من العقوبات السالبة للحرية. في النهاية أقر الحاضرون بأهمية التجربة المغربية وبتميزها.. والتي فرد تفاصيلها ممثل جمعية عدالة.. وبأن البعض كان «يجدف» عندما حاول وضعنا على خط الانتهاكات الجسيمة.. فقط لأننا لم ننتج قانون الحق في الولوج إلى المعلومة.. هل كان يجب أن ننشر الغسيل ونقول إن حكومة البيجيدي لا تملك مخططا تشريعيا مضبوطا ولا تحاول أن تضع للدستور الجديد أرجله ومرتكزاته التنظيمية التي تجعل منه دستورا يوافق المرحلة و يتناغم مع فلسفة خطاب التاسع من مارس وما تلاه .. أبدا.. نصبنو وسخنا مع بعضنا أسي بنكيران . في مركز حماية الصحفيين الأردني.. زيارتنا لهذا المركز.. تكرس الفارق والتفوق عند الأردنيين، مقر فاخر ولوجستيك مهم و متميز، فيه كل وسائل العمل لرصد وتوثيق الانتهاكات ضد الصحفيين، خلية نخل حقيقية مكونة من شباب و صبايا يقودهم الإعلامي الأردني المعروف نضال منصور، لا يكفون عن العمل بدوام يمتد إلى المساء، كل يعرف مهمته ودوره.. أطلعونا على تجربتهم ، تقاريرهم المهنية المنجزة بدقة وصرامة أكاديمية، تجولنا بين المكاتب، في الحقيقة تذكرت برودة ورداءة وتواضع كثير من مقراتنا المهنية وكراسيها المهترئة. الفضاء الجميل الممزوج بذوق رفيع .. يصنع عملا جميلا وعميقا.. الإمكانات المالية عامل مركزي في الإنتاج و تحقيق الأهداف.. من ينتبه إلى هذا الكلام.. على الأقل عندنا في المغرب.. ؟؟؟ بعيدا عن الصحافة، لكن في عمان.. عمان هادئة، أهلها طيبون، تنام متأخرة.. يسهر العمانيون في المقاهي، الشيشا لا تفارق كبيرهم ولا صغيرهم، نساءهم أو رجالهم.. أكل مختلف كلية عن المغاربة، استقرار اجتماعي ملحوظ رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة.. الممالك تحظى لوحدها بهذا الامتياز في زمن ما سمي ربيعا عربيا . لا تسمح هذه الورقة بكل التفاصيل.. الأردن بالمختصر مملكة و بلد يستحق من المغاربة الاكتشاف خصوصا النخب المغربية.. لكن ما يثير وهذا آخر الكلام أنك قد تدخل إلى الأردن عبر مطارها بلا إجراءات أمنية مشددة، لكن في الفندق يتم تفتيشك عقب كل خروج ودخول.. كمن يبحث عن إبرة ضائعة.. مفارقة ...