قضت دائرة طلبات رجال القضاة فى محكمة استئناف القاهرة أول أمس بإلغاء قرار الرئيس محمد مرسى، الصادر بتعيين المستشار طلعت عبدالله نائبا عاما وإلزام وزير العدل بإعادة المستشار عبد المجيد محمود، النائب العام السابق، لمنصبه. قالت المحكمة فى حيثيات حكمها إن إجراءات عزل عبد المجيد محمود من منصبه وتعيين المستشار طلعت عبدالله تخالف الدستور وقانون السلطة القضائية، حيث ينص الدستور على عدم جواز عزل النائب العام من منصبه، كما أن قانون السلطة القضائية يلزم مجلس القضاء الأعلى بترشيح من يتولى هذا المنصب. وكان المستشار »عبدالمجيد محمود« قد تقدم بدعوى قضائية أمام تلك الدائرة التى يترأسها المستشار ثناء خميس وبعضوية المستشار محمد شقير، والتى تنظر في دعاوى رجال القضاء فقط وهى دائرة واحدة، وطالب فيها بإعادته إلى منصبه . وقالت مصادر قضائية إن الدائرة التى نظرت الدعوى التى تقدم بها عبد المجيد محمود بعد أيام من عزله استدعت المستشار عبدالمجيد محمود واستمعت إلى ما جاء فى دعواه التى أكدت أن القرار الذى أصدره الرئيس مرسى بعزله من منصبه يخالف الدستور وقانون السلطة القضائية، وطالبت بإلغاء قرار رئيس الجمهورية وإعادته إلى منصبه. وقال » محمود« فى الدعوى إنه تقدم بالطعن احتراما لقانون السلطة القضائية، وحماية من التعدى عليه من قبل باقى السلطات، وليس تمسكاً بالمنصب. وخلال الجلسات التى عقدت فى الدعوى، طلب القاضى الاطلاع على نص قرار رئيس الجمهورية، وظل نحو شهرين يتداول فى الحكم مع أعضاء الدائرة، وحضرت هيئة المحكمة أمس، إلى مقر انعقاد المحاكمة فى دار القضاء العالى، ورفض القاضى دخول الصحفيين، وظل فى فترة تداول حتى الحادية عشرة، وبعدها خرج سكرتير الجلسة وأعلن الحكم، مؤكدا أن المحكمة قررت إلغاء قرار مرسى الصادر بتعيين طلعت عبدالله وإلزام المستشار أحمد مكى، وزير العدل، بإعادة تعيين المستشار عبد المجيد محمود بمنصبه نائبا عاما. ورفض المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام السابق، التعليق على الحكم الصادر من دائرة طلبات رجال القضاء ببطلان عزله وإلغاء قرار تعيين المستشار طلعت إبراهيم خلفاً له، وقال فى تصريح مقتضب «هذا حكم قضائى لا يمكن التعليق عليه بأى حال من الأحوال، وعلى الجميع احترامه، والعمل على تنفيذه فى حدود القانون». وأضاف أن الحكم جاء منصفاً ويعلى من شأن دولة القانون، وأنه مازال يتدارس الإجراءات التى سوف يتخذها ولم يحدد بعد موقفه من الحكم الصادر له. وقالت مصادر مقربة من المستشارعبدالمجيد محمود إن الحكم يعد انتصاراً أدبياً للهيئة القضائية بأكملها وليس انتصاراً قانونياً، وأن الحكم يبعث برسالة إلى جميع مؤسسات الدولة بضرورة الاحتكام إلى القانون واحترام أحكامه. وأشارت المصادر إلى أن النائب العام السابق ليست لديه نية فى العودة إلى منصب النائب العام، مؤكداً لبعض المقربين منه أنه إذا عاد إلى منصبه فإن أول قرار سيتخذه هو الاعتذار عن عدم تولى المنصب والعودة إلى منصة القضاء، ونقلت المصادر عن النائب العام السابق قوله لهم «إنه قدم دعوى لدائرة رجال القضاة ليس حباً أو تمسكاً بالمنصب ولكن حتى ينتصر للقضاء والسلطة القضائية، مؤكداً أنه قضى وقتاً طويلاً فى خدمة النيابة العامة وأنه أصبح لا يتحمل جسدياً تلك المهمة، وسيترك المنصب إلى من يكلفه المجلس الأعلى للقضاة بتولى المنصب. وفي أول رد فعل للمستشار طلعت إبراهيم، النائب العام، على الحكم الصادر بعزله من منصبه، لم يدل بأى تصريحات للإعلام، واكتفى بالحديث مع النائب العام المساعد، وأبلغه بأنه ملتزم بأحكام القضاء إذا كانت نهائية، وأنه غير متمسك بالمنصب. وقال المستشار حسن ياسين، النائب العام المساعد، إن هيئة قضايا الدولة ومؤسسة رئاسة الجمهورية ووزارة العدل هى الجهات المنوط بها الطعن في الحكم الصادر من محكمة الاستئناف بإلغاء القرار الجمهورى رقم 283 لسنة 2012 الصادر بتعيين المستشار طلعت عبدالله، بمنصب النائب العام، واعتباره كأن لم يكن، وما يترتب عليه من آثار. وقال »ياسين« عقب صدور الحكم إنه يحق لتلك الجهات الطعن على الحكم أمام دائرة رجال القضاء بمحكمة النقض، وأشار إلى أن النائب العام يمارس مهام عمله بشكل طبيعى، ويباشر التحقيقات ويتلقى البلاغات ولم يؤثر الحكم على سير العمل، وأن النائب العام يباشر داخل مكتبه عمله ويطلع على التحقيقات فى القضايا. وأكد المستشار مصطفى دويدار، المتحدث الرسمى باسم النيابة العامة، أن الحكم غير قابل للتنفيذ ولا سند له لأنه غير نهائى وأشاد عدد من القيادات السياسية والحزبية بحكم محكمة الاستئناف بعودة النائب العام السابق إلى عمله ، واعتبروه انتصاراً لدولة القانون رغم تحفظهم على أداء النائب العام السابق، واتهموا رئاسة الجمهورية بإصدار قرارات متسرعة تفتقد الدراسة القانونية، وطالب بعضهم بإعلان الرئيس استقالته من منصبه بعد ثبات تعديه على السلطة القضائية. قال حسام الخولى، سكرتير عام مساعد حزب الوفد، إنه يجب احترام الحكم بعودة النائب العام السابق، الذى وصفه بأنه سيكون حلاً للأزمة التى تعيشها مصر الآن مع النائب العام الحالى. وأضاف فى تصريحات صحفية أن الحكم يعنى أن قرارات الرئاسة متسرعة يغلب عليها الجانب غير القانونى، وأثبت أن مستشارى الرئيس ليس لديهم خبرة قانونية أو اقتصادية أو سياسية، وهو ما ظهر فى جميع القرارات السابقة التى أدت إلى تدهور الأوضاع فى الدولة. واعتبر الدكتور أحمد دراج، القيادى بحزب الدستور، عضو جبهة الإنقاذ، عودة النائب العام عبدالمجيد محمود لمنصبه انتصاراً لدولة القانون التى تم التنكيل بها على يد جماعة الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد فى عدد من القرارات السابقة. وأضاف: لابد من تنفيذ الحكم، محذراً من أن عدم التنفيذ سيؤدى لتصعيد الأمور إلى أقصى درجات الخطورة فى التعامل مع القانون الذى نسعى من خلاله لترسيخ قواعد العدل، وبدونه تستمر حالة عدم الاستقرار فى البلاد من النواحى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وأوضح دراج أن القوى السياسية كانت تلوم على عبدالمجيد محمود انحيازه لنظام مبارك خاصة فى التحقيقات المتعلقة بأحداث الثورة، لكنه الآن يثنى على حكم المحكمة وعلى الرئيس أن يُثبت هو الآخر أنه منحاز للقانون ويسعى لتطبيق العدالة التى نرجوها جميعا. وشدد على ضرورة شغل منصب النائب العام أو أى منصب كبير فى الدولة وفقا للقانون وليس لأغراض شخصية من أجل تحقيق مصالح بعينها. من جانبه طالب أحمد طه النقر، المتحدث الإعلامى باسم الجمعية الوطنية للتغيير، الرئيس مرسى بالاستقالة من منصبه ليعفى نفسه من حكم التاريخ القاسى بعد أن ثبت بحكم قضائى أنه تعدى على السلطة القضائية، وعليه أن يعتذر للهيئة القضائية لعدم احترامه القانون. وقال إيهاب الخولى، رئيس حزب الغد السابق، إن الحكم بعودة النائب العام السابق يضع الرئيس على المحك، فإما أن يثبت احترامه لدولة القانون، أو أن تسعى جماعة الإخوان للالتفاف على الحكم وبالتالى تأكيد انهيار دولة القانون، لافتاً إلى أن الحكم أثبت للشعب أن القضاء المصرى مازال هو الحصن الأخير فى مواجهة أى قوى فاشية. وتابع قائلا « يجب أن نتذكر أن عبد المجيد محمود هو الذى قام بحبس مبارك ورموز نظامه، فى حين أن النظام الحالى هو من أحال النشطاء السياسيين أمثال حمدى الفخرانى وأحمد دومة وكريم الشاعر للمحاكمات. وقال مجدى شرابية، أمين عام حزب التجمع، إن حكم محكمة الاستئناف بالغاء قرار الرئيس محمد مرسى وعودة النائب العام عبدالمجيد لمنصبه جاء ليثبت أن القضاء المصرى محايد وعادل وغير خاضع للإخوان. وقال الدكتور محمود العلايلى، السكرتير العام المساعد لحزب المصريين الأحرار، إن الجهل بالقانون من قبل الرئاسة هو الذى أدى لصدور هذا الحكم الذى يضعنا فى التباس قانونى ومشكلات ستترتب عليه ليس لها عدد، وكان من السهل أن نتجنبها إذا كان الرئيس يعتمد على الكفاءات. عرقلة تنفيذ الحكم تضع القضاة فى مأزق من جانب آخر شدد فقهاء دستوريون وأساتذة قانون على أهمية تنفيذ قرار محكمة الاستئناف واحترام حكم القضاء بإعادة المستشار عبد المجيد محمود لمنصبه، كنائب عام، وعزل المستشار طلعت إبراهيم، ولفتوا إلى أن الحكم لا يتعارض مع الدستور، وأن القرار يضع الهيئة القضائية فى مأزق، فى الوقت الذى أكدوا فيه أن الحكم نهائى، ولا يمكن الطعن عليه، ووصفوا تعيين طلعت من قبل رئيس الجمهورية بأنه «اغتصاب للسلطة». قال الدكتور إبراهيم درويش، الفقيه الدستورى، إن حكم إعادة المستشار عبدالمجيد محمود إلى منصب النائب العام لا يتعارض والمادة 271 من الدستور الجديد، التى تنص على تعيين النائب العام بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العامين المساعدين. وأضاف أن هذه المادة من الدستور لا قيمة لها، لأن العدوان على منصب النائب العام تم قبل إقرار الدستور، وتم اغتصاب سلطة تعيين النائب العام، قبل صدوره والاعتداء على القضاء بأكمله. وأوضح الدكتور محمد نور فرحات، الفقيه الدستورى، أن الحكم يجعل استمرار النائب العام الحالى فى منصبه غير شرعى، وأن النائب العام الشرعى هو المستشار عبد المجيد، وأضاف أن الحكم يضعنا فى مأزق، بسبب المادة الخاصة بتعيين النائب العام فى الدستور. وقال إن الخروج من المأزق أن يتقدم عبدالمجيد بطلب إلى وزارة العدل، يفيد باعتذاره كتابياً عن استمراره فى المنصب، وأن يتبع مجلس القضاء الأعلى ما جاء فى النص الدستورى، ويرشح 3 أسماء، يختار من بينها الرئيس محمد مرسى نائباً عاماً جديداً. وأكد المستشار إسلام إحسان، الوكيل العام بالنيابة الإدارية، أنه بشأن ما نص عليه الدستور فى المادة 271 من إجراءات تعيين النائب العام، لمدة 4 سنوات فقط، فإن النص لا ينطبق تلقائياً، ذلك لأن المادة 222 من الدستور نصت على أن يبقى نافذاً كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور، حتى يتم تعديلها، وبالتالى فإن أسلوب وقواعد تعيين النائب العام الواردة فى قانون السلطة القضائية، رقم 64 لسنة 1972 التى عين »عبدالمجيد« فى ظلها مازالت سارية ومعمولاً بها حتى الآن، إلى أن يتم تعديل قانون السلطة القضائية بقانون آخر. خلافات حول مواجهة الحكم وضعت مصادر قضائية سيناريوهات للخروج من أزمة حكم عزل النائب العام الحالى، وأكدوا أنه إما أن تقوم وزارة العدل أو هيئة قضايا الدولة بالطعن على حكم محكمة الاستئناف أمام دائرة رجال القضاة بمحكمة النقض، على أن تتولى تلك الدائرة الفصل النهائى فى تلك الدعوى، إما أن تؤيد الحكم أو تلغيه وتُبقى على النائب العام الحالى، وهذا السيناريو هو الأقرب، حيث أفادت مصادر قضائية بأن وزير العدل المستشار أحمد مكى ذهب إلى الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء لبحث الأزمة، وأفادت المصادر بأنهما تدارسا طريقة الطعن في الحكم. وقالت ذات المصادر إن هناك حلاً آخر للخروج من الأزمة، وهو أن يتقدم المستشار طلعت إبراهيم عبد الله النائب العام بطلب لإعفائه من منصبه احتراما لأحكام القضاء، وأن يتولى المجلس الأعلى للقضاء ترشيح نائب عام جديد من بين أعضاء المجلس لتولى المنصب. وقالت مصادر إن عضواً بالمجلس الأعلى للقضاء الموجود حاليا فى السعودية لأداء عمرة اقترح ذلك على باقى الأعضاء، إلا أنهم طلبوا الانتظار لحين الاطلاع على نص الحكم تمهيدا لاتخاذ قرار بشأنه. وتباينت ردود أفعال أعضاء النيابة العامة تجاه الحكم حيث قرر بعضهم العمل واستكمال الانتهاء من القضايا المطروحة أمامهم، بدعوى أن عبدالله هو النائب العام الشرعى، طبقا لقرار الرئيس محمد مرسى، فى حين قرر آخرون عدم استكمال القضايا. وقال: البعض عمل النيابة لم يتوقف، لأنها مجموعة وليست شخصاً واحداً، مؤكدين أن وكلاء النيابة لا يقلون أهمية عن الأطباء، لأنهم يحمون المواطنين ويفصلون فى القضايا الخاصة بهم، وأنه فى حالة الخلاف على شخص النائب العام فإن هناك نائباً عاماً مساعداً يقوم بمهامه لحين البت فى هذه القرارات، موضحين أن النيابة كيان منفصل. وطالب آخرون النائب طلعت عبدالله بتسليم مكتبه إلى عبدالمجيد محمود ، منوهين بأن الأخير له حق إصدار القرارات حتى لو كانت من خارج مكتبه، مشيرين إلى رغبتهم فى إيقاف العمل لحين عودة النائب العام السابق إلى منصبه. وأوضحت المصادر أن الدعوى التى أحيلت من القضاء الإدارى إلى محكمة الاستئناف ستكون بمثابة دعوى جديدة تنظرها الدائرة بشكل مستقل وتصدر فيها حكما آخر بخلاف الصادر أمس، مشيرة إلى أنها كانت ستضم إلى الدعوى المماثلة لها أمام دائرة طلبات رجال القضاء ليصدر فيهما حكم واحد فى حالة عدم صدور حكم الأمس وحسم الدعوى الأولى. ورجحت المصادر أن تكون الدعوى المحالة من القضاء الإدارى إلى محكمة طلبات رجال القضاء مآلها إلى عدم القبول لأنها مقامة من أفراد عاديين وليس من أعضاء الهيئة القضائية، فقانون السلطة القضائية حدد مقيمى النزاعات أمام تلك الدائرة بأن يكونوا قضاة أو أعضاء بالنيابة العامة فقط دون سواهم، ولا يحق لأى شخص آخر من خارج هيئتهم أن يطعن على أى قرار أمامها وتحديدا فى أولى درجات التقاضى بها. وأصدرت اللجنة القانونية للدفاع عن رجال القضاء والنيابة العامة بنادى القضاة بيانا علقت فيه على الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة بعزل النائب العام، ناشدت فيه مجلس القضاء الأعلى سرعة تنفيذ الحكم.